أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أماني 1














المزيد.....

أماني 1


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 7484 - 2023 / 1 / 7 - 22:17
المحور: الادب والفن
    


- 1 -

الصّباح الباكر كان باردًا في عكا. ريحٌ باردة هبّت من البحر، نوارسُ بيضاء تطايرت فوق الأمواج، حطّت على الشاطئ، تسكّعت قليلا ثم طارت من جديد. بضع أناس فقط تواجدوا على المتنزه يمارسون رياضة المشي. معظمهم كنتُ أعرفهم... أعرفهم ولا أعرفهم، فوجوههم مألوفة، ذلك أني أراهم كل يوم، لكني لا أكلّم أحدًا منهم، ولا أحد يكلّمني. كلٌ يمارس رياضته... ويختفي. ولكنني لا أبالي، فما قيمة الكلمات أمام حضرة البحر؟
اتّجهَتْ خطاي، دون دراية مني، إلى تلك الصّخرة النائية... الوحيدة. تساءلتُ في داخلي إن كانت ستأتي اليوم إلى هنا.
جلستُ على الصّخرة وملأتُ صدري بالهواء المنعش الآتي من فوق الموجات واستغرقتُ في تأمّل طويل.
بحر عكا كان صاخبا أكثر من أي صباح، كأنّه يناديني. لا صوت هنا سوى هدير البحر، ورائحة البحر تحتلّ المكان، تنفذ إلى الأعماق. لا أدري لِم أنتظرها بهذه الرّغبة. إنها لم تقُل إنها ستأتي في هذا الوقت بالذّات. قالت فقط إنها ستمشي هنا مثلي. أتعجّب لماذا، منذ أن دخلتْ إلى غرفة مكتبي لأول مرة ووقع نظري على وجهها، خالجني ذلك الشعور الغريب شديد الوطأة، الذي لم أجد له تفسيرًا حتى الآن. الموظفة الجديدة في قسم الحسابات في الشركة التي أعمل فيها منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، لم تكن آية من الجمال حتى تأسرني بجمالها، ولا كانت فارعة الطول أو رشيقة الجسم أو فاتنة التكوين وكل المواصفات التي يتّفق عليها الرجال عادة في انجذابهم إلى المرأة... ولكن شيئا ما في ملامحها أيقظ من أعماقي شعورًا جميلا، دافئا، مباغتا، كنتُ أظنّه مدفونًا منذ زمنٍ طويل. أهي تلك الإشراقة البهيّة على وجهها؟؟ أم هو ذلك الغموض الذي في عينيها؟
دبّت الحياة في عروقي من جديد. لم يكُن ذلك أمرًا عاديًا بالنسبة لي، فمنذ أن افترقتُ عن فريال، زوجتي السّابقة، منذ أكثر من عشر سنوات، لم يخفق قلبي لإمرأة، وكنتُ حريصًا ألا يحدث ذلك، فما شهدتُ معها من عذاب ومعاناة جراء المشاحنات اليومية، ذاك أمرٌ لم أستطِع التغلّب عليه في داخلي. سنواتٌ مضت وما زالت تلازمني شحناتُ غضبي وقهري من كل النساء... بسبب فريال. فقدتُ ثقتي وتجمّدتْ عاطفتي.
«مرحبا يا أستاذ وجدي.» ألقتْ عليّ التحية بنبرة صوتها الرّزينة، المفعمة بالجدّية، وعرّفتني عن اسمها، أماني.
أماني!!
أول ما لفتَ نظري هيئتُها البسيطة، فقد كانت قامتها متوسطة الطول، جسمها نحيفٌ أكثر من العادي، ولها شعرٌ بنيٌّ غامق، متموّجٌ، يصل إلى كتفيها، ولباسها كان عمليّا، لا يشدّ الناظر أكثر مما ينبغي.
خلال أجزاءٍ صغيرة من الثانية اجتاحني سيلٌ من الأفكار بشأنها. تساءلتُ في نفسي: كم عمرها؟ خمّنتُ أنّها قد تعدّت الثلاثين قليلا. إنها لا تبدو فتاة صغيرة السّن، بل إمرأة ناضجة تلوح في عينيها النباهة والذكاء.
لماذا أحسستُ برغبة أن تضيف شيئا ما أكثر من اسمها؟ لم تفعل. فقط أرسلتْ نحوي ابتسامةً صغيرة، وقورة، وقالت إنها الموظفة الجديدة في قسم الحسابات، سلّمتني بعض الأوراق وسألتني بعض الأسئلة عن أمور العمل، تبادلنا من خلالها حديثًا قصيرا... وذهبتْ، ولم تذهب عن بالي منذُ تلك اللحظة. حتى عندما جلستُ مساءً على شرفة بيتي المطلّة على عكا القديمة بأزقتها وبيوتها القديمة ومساجدها، أحتسي القهوة بمفردي، وجدتُ الأفكار تهطلُ عليّ، كرشقٍ من الأمطار المباغتة، تجذبني إليها لا محالة، وصورتها تتردّد في ذهني دون انقطاع.
في اليوم التالي، تملّكتني رغبةٌ في معرفة بعض التفاصيل عنها، فسألتُ عنها رائد، زميلي في العمل وصديقي القريب. لاحت على وجهه علامات العجب والاستغراب إزاء سؤالي. لا بد أنه تساءل في نفسه عما دهاني! ولكنهُ لم يسألني أية أسئلة لمجرد إشباع فضوله، بل أخبرني ببساطة ما قال إنه يعرفُ، بأنها من إحدى قرى الجليل الأعلى وأنها انتقلت مؤخّرا للسّكن في عكا، وقال مضيفًا بطريقةٍ شبه عفويّة... إنّها عزباء!

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحجي حدث ثقافي يجب دعمه
- جميلة
- الحمرة الفاقعة
- المرأة الأخرى
- «حياة جديدة» إصدار جديد للكاتبة حوا بطواش
- «ذات الشعر الأحمر» استكشاف للعلاقة الصراعية بين الآباء والأب ...
- سألتزم الصمت
- «بورتريه» الحب وتقلّبات الزمن
- المجهود، القدر والقطة سوشي
- «العميد» مأساة اللاجئين في المخيمات السورية
- أمل بلا نهاية
- شخصيات كرهتها في مسلسلات رمضان
- اختيار
- وقفة مع الذات
- «مسافة أمان» مساحة من الفرح والعذاب
- رسائل ليست كالرسائل
- ثمن الاختيار
- أحبّك اليوم
- التغيير واللغة
- أحيانا أريد أن تذهب


المزيد.....




- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...
- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- صدر حديثا ؛ إشراقات في اللغة والتراث والأدب ، للباحث والأديب ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أماني 1