أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - الْگرَّابْ( 5 )














المزيد.....

الْگرَّابْ( 5 )


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7863 - 2024 / 1 / 21 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


ويكثر الهدر .. تَتَداعَى الخَوَاطِرُ .. كُنَّا نحلمُ بحَي غير حَيِّنا .. بماء زلال غير ما تَحْمِلُه قِرَبي المَجْدُومَة برائحَة الدباغ المعفون .. بليل آخر غير ليل الهروب من المنازل واللجوء الى الدور الخالية الخربة حيث الحشيش والنزوات الشاذة .. كُنَا نحلُمُ بوجُوه نضِرة سعيدة غير وجوهنا المُجَوَّفَةِ المَعْقُوفَة .. كُنَّا نرسُمُ المَوائِدَ الفاخِرَةَ .. نَتَخَيلُ الدَّسَمَ والدهن و" لِيدَام " مرق اللحم الطري يطرد عَنّا رائحة الخبز البائت والشاي الحار الْمَسُّوس .. دخنتُ لفافَة .. أغْلقْتُ عَيْنَيَّ.فرجت ما بين مصراعَيْ نافِذة عن زقاق مليئ بالأطفَال .. كنتُ أسمَعهم يثرثِرون ...

قال أخي الأصغرُ :

_أنا لا أحِبُّ القراءةَ.طردوني قالوا رأسُكَ فُقَاعة..أكره"التلاوة"ما فيها غير الحفاظة لا أفهم شيئا منها ليس فيها ما يشبهني..

قال الكبير :

_كَـيْفَهْـمُوا علينا..المعلم يربينا..المديرة تربينا..لا أريد تربية مصنوعة من زفت...

سَأَلَـتْ أخْــتِـي الصغيــرةُ :

_والنشيـد !!؟؟

_حتى النشيد أكرهه..

_أنا أُحِبُّ"مُحَنْدْ أُو لْــيَـــزِيـــدْ" ..

تابع الأصغـــــر..

قال الرابعُ راثِيــا:

_أخونا الأكْبَرُ ملَّ الجَرْيَ وراء العمَلِ وفِي صلواتِـه راح يدعُو الله أن يصبح كرابا في جهنم..

َرددوا جميعـا..

وَعْـــلاشْ لا...

كانت الصُّورُ تتابع في خَدَرٍ قشيبٍ .. يكثر التدخين .. يكثر الدخانُ .. رأيتُ نفسي وسط سرداب ضيق لا نُورَ فيه لا رواء .. القربة فوق ظهري .. الناقوسُ في يدي .." گرَّابٌ فِي جَهَنَّمَ " .. أطفال داخل دار خراب في مكان موحش .. النيران من حولهم تطوقهم .. أَدَارُوا المقبضَ .. حاولوا فتح الباب دون جدوى .. تراجع كل واحد منهم الى الوراء .. استجمعوا قواهم .. أخذوا نفَسا عميقا كَمَنْ يريدُ الغَوْصَ في مياه لا قرارَ لها .. ثم .. واحد .. زُوجْ .. ثلاثة .. كان البابُ يُفْتَحُ بقدرة قادرٍ يهوي الأطفال بعضهم فوق بعض فاقدين توازنهم ليجِدوا أنفسهم داخل سِجْنٍ آخر أكْبَر والنيران تشتعلُ دائِما .. أقفِزُ أنَا كبالُون هَواء منتفِخ أَنْطَاد أطِيرُ نحو الحنفية .. أملأُ قربتِي .. أُشَمِّرُ أطْراف ثيابِي .. العَرَقُ الباردُ خَضَّبَنِي .. أناس كثيرون تجمَّعوا حول الدار .. يرمون الأخشاب المهترئة والفحْمَ وزيتَ الْكَزْوَال وكثيرا مما يشتعل سريعا .. كانوا يضحكون يرقصون .. أصُبُّ الماء على النيران والرؤوس .. القربَةُ في يدي لا ينبض ماؤها .. يتفرَّسُون في بنظَرات من لا يقر ما أفعل .. يضربون كفَّا بكف حائرين من أمرهِم .. يظهر رِجَالٌ بلباس كاكِيٍّ وأحذية بروتكال .. حَدَّجَنِي قائدُهم ذو كرش منتفخة بعينين حمراويْن ولحية كثة .. لاك َفي فمه كلاما لم أفهم معناه فَجَفَّتْ للتو قربتي واندلعَتْ النيران من جديد .. تأففتُ .. سخطتُ .. شتمتُ ذا اللحية الذي انطلق يضحك ساخرا .. جمدتُ في مكاني كالمُسَمَّرِ .. أزحْتُ وُرِيْقَاتِ التُّوتِ مِنْ بَدنِي .. شهرْتُ مَا تبَقَّى لِي من ضَغِينَةٍ فِي وُجوههِم وَطفقْتُ أُوَزِّعُ عليهِم بسخَاء كلَّ ما لديَّ من كَرَزٍٍ مُلَوَّثٍ بمخلفات الدباغ والقطران جائرا بأعلَى نشيد :

_ ...هااااا أنـَـذااااا...

_للكلاب نباح...
للحمير نهيق...
للإنسان الزفت...

ردَّدَ الأطفــالُ :

_للإنسان الزفت...

أعْقَبَ آخــر مُستغربا :

_آوْ ..؟!.. واشْ ضربكم حمار الليل ؟؟مالكم ؟؟

ردد الهواء رجع صدى آذان الفجر .. في تلك الأثناء، كانت مجموعة من السكارى تذرع الأزقة مترنحة متمايلة .. أخذَتْ نظراتُهم تحط علينا في تحفظ وريبة .. منتوفون كأنهم كانوا في معركة .. يرتدون أقمصة خفيفة وأقماط ممزقة وبنطالونات أَحَالَ البلى لَوْنَها مرقعة عند المؤخرة والركبتين .. كانوا يصخبون يهوهون يشتمون الزمن والعباد .. سمعْنا كَرْكَبة وقرقعَة وهديرَ سيارة ..ىوَقَفْنَا جميعا .. استدرنَا لنَرى ما وراءنَا .. مَخَطَ أحدهُم من أنفه بشكل فَظٍّ مُثير وأخذ يتقيََّأ ويَسُبُّ رفاقَه .. من بعيد ظهرت إحدى دوريات الليل .. هربنا جميعا .. تركْنا كلَّ شيْء وراءنا للصدف .. أصوات التبكيت والتقريع والتعنيف تُطاردنا يبلغ صداها آذانَنا فنبالغ في العدو والهروب.. دخلتُ البيت من فجوة في الحائط الخلفي وآستسلمت فورا للنوم ...

في الصباح .. فَاجَأَنَا طرْقٌ عنيفٌ .. كانُوا رجَال الشرطة الذين عثَروا على قربتِي المائية ليلة البارحة فاستدلُّوا بها علَيَّ. أخذونِي معهم بتهمة التسكع الليلي وتعاطي المخدرات والكحول وإقلاق راحة الناس .. عَرفْتُ بعد ذلك أَنِّي لَمْ أَكُنْ سوى كَرَّابا فاشلا في جحيم يقسو لا يرحم أبدا ...

_تمت ...
وجدة الأحد 08 نونبر 1987م



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اَلْگرَّابْ(4)
- اَلْگرّابْ( 3 )
- الْكَرَّاب (2)
- اَلْكَرَّابْ (1)
- صندلُ ميكا أزرقُ ينزلق من القدميْن(7)
- صندلُ ميكا أزرقُ ينزلق من القدميْن(6)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(5)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(4)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(3)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(2)
- صَنْدَلُ مِيكَا أَزْرَقُ يَنْزَلِقُ مِنَ آلْقَدَمَيْنِ(1)
- اُنْظُرْ وَرَاءَكَ في حَنَق
- قَبْضَةُ يَدٍ شَائِبَة
- وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ
- السَّعادةُ الأَبدِيَّة(10 و 11)
- السَّعَادَةُ الأَبَدِيَّة(9)
- السَّعَادَةُ الأَبَدِيَّة(7 و 8)
- السَّعَادَة آلأَبَدِيَّة(5 و 6)
- السَّعَادَة الأَبَدِيَّة (3 و 4 )
- السَّعَادَة الأبَدِيّة(2)


المزيد.....




- مع حسن في غزة.. فيلم فلسطيني جديد يُعرض عالميا
- شراكة مع مؤسسة إسرائيلية.. الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو ...
- -الألكسو- تُدرج صهاريج عدن التاريخية ضمن قائمة التراث العربي ...
- الطيور تمتلك -ثقافة- و-تراثا- تتناقله الأجيال
- الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
- الممثل الإقليمي للفاو يوضح أن إيصال المساعدات إلى غزة يتطلب ...
- الممثل الإقليمي للفاو: لا يمكن إيصال المساعدات لغزة دون ممرا ...
- عائلة الفنان كامل حسين تحيي ذكراه الثامنة في مرسمه
- في فيلم -عبر الجدران-.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
- -غرق السلمون- للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - الْگرَّابْ( 5 )