أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - معاداة السامية في أوروبا المسيحية















المزيد.....

معاداة السامية في أوروبا المسيحية


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7830 - 2023 / 12 / 19 - 20:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


معاداة السامية هو مصطلح حديث ابتكره الصحفي والناشر اليهودي الألماني ويلهلم مار في عام 1879 ميلادي ؛ إشارة الى التعصّب والعداء لليهود واليهودية . كما ان جذور معاداة السامية من قبل المسيحية في الأناجيل ، كانت بناءً على قصة الواعظ اليهودي المتجوّل في القرن الأول الميلادي "يسوع الناصري" ، في أرض يهوذا المحتلة من قبل الرومان .
لقد جاء في الأناجيل عن محاكمة وصلب يسوع ، وزًعم فيها أنه قُتل بسبب خلافات دينية مع حاخامات اليهود ، وليس كخائن للإمبراطورية الرومانية . كما ادعى المسيحيون الأوائل؛ أن يسوع المسيح وأتباعه قد تعرضوا للاضطهاد من قبل اليهود، وهو ما كان مبرراً لاضطهاد اليهود وقتلهم على يد المسيحيين في القرون الوسطى وما بعدها. وبالتالي فقد أصبحت النظرية العنصرية والسلوكية عاملاً إضافياً لاستعداء اليهودية في العصر الحديث .

المسيحية المبكرة
عندما نقل المبشرون المسيحيون الأوائل وصايا وتعاليم يسوع المسيح إلى مدن الإمبراطورية الرومانية الشرقية ؛ كانت أعداد غير اليهود والوثنيين الذين أرادوا الانضمام إلى المسيحية أكثر من اليهود . وقد تصاعد الخلاف حينئذٍ حول ما إذا كان على هؤلاء المعتنقين الجدد من اليهود الالتزام بالثوابت اليهودية في طقوسهم وبشكل تام ، مثل الختان، ومحرّمات الطعام، والسبت ، والهيكل . بيد أن بعض اليهود الذين اعتنقوا المسيحية أصرّوا على الانتقال الكامل إلى التعاليم المسيحية . وفي رسائل پولس وأدبيات الرُسل، توجد مبررات وتفسيرات واسعة النطاق قد أُطلقت من خلال الحجج والمقارنات بين المسيحية واليهودية مثل مفاهيم "الإيمان" بيسوع و"التكفير" بموته . كما حددت هذه الكتابات معايير فصل المسيحية عن اليهودية .
في القرن الثاني الميلادي، أدت المقاومة المستمرة للمسيحية من قبل اليهود إلى قيام الأساقفة المسيحيون باستحداث الفكر المضاد (خطابات مكتوبة ومسموعة ضد اليهود باعتبارهم أعداء)؛ وذلك اعتماداً على نصوص الأناجيل ورسائل پولس ، حيث زعموا؛ أنه مثلما اضطهد اليهود يسوع وتلاميذه، أيضاً استمروا في اضطهاد المسيحيين أتباعه من بعده . وبالتالي فقد كان ذلك تبريراً كافياً للانتقام من اليهود وقتلهم .

في أعقاب اعتناق الملك الروماني قسطنطين للمسيحية ، منح المسيحيين حرّية العبادة في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية بموجب مرسوم ميلانو عام 313 ميلادي . إذ لم تصبح الإمبراطورية مسيحية بين عشية وضحاها، لكنها عززت وجود المسيحيين من خلال الإعفاءات الضريبية والتمويل في بناء الكنائس . وفي مجمّع نيقية الأول عام 325 ميلادي، نتج عنه إصدار قانون"الإيمان المسيحي" ؛ والذي أوجب فيه جميع المسيحيين أن يؤمنوا به ويتبعوا تعاليمه في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية .
الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول (عام 379 ـ 395 ميلادي) باعتباره أرثوذكسياً متشدداً؛ قد جعل من المسيحية في عام 381 ميلادي؛الدين الرسمي الأوحد للإمبراطورية الرومانية. وكانت تلك هي النهاية المؤلمة للديانات والعقائد المحلية في العالم القديم بعد تأسيس الكنيسة الكاثوليكية . وفي عام 396 ميلادي، حظر ثيودوسيوس الألعاب الأولمبية المخصصة للآلهة، وأصدر أوامره بتدمير جميع المعابد والمزارات المحلية أو تحويلها إلى كنائس . وقد حدث ذلك عندما اخترع المسيحيون مصطلح "الوثنيون pagianoi" وهو شتيمة قاسية ضد أولئك الذين لم يتحولوا بعد إلى المسيحية .
لم يرد ذكر اليهود في مرسوم الملك ثيودوسيوس الأول ، إلا أنه أشار لهم لاحقاً عندما قام بتحديث وكتابة القانون الروماني الأصلي؛ قانون الألواح الاثني عشر( خلاصة دستور الجمهورية الرومانية) الذي أُلغاه الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول عام 597 ميلادي.
لقد سُمح لليهود بالاستمرار في ممارسة شعائرهم وطقوسهم المعتادة، ولكن مع تقييد لنشاطاتهم الاجتماعية والاقتصادية ، وتنفيذ العقوبات الصارمة بحق المخالفين للتعليمات الصادرة بموجب القانون . وهي كالتالي كما وردت فيه :
1. يمنع منعاً باتّاً لليهود من مهاجمة أو مضايقة أي يهودي أصبح مسيحياً. كما يعاقب بالشنق والحرق على الأوتاد لأي يهودي يقوم بالتبشير .
2. لا يحق لليهود بامتلاك العبيد المسيحيين، وختان العبيد (غير المسيحيين) يُعدّ محظوراً . كما يجب تحرير كافة العبيد الذين خضعوا للختان من قبل اليهود ( وقد أدى ذلك إلى توقف نشاط المؤسسات المسيحية التي كانت تعتمد على العمل بالسخرة) .
3. إذا ارتّد المسيحي عن دينه وعاد إلى اليهودية؛ تُصادر جميع ممتلكاته إلى الدولة (رغماً من ذلك ، فقد كان يُمنع تدمير أو مهاجمة أيّ كنيس يهودي . وقد تمّت حماية مراكزهم الدينية لإلتزامها بدفع الضرائب للدولة) .
4. يمنع منعاً باتّاً لليهود الزواج من المسيحيين ؛ وإن حصل ذلك فهو جريمة زنا يعاقب عليها القانون بالطرد والنفي .
5. تُحظر جميع المحاكم الدينية الخاصة باليهود ، وعلى اليهود أن يرفعوا دعاواهم إلى المحاكم الرومانية الرسمية حصراً .
6. منع المعابد اليهودية من استخدام اللغة العبرية كإجراء احترازي في مواجهة مؤامراتهم ضد الإمبراطورية .
7. لايُسمح أبداً لليهودي العمل كمحامي أو طبيب. كما يمُنع اليهود والوثنيون والغنوصيون (الهراطقة) من مناقشة العقيدة المسيحية علناً .
8. تُحظر جميع طوائف المسيحيين اليهود باعتبارها مهرطقة .

يوانوس خريسوستوموس، (عام 347–407 ميلادي ) بطريرك أنطاكية ، وعُرف باليونانية بـ «ذهبي الفم» لبلاغته وفصاحة لسانه ؛ كان على ما يبدو منزعجاً من حقيقة حضور مسيحييه إلى معابد اليهود يوم السبت ، ومن ثم حضورهم الكنيسة يوم الأحد في أسبوع عيد الفصح من عام 387 ميلادي . وأعلن ذلك من خلال سلسلة خطبه المواعظية ؛ باستنكاره وجود المعابد اليهودية ، ووصفه لها بأنها بيوت دعارة، وأن فجورهم الجنسي له صوت شخير الخنزير.. في حين كان واضحاً ؛ من أن عامّة المسيحيين في أنطاكية لم تكن لديهم مشكلة في الاختلاط مع اليهود ومشاركة أعيادهم الدينية ومناسباتهم الاجتماعية أسوة بالعديد من مجتمعات الإمبراطورية .

لقد شهدت الإمبراطورية الرومانية المتأخرة غزوات مختلفة من قبل القوط ( القبائل الجرمانية الشرقية ) ،والقوط الغربيين ، والوندال (القبائل الجرمانية الشرقية الذين يدينون بالمسيحية على مذهب الآريوسية) والهون ( قبائل بدوية في آسيا الوسطى، والقوقاز، وأوروبا الشرقية). وقد تحولت تلك القبائل إلى المسيحية إلا أنها اُعتبرت من الهراطقة ؛ استناداً إلى وصايا الأباطرة الرومان، وذلك لاتباعهم المفهوم الأريوسي للثالوث .

أوروبا ويهود القرون الوسطى
مع تأسيس البابوية في عهد ليو الأول (عام 400-461 ميلادي) ، والإمبراطورية الرومانية الجديدة تحت حكم الملك شارلمان (عام 748-814 ميلادي)؛ سيطرت الكنيسة الكاثوليكية على كل من الحكومة والحياة اليومية في جميع أنحاء أوروبا. وتباينت العلاقات اليهودية المسيحية في تلك الفترة، وذلك حسب السياسة التي كان يتبعها كلاً من البابا والإمبراطور في إدارة الكنيسة والدولة .
وكان قد دعا البابا أوربان الثاني (عام 1088ـ 1099 ميلادي) إلى أولى الحروب الصليبية ضد المسلمين في الشرق لاستعادة الأماكن المسيحية المقدسة . وكانت الرسالة المعروفة باسم (التساهل) ، حماسية و إغرائية وموجهّة خصيصا الى الفرسان :
"أولئك الذين دافعوا عن المسيحية والمسيحيين ، عندما قاموا برحلة الحج ، فإن جميع آثامهم قد تطهرّت ، ونالت أرواحهم المكرمات والهبات التي ليس لها حدود في الحياة الآخرة " .
وقد استغرق الأمرعدة شهور للإبحار أو السفر براً ولم يصل الكثير منهم إلى غايتهم . ومع ذلك، يمكن تحقيق الأهداف "القتال في سبيل المسيح" من خلال مهاجمة وقتل اليهود المحليين . وفي عام 1215 ميلادي أعلن مجمع لاتران الرابع القرارات التالية :
ـ يجب تمييز اليهود عن المسيحيين في لباسهم .
ـ لا يجوز لليهود أن يشغلوا مناصب عامة في الامبراطورية .
ـ لا يُسمح لليهود المتحولين إلى المسيحية بممارسة طقوسهم القديمة .

كان هنالك جدلاً واسعاً حول تهمة اليهود بـ "فرية الدم"؛ حيث زُعم أن اليهود يستخدمون دماء الأطفال المسيحيين في طقوسهم الدينية لإفساد العقيدة المسيحية. وقد تزامن ذلك الحدث مع انتشار الطاعون الدبلي للموت الأسود (عام 1346-1353ميلادي)، والذي أدّى بدوره إلى قتل أعداداً كبيرة من اليهود في مدن مختلفة من أوروبا .
تأسست محاكم التفتيش البابوية من قبل البابا گريگوري التاسع في عام 1231 ميلادي، وذلك تصديّاً لمفاهيم الغنوصية المسيحية التي اُعتبرت هرطقة ( بدعة) في كلاً من البلقان (ولدينيسيا) ، وجنوب فرنسا (الألبجان) . وبناءً على طلب فرديناند الثاني ملك أراگون ( عام 1479ـ 1516 ميلادي)، و إيزابيلا الأولى ملكة كاستيا "قشتالة" (عام 1474ـ 1504ميلادي)؛ طوّرت محاكم التفتيش علاقتها مع التاج الإسباني بهدف تخليص إسبانيا من المغاربة المسلمين واليهود ؛ وذلك بإقامة الحظر عليهم . حيث كان شمال إفريقيا وأجزاء من إسبانيا واقعة تحت حكم المسلمين ولعدة قرون . كما توسّع الحظر ليشمل المارانو (المتحولون من اليهودية) الذين كانوا مسيحيين لأجيال سابقة . وشمل الحظر أيضاً ؛الموريسكيون (المتحولون من الإسلام) إذ اُتهموا مع المارانو بمواصلة ممارسة عقيدتهم الأصلية سرّاً. وفي النهاية طُرد اليهود والمسلمين من إسبانيا في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1492 ميلادي .
طالما كان يُعتقد في أن مفاهيم وسلوكيات المسلمين واليهود تجري في عروقهم، فإن تحولهم الى المسيحية سيكون موضع شّك دائم . وقد انتشرت هذه الفكرة في جميع أنحاء أوروبا ، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظريات العنصرية الراسخة في المجتمعات الأوروبية .

لقد شهدت القرون الوسطى أيضاً تطور الأيقونية في فنّ الكتيّبات والمخطوطات وحتى في الأيقونة الكنسية ؛ حيث أصبحت الصورة النمطية لليهودي : لحية منثورة ، أنف معقوف، كيس من العملات المعدنية ، مع ملابس مُهرّج . وقد استشهد المسيحيون بما جاء في سفر التثنية من كتاب التوراة عن الربّا باعتباره خطيئة : "لاَ تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِباً، رِباً فِضَّةٍ، أَوْ رِباً طَعَامٍ، أَوْ رِباً شَيْءٍ مَّا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِباً، لِلأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِباً، وَلكِنْ لأَخِيكَ لاَ تُقْرِضْ بِرِباً، لِكَيْ يُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ مَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ يَدُكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِتَمْتَلِكَهَا. " (تث 23: 19، 20).
ومع تضاؤل ​​الفرص الاقتصادية المتاحة لليهود، سُمح لهم أخيراً بفرض فوائد على منح القروض . وكان هذا مرتبطاً بحادثة الهيكل الموصوفة في الأناجيل؛ حيث قلب يسوع مائدة الصيارفة. وبصفتهم صرّافين ؛ زُعم في أن اليهود المعاصرين (في القرون الوسطى) ما زالوا "يضطهدون" الناس بخطاياهم بدافع من الشيطان . وصورت العديد من لوحات عصر النهضة اللحظة التي خان فيها يهوذا يسوع المسيح بقبلة. كما عُرضت بشكل متكرر"مسرحية الآلام" المسيحية المقتبسة من قدّاس عيد الفصح بهدف الاستياء من اليهود والانتقام منهم .

الإصلاح الديني
لاقت الكنيسة الكاثوليكية انتقاداً واسعاً في جميع أنحاء أوروبا من بداية القرن الرابع عشر وحتى القرن السادس عشر .
الواعظ مارتن لوثر الألماني (عام 1483-1546 ميلادي) كان أستاذاً في علم اللاهوت، وراهباً وقسّاً أغسطيني ؛ حيث انتقد في عام 1517 ميلادي عبادة القديسين و رفاتهم ، وصكوك الغفران وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها الكنيسة في القرون الوسطى . وقد أعلن لوثر أن المعرفة الحقيقية المطلقة موجودة في الكتاب المقدّس وحده ، وإن كهنة الكنيسة ورجال الدين هم ليسوا بوسطاء بين الرّب والبشر . وعندما رفض التخلي عن أفكاره وانتقاداته ؛ أصدر البابا ليو العاشر والملك تشارلز الخامس مرسوماً يقضي بالطرد والحرمان الكنسي بحقه ما لم يتراجع عن بعض من طروحاته الخمس والتسعون . وعندما تزوج من كاتارينا ڤون بورا وهي راهبة سابقة ؛ تخلى عن الكنيسة ، كما تخلى أيضاً عن فكرة العزوبة الكهنوتية ، وعن المعنى الكاثوليكي للأسرار المقدسة .

لقد انتشرت أفكار لوثر من قبل مصلح آخر "جون كالڤين" (عام 1509-1564ميلادي) من سويسرا. وكلاهما مؤيداً لعقيدة القديس أغسطينوس "ما بعد الموت "؛ " أن الرّب هو وحده الذي يعلم من يُبرأ ومن يُدان" . وكان قد تغاضى القديس أغسطينوس (عام 354-430 ميلادي) تماماً عن جميع التشريعات والمحظورات التي تقيّد حرية غير المسيحيين و الهراطقة . ومع ذلك ، فقد كان يرى أن اليهودية قد وضعت الأساس للكنيسة ، وقدّمت التمهيد الأول لادراك معنى الرّب والمسيح ، وأن أحد أهداف الكنيسة هو حماية هذا الإرث الربّاني الذي عرّف المسيحية بجذورها القديمة.
في العصور القديمة المتأخرة ومع تصاعد الحروب والاقتتال ؛ تم استخلاص سيناريوهات نهاية الزمان من سفر الرؤيا في العهد الجديد . إذ كتب الرسول پولس ؛عند قيامة المسيح، سيرى "إخوته اليهود" النور و يهتدوا عندئذٍ (رومية 9-11). وكتب أغسطينوس: "لا تقتلوهم"، وعلى اليهود أن يبقوا أحياءً ؛ ليكونوا مع المؤمنين في نهاية الزمان ويتحولوا إلى المسيحية في النهاية ، ويحققون بذلك مطالب الرّب الإلهية .
لربما بسبب أفكار أغسطينوس؛ أراد لوثر من اليهود أن يعتنقوا المسيحية . وكتب رسائله ضد التشريعات المعادية لليهود في مختلف المجالات، مع التركيز على التحوّل كأفضل وسيلة للخلاص . وفي عام 1523 ميلادي كتب منشوراً بمعنى؛ أن يسوع المسيح كان قد ولِدَ يهودياً :
"لو أن جميع الرُسل كانوا يهوداً أيضاً ، وعاملونا نحن الوثنيين كما نتعامل نحن مع اليهود، لما كان هناك مسيحي واحد... وعندما نميل إلى التفاخر بكوننا [مسيحيين] ينبغي علينا أن نتذكر دائماً أننا كنّا ليس سوى وثنيين ؛ بينما اليهود هم أصلاً من نسل المسيح . نحن أجانب وأصهار. فهم أقرباء بصلة الدم وأبناء عمومة وإخوة ربّنا . لذلك؛ إذا كان على المرء أن يفتخر بلحمه ودمه، فإن اليهود في الواقع أقرب إلى المسيح منّا ... وإذا أردنا حقاً مساعدتهم؛ فيجب أن نسترشد في تعاملنا معهم ليس بالشريعة البابوية بل بالشريعة المسيحية المتسامحة ."
في عام 1536 ميلادي ، أصدر جون فريدريك أمير ساكسونيا ( مقاطعة ألمانية) ، مرسوماً ضد اليهود، يمنعهم من الإقامة والتجارة والمرور عبر أراضي إمارته. وعلى اثر ذلك؛ اتصل أحد حاخامات اليهود بصديق لوثر يطلب منه التوسط لدى الأمير للتراجع عن مرسومه ، لكن مارتن لوثر رفض بسبب "العناد اليهودي" في عدم التحول إلى المسيحية. ولكن على مايبدو أنه كان قد تخلى عن طروحاته وأفكاره في الدفاع عن اليهود وحقوقهم بل وأخذ يعاديهم ، ثم نشر كتاب " عن اليهود وأكاذيبهم" عام 1543 ميلادي . بيد أنه من الصعب فهم سبب هذا التغيير؛ ولكن ربما لتقاطع المصالح السياسية أو كانت محاولة منه لإرضاء الكنيسة الكاثوليكية بسبب انتقاده لها، وكسب مودة الأمراء المحليين .
وفي كتابه "عن اليهود وأكاذيبهم"، اقترح مارتن لوثر أساليب جديدة لمعاداة اليهود:
1. أشعلوا النار في معابدهم ومدارسهم "لكي يرى الرّب أننا مسيحيون".
2. هدم وتدمير منازلهم .
3. يجب مصادرة جميع كتب صلواتهم ومخطوطاتهم التلمودية التي يلقنون فيها عبادة الأوثان والكذب والسّب والتجديف.
4. ينبغي منع الحاخامات من الوعظ تحت وطأة فقدان الأرواح وقطع الألسُن .
5. يجب قطع الطرق العامة تماماً أمام اليهود، إذ ليس لهم أعمال في الأرياف .
6. يحرّم عليهم الربّا، وتُصادر جميع أموالهم ومقتنياتهم من الفضة والذهب .
7. يجب على اليهود الشباب الأقوياء أن يعملوا في مهن شاقّة .

كما هو الحال عن كتابات آباء الكنيسة ؛ لايُعرف تماماً تفاصيل حياة اليهود الألمان وغيرهم في أوروبا القرون الوسطى ؛ أو أي تفاصيل أخرى عن اضطهاد اليهود للمسيحيين "دماء الأطفال التي سُفكت منذ ذلك الحين ، وتدمير أورشليم الذي لا يزال يشرق من عيونهم وجلودهم" ( المصدر - عن اليهود وأكاذيبهم)، ولربما قد أُخفيت تلك الأدلّة من الوثائق والشواهد عن عمد ، أو قد حُظرت لأسباب سياسية بحتة .
وقد استمرت أفكار مارتن لوثر عن اليهود بالتأثير والتي بدت مُقنعة في أنحاء أوروبا وصولاً إلى القرن العشرين ؛ حيث أُعيد نشر كتاب ((عن اليهود وأكاذيبهم)) بسلسلة مقالات في صحيفة دير شتورمر النازية في عام 1937 ميلادي ، واستخدمت كمبرر لحرق المعابد اليهودية في ليلة الكريستال من عام 1938 ميلادي . غير أنه في النهاية تخلّت الكنائس اللوثرية والبروتستانتية الحديثة عن أفكار وآراء لوثر بشأن اليهود واليهودية.
وفي المحصلة ؛ فقد كان الأوروبيون أول من مارس معاداة السامية ونادى بها ؛ بدءاً من غزوهم أرض الشام في الشرق قبل ما يزيد عن ألفي عام ، وحتى سقوط النازية في الغرب حوالي منتصف القرن الماضي .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جورج هولمز ـ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2001 .
توماس كوفمان ـ يهود لوثر : معاداة السامية ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2017 .
رولاند بينتون ـ أنا هنا أقف ـ طباعة ونشر دار أبينجدون ـ 2013 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزقّورات في بلاد الرافدين
- الحروب وأدواتها في بلاد الرافدين القديمة
- الماء والخلق في فلسفة طاليس
- مملكة إسرائيل في التاريخ القديم
- كيف كانت حياة الأسرة في بلاد الرافدين ؟
- المرأة في مصر القديمة
- مَن هو الرّب يهوه ؟؟
- اليهودية المبكرة من منظور تاريخي
- حقائق ملفوفة بالخيال
- مفهوم الغنوصية الفلسفي عند المسيحية
- من هم الگوتيون ؟؟
- الطبيبات في مصر القديمة
- أوروك مدينة الحضارة الأولى
- دستور حمورابي وشريعة الآلهة
- الفلسطينيون الأوائل بين الكتاب المقدّس وعلم الآثار
- إله الكلمة والثقافة البابلي في عيد أكيتو
- أهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز
- ثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين
- أور مدينة الثراء والرفاهية في بلاد الرافدين
- أريدو مدينة الآلهة


المزيد.....




- تركيا تعلن وقف التعاملات التجارية مع إسرائيل.. ووزير إسرائيل ...
- صحيفة أمريكية تتحدث عن انتصار السنوار في الحرب وهدفه النهائي ...
- الإعلان عن بطلان محاكمة أمريكية في دعوى قضائية رفعها ضحايا - ...
- تكريم سائق الفورمولا واحد الأسطوري آيرتون سينا في إيمولا وفي ...
- حانة -الكتابات على الجدران-.. أكثر من مجرد بار في بودابست
- لمواجهة الاحتجاجات.. الحكومة الفرنسية تمنح رؤساء الجامعات ال ...
- شاهد: مظاهرة وسط العاصمة الباكستانية كراتشي للمطالبة بوقف ال ...
- اليابان في مرمى انتقادات بايدن: -كارهة للأجانب- مثل الصين ور ...
- مسؤول أمني إسرائيلي: بايدن -يحتقر- نتنياهو وواشنطن تقف إلى ج ...
- ألمانيا: تراجع عدد المواليد والزيجات لأدنى مستوى منذ عام 201 ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - معاداة السامية في أوروبا المسيحية