أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - مَنْ هم الإسماعيليون النِزاريون (الحشّاشون) ؟















المزيد.....

مَنْ هم الإسماعيليون النِزاريون (الحشّاشون) ؟


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7186 - 2022 / 3 / 10 - 08:54
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الإسماعيليون النِزاريون ويعرفون أيضاً باسم (الحشاشّون) ؛ وهم طائفة قوية منشقّة عن المسلمين الشيعة ، وكان لهم وجود في بلاد فارس وسوريا خلال القرن الحادي عشر الميلادي حتى هزيمتهم على يد المغول في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي .
الإسماعيليون كانوا آمنين في قلاعهم المحصنّة على الهضاب وقمم الجبال ، إلاّ أن سمعتهم كانت سيئة للغاية ؛ بسبب استراتيجيتهم المتمثلة في استهداف وتصفية المعارضين لهم بدوافع سياسية أو دينية .
أطلق أعداؤهم على الطائفة لقب (الحشّاشون ) أو( القتلة ) في إشارة إلى استخدامهم الحشيش المخدّر بكثرة . ومازال الإسماعيليون النِزاريون متفرقين في بلدان عديدة ولغاية اليوم .

الحشّاشون أو القتلة ( Assassins )
كان الإسماعيليون النِزاريون يتعاطون أوراق القنّب المطحونة (الحشيش) ؛ والتي تحتوي على مخدّر طبيعي . ويقال إنهم يَقْدِمون عليها قبل أن يشرعوا في مهمة اغتيال أيّاً من معارضيهم . وبما أن الإسماعيليين النِزاريين استخدموا استراتيجية الاغتيال في كثير من الأحيان ، فإن كُنية ( الحشاشون أو القتلة ) التي استخدمها العرب في القرون الوسطى لوصف عاداتهم في تعاطي المخدرّات أصبح مرادفاً لهم ، وذلك عند تصفية خصومهم السياسيين أو المختلفين معهم دينياً .
قد يكون استخدام المخدرات من قبل الحشاشين وسيلة لترهيب أعدائهم وبيان قدراتهم الغير عادية ؛ واستعدادهم الكبير في التضحية من أجل قضاياهم . ولربما لم يكونوا قد استخدموا أياً منها أبداً ! .وأنّ سُمعتهم في إستخدام المخدِرّات كانت مجرّد دعاية سياسية عدائية مبررّة لتفوقهم واقتدارهم في القضاء على منافسيهم الذين لا يمتلكون نفس العزيمة لردعهم !.

المعتقدات
الإسماعيليون فرقة مسلمة من المذهب الشيعي تشكلت في القرن الثامن الميلادي بعد انشقاقهم عن المسلمين الآخرين بسبب تمسكهم بالإمام إسماعيل (المتوفى قبل أبيه عام 760 م) ؛ الابن الأكبر للإمام السادس "جعفر الصادق" (توفي عام 765 م) .
اعتقد الإسماعيليون في أن إسماعيل رغم وفاته قبل والده ، إلاّ أنه كان قد رشّحه خلفًا له. وعليه ؛ كان الإمام (السابع) التالي هو ابنه "محمد بن إسماعيل المهدي" ( المكتوم) .ويأتي ذلك على عكس توجه عامّة الشيعة في اختيارهم شقيق إسماعيل الإمام "موسى الكاظم" (المتوفي عام 799 م). لهذا السبب كثيراً ما يشار إلى الإسماعيليين باسم "السبعية" لانتهاء الإمامة عندهم بـ محمد بن إسماعيل . وكان الإسماعيليون ينتظرون وإلى الآن ظهور إمامهم المهدي ( محمد بن إسماعيل المهدي ) أو " الخليفة الراشد " بعد غيبته. إلاّ أن الشيعة الإثنا عشرية يختلفون معهم ؛اذ يعتقدون أن (محمد بن الحسن بن علي المهدي ) هو المتمم لسلسلة الأئمة، وهو الإمام الثاني عشر والأخير الذي سيأتي "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً" .
أيّاً كان الأمر ؛ فإن الجماعات الإسلامية الأخرى تنظر إلى الإسماعيليين على أنهم زنادقة ؛ ليس من قبل عامّة الشيعة فحسب ؛ بل حتى من الخلافة العباسية السنيّة أيضاً .

في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ؛ انقسم الإسماعيليون أنفسهم إلى مجموعتين بعد نزاع أُسَري حاد وخيبة أمل في الخلافة الفاطمية ومركزها مصر ؛ والتي كان يقودها الإسماعيليون (عام 909-1171 م) ؛ لتحقيق أهدافهم في السيطرة على جميع المسلمين . وأُطلقت تسمية الفرع الشرقي للطائفة "الإسماعيليون النِزاريون "، على اسم إمامهم " أبو منصور نزار المصطفى لدين الله" (عام 1047-1097 م) ، والذين أصبحوا معروفين باسم "الحشّاشون ". حيث كان النِزاريون أكثر تشدداً من منافسيهم في الشّق الإسماعيلي الغربي ( المُستعلين ) ؛ الذين أطلقوا على أنفسهم لقب " طائفة البهرة" .

المناطق والتجمّعات
الإسماعيليون النِزاريون ؛ فرقة شيعية أسسها الداعية المصري حسن بن الصباح (عام 1048-1124 م) ، والذي اتخذ من قلعة في إيران مقرّاً لنشر دعوته الدينية والسياسية ، والتي يشبه تنظيمها إلى حد كبير النمط الأوروبي لفرسان العصور الوسطى .
تم تلقين وتعليم الأتباع وتدريبهم ؛ ومن ثم تصنيفهم حسب تنوع قابلياتهم وحماستهم ، وذلك بعد أدائهم القسم في الطاعة والولاء المطلق لداعيتهم .
توسعت المجموعة وأصبحت طائفة كبيرة لها أتباع كُثر ، وتمكنت في النهاية من الحصول على سلسلة من القلاع على قمم الهضاب والجبال في إيران ما بين عام 1130 وعام 1151 م . وكانت لهم عدة معاقل في الشمال السوري وفي مناطق حدودية مشتركة مع الصليبيين في الداخل السوري ، وأهمّها منطقة (حصن مصياف ) في وادي العاصي ، إذ تم الاستيلاء عليها عام1141 م ، والتي أصبحت العاصمة النزارية الفعلية لـ "دولة الحشاشين الصغيرة" في سوريا.
فشلت الحملة الصليبية الثانية (عام 1147- 1149 م) في استعادة إقليم (الرها) من سيطرة المسلمين . وكان تقهقر الجيشين الكبيرين بقيادة الملك الألماني كونراد الثالث (عام 1138-1152 م) ؛ والملك لويس السابع ملك فرنسا (1137-1180 م) ؛ قد سمح للإسماعيليين النِزاريين بالبقاء دون منازع في شمال سوريا ؛ وحتى انهم كانوا يقدمون الرشى الى القادة الصليبيين للحفاظ على مواقعهم ، أو حتى دعمهم في الحروب ضد المسلمين السنّة في مناطقهم .

في حلول القرن الثالث عشر الميلادي ؛ انتشر الإسماعيليون النِزاريون في كل من : مصر ؛ سوريا ؛ اليمن ؛ جنوب العراق ؛ جنوب غرب إيران (خوزستان) ؛ وأفغانستان . على الرغم من أنهم قد ظلّوا معزولين عن أعدائهم وعن بعضهم البعض ؛ إلاّ أنهم كانوا محصنين في قلاعهم القوية .
انتشرت الشائعات عن أماكن تواجدهم ، كما أن رئيس طائفتهم بات معروفاً لدى الغرب باسم "شيخ الجبل"؛ وذلك عبر جيوش الصليبيين المحيطة . وقد ارتبط هذا العنوان بشكل خاص مع الإمام العراقي المولود في البصرة " سنان بن سلمان بن محمد، والمعروف باسم - رشيد الدين "(1169-1193 م).
كانت أهم قلاع النِزاريين هي قلعة "ميمون دز" الجبلية ، والتي تقع شمال وادي الموت جنوب بحر قزوين . وهي واحدة من أوائل القلاع التي استولى عليها النِزاريون عام 1090م ؛ والتي أصبحت فيما بعد مركزاً للطائفة في إيران ، وموطناً للإمام أو "شيخ الجبل". وكانت القلاع تُبنى عادة من الحجر مع هياكل خشبية متنوعة ؛ غير أن بعضها كانت عبارة عن ترتيبات دفاعية معقدّة .

استراتيجية الإغتيال
لم يتمتع النِزاريون بقوة عسكرية كبيرة ؛ ولكن كانت لديهم استراتيجية مبتكرة في استهداف خصومهم الأقوياء . والسلاح المفضل للاغتيال دائماً هو (الخناجر) ، وغالباً ما كان تنفيذ المهمات يجري من خلال مجموعة صغيرة من الفدائيين المتطوعين ؛ والمتخفين بهيئة متسولين أو متصوفين أو رجال دين . كان الاغتيال يُخطط له في كثير من الأحيان ليتم تنفيذه في مكان مزدحم ؛ وذلك لتعظيم النتائج السياسية والدينية للواقعة. ولم يكن في الحسبان أن ينجو القتلة بعد تنفيذ المهام الموكلة إليهم . وكان الرجال على استعداد للموت من أجل "شيخ الجبل " ؛ ولكن الأسباب ليست كما يُعتقد !.
"ماركو پولو" (1254-1324 م) ، الرّحالة والمستكشف الإيطالي ؛قدّم التفسير التالي في كتابه ( رحلات ماركو پولو ) عن حقيقة استخدام الإسماعيليين الفدائيين للحشيش :

"سُميَّ الشيخ في لغة الدين ... في وادٍ جميل وساحر محاط بجبلين شاهقين؛ كانت هناك واحة خضراء تجد فيها ما لذّ وطاب من الفاكهة النادرة والثمينة جداً والنباتات العطرية ... قصور بأحجام وأشكال مختلفة قد أُقيمت ... كان سكان تلك القصور من النساء الجميلات والأنيقات يجيدنّ الرّقص الذي فيه مظاهر الغزل والإغراء مع طرب الغناء وحلاوة الموسيقا ... يومياً ؛ كان الشباب يتحدثون عن الجنّة الذي أعلن عنها الاسلام ... في أوقات محددة يُدَسَّ الحشيش لعشرة أو لاثني عشر من الشباب ؛ وعندما يغطّون في النوم ؛ يُنقلون إلى قصور الواحة الخضراء . ويجد كل شاب نفسه عند استيقاظه محاطاً بفتيات جميلات ؛ فيبدأ الغناء والرقص واللهو والمداعبة ، ويُقدَّم له بين الفينة والأخرى شراب لذيذ وساحر حتى يثمل، مع الإفراط في الاستمتاع والابتهاج ... لأنه كان مؤمناً بجسده وعقله ؛ أنه في وسط الجنّة ... وعندما تمض أربعة أو خمسة أيام على هذا النحو ، يُلقى بالشباب في النوم مرة أخرى ، ومن ثم يُعادون الى معسكراتهم حيث كانوا . بعد ذلك يسألهم (شيخ الجبل) : أين كنتم ؟ ، فيكون جوابهم : (في الجنّة برضا مولاي) . ثمّ يخاطبهم شيخ الجبل ؛ قائلاً: ( لدينا أحاديث عن رسولنا الكريم ؛ أن من يدافع عن مولاه قد يرث الجنّة ؛ ولو نذرتم أرواحكم في طاعتي ، فإن الفوز العظيم في انتظاركم )". (الفصل الثاني والعشرون)
العبارة أدناه تؤيد ما جاء في المقطع أعلاه من كتاب (چيشيچي) عام 1263 م ؛ لمؤلفه الصيني "چونگ دا "، الرحالّة والمسؤول في الحكومة الصينية ؛ كتب عن الحشّاشين في التعليق التالي :
" يبحثون عن أي رجل قوي و يغررون به ماديّاً ... ثم يقومون بدّس الحشيش له ، بعد ذلك يأخذونه إلى قبو حيث الموسيقا والغناء والجمال . يتركونه منغمساً في متعته الى أبعد الحدود ؛ وعندما يعود إلى رشده يقولون له ؛ إذا مُتّ فدائياً ، فسوف تَنلّ هذه الجنّة في الآخرة ". ( هيلينبراند ، ص 24)

ضحايا الحشّاشين
من بين ضحايا الحشاشين كان اغتيال الوزير السلجوقي (نظام الملك) الذي قُتل في 14 تشرين الأول/أكتوبر 1092م؛ والخليفة العباسي المسترشد بالله . أمّا الضحية المسيحية الأولى فقد كان (ريموند الثاني) حاكم مدينة طرابلس عام 1152 م . لربما أثار الحاكم ريموند الحشاشين بمنح فرسان الإسبطارية ( فرسان القديس يوحنّا ) مساحة شاسعة من الأرض بالقرب من معسكرهم عند جبال النُصيرية في سوريا . وفي محاولة فاشلة وغير ناجحة للعثور على القاتل ؛ حصلت مذبحة لجميع السكان المشرقيين الأصليين في مدينة طرابلس .

الضحية الأبرز الذي أُغتيل على يد الحشاشين ؛ الماركيز (كونراد من مونفيراتو) ملك بيت المقدس في 28 أبريل/نيسان من عام 1192 م ؛ إذ تعرض للطعن في إحدى الليالي أثناء عودته إلى المنزل بعد دعوة عشاء في مدينة صور ؛ فتصدّت له مجموعة من الحشاشين متنكرّين بزيّ الرهبان ، ثمّ استوقفوه وعرضوا عليه رسالة كانت بحوزتهم ، فطُعن بخنجر على حين غرّة ؛ فأردوه قتيلا .

في بعض الأحيان كان الحشّاشون يُتهمون في حوادث غامضة ؛ لدرجة أن أحداً لم يكن متأكد من أنهم هم الذين يرتكبون تلك الأفعال الشنيعة ، وكان أحد هؤلاء الضحايا ؛ (مودود بن التونتكين ) والي الموصل ؛ الذي تعرض للاغتيال وسط فناء المسجد الكبير في دمشق (2 تشرين الأول/أكتوبر 1113 م ) عندما اقترب القاتل منه طالباً الصدقة ، ثم أمسكه من حزامه وطعنه مرتين في بطنه.
قُبض على القاتل وقُطع رأسه وأُحرق جسده ؛ وكانت الشكوك تحوم على الإسماعيليين النِزاريين .
ولكننا نتساءل للإنصاف : كم كان عدد الجرائم الغامضة التي يمكن أن تُنسب بحق إلى طائفة النِزاريين ؟ وكم كان أعداد الضحايا المغدورين الذين ليس لهم علاقة بها أبداً لكنها حُسبت عليهم ؟

كان (صلاح الدين الأيوبي) والياً على مصر وسوريا عام (1174-1193 م) وقد أعلن ؛ ​​أن جميع الزنادقة المسلمين سوف يُصلبون . ردّ الحشاشون عليه بطريقتهم المُجرّبة والمعروفة في الاغتيال . رغماً من ذلك ، فقد فشل النزاريون مرتين في النَيْل منه .
في عام 1175 م فشلت مجموعة مكونة من ثلاثة عشر شخصاً في الاقتراب من هدفهم . وفي المرة الثانية عام 1176 م ، إذ تمكن أربعة فدائيين فقط من إصابة درع صلاح الدين الأيوبي دون خرقه وجرحه في وجهه ، قبل أن يتمكن حارساه من القبض عليهم وقطع رؤوسهم .
كانت ردود فعل صلاح الدين على تلك الاعتداءات ؛ هي تدمير حقول ومزارع الريف التي تحيط مدينة مصياف ؛ ومحاصرة قلعتها لمدة أسبوع . ثم تراجع بجيشه وأنهى حصاره لها فجأة دون سبب معروف . كان تفسير هذا التحوّل في الرواية ؛ من أن الحشاشين قد اقتحموا خيمة صلاح الدين ليلاً ولكن بدلاً من قتله تركوا خنجراً تحت وسادته كتحذير له ، ما يعني يمكن الوصول إليه متى شاؤوا . وهذه الحكاية هي مشابهة لقصة والي حلب والرها ( نور الدين زنكي ) 1146-1174 م ؛ الذي تلقّى تحذيراً مماثلاً ورد في نصّ إسماعيلي ؛على أن الحشّاش قد ترك كعكة مسمومة تحت وسادة الوالي مع رسالة تقول له " أنت في قبضتنا ".

المغول وضربة النهاية
مونكو خان ؛ رابع خانات الإمبراطورية المغولية والذي دام حكمه ثماني سنوات (1251-1259 م) ؛ حيث كان نائباً للخان في إيران ؛ كما أنه الشقيق الأصغر لـ هولاكو خان (المتوفي 1265 م) . طلب منه هولاكو ان يتوسع في حملته العسكرية لتشمل غرب الامبراطورية انتقاماً من النزاريين ؛ بسبب محاولتهم اغتيال القائد المغولي تشاگاداي .
لقد نجح مونكو خان في هزيمتهم عام 1256 م ، والاستيلاء على قلاعهم الواحدة تلو الأخرى والتي كانوا يعتقدون في أنها منيعة ؛ بما في ذلك قلعة الموت .
كان المغول متفوقون على الحشاشين عسكرياً بفضل معداتهم الحربية المتطورة تقنياً ، ومقذوفات مقاليعهم كانت تصل بدقة وقوة إلى مسافات بعيدة . ومن أجل إيقاع الضرر البليغ في قلاع الحشاشين التي تعلو قمم الجبال ؛كان المغول يتسلقون القمم المجاورة حاملين معهم أقواسهم وسهامهم وجميع معدّاتهم ، بالإضافة إلى مقاليعهم المفككة والتي عندما يصلونها يعيدون تجميعها من جديد ؛ ليسهل عليهم إصابة أهدافهم المحددة .
لم يقف الحشاشون مكتوفي الأيدي خلف الجدران المحصنّة ؛ بل كان لديهم مقاليعهم ودروعهم وسهامهم التي تسببت بخسائر كبيرة في صفوف المغول . وقد وصف المؤرخ الفارسي "عطا ملك جويني" (عام 1226-1283 م) جيش المغول بطريقة شاعرية لإحدى الهجمات التي شنّها على ثكنات الحشّاشين في كتابه ( تاريخ الإمبراطورية المغولية ) ، كما في المقطع أدناه :
"...كان الشباب يشقّون الشعور بالرماح مثل السهام ، وكانوا ( الحشاشون) يرتجفون قبل الحجر والسهام .. والسهام كانت رماح القَدرْ التي أرسلها ملك الموت إلى هؤلاء البائسين ، فانهمرت عليهم مثل البَرَدْ على السُحب التي تشبه الغربال . " ( تورنبول ص 55)

في النهاية ؛ تم الاستيلاء على جميع القلاع وأُسر القائد الأعلى للحشّاشين ركن الدين خورشاه ؛ الذي أقتيد إلى قراقورم عاصمة الإمبراطورية المغولية بأمر من مونكو خان الذي رفض مقابلته ؛ وتخلّص منه سجّانوه وهو في طريقه إلى قراقورم .
كانت تلك النهاية لحاكم قد تجاهل بحماقة جميع المبادرات الدبلوماسية للمغول والذي لم يرعوي قبل سقوط قذيفة المنجنيق الأول . وكان من الصعب جداً تبرير أفعال خورشاه عندما أرسل أربعمائة حشّاش في محاولة فاشلة لإغتيال الخان مونكو .

عندما سقطت قلاع الحشاشين ؛ أقام المغول مجزرة مؤلمة في قتل ساكنيها بما في ذلك النساء والأطفال فضلاً عن الرجال . أمّا من حالفه الحظ في البقاء على الحياة من النساء والأطفال فقد تمّ بيعه في سوق العبيد .
هكذا تم القضاء على الإسماعيليين النِزاريين في بلاد فارس ؛ لكن القليل من قلاعهم قد بقيت في سوريا قبل أن يهاجمها الملك المملوكي (الظاهر بيبرس) سلطان مصر وسوريا ( 1260 ـ 1277 م) .
في حلول سبعينيات القرن التاسع عشر الميلادي ؛ استولى المماليك على العديد من قلاع الحشاشين المتخفين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط . إذ كان لا يزال هناك عدد من الإسماعيليين النزاريين مختبئين منذ ذلك الحين .

عندما زحف الجيش المغولي إلى بغداد ؛ كانت هناك فرصة مواتية لنهب خزائن ومكتبات الحشّاشين التي لم يطلها التدمير المغولي ، مما أدى إلى إنقاذ العديد من اللفائف والمخطوطات القديمة المعرّضة للتلف (انتهى المطاف بمعظمها في مدينة مراغة شمال غرب إيران ) ؛ ولكن غالبية الكتب والمخطوطات التي كانت لها صلة بالمعتقدات والطقوس الإسماعيلية ؛ قد حُرقت أو ألقيت في ماء النهر؛ وتُرك للمؤرخين بقايا لفائف ليس لها قيمة تاريخية كبيرة . وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي ؛ انتقلت بعض العوائل المتفرقة إلى الهند ليؤسسوا مجتمعاً صغيراً لهم هناك .

أخيراً ؛ ربما انتهى وجود الحشاشين في نهاية القرون الوسطى ؛ لكن الإسماعيليون النِزاريون استمروا كطائفة إسلامية شيعية لها وجود في أنحاء متفرقة من العالم . وتم إطلاق لقب (آغا خان) على زعمائهم في إيران منذ عام 1817 م .
الإمام الحالي للإسماعيليين النِزاريين ؛ هو الأمير ورجل الأعمال المشهور الملياردير (شاه كريم الحسيني آغا خان الرابع) ؛ والذي تولّى زعامة الطائفة منذ عام 1957 م وحتى الآن . أما في الوقت الحاضر؛ فهو مقيم في كندا والحائز على جنسيتها ، ويملك بناية متحف التراث والتاريخ الإسماعيلي الإسلامي ( متحف آغا خان Aga Khan Museum) الذي يشغل مساحة واسعة جداً من الأرض في وسط مدينة تورونتو الكندية ؛ كما أنه يتنقل في بعض الأحيان ما بين دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، والحائز على جنسياتها أيضاً .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
پاول بيول ـ الإمبراطورية المغولية ـ ليتلفيلد للنشر ـ 2018 ,
ألبرت حوراني ـ تاريخ العرب ـ دار فابر للنشر ـ 2013 .
ديڤيد نيكول ـ الحروب الصليبية الثانية ـ أوسبري للنشر ـ 2009 .
رولاند أوليڤير ـ تاريخ كامبريدج لأفريقيا ـ جامعة كامبريدج للطباعة ـ 1977.
ماركو پولو ـ رحلات ماركو پولو ـ بينگوين كلاسيكس ـ 1958.
ستيفن تورنبول ـ جنكيز خان والغزوات المغولية 1190-1400 ـ أوسبري للنشر ـ 2003 .
كريستوفر تيرمان ـ حرب الإله ـ بلكناب للنشر ـ 2009 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حياة الرهبنة في أديرة القرون الوسطى
- گلگامش والحياة الأبدية
- وداعاً سعدي جبار مكلّف
- قصة أسفار ابن بَطُوطَة
- معركة الملك نارام سين مع الآلهة ( لعنة أكد )
- الأدب في التأريخ القديم
- مفاهيم الحبّ والجنس والزواج في روما القديمة
- تيامات - الإلهة الأم في قصة الخلق البابلية
- عقيدة الدين في بلاد الرافدين
- رحلة الإلهة إنانا إلى العالم السفلي
- العفريت پازوزو من أرض آشور إلى هوليوود
- أدب نارو الرافديني
- أفخم الاحتفالات الملكية الآشورية في التأريخ
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج4) الأخير
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج3)
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج2)
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( الجزء الأول )
- قصة صعود ونزول آدم في الأسطورة البابلية (أداپا)
- هل كان جمال كليوپاترا سبباً في شهرتها ؟
- ( من روائع الأدب البابلي القديم ) قصيدة لدلول بل نيميقي صرخ ...


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - مَنْ هم الإسماعيليون النِزاريون (الحشّاشون) ؟