أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة















المزيد.....

القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


مقدمة:
الأدب القصصي العراقي، وخصوصًا القصة القصيرة تحديدًا، مختلف إلى حدٍ ما، في أشياء كثيرة، عن الأدب العربي والعالمي، كما أرى، والسبب يعود إلى طبيعة البيئة والمكان، فضلا عن مزاج الفرد العراقي عمومًا (لا اقول ثقافة الفرد العراقي). فالبيئة والمكان يشكلان أرضًا خصبة لإنبات بذرة الابداع، ومن ثم صقلها وتقويمها. كذلك المزاجي النفسي للفرد هو الآخر، يلقي بظلاله على شخصية الفرد، بحسب علماء النفس والاجتماع، ومنهم كارل يونغ والدكتور علي الوردي، لاسيما في كتابه "طبيعة المجتمع العراقي".
ويمكننا أن نحدد ذلك، في نقطتين نعدهما مهمتين.
أولا: التأثير النفسي والعاطفي، وللبيئة والمكان، على نفسية الفرد العراقي، مما يخلق جوًا معينا، ومؤثرا، سلبا كان هذا الجو، أم ايجابًا. وبالتالي يعزز من روح المشاغبة (إن كان يحق لي أن أسميها مشاغبة) واكتشاف المخفي أو محاولة ذلك، مع الإيحاء بتجنب المخاطر. هذا وغيره، من الظروف السياسية والاجتماعية التي مرَّ ويمروا بها العراق.
ثانيًا: دأبت الثقافة السائدة في المجتمع العراقي، السّعي الدائم للتغير – الثقافي والاجتماعي وغيره - واكتشاف كل ما هو جديد ومثير ومغاير، في كل شيء، ومنه عالم الأدب، والقصة القصيرة على وجه الخصوص، وهذا ما لمسناه عند القاص محمد خضير على سبيل المثال، لا الحصر، في مجموعته "المملكة السوداء".
حسناء الاذاعة:
في مجموعته القصصية، هذه، الموسومة بـ"حسناء الإذاعة" للقاص عبد علي اليوسفي، وهي من اصدارات اتحاد الادباء والكتاب في العراق، التي احتوت على ستة عشر قصة قصيرة. تنوعت، المجموعة، في موضوعاتها ومضامينها وفي طابعها القصصي، وكذلك في بنائها الدرامي، وفي سردها المميز، وايضًا في هيكليتها العامة، على اعتبارها قطعة ابداعية فنية تمتاز بلغة خاصة بها، تعود إلى ثقافة القاص العامة، وخبرته في هذا المجال، وابداعه، على اعتباره قاص عراقي، حيث لكل قاص – مبدع، لابد أن يحمل في جعبة ابداعه وفي ثقافته أشياء، أرتأى أن يوصلها للقارئ وللناقد، وللمتلقي كذلك بمختلق ثقافته، لإثبات وجوده كواحد من أعلام الفكر والأدب والابداع.
ظلال الذاكرة:
من بين السّتة عشر قصة التي حوتها هذه المجموعة، وقع اختياري على هذه القصة تحديدًا المُعنونة "ظلال الذاكرة"، اختياري يعود الى عنصر التشّوّق، وهو الطعم الذي يغري الكاتب به القارئ، وهو بحد ذاته ذكاء الكاتب نفسه، وسبب نجاحه في ذات الوقت، وألّا كيف نميز كاتبًا عن آخر، وكيف نقول أنّ هذا الكاتب اكثر ابداعا من ذاك، لولا الطعم الذي يقدمه الكاتب للقارئ، ليحفزه بمواصلة القراءة، والتفاعل معها، بدون أن يشعر بالملل.
لغة القصة:
الرمز – الترميز - مهم جدًا في السّرد القصصي، فهو يعطي مساحة واسعة للكاتب، من التفكير والوعي والابتكار، ليصل، بالتالي، الى الغاية أو الهدف، والوقوف عند محطات لم يصل اليها غيره، فذلك مما يشدُّ القارئ، وهو يتجول في بساتين السّرد، ليلتقط حبات الحبكة والدراما من قاع النص (رواية كان النص، أو نص مسرحي، أو قصة قصيرة) والمهم في الأمر أن القارئ سينشدُّ إلى ذلك. عكس الكتابة المباشرة في الطرح والاسلوب. فالكتابة المباشرة، قد تخلُ بالنص وتفقده جماليته وقيمته الفنية، والابداعية معًا.
القاص عبد علي اليوسفي، في مجموعته هذه، استخدم اسلوب الرمز، وحاول بكل جهده، الابتعاد عن المباشرة، خصوصًا في "ظلال الذاكرة" القصة التي نتحدث عنا في هذا المقال. الكاتب جعل المرأة رمزًا لفكرة أراد طرحها، فرمز لها بهذا الرمز.
"امرأة وحيدة في هذا الكون، لا يعرفها غيري، تتربع على عرش ذاكرتي. كل النساء عابرات إلّا هذه المرأة العجيبة..".
القصة جذابة بالفعل في سردها وحبكتها، وتمنيت لو كان قد وضعها اليوسفي في بداية المجموعة، بدل أن يضعها رقم ستة عشر، بحسب تسلسلها في الكتاب.
تحليل:
بطل القصة، على ما يبدو، كان مضطربًا، متشنجًا وقلقًا، وفي حالة هذيان قاتل. فهو يمر في حالة نفسية لا يُحسد عليها، وفي وضع مزري للغاية. لذلك تجده يتشبث بأبسط الاشياء التي يجدها أمامه، إذ كان يبحث عن أشياء، هو نفسه لا يدري ما هذه الاشياء، ولماذا يبحث عنها أصلا؟. وأن كان الكاتب، هنا، يلعب دور البطل، ويتحدث على لسانه، إلّا أنّ السرد كان ممتعًا، غير ممل، برغم قصر القصة، بعض الشيء، ولو كان الكاتب قد جعل من البطل هو الذي يتحدث بالمباشر، افتراضًا، لفقدت القصة طلاوتها، لكنّه عمل بما يجب أن يعمل، وهذه التفاته ذكية منه، وقد نجح فيها، بل وابدع.
وعلى أية حال، أن بطل القصة، رسم أشيائه على شكل امرأة، أو هكذا تخيّل، في هلوسته وفي هذيانه، فصور أن تلك المرأة لا تشبهها أي امرأة في الكون أبدًا، وهو رمز عن أمر مكبوت، حيث يصورها بأشكال لا تخطر على بال انسان قطعًا. مع ذلك طفق يبحث عنها في جميع الاماكن، في الطرق الانهار والاشجار، في الازقة، في القصص القديمة، في كتب المفكرين في الروايات، في الحكايات الأخرى، في شطحات المتصوّفة، فلم يجدها، ولن يجدها. والسبب، كما هو ظاهر، لا وجود لها، لا في أرض ولا في سماء، فقط هي في مخيلته.
"هذه الحسناء لا توجد إلّا في خيال أو خبالي (البطل، هنا يعترف بأنه مخبل- مجنون) لم يتعرف عليها أي كائن آخر.. هي لي فقط لن يتعرف على ملامحها أو تقاطيع وجهها دوني". (المجموعة ص 92.
ونستشف من ذلك أن بطل القصة، مصابًا بحالة اكتئاب حاد، وهو بحاجة إلى مراجعة طبيب اختصاص، وكذلك بحاجة إلى رعاية خاصة، إنسانا مقربا يراعى حالته النفسية، ويقلل من معاناته وصدماته، معالج نفسي يعطيه العلاج اللازم، لكي يعود الى رشده.
نكتشف أن القاص، في هذه القصة، يعالج حالة مرضية نفسية عامة، في هذا المجتمع الذي نعيشه اليوم، بعد أن شخصها بنفسه، وبيّن مدى تأثيرها على المجتمع نفسه، على اعتبار أن المثقف مسؤول عن كل صغيرة وكبيرة، سلبة كانت أو ايجابية، فيرصدها ويخوض في تفاصيلها، لإيجاد الحلول اللازمة لها.
ومثل هذه الحالة، تسبب للشخص المصاب، موضوع القصة، تسبب له قلة النوم، وبدون اقراص منومة لا يمكنه أن يرقد في فراشة وينام، وإذا استمرت هذه الحالة، ستتأزم حالته وربما تقذفه في أتون الجنون. علماء النفس في دورهم وضعوا حلولا جذرية ناجعة لمثل هذه الحالة.
وهي: "هناك طريقتان واضحتان في هذا الشأن؛ أولًا: هناك مقاييس موضوعية مثل قدر الكحوليات التي تناوَلَها أحد الأشخاص، أو الطريقة التنويمية التي طُبِّقت عليه، لكنَّ تلك الطريقة ليسَتْ مثاليةً؛ لأن شخصين يمكن أن يشربَا نفسَ الكمية وأحدهما يصبح ثَمِلًا جدًّا، في حين لا يكاد الآخَر يتأثر. بالمثل، تؤثِّر الطرق التنويمية على نحوٍ مختلف على الأشخاص المختلفين، في حين لا تكون أخرى مؤثِّرة على الإطلاق. هناك حالات وعي قليلة تكون مرتبطة بأنماط فسيولوجية فريدة، ويعطينا قياس الحالات الذهنية نتائج متضاربة. من الممكن أن تكون مقاييس السلوك غير مُجدِية؛ لأن الناس يمكن أن يدَّعُوا أنهم يمرون بحالات وعي متغيِّرة دون أن يبدو أيُّ تغييرٍ ظاهِرٍ على الإطلاق في سلوكهم. على أي حال، يبدو بالفعل أن كل تلك المقاييس الموضوعية يغيب عنها أن أي حالة متغيِّرة تتعلَّق بالكيفية التي تشعر بها تجاهها، وهي شيء خاص بالنسبة إلى الشخص الذي يمرُّ بها".
خلاصة:
الكاتب طرح حالة منتشرة في الكثير من المجتمعات، العربية وسواها، ومنها مجتمعنا العراقي، والحالة هذه عبارة عن شخص يعاني مرض نفسي، نتيجة صدمة أو فقدان أمل لن يعود، أو قضية تمسه بالصميم أو غير لذلك.
القاص نسجها من خياله الخصب، لكنها في الخارج قد يكون لها وجود عيني، فأراد طرحها ومن ثمَّ جعلها كقضية رأي عام. والسؤال هنا هل نجح الكاتب في ايصال فكرته هذه؟، أم أخفق؟. هذا هو السؤال، ولعلَّ القارئ الكريم يبحث معنا، حلا لها.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدلة على أن المعري شيخ البلغاء والمتكلمين
- الشاعر حازم الشمري يرثي طفولته ويُودَّع عيديَّةُ العيد
- حكايات لا نخوض بتفاصيلها
- تحت طائلة المُقدس
- المعري وطه حسين*
- نذور تقلع الأضرحة
- فداحة النّدوب
- نستدرجُ الأوزار
- منعطفات تلوّح بالذبول
- جادة المهرب
- الإذعان يخضع للنتائج
- لفت نظر
- نوافذ مغلقة
- بؤس الطريق
- ارشفة الفائض
- ما هو الانتخاب الثقافي؟ (3) والأخير
- رباعية الجدل
- ما هو الانتخاب الثقافي؟ (2)
- ما هو الانتخاب الثقافي؟ (1)
- منفى داخل الوطن


المزيد.....




- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة