|
(فحيح) رمزية القاص عبد الرزاق السويراوي - قراءة تأويلية -
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 7846 - 2024 / 1 / 4 - 16:21
المحور:
الادب والفن
مقدمة لابد منها: عليك بحِسن الاختيار للكتب التي تروم قراءتها، لتمتص رحيقها وتشرب من معينها العذب، قبل أن تشرع في الكتابة؛ ودخول هذا العالم الرحب، من أوسع أبوابه. إذا أردتَ أن تكون كاتبًا ناجحًا، يشار إليك بالبنان ( في المحافل الثقافية والادبية، وأن يقرأ لك كل من عرفك، وعرف أسلوبك بالكتابة، وطريقتك التي تميزت بها عن الآخرين؛ وابداعك أللامحدود، وتقنيتك العالية في اختيارك لموضوعاتك؟). إذا أردت كل هذا؛ وجب عليك أن تكون قراءاتك متنوعة، لا تختصر على لون بعينه، كأن تقرأ الكتب الادبية وتكتفي بذلك، الكاتب من شروطه أن يكون مثقفا، والثقافة يجب أن تكون عامة وشاملة. وثمة نقطة أخرى تُعد مهمة ويجب الأخذ بها، هي أن لا تستعجل النشر، أولًا، وثانيًا، أن تعيد الكتابة التي تكتبها (قصة كانت أم رواية أم بحث فكري، وحتى مقال أدبي أم غير)، فتعيد قراءته لأكثر من خمس مرات على الأقل، وفيها تحاول استبدال بعض المفردات بأخرى، وأن تتجنب الأخطاء قدر المستطاع. أقول هذا، لأنه أجد الكثير، والكثير جدًا من كتابنا لاحظت في كتاباتهم أمور فضيعة، لا يجب السكوت عليها. الابداع ليس بكثرة النشر، وبعدد الكتب التي يصدرها الكاتب؛ هل تدري أن الكتب التي ألفها الفيلسوف جان جاك روسو، طيلة حياته لا تتجاوز الاربع كتب؛ كذلك الفيلسوف الاماني آرثر شوبنهاور أيضًا ألف أربع أو خمس كتب في حياته التي تجاوزت اثنان وثمانون عامًا؛ كذلك أيضًا الروائي الكولومبي ماركيز، صاحب "مائة عام من العزلة"، ألف خمس روايات واصبح من أشهر الكتّاب العالميين في القرن الواحد والعشرين، وحصل على جائزة نوبل. الكتابة ابداع، والابداع فن والفن ذوق وجمال، وخبرة في مجال الحياة: الثقافية والعملية والفلسفية، ولا تأتي هذه الخبرة إلّا عن طريق الممارسة المستمرة في القراء وفي الكتابة، وذلك للاستيعاب وترويض الفكر على التأمل، ومن ثمَّ اخراج الخزين الذي جاء من كثرة القراءات المتعددة؛ ولا يأتي ذلك بين ليلة وضحاها، ما لم يكن ثمّة معاناة، وقراءة مركّزة، واستحضار مسبق للموضوع. قصة الفحيح: في هذه القصة، حاول القاص عبد الرزاق السويراوي، ايقاظ ذهنه بجدح قبضة أضاءت عن فكرة بعينها (فحيح)، اختمرت في فكره الناضج لتصبح قصة قصيرة، قد تكون مميزة، كما أرى كذلك، في طرحها وفي موضوعها، وكذلك في سردها، إذ بدأ الكاتب بعبارته: " المصباح الوحيد، بالكاد يطرد الظلمة في فضاء غرفته التي خلتْ تقريباً من أيّ أثاث، باستثناء منضدة خشبية متواضعة مركونة الى جانب سريره". ومن وجهة نظري البسيطة، أعتبر هذه المقدمة، مقدمة ناجحة وكانت في محلها كذلك، حيث يجب أن تكون المقدمة تثير الانتباه، كونها مدخل الطرح، كما ذكرنا في دراسة سابقة، ولا نريد أن نكرر هنا ما ذكرناه هناك. بطل القصة شخص تجاوز عمره الخمسين عاما، لاحت له التفاته بلحظة عابرة، وإذا به يشاهد أفعى ملونة تدخل الجدار، في منزله، رويدًا رويدًا، ثم تختفي داخل غرفة المنام المطلة على الغرفة التي امامه؛ في مشهد أشبه بالمشهد التراجيدي، (لأنه الأفاعي منظرها مخيفا)، والرجل بحالة ذهول، غير مصدّق ما يجري امام ناظريه. القصة حين تقرأها، تحكم عليها من الوهلة الاولى، على أنها قصة مباشرة لا تفرق كثيرًا عن القصص التي نقرأها هنا وهناك. لكنّ في نهايتها (حيث القاص ترك النهاية مفتوحة لنا، لكي يضع القارئ النهاية المناسبة لها بحسب ما يرى هو، وهنا يكمن الابداع لدى القاص، على أنّ – القاص - أبدع في صياغة وعرض قصته هذه بالشكل المكلوب) أي عندما تنتهي القصة، سيرى أن القصة تتمتع بالطابع الرمزي، فضلا عن السّرد الممتع، والتنقل بين جملة وأخرى، مما لا يدع الكاتب، السأم يتسرب الى مزاج القارئ، حيث تجده يتمتع بهذا الاسلوب البنائي للقصة، وبالحبكة الدراماتيكية، وبانسياب الجمل متراصّة، خالية من الزوائد، بحيث إذا رفعنا جملة واحدة سينهار بناء القصة، ما خلّ بأسس البناء فيضيع جزء هام من المعنى السياج المحاط بالقصة؛ وهذا ما تلافاه القاص وعمل على الحفاظ عليه، الامر الذي دلّ على خبرة القاص في فن القصة، وأنه كان على دراية تامة، قبل أن يخوص بالتفاصيل. الرمز: قلنا قبل قليل أن القصة كانت رمزية، وليست مباشرة؛ والرمز الذي استعمله القاص القصة بـ "فحيح" وهو عنوان القصة، ولم يسمها أفعى أو الافعى. لأن "فحيح" تعطي معان كثيرة، ز "فحيح" هو صوت الافعى، فلو اطلق عليها "الافعى" لضاق الخناق على الطابع العام للقصة، أو أنه لم يعطها البعد الماورائي، أي ما وراه الحدث الذي عمل عليه الكتب نفسه، أو الغاية التي اراد بيانها فعمل عليها بهذا الطابع الرمزي، وهو الصحيح. فـ "فحيح" قد يعني أشياء كثيرة، حيث رمز لها القاص مثل: الشّر، الغموض، مصيبة على وشك الحدوث، كارثة ستحل، طوفان مُرتقب، حادث مرعب...الخ. الرمز والمباشرة: قلنا إن القصة كانت رمزية بامتياز، وأنْ كان السّرد قد ينم عن مباشرة؛ لكن العنوان جعل على أننا نسير بطريق غير سالك، لا ندري إلى اين متجهين، ونحن نمشي بهذا الدرب (درب القراءة) بالتالي تبين لنا الامر وانجلى واضحًا، على أننا نسير بأحداث لم يوضحها الكاتب لنا بصورة مباشرة، وهذا هو سرّ الكاتب المتضلع المحنك، المتسلح بسلاح الخبرة والفن. أما المباشرة، فأنها ضيقة الافق، كأنها مرسومة أحداثها رتيبة مسبقا، ليس فيها طابع المفاجئة وعامل الدهشة، وهما من اهم العوامل التي تشدّ القارئ، فيساعد في نجاح العمل، واهم من كل ذلك هو اعطاء الفسحة الكبيرة لإبداع الكاتب لينتج الوعي والذوق، ويظهر خبرته ومعرفته في هذا الفن؛ فن القصة.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر عبد الحسين العبيدي والتلاعب بمفردات الهمس
-
علي الوائلي في نصه (صمت) يشخّص حالة الوعي والانقلاب الفكري
-
رسائل إلى الله!.. الرسالة (1)
-
الأسئلة الفلسفية في قصيدة (زمن قميء) للشاعر أحمد مانع الركاب
...
-
القاص حميد عمران الشريفي أمام وجوه راقصة
-
مدينة الشاعر خالد القطان تأكل عيون ابنائها!
-
القاص عبد علي اليوسفي يعزف على أوتار الذاكرة
-
أدلة على أن المعري شيخ البلغاء والمتكلمين
-
الشاعر حازم الشمري يرثي طفولته ويُودَّع عيديَّةُ العيد
-
حكايات لا نخوض بتفاصيلها
-
تحت طائلة المُقدس
-
المعري وطه حسين*
-
نذور تقلع الأضرحة
-
فداحة النّدوب
-
نستدرجُ الأوزار
-
منعطفات تلوّح بالذبول
-
جادة المهرب
-
الإذعان يخضع للنتائج
-
لفت نظر
-
نوافذ مغلقة
المزيد.....
-
رفض المبعوث الأفغاني الوقوف أثناء عزف النشيد الإيراني بسبب ا
...
-
5 أفلام عربية تخوض سباق الأوسكار لأفضل فيلم دولي
-
أحمد مزيد البوني.. الرجل الذي رَقْمنَ المحظرة الشنقيطية
-
تقنية الرنين المغناطيسي تكشف كيف نفضل الأفلام على نتفليكس
-
نجمة السينما الإيطالية صوفيا لورين الحائزة على جائزتي أوسكار
...
-
روسيا.. إطلاق مشروع -أصوات المستقبل- المسرحي
-
صحفيون عرب يشاركون في ورشة عمل نظمتها RT (صور)
-
-أخشى الموت-.. فنان مصري مشهور يستغيث
-
يقدم تجربة تفاعلية مختلفة.. افتتاح معرض -يفغيني أونيغين- في
...
-
تأريخ الوقائع شعرا.. من سقوط العثمانيين لما قبل النكبة
المزيد.....
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|