أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - (الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير















المزيد.....

(الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7857 - 2024 / 1 / 15 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


استهلال:
المبدع والابداع
ماذا يعني أنك مبدع، وما هو الابداع؟. وببساطة؛ المبدع هو صانع للجمال (بكل معاني ومسميات هذا الجمال). أي المبدع هو إنسان مغاير، لا يشبه (بعمله وتصرفاته وأخلاقه، وحتى في علاقاته مع الآخرين إلّا نفسه، يعني إنه لا يُريد أن يعيش كإنسان بسيط، يقضي سنوات عمره (طالت أم قصرت) ثم يغادر الحياة ويذهب بسلام، حاله حال ملايين البشر). المبدع يجد في نفسه نشاط فكري وذهني معًا، و وعي يحفزه لإضاءة العالم بالفن والجمال، وكل ما يضفي السمو للحياة. والابداع بكل الطاقات الكامنة في وعيه، لأثبات وجوده وذاته، ليكون بذلك نبراسًا يضيء المُدلهمات التي تقف حائلا بينه وبين ما يصبو اليه من هدف سام. الصعاب التي تكدر صفو الحياة، بحيث تجعلها كجحيم لا تطاق. فغيره، أي الإنسان البسيط، لا يستطيع أن يفعل ما نتج المبدع، وما سطر بيراعه وفكره.
المبدع، إذن هو المُحرّك الذي يحرك فينا مقتضيات الجمال، وعذبة الجلال، ويجعلنا نتذوّق هذا الجمال؛ ونركن للجلال، وبالتالي نستطيع أن نصبر على تحمّل أعباء الحياة، لأنّ الحياة بلا جمال هي أشبه بالصحراء القاحلة، لا تجد فيها سوى الجفاف، والرمال التي تعصف فيها الرياح، فتئن من حرقة الوجود والسأم الذي يغفو في أحضانها.
والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتذوّق الابداع، ويسعى لاهثا إلى الجمال، من خلال عاطفته الجياشة، وفكره الفذ، وذائقته المميزة، كإنسان يفكر ويدرك الأشياء عن كثب، فيذوب في حب الجميل منها ويستقبح القبيح. لهذا، فهو يخلق الابداع لأثبات وجوده الحقيقي، وسط ملايين المخلوقات الأخرى، التي لا تعي مثلما يعيه الإنسان.

نقد وتحليل
يرمز القاص محمد جبر حسن، في قصته التي أطلق عليها تسمية "الطريق" و(الطريق – الدرب، المنفذ، الاتجاه، المصير، الحيرة؛ كل هذه الاسماء قد يعنيها الرمز ذاته)، - أي الطريق -ونستطيع أن نؤطرها باطار الإنسان ومصيره ازاء هذا الكون المترامي الأطراف، حيث وجد فيه نفسه كذرة غبار سابحة بفضاء مفتوح، لا ندرك كنهه ولا نقدّر مداه، وهو من الصعوبة بمكان. فضاء ضاع فيه الإنسان؛ ولشدّة غروره تصوّر أن هذا الكون لم يخلقه الله إلّا من أجله ولأجله.
عندما جاء الإنسان إلى الحياة، ودبَّ على سطحها، و وجُد فيها ككيان، غرست فيه الطبيعة كل ما تمتلك من قوة وطاقة، ومقدرات أخرى سلّحته بها، لكي يتكيّف مع هذه الطبيعة فيواصل طريقه الشاق في الوجود؛ ولولا الأسلحة هذه لما استطاع أن يعيش للحظة واحدة، ولولا هذه المقومات لأندثر ولم يبق منه شيء يُذكر، كما اندثرت العديد من المخلوقات والكائنات الأخرى، لأنّ الطبيعة قد خذلتها ولم تعطها ما أعطت للإنسان- ولو بالمقدار اليسير- فواصل الحياة وتقدم بالمسير، بينما اضمحلت تلك المخلوقات، وانتهى دورها في هذا الوجود.
فـ "الطريق" قصة يصوّر فيها الكاتب دور الإنسان (منذ ولادته على سطح الأرض - أما بحسب النظرية الدينية - أو بحسب النظرية الداروينية، لا يهم ذلك)، في الوجود وما أضفت إليه الحياة، ليلقى بالتالي المحن والخطوب، تتلاقفه، تلقف الظامئ إلى العذب الزلال. ليسقط عندنا صريع واقع مرير لا طائل من ورائه، في تيه الوجود، بلا مبرر ولا هدف واضح المعالم، لينتظر الموت الذي لابد منه، في يوم وساعة غير معلومتين، وتنطوي صفحة من عالم يسوده الغموض، بنهاية متوقعة.

تقييم:
أعتقد أنّ القاص محمد جبر، في هذا العمل الإبداعي، استطاع أن يوصل فكرة فلسفية ناهضة، هي من صميم واقع الإنسان الضحل، طرحها بسرد مكثف وجميل، يدل على كاتب نبه وحاذق. فرغم من إن الكاتب لم يضع أسمًا لبطل قصته، واجزم بأنه أراد العمومية بذلك، أي قصد به الشخصية الإنسان عمومًا، إنسان هذا العصر الذي نعيشه الآن، بدليل ذكره للمكان والزمان. كذلك ذكر السيارة التي ركبها البطل، حتى قلعت به إلى أماكن لم يدرك حقيقتها، ولفت به طرق غير مُعبّدة، لم يعهدها من ذي قبل، ثم عادت به القهقرى الى المكان ذاته. والسيارة هذه المقصود منها (كما أرى): متاهة الحياة ودوامتها، إذ إنّ الإنسان يدور عمره كله، وهو لا يدري ما هي النتيجة من وراء ذلك، بل ما هي الثمرة، أو الهدف الذي من المؤّمل أن يصل إليه كي يستقر، فيمكث في مكانه بوصول آمن بعد رحلة طويلة، قضاها في العناء والشقاء معًا.

نص القصة:
صاح المنادي في موقف الباصات:
اسرعوا.. اسرعوا
آخر راكب.. آخر راكب
اصعدوا.. اصعدوا
لم يتبقَ إلّا مقعد شاغر.
ها هو من بعيد يحمل على ظهره عبء سنواته الستين، يحث الخطى ويسعى جاهداً للوصول الى السيارة الوحيدة الباقية في الموقف وكأن الباص كان ينتظر قدومه ليفوز بهذا المقعد.
ما زال المنادي يصيح:
اصعدوا.. اصعدوا.
عندما وصل أمسك بمقبض الباب وتنفس الصعداء، دلفَ الى الداخل، تسمّر في مكانه وهو يرى ان كل مقاعد السيارة فارغة ولا يوجد فيها أيّ راكب!!
امتعض قليلاً وعدَّ هذا الأمر استغفالاً واحتيالاً غير مقبول من قبل المنادي ليستعجل الناس بالصعود الى السيارة وهي خالية، وعندما التفت الى السائق ليعاتبه لم يجده في مكانه!
فجأة تحركت عتلة قرب الباب وإنغلق مع صوت دويّ ارتج له الباص لينطلق الى شمال الشارع.. تملكهُ الرعب وهو يفكّر ما الذي يحدث؟
أراد ان يجلس بمكان السائق حتى يوقِف السيارة لكن منعه حاجز غير مرئي! ارتد الى الوراء وارتمى بأحد المقاعد وأمسك بالمقبض القريب منه خوفاً من انزلاق السيارة أو اصطدامها، لم تمر إلّا لحظات حتى سمع صوتاً لم يعرف مصدره:
عزيزي المسافر..
أُنظر الى جانب اليمين.
عزيزي المسافر..
أُنظر الى جانب اليمين.
نظرَ من خلال الزجاج الى الخارج، حبَسَ انفاسه وهالهُ ما رأى!!
كانت هناك صور بحجم كبير له وهو بعمر الطفولة ملصقة على طول جدار يمتد الى أكثر من كيلو متر، ازدادت سرعة الباص قليلاً لتبدأ بعدها صور أُخرى له بعمر الفتوة والمراهقة ومن بعدها مرحلة الشباب، اخذته الحسرة وهو يرى صوره في هذه المرحلة من عمره، أين ذهبت عضلاته المفتولة؟، أين ذهب شعرُ رأسه، نظراته، قوامه الرشيق، ابتسامته التي لا تفارقه؟
انتبه الى أن الباص مرَّ على أكثر من محطة ولم يتوقف في اية منها، لكنه ابطأ قليلاً واستدار ورجع في الشارع الآخر الموازي للشارع الأول..
عندها سمع الصوت ينادي من جديد:
عزيزي المسافر.. أُنظر الى جهة اليمين.
عزيزي المسافر.. أُنظر الى جهة اليمين.
التفت يميناً مرةً أُخرى ورأى جداراً مليئاً بصورٍ له مع والديه وأخوته وأصدقائه وزملائه، انتابه الخوف كونه يعرف إن كل الذين في الصور قد توفاهم الله!
للحظة ابطأ الباص أكثر، عندها أراد النزول وحاول ان يفتح الباب ويهرب لكنه عجز عن ذلك وأحسّ ان يديه قد اصابهما الوهن ولا يستطيع ان يحركهما جيداً.. الباص بدأ يسير ببطء أكثر وعاد الصوت يناديه مثل المرتين السابقتين، خُيل له إن هناك صوراً أُخرى على الجدار المحاذي للشارع لكنه لم يستطع تمييزها، عيناه فقدتا القدرة على البصَر بصورة جيدة ولم يرَ غير صورٍ لكمامات طبية خضراء وبيضاء ملصقة على زجاج الباص، بقيت عيناه مفتوحتين بذعر وتنظران الى الطريق الذي خلا من السيارات ووصل الى نهايتهِ، بقى في مقعدهِ ولم يتحرك من مكانه حتى توقف الباص رويداً رويداً في آخر محطة".



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان المسحوق في (يوميات قميص) للقاص كامل الدلفي
- مكلبون داود السلمان والنجاة من الحرب بأعحوبة
- (غواية حلم) للشاعر عدنان جمعة تلاقح المنعى بالوضوح
- (فحيح) رمزية القاص عبد الرزاق السويراوي - قراءة تأويلية -
- الشاعر عبد الحسين العبيدي والتلاعب بمفردات الهمس
- علي الوائلي في نصه (صمت) يشخّص حالة الوعي والانقلاب الفكري
- رسائل إلى الله!.. الرسالة (1)
- الأسئلة الفلسفية في قصيدة (زمن قميء) للشاعر أحمد مانع الركاب ...
- القاص حميد عمران الشريفي أمام وجوه راقصة
- مدينة الشاعر خالد القطان تأكل عيون ابنائها!
- القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة
- أدلة على أن المعري شيخ البلغاء والمتكلمين
- الشاعر حازم الشمري يرثي طفولته ويُودَّع عيديَّةُ العيد
- حكايات لا نخوض بتفاصيلها
- تحت طائلة المُقدس
- المعري وطه حسين*
- نذور تقلع الأضرحة
- فداحة النّدوب
- نستدرجُ الأوزار
- منعطفات تلوّح بالذبول


المزيد.....




- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...
- دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
- شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع ...
- مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي ...
- وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
- بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - (الطريق) رائعة القاص محمد جبر حسن ضنك الواقع وضبابية المصير