أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - معركة الملك نارام سين مع الآلهة ( لعنة أكد )















المزيد.....

معركة الملك نارام سين مع الآلهة ( لعنة أكد )


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 04:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لعنة أكد ؛ هي قصة تعود إلى فترة أور الثالثة من بلاد الرافدين ( عام 2047-1750 قبل الميلاد) ، رغم الاعتقاد في أنها أقدم من ذلك التأريخ . تلك القصة تحكي لنا عن الملك الأكدي " نارام ـ سين " (عام 2261-2224 قبل الميلاد) في مواجهته للآلهة وخاصة الإله "إنليل " .
يعتبر "نارام ـ سين" من أهم ملوك الإمبراطورية الأكدية بعد مؤسسها (جدّه) "سرگون الكبير" (عام 2334-2279 قبل الميلاد). إذ قام بتوسيع حدود الإمبراطورية ، وعزّزها في السلطة والهيبة والقوة العسكرية .
أصبح نارام ـ سين وجدّه مادة أدبية في العديد من الحكايات والأساطير على مرّ قرون عدّة ؛ فقد كانت قصصهم من بين الحكايات الأكثر شهرة في جميع أنحاء بلاد الرافدين خلال فترة حكم الملك الآشوري "آشور پانيپال " ؛ وذلك عندما أمر في جمع واقتناء الأعمال المكتوبة من بقاع الأرض المختلفة ، وحِفظها لدى مكتبته الشهيرة في نينوى (القرن السابع قبل الميلاد) ومن ضمنها المجموعة الكبيرة من قصص الملوك الأكديين .

أصل الحكاية
لعنة أكد ؛ هي نوع من أنواع الأدب الرافديني القديم الذي ظهر في الفترة الاكدية ، ويُعرف باسم " أدب نارو" ، وعادة ما يتميز في حضور شخصية مشهورة (ملك) من التاريخ ومنحها دوراً رئيسياً في حكاية مواعظية تبيّن علاقة البشر مع الآلهة.
في الحقيقة ؛ هذه القصص من ذلك الصنف الأدبي في الأساس لاتُعد تاريخية بحتة ، أو على أقل تقدير يمكن اعتبارها {شبه تاريخية} . القصة المعروفة باسم "الثورة الكبرى" على سبيل المثال ؛ ربما تكون مبنية على انتفاضة جماهيرية وقعت في وقت مبكر من عهد الملك نارام ـ سين ؛ ولكنها لا تتعلق في الأصل مع أحداث قصتنا ( لعنة أكد ) بشكل واقعي ، وينطبق ذلك الشيء نفسه على القصة التي أصبحت تعرف باسم " أسطورة كوثا "، والتي تتعامل أيضاً بشكل مباشر مع الملك نارام ـ سين .
من خلال تلك القصص وغيرها قد جعلت من الأجيال اللاحقة أن تربط شخصية نارام ـ سين مع أسطورة لعنة أكد ، والتي تروي قصة تدمير مدينة أكد بمشيئة الآلهة ؛ بسبب معصية ملكها (نارام ـ سين) . كما أنها تعالج بشكل مثير للغاية مشكلة المعاناة التي تبدو بلا معنى عند تصويرها لمحاولة الملك نارام ـ سين في انتزاع سبب بؤسه من الآلهة عن طريق القوّة .

وفقاً للنص المذكور في الألواح الطينية ؛ فقد رفع الإله السومري العظيم "إنليل" رعايته عن مدينة أكد، وبسبب ذلك ؛ فقد مُنعت الآلهة الأخرى من دخول المدينة ومباركتها .
لا يعرف نارام ـ سين ما يمكن فعله لتحمّل هذا الاستياء الإلهي ؛ لذا فهو أخذ يصلّي ويسأل عن البشائر والتنبؤات ، ومن ثمّ يقع في اكتئاب مدته سبع سنوات وهو ينتظر إجابة شافية من إلهه. أخيراً سئم الانتظار ، وكان غاضباً طوال الوقت لأنه لم يتلق الإجابة ، حتى أنه أعدّ جيشاً سار به إلى معبد إنليل في "إيگور" عند مدينة نيپور كي يدمرّه .
"يضع المجارف على أعمدته ليهدمها ، ومعاوله في الأساسات ليقلعها ، حتى بدا المعبد ساجداً مثل محارب قتيل" (ليك ، اختراع المدينة ، ص 106).
هذا الهجوم العسكري العنيف ؛ بالطبع الذي أثار غضب ليس فقط الإله إنليل ؛ بل الآلهة الأخرى أيضاً الذين بدورهم قد بعثوا "الگوتيوم Gutium " (وهم أقوام لا يعرفون الخوف ، يمتلكون غرائز بشرية ولديهم ذكاء الكلاب وخصائص القرود) ، لغزو مدينة أكد وجعلها أطلال . إذ خلّف ذلك الغزو المجاعة الواسعة لشعبها والدمار الرهيب للمدينة ، وحتى جثث الموتى تُركت متعفنة في الشوارع والمنازل ، والمدينة بأجمعها كانت في حالة خراب . وعند نهاية القصة تنتهي مدينة أكد والإمبراطورية الأكدية بسبب غطرسة ملكها تجاه الآلهة .

على الرغم من شيوع هذه القصة ؛إلاّ أنه لم يُعثر على دليل تاريخي يثبت صحة تلك الواقعة في تدمير معبد إنليل ، وخراب إيگور في مدينة نيپور من قبل الملك نارام ـ سين . ويُعتقد أن لعنة أكد كانت حكاية قد كُتبت وأُضيفت لاحقاً للتعبيرعن " قلق عقائدي لتثبيت شروط العلاقة المطلوبة بين الآلهة والملك المُطلق اليد "(ليك ، ص 107) . وقد اختار مؤلف تلك الحكاية مدينة أكد وملكها نارام ـ سين على رأس الحدث بسبب وضعهم الأسطوري في ذلك الوقت . لكن في الواقع ؛ أن الملك نارام ـ سين وحسب السجلاّت التاريخية كان كريماً مع الآلهة ، وتقيّاً مُلتزماً في إخلاصه لها . على الرغم من أن أدب نارو كان صنفاً شائعاً جداً في بلاد الرافدين ، إلاّ أنه في الغالب وعلى ما يبدو أن أحداث الماضي التي أوردتها تلك القصص قد أصبحت مقبولة كتاريخ حقيقي فيما بعد .

أن لعنة أكد قد تعالج العلاقة المفترضة بين الآلهة ( الخطوط الحمراء ) والملك ، إلاّ أنها طرحت مشكلة تتعلق بمعاناة الملك وإرادة الآلهة التي لم ترد عليه ، وعليه هناك سؤالان يُنتظر الإجابة عليهما :
السؤال الأول : قبل كل شيء ؛ لماذا سحب الإله إنليل رعايته من مدينة أكد ؟
السؤال الثاني : لماذا لم يحصل الملك نارام ـ سين على أجوبة لأسئلته التي رفعها إلى الآلهة طيلة السنوات السبعة من الانتظار ؟

تتجلّى مهنية الكاتب القديم المجهول بشكل جيّد خلال النّص ؛ من أنه لا توجد إجابة على تلك الأسئلة مطلقاً . كما في حياة البشر؛ إذ لا توجد إجابة مُقنعة على الإطلاق في التعامل مع سبب معاناة البشر. الإله إنليل رفع رعايته وحمايته عن المدينة ؛ لأنه كان يريد ذلك فحسب ؛ ولا يوجد سبب آخر غير ذلك !
هذا المشهد في ترتيب الأحداث يختلف تماماً عن سفر( العمل ) التوراتي ؛ حيث يسمح الإله يهوه لإبليس في تحطيم حياة النبي أيّوب بغرض (كسب رهان ) . الإله إنليل ؛ ليس تحت مثل هذا الضغط أبداً ؛ وكان يمكن أن يترك مدينة أكد لوحدها أن تنمو وتزدهر بسلاسة دون تدخل منه أو غيره من الآلهة .
فسّر بعض العلماء مثل "جيريمي بلاك" ؛استياء إنليل جاء بسبب رفضه الاعتراف بـ (نارام ـ سين ) كملك شرعيّ على أكد . وحسب تحليل بلاك ؛ أن إنليل قد منح مدينة أكد نعمته ورعايته ، وكذلك حمايته لها في عهد الملك العظيم ( سرگون ) ، لأنه لا يعترف بشرعية غيره من الملوك الذين حكموا من بعده . وحسبما جاء في القصة ؛ فإن الملك نارام ـ سين ليس في وضع يسمح له معرفة ذلك .

بداية استياء الإله إنليل
تبدأ القصة بالحياة المثالية التي كانت سائدة في مدينة أكد مع تدفق جميع ثروات المنطقة اليها من خلال بوّاباتها حتى السطور (56-65 ) ؛حيث بدأ الانتقال الأول . وجاء في السطر( 56) ، " لو أنها كانت مواطنة هناك ، عندئذ لا تستطع كبح رغبتها في جعل الأرض معبد " . ( المواطنة ـ المقصودة هي الإلهة إنانا )
هذا يعني أن الإلهة إنانا مع الاعتراف بجميع الثروات التي كانت تحت تصرف مدينة أكد ؛ شعرت أنه يجب تكريمها اسوة بالآلهة الأخرى ، وأن يكون لها نصيب في تلك الثروات (تماماً مثل شعور رجل الدين في المدينة) . ولكن في السطر الذي يليه ؛ يفهم القارئ من أن " التنويه الصادر من إيگور كان مُقلقاً " . مما يعني أن إنليل لم يشعر بنفس الطريقة حيال وضع المدينة الراهن ؛ ولم يعط الموافقة في بناء المعبد ، مما يدل على استيائه من أكد .
سبب هذا الاستياء كما ذكرنا سابقاً ؛ لم يُعرف أبداً، ولكن تفسير البروفيسور بلاك ربما أقرب إلى الصحيح " إذ يجب أن يكون هناك ملك شرعي واحد ، ولن يقبل الإله إنليل عن نارام ـ سين في أن يكون ملكاً على مدينة أكد ".
عندما تبدأ الحكاية بتدمير الإله إنليل لمدينة "كيش" الجنوبية القوّية ؛اِنهارت البلاد ، واختير الملك سرگون لحكم بلاد الرافدين بأكملها "من السهول إلى الجبال" (السطر 5).
إنانا ؛ التي كانت الإلهة الراعية وحامية الملك سرگون ؛ قد اختارت منزلها في مدينة أكد لمراقبة ملكها المحارب .ولا يوجد أي ذكر للاضطرابات والمشاكل حين مُرّرَ الحكم من سرگون إلى نارام ـ سين . بيد إن موقف الملك نارام ـ سين ؛ هو نفسه موقف القارئ ؛ عندما يُتركان دون إجابة عن سبب سحب الإله إنليل رعايته وحمايته من المدينة !

تدمير الملك نارام ـ سين لمعبد الإله إنليل
في الحلم يرى الملك نارام ـ سين ؛أن مستقبل مدينة أكد مُظلم ، ويفرض على نفسه فترة من الحداد والصلاة لمدة سبع سنوات ، وفي حالة من التوبة في انتظار الجواب من الآلهة. وقد قرّر في حال إن لم يأت جواباً منها ؛ سوف يذهب إليها ويجبرها على الإجابة .
كان يُعتقد أن آلهة بلاد الرافدين تعيش فعلاً في معابد المدن . فعندما يدّمر الملك نارام ـ سين "الإيگور" ، هذا يعني إنه يدّمر منزل الإله إنليل الحقيقي وليس مجرّد بيت عبادة رمزي . قراءة السطور (127-128 ) من القصة ، "يمكن للناس أن يروا غرفة النوم ، غرفته التي لا تعرف ضوء النهار . ويمكن للأكديين النظر في صندوق الكنوز المقدّس للآلهة" .
هذا الفعل الذي يتجاوز المقدّسات في التدمير المتعمّد وتدنيس منزل الإله ، وسرقة ممتلكاته الخاصّة ؛ كانت تلك ردود أفعال من الغضب العارم الذي اعتصر قلب الملك نارام - سين ، و إحباطه الكبير جداً ؛ لدرجة أنه شارك في أكثر أنواع الأفعال التي لا تُغتفر، ذلك كله بسبب صمت إلهه.
في تدمير إيگور زاد الغضب ؛ لأن الآلهة الأخرى انحازت تماماً الى الإله إنليل ، وفي محاولة لإنقاذ بقية مناطق الأرض من المجاعة المُهلِكة وشراسة الگوتيين ؛ فقد أُعلن نارام ـ سين أن أكد ؛ "مدينة ملعونة ؛ وأرضها مُقفرة " .
بصرف النظر عن العلاقة الصحيحة بين الآلهة والملك ؛ فإن القصة كانت قد حذرّت أيضاً من مواجهة الآلهة بالعنف ؛ سواء كان ذلك جسدياً أم لفظياً ؛ وإن حصل ذلك ؛ سوف يُقحم المرء نفسه في معركة لا يمكنه الفوز بها أبداً .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جويندولين ليك ـ اختراع المدينة في بلاد الرافدين ـ بينكوين للنشر ـ 2003 .
جيريمي بلاك ـ الأدب في سومر القديمة ـ مطبعة جامعة اكسفورد ـ2006 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب في التأريخ القديم
- مفاهيم الحبّ والجنس والزواج في روما القديمة
- تيامات - الإلهة الأم في قصة الخلق البابلية
- عقيدة الدين في بلاد الرافدين
- رحلة الإلهة إنانا إلى العالم السفلي
- العفريت پازوزو من أرض آشور إلى هوليوود
- أدب نارو الرافديني
- أفخم الاحتفالات الملكية الآشورية في التأريخ
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج4) الأخير
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج3)
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( ج2)
- آلهة ورموز بلاد الرافدين في الأساطير القديمة ( الجزء الأول )
- قصة صعود ونزول آدم في الأسطورة البابلية (أداپا)
- هل كان جمال كليوپاترا سبباً في شهرتها ؟
- ( من روائع الأدب البابلي القديم ) قصيدة لدلول بل نيميقي صرخ ...
- الرافدينيون القدامى في حياتهم اليومية
- أول قصيدة إباحيّة سومرية
- العلوم والتكنولوجيا مع مفهوم الدين في بلاد الرافدين
- قصة الطوفان البابلية
- الأختام الشخصيّة في بلاد الرافدين - تاريخها وأهميتها


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - معركة الملك نارام سين مع الآلهة ( لعنة أكد )