أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - أهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز















المزيد.....


أهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7557 - 2023 / 3 / 21 - 04:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أهريمان هو الروح الشريرة في كل من الديانات : الإيرانية الأقدم (ديانة متعددة الآلهة) ، الزرادشتية ، و الزورانية (الزوروانية ـ الزورڤانية ) . كما يُوصف على أنه ربّ الظلام والفوضى ، ومصدر المصائب وخيبات الأمل ، والمحرّض على خلافات البشر .
ويُعرف أيضاً باسم " أنگرا ماينيو Angra Mainyu" (الروح الشريرة أو الروح المظلمة) . أمّا نقيضه فهو "سپينتا ماينيو Spenta Mainyu "(الروح الطيبة أو الروح المستنيرة) في لغة الأڤستا ، والمعروف باسم "أهورا مزدا" أو ( أوروماسدس Oromasdes ) .

في الديانة الفارسية الشركية المبكرة كان أهورا مزدا ربّ الآلهة وخالق العالم ، وخصمه أهريمان / أنگرا ماينيو ربّ الشرّ والأشرار . وبعد إصلاحات "زرادشت" (مابين عام 1500 وعام 1000 قبل الميلاد) ، التي جاءت بالعقيدة التوحيدية للزرادشتية ؛ أصبح أهورا مزدا هو الإله الوحيد والحقيقي ، وان جميع الآلهة الأخرى قد انبثقت تجسيداً لسلطته ؛ أمّا أهريمان فقد بقي يمثل الشّر والفوضى .
وقد حلّت الزرادشتية محل العقيدة السابقة عندما تبنتها الإمبراطورية الأخمينية (حوالي عام 550-330 قبل الميلاد) في فترة متأخرة من تاريخها (أو قبل ذلك بكثير، حسب رأي بعض العلماء) .

سؤال : ما سبب وجود أهريمان (الشّر) في عالم خلقه إله يمتلك السلطات والقدرات المُطلقة ؟ .

أجابت "الزورانية" على هذا السؤال (غالباً ما يشار إليها على أنها طائفة مُهرطِقة من الزرادشتية) ؛ في أن "زوران" الكائن الأعلى وإله الزمن ( ثنائي الجنس ) في الديانة الإيرانية الأقدم ؛ قد أنجب كلاً من أهورا مزدا و أهريمان ، وبالتالي ، لم يكن أهورا مزدا مسؤولاً عن الشّر الذي اختاره أهريمان !.
ويُعتقد أن شخصية أهريمان التي تُعّد نقيضة للخير ومحرِّضة على الشّر ؛ قد أثرّت في خلق مسّميات مماثلة في الديانات التي جاءت بعد الزرادشتية مثل ؛ "ساتان" في اليهودية ، و"الشيطان" في المسيحية ، و"إبليس" في الإسلام .

الظهور المبكر لشخصيّة أهريمان
تطور الدين الإيراني المبكر في المنطقة المعروفة باسم إيران الكبرى (القوقاز، آسيا الوسطى ، جنوب آسيا ، وغرب آسيا ) قبل الألفية الثالثة قبل الميلاد ؛ عندما كان أحد الشعوب الآرية ( آري ـ تعني النبيل أو الحرّ) ، قد هاجر واستقرّ في إيران ؛ وكان دينه متعدد الآلهة . وقد جرى الحفاظ عليه بالأعراف المتوارثة شفهياً من جيل إلى آخر، من خلال الروايات والطقوس والتقاليد .

تم إصلاح نظام تلك العقيدة الشركية من قبل النبي" زرادشت" ؛ الذي أعاد تخيّل الآلهة السابقة ليخلق منها ديناً توحيدياً جديداً ألا وهو (الزرادشتية ) . وقد تناقلت تلك العقيدة شفهياً أيضاً ؛ لأنها لم تكن مكتوبة حتى تأسيس الإمبراطورية الساسانية (عام 224-651 ميلادي) .
ومعظم ما يُعرف عن الديانة الإيرانية المبكرة قد جاء من النصوص الزرادشتية مثل : "الأڤستا" ،"البانداهيسن" ،" دينكرد "و " ڤينديداد"؛ التي تشير جميعها إلى الآلهة السابقة والقصص المعروفة الآن باسم (الأساطير الفارسية القديمة) ، وكيفية ظهور العالم و البشر والآلهة . ويُضاف إلى تلك المجموعة ؛ ملحمة "الشاه نامه" أو كتاب الملوك لمؤلفها " أبو قاسم الفردوسي" (عام 977 ـ 1010 ميلادي)؛ وهي مجموعة من الأساطير والخرافات ومواضيع أخرى .

يظهر أهريمان في النصوص الزرادشتية دون مقدمات كما لو أن المؤمنين كانوا يعرفونه مُسبقاً ، ولا شك أنه كان يشكّل جزءاً من الأعراف القديمة المتناقلة شفهياً . لذلك ؛ ليس هناك قصة لأصل أهريمان أو تطوره ، وكان ظهوره لأول مرة هو نفسه لم يتغير على مدى التاريخ . يصف الدكتور "جون راسل هينيلز" طبيعة أهريمان ، كما في المقطع أدناه :

" إنه شيطان الشياطين ، ويسكن في هاوية من الظلام اللامتناهي في الشمال (مأوى الشياطين) . الجهل والخُبث والفوضى والأذى ؛ هي صفات أهريمان . حيث يمكنه تغيير شكله الخارجي والظهور كسحلية أو ثعبان أو رجل في سن الشباب . هدفه دائماً هو تدمير مخلوقات [أهورا مزدا] ، لهذا السبب يتابع أعمال الخير أينما تكن ويسعى إلى إفسادها. وعندما يخلق أهورا مزدا الحياة وينعم بالصحة والجمال ، فإن أهريمان يجلب الموت ويسبب المرض والقُبح . وإن جميع مشاكل البشر تعود بالكامل إلى أهريمان ." (ص 52)

أكّد الدين المبكر على أن العالم الذي خلقه أهورا مزدا ؛ كان في سبع مراحل :

(السماء ، الماء ، الأرض ، النبات ، الحيوان ، الإنسان ، النار )

كان الكون عبارة عن فلك معلّق في اللاوجود ؛ و أهورا مزدا قد سكب الماء فيه لعزله عن بعضه ؛ فتكوّنت الأرض ؛ وارتفعت سماؤها فوقها ، ثم نشر المزروعات المتنوعة في الأرض . بعد ذلك ؛ قام بخلق " گاو ایوداد" أو الثور البدائي ، الذي كان جميلاً لدرجة أن أهريمان قام بقتله. وكانت إساءة أهريمان لگاو ایوداد لم تكن لسبب معين ؛ بل مجرّد أنها رغبة ! . وليُثبت أنه يمتلك القدرة الخارقة لفعل ذلك ! . ويميّز هذا الحدث المُشين جميع نوايا أهريمان الشريرة ، كما هو الحال مع نوايا أهورا مزدا الخيرّة .

حمل أهورا مزدا جثة گاو ایوداد إلى القمر، حيث تمّت تنقيتها ، ومن البذور النقية خلق جميع الحيوانات . وبذلك فقد حوّل أهورا مازدا سلوك أهريمان الشرّير السلبي إلى محتوى إيجابي . ثم خلق أهورا مزدا الإنسان الأول "کیومرث" (الذي يُعرف أيضاً باسم كيومرس) الذي كان وسيماً ، فقتله أهريمان بسرعة أيضاً ، إلاّ أن الشمس هنا تقوم بدورها في تنقية بذرة کیومرث .
بعد أربعون عاماً ، تنمو نبتة "الراوند" ( عشبة ذات أوراق كبيرة تستخدم لأغراض طبية) لتولد أول الأزواج "ماشيا" و" ماشياناگ "، اللذين يعيشان بوئام مع خالقهما بوجود النبات والحيوان على الأرض ؛ حتى يظهر أهريمان الذي أخذ يوسوس لهما بالأكاذيب ، ويخبرهم أن خالقهم أهورا مزدا إله محتال وعدوّ لهما .

يصدّق الزوجان أكاذيب أهريمان . وهكذا تدخل الخطيئة الأولى إلى العالم من خلال شكوكهما ، وبالتالي يفقدان انسجامهما مع المخلوقات الأخرى ، كما بين بعضيهما . لذا فهما لم يتمكنا من إنجاب طفل لسنوات عدة بعد نزولهما الأرض . وعندما ولدت ماشياناگ مولودها البِكر، سارعت باتخاذه طعاماً لها ولزوجها ، باعتبارهما كانا قد فقدا إدراكيهما الحسّي والعقلي !. بيد انهما وفي النهاية قد أنجبا اثنان من التوائم ، اللذان واصلا ملىء الأرض بالبشر، لكن أكاذيب أهريمان المستمرة قد أفسدت التعايش والتلاحم الإنساني ؛ لكي يظل البشر في صراع دائم .
بعد ولادة کیومرث ، كان أهورا مزدا قد صنع النار في آخر مرحلة من مراحل الخلق ، ولكن مع تدّخل أهريمان والطبيعة البشرية المتباينة ، كان ولابدّ من خلق آلهة جديدة لمساعدة الناس في حياتهم ، وخاصة في اختياراتهم الحاسمة باتباع طريق أهورا مزدا أو طريق أهريمان ، لأن هذا الاختيار سيحدد مصير كل شخص في الحياة والموت .

الزرادشتية
من المستحيل معرفة ما إذا كان هذا التركيز على أهمية حرّية الاختيار للإنسان كنمط من أنماط الدين الإيراني المبكر؛ وذلك بسبب طريقة تفسير بعض المقاطع في النصوص الزرادشتية التي يُعتقد أنها أُضيفت لاحقاً . وطالما أن زرادشت قد أصلح الدين القديم بأكمله ، لذا فمن المرجّح أن يكون مفهوم حرية الاختيار المتطور قد عُرف بتاريخ متأخر .

كان زرادشت كاهناً من كهنة الديانة القديمة الذي تلقّى وحياً مفاده ؛ أن الرسالة الإلهية قد أُسيء فهمها ، وتمّ تفسيرها بشكل خاطئ ، وإن أهورا مزدا هو الإله الوحيد وليس واحداً من آلهة ، ولابّد من إصلاح المعتقد الديني الحالي .
واجه زرادشت مقاومة شديدة في التبشير بدينه الجديد ؛ بيد أنه تمكنّ أخيراً من إقناع الملك " ڤيشتاسپا " ( ويُعرف بالفارسية القديمة گوشتاسپ ـ شخصية ليس لها ذكر في التاريخ ـ ) الذي تبعه شعبه بعد ذلك ، وتأسست الزرادشتية .
استمر أهريمان كعدّو لأهورا مزدا ، بينما أُعيد تصوّر الآلهة الأخرى على أنها من الشياطين ، أو انبثاق لصفات مختلفة من الوجود الإلهي لأهورا مزدا . وقد تأسست العقيدة الجديدة على خمسة مبادئ :

أولاً ـ أهورا مزدا هو الإله الأعظم والأوحد .
ثانياً ـ الإله أهورا مزدا يمثل عناصر الخير جميعها .
ثالثاً ـ الإله أهورا مزدا النور هو نقيض أهريمان الظلام .
رابعاً ـ يتجلّى مفهوم الخير من خلال الأفكار السليمة ، والكلمة الطيبة ، والعمل الصالح .
خامساً ـ كل إنسان لديه حرية الاختيار بين الخير والشرّ .

من المفترض أن الدين الجديد قد شمل تغيير جميع مفاهيم الدين القديم ، إلا أن التغيير في الواقع قد اقتصر فقط على مفهوم التوحيد ، مع احتفاظه بنفس الغموض ؛ "إذا كان أهورا مزدا قد خلق العالم ، فمن أين أتى كل ذلك الشرّ؟ ".
لا توجد أسطورة للخلق كي تحكي لنا عن أصل أهريمان ، ولا عن وجود أشرار هو زعيمهم ، ولا عن فيلق من الشياطين جاهز تحت إمرته . لذا يبدو أن أهريمان قد انبثق أصلاً من أهورا مزدا ، ولكن ذلك غير ممكن ؛ لأن الخير لا يأتي بالشرّ أبداً ! .

مشكلة مفهوم الشرّ والزورانية
في الواقع كانت مشكلة الشرّ أكثر الحلول صعوبة في عقيدة التوحيد ؛ لأن أهورا مزدا كان أول كائن غير مخلوق في الكون ، والذي جاء منه كل شيء آخر . فإذا كان الأمر كذلك ، فلا يجب أن يكون للشرّ مكاناً في الوجود ! ؛ ولكن تجارب البشر في الخير والشرّ تناقض هذا المبدأ ! . وبالتالي ؛ لا يمكن لأهورا مزدا من خلق عالم يتضمن مفهوماً للشرّ أصلاً ! .

تمت معالجة هذه المشكلة من خلال ما يسمى بـ "بدعة أو هرطقة " الزورانية ، والتي جعلت من زوران ؛ الكائن الأسمى وإله الزمن اللامتناهي، والذي هو في الأساس كان إلهاً ثانوياً للزمن في الديانة الإيرانية المبكرة .

لقد تمنّى زوران (ثنائي الجنس) باعتباره هو أصل الخلق الغير مخلوق في الكون ؛ أن يكون لديه ذرّية ، لذا فقد أخذ يتأمل مع نفسه لأجل أن تتحقق غايته . وأثناء قيامه بذلك ؛ واجه زروان لحظة من الشّك مع نفسه ، حول ما إذا كان قراره صائباً أم لا ؛ ولكن في تلك اللحظة وُلد أهريمان ، و أهورا مزدا من بعده .

وجد أهريمان طريقه للخروج من الرحم البدائي قبل أن يحين موعد ولادته . علماً أن المولود الأول ستكون له السيادة على الكون ؛ إلاّ أن زوران قد وضع سقفاً زمنياً لعهده يُقدّر بـ 9000 عام ، ومن ثمّ سوف يهزمه أهورا مزدا ويحلّ محلّه . لكن أهورا مزدا كان هو المقصود لتحمّل المسؤولية في خلق العالم وتوابعه ؛ غير أن الشرّ قد جاء من تلك اللحظة السريعة التي شكك فيها زوران برغبته في الخلق .

هكذا حلّت الزروانية مشكلة الشرّ ، وفضل أهورا مزدا هو الخالق القوي ومصدر الخير والنور كله ، لكن هذا الحّل يتناقض مع المبدأ الأساسي للزرادشتية في سمّو حرية الاختيار للبشر. وطالما كان الزمن (المقصود سلطة أهريمان) هو المبدأ الأول الذي يحمل جميع معاني القوّة ، فإن خيارات المرء تلك ؛ نراها ليس لها معنىً في التفسير الزرادشتي ؛ لأن الزمن قد خلقَ ، وحرّكَ ، ودمّرَ جميع الأشياء ، ولم يدع للمرء ما يفعله حيال ذلك . وسواء كان ذلك الاختيار (س) أو (ص) ؛ يبقى المرء رهينة للزمن . وبما أن مبدأ الزمن هو القوة المطلقة في الكون ، و أهورا مزدا هو مجرّد كائن مخلوق ؛ فإن الدعوات الموجهّة إليه لا يمكن أن يكون لها التأثير النهائي ؛ بسبب أن هناك قوة أعظم منه .

لا يوجد تفسير لوجود أهريمان حتى القرن التاسع عشر الميلادي وحل مشكلة مفهوم الشرّ . فقد رأى المستشرق الألماني "مارتن هاوگ " (عام 1827-1876 م) ؛ أن أهريمان لم يكن موجوداً كإله ، بل كان بمثابة تفريغ طاقة سلبي مدمّر لفعل خلق أهورا مزدا .
ولم يكن أهريمان مولوداً شريراً في الأصل من وجهة نظر المستشرق "هاوگ " ، ولكنه كان مجرّد انبثاق آخر لأهورا مزدا ؛ مثل أي آلهة أخرى في التفسير الزرادشتي ، إلاّ أنه بعكسهم ؛ فقد اختار طريق الشرّ . وعليه ؛ فإن الشرّ قد جاء من ممارسة أهريمان في حرية الاختيار، وليس من فعل الخلق الذي قام به أهورا مزدا .

نوايا أهريمان وحكاية الملك زهّاگ ( الضحّاك) ـ قصة النوروز ـ
كتب الباحث البلجيكي الدكتور "جاكس دوچيسن- گيليمين" ، التعليق التالي ؛ مشيراً إلى المفهومين الزرادشتي والفارسي :
"أهريمان الشرّير باختياره ، يقول : [ ليس الأمر أنني لا أستطيع أن أصنع أي شيء نافع ؛ لكنني لن أفعل ذلك ] . و لإثبات ذلك ؛ خلق الطاووس ." (موسوعة إيرانيكا ـ أهريمان) .

لم يكن مسعى أهريمان في تقويض الخير بشتّى الوسائل الذي يصنعه أهورا مزدا فقط لتحقيق غاية بحدّ ذاتها ؛ بل ان طبيعته الشريرة كانت هي الغاية نفسها . محاربة الخير وتعطيل الحياة في كل منعطف ؛ كل ذلك كان يجري في مصلحته. وكان بمقدوره في أي وقت من الأوقات توظيف سلطته لمساعدة البشر بدلاً من تدميرهم ، لكن هذا لم يكن في حساباته ، كما موضّح في الحكاية الاسطورية للأمير والملك لاحقاً " زهّاگ " (المعروف أيضاً باسم الضحّاك) .

في الزمن الأسطوري الذي حكم فيه الأرض الملك العظيم "جمشيد"؛ كان "زهّاگ " شابّاً وسيماً وجذّاباً ، وابناً لملك عادل وحكيم يُدعى "مرداس" ، لكن والده أفسده بتدليله ، فشبَّ كسولاً وضعيف الإرادة ، يميل إلى الضلال مع رفقة سيئة .
ذات يوم ، التقى زهّاگ بشاب ساحر ووسيم مثله ( أهريمان في هيئة شاب) ، وأصبح الاثنان صديقين حميمين . وبمرور الأيام ، أخذ أهريمان بإقناع زهّاگ في قتل والده ليصبح هو الملك ، وأخيراً اتبّع زهّاگ نصيحة صديقه الجديد .
بعد أن أصبح زهّاگ ملكًا ، اختفى صديقه تماماً ولم يلتقِ به مجدداً .

أُقترح على الملك زهّاگ تعيين طباخ جديد بدلاً من طبّاخ والده ؛ فكان طبّاخ القصر الجديد (أهريمان نفسه مرّة أخرى) . حيث كان بمقدور هذا الطبّاخ أن يحضّر أي وجبة طعام موجودة في العالم ، وكانت كل وجبة ألذّ من سابقاتها .
أراد زهّاگ أن يكافئه ، فسأله عن طلبه بما يشاء ؛ لكن الطبّاخ رفض أي ثروة أو مركز ، وطلب منه فقط السماح له بتقبيل كتفيه .
سمح زهّاگ له بذلك ؛ فاندفعت فجأةً ثعابين ضخمة من كتفي الملك التي قبلّها الطبّاخ ، واختفى الطبّاخ في تلك اللحظة .

حاول الملك زهّاگ إبعاد الثعابين من على كتفيه ، وفي كل مرة يتّم قتلها ، تظهر له مرة أخرى . لحسن الحظ (أو هكذا اعتقد زهّاگ) وصل طبيب جديد إلى القصر ، وقد كان اختصاصي ماهر (أهريمان مرّة أخرى) ، فاقترح عليه علاجاً شافياً لمشكلته . و أوضح له ان الطريقة الوحيدة للعلاج ؛ هي إطعام الثعابين رؤوس بشرية يومياً ، وإذا لم يقم بذلك ؛ فإن الثعابين سوف تبتلعه .

في ذلك الوقت ، كان الملك جمشيد قد حكم الأرض بسلام ووئام لمدة 300 عام ، حتى زيارة أهريمان له ، الذي همس إليه كما فعل منذ فترة طويلة مع الملك الأول "ييما الحكيم" . حيث أقنع أهريمان الملك جمشيد في أن ليس لديه حاجة للآلهة ومشورتها ، وعليه أن يفكر بإسعاد نفسه فقط . ومنذ تلك اللحظة ؛ أصبح جمشيد ملكاً ظالماً مستبداً ، وعانى منه شعبه كثيراً . وعندما تحرّك زهّاگ ضده ؛ حصل على مساندة ودعم الجميع . فأطاح زهّاگ بالملك جمشيد ، وشطره بالسيف إلى نصفين ، وتولّى العرش بدلاً منه .

شعر الناس بسعادة غامرة في بادئ الأمر لحين اكتشافهم أن زهّاگ هو أكثر استبداداً وسوءاً من سلفه جمشيد . وليس هذا فحسب ؛ بل أخذوا يفقدون الأصدقاء والأقارب الذين يُساقون يومياً إلى القصر ؛ بغية قطع رؤوسهم وإطعامها لثعابين كتفي زهّاگ .

استمر الخوف والرعب في عهد زهّاگ ، حتى دعوة الثائر "كاوه الحداد" بالتمرّد والعصيان ضد الظلم والطغيان ، وذلك بسبب فقدانه ثمانية عشر من أبنائه الذين قُدمّوا قرابيناً لثعابين زهّاگ . وطلب دعماً ومؤازرة من مواطنه البطل "فريدون" (المعروف أيضاً باسم ثرأتونا ) لقيادة ثورة الشعب . وبعد قيام الثورة الشعبية العارمة ؛ أُطيح بالملك زهّاگ وتَرْكه مقيّداً ينزف في أسره على جبل "دماوند" ؛ بينما أعاد فريدون الاستقرار والسلام إلى العالم ، وتلك هي مناسبة أعياد النوروز .

في هذه الحكاية ، كما في أي حكاية أخرى تتعلق بـ أهريمان ، فهو لا يجني شيئاً بموت مرداس ، ولا باستبداد زهّاگ وجمشيد ، ولا بآلاف الشبّان الذين كانوا ضحايا للثعابين ؛ سوى سعادته بمحاربة الخير وأهدافه ، وزجّ عالم أهورا مزدا في دوّامة الفوضى والإرباك . كما أن أهريمان في تلك الحكاية قد جسّد التحديات الغير متوقعة والغير سارّة في الحياة التي يبدو أنها تأتي بدون سبب ، بهدف زعزعة أفكار الناس في خططهم الآنية والمستقبلية .

تعليقاً على أصل الخير والشّر؛ كتب الفيلسوف اليوناني "بلوتارخ" (عام 46-120 ميلادي) في كتابه (إيزيس وأوزوريس) ، التالي :

" حسب قانون الطبيعة ؛ لا شيء يأتي إلى الوجود دون سبب ، وإذا كان الخير لا يمكنه أن يمنع الشر؛ فهذا يعني أن الطبيعة يجب أن تكون منبعاً للشرّ وأصله ، تماماً مثلما هي منبعاً للخير وأصله." (ص 45)

من وجهة نظر بلوتارخ ، فإن الطبيعة ( أو الحياة نفسها ) هي التي تحتوي على ثنائية ما يفسرها البشر على أنه "خير" و "شر". ويمثلان كلاً من أهريمان و أهورا مزدا . كما أن الطبيعة المزدوجة للوجود كما يراها البشر؛ فهي الخير الذي يعني الاستقرار ، والشرّ الذي يتمثل بالفوضى . وإذا ما كانت الطبيعة تحمل بالفعل تلك الازدواجية ، فهو أمر يمكن تفسيره على أن له صلة منذ لحظة انبثاقها .
بالنسبة إلى أهريمان ، فإن أصله ليس لغزاً؛ لأنه مثل أهورا مزدا أو أي إله آخر. وبالتالي فإنهما يمثلان معاً سلوك البشر في الخير والشرّ .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاكس دوتچيسن- گيليمين ـ أهريمان ـ بحث نشر في موسوعة إيرانيكا بتاريخ 15 كانون الأول / ديسمبر 1984 .
آرثر كوتيريل & وراشيل ستورم ـ الموسوعة الكاملة للأساطير: من الألف إلى الياء لأساطير العالم القديم ـ ساوث ووتر للنشر ـ 2012 .
ڤستا سرخوش كورتيس ـ أساطير فارسية ـ مطبعة جامعة تكساس ـ 1993.
كاوه فاروخ ـ ظلال في الصحراء: بلاد فارس القديمة في الحرب ـ أوسبري للنشر ـ 2007 .
جون هينيلز ـ الأساطير الفارسية ـ تشانسلر للنشر ـ 1997 .
گلين هولاند ـ آلهة الصحراء: أديان الشرق الأدنى القديم ـ رومن و ليتلفيلد للنشر ـ 2010 .
هوما كاتوزيان ـ الفرس: إيران القديمة والعصور الوسطى والحديثة ـ مطبعة جامعة ييل ـ 2010 .
أي . تي . أولمستيد ـ تاريخ الامبراطورية الفارسية ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 1959 .
فرانك كول بابيت ( المترجم ) ـ بلوتارخ: موراليا ، المجلد الخامس ، إيزيس وأوزوريس ـ مطبعة جامعة هارفارد ـ 1936.



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثماني نساء خالدات في تاريخ بلاد الرافدين
- أور مدينة الثراء والرفاهية في بلاد الرافدين
- أريدو مدينة الآلهة
- الملك سنحاريب وخراب بابل
- انتقال الفلسفة إلى الدين
- الملك السومري شولگي أورـ نمّو
- هل الملكة الآشورية سموـ رامات هي نفسها سميراميس ؟؟
- طريق الحرير
- أرض إيبر ـ ناري وتأريخ سوريا القديم
- الرسائل والبريد في العالم القديم
- الزراعة في تأريخ بلاد الرافدين
- حرب الطحين طريق إلى الثورة
- أورشليم المدينة التأريخية المقدّسة
- عاجيّات النمرود
- ورش الفنّ في عصر النهضة
- الإضطراب العمٌالي الأول في التاريخ
- مدينة أكد وسيرة ملوكها
- مَنْ هم الإسماعيليون النِزاريون (الحشّاشون) ؟
- حياة الرهبنة في أديرة القرون الوسطى
- گلگامش والحياة الأبدية


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - أهريمان الشرّير في العقائد الإيرانية وقصة عيد النوروز