أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - قصة الطوفان البابلية















المزيد.....

قصة الطوفان البابلية


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6660 - 2020 / 8 / 28 - 08:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


آطرا ـ هاسس Atra- hasis ؛ بمعنى (الحكيم جداً ) ؛ هو شخصية الملحمة الأكدية / البابلية (الطوفان الكبير) ، وكان يُعتقد قديماً ، من أن فيضان هائل قد بُعث من الآلهة لتدمير الحياة البشرية ، وكان الرجل الصالح " آطرا ـ هاسس "؛ الوحيد من بين البشر الذي حذره الإله (إيا /إنكي) من الفيضان الوشيك الذي سوف يحصل في جميع أرجاء الأرض . بسبب ذلك ؛ فقد أمره في بناء سفينة لإنقاذ حياته من خطر وقوعه .
أطاع آطرا ـ هاسس أوامر الإله إنكي /إيا ، وعمل جاهداً في جلب زوجاً واحداً على الأقل من جميع أصناف الحيوانات المعروفة على الأرض ، وتحميلها على ظهر السفينة ، كي يديم حياة الإنسان والحيوان على حد سواء بعد فناء الأرض .

آطرا ـ هاسس في هذه الملحمة ، هو الشخصية الاسطورية لحفيد حمورابي " أَمّي سادوقا " (1646-1626 ق.م ) ، إلاّ أن هذه القصة هي أبعد من ذلك التأريخ بكثير ، بسبب تناقلها عبر الأجيال شفوياً منذ عهود قديمة . ذُكرت هذه الأسطورة في المدّونات البابلية عند منتصف القرن السابع عشر قبل الميلاد .
قصة الطوفان السومرية المعروفة والتي أطلق عليها المؤرخ "ثوركيلد جاكوپسن" (تشييد أو تكوين مدينة أريدو) ، هي نفس قصة الطوفان البابلية التي وردت في اللوح الحادي عشر من ملحمة گلگامش (عام 2100 قبل الميلاد) ؛ إذ تحكي لنا تلك القصة السومرية عن الفيضان المدمّر للأرض وما عليها ، لينتهي بها المطاف مدونّة في كتاب التوراة والكتب المقدّسة الاخرى !!.
غالبية علماء الآثار ؛ يدركون تماماً من أن قصة الطوفان ، وعلى الأرجح ؛ كانت مستوحاة من حدث داخلي أو محلّي ، وهو أحد الفيضانات الواسعة الذي كان تأثيره بالغاً في حياة الناس والناجم عن ارتفاع منسوب المياه في نهري دجلة والفرات عند فصل الربيع من السنة .
الأدلة الأثرية والجيولوجية في المنطقة ، أظهرت أن مثل تلك الفيضانات كانت أمراً شائعاً إلى حد ما ، ومن المحتمل جداً ، انه كان واحداً من الفيضانات الذي لا يمكن نسيانه ، لذا أُعتمد أساساً في القصة ، ولكن ، ليس هناك عالم جيولوجي أو آثاري في وقتنا الحاضر يمتلك دليلاً قاطعاً ، من أن فيضاناً مدمراً قد اجتاح الكرة الارضية في العصور الماضية ، مثل ؛ فيضان أو طوفان آطرا ـ هاسس ، أو مثل الذي ورد في الكتب المقدّسة ، بما في ذلك قصة نوح والطوفان في كتاب سفر التكوين التوراتي .
كتبت العالمة البريطانية في تاريخ بلاد الرافدين ، البروفيسورة "ستيڤاني دالي " ، التعليق التالي حول هذا الموضوع :
" لم يتم العثور على أي رواسب فيضان في طبقات الألفية الثالثة ما قبل الميلاد في الأرض الرافدينية . التاريخ الذي وضعه ، رئيس الأساقفة الأيرلندي (جيمس أوشير) للفيضان عام 2349 قبل الميلاد ، والذي تم حسابه باستخدام الأرقام المذكورة في سفر التكوين مثلما هي .. أمر غير صحيح علمياً ، وغير مقبول الآن !! ".

قصة الطوفان
آطرا ـ هاسس ، بطل هذه القصة ، وقد عُرف بعد نشوء الأرض ، ولكن قبل ظهور البشر ، كما جاء في نص الملحمة :
عندما كانت الآلهة ، بدل البشر ..
تقوم في العمل ، حملت الأثقال ..
الآلهة أعبائهم كثيرة جداً ، الواجبات صعبة جداً ، المشكلة كبيرة جداً ..

بدأت القصة من تلك السطور؛ عندما أصدرت الآلهة الكبيرة أوامرها الى الآلهة الأصغر سنّاً ، القيام بجميع الأعمال على الأرض ، وبعد انجاز حفر أخدودي التوأمان "دجلة والفرات" ، اعترضت الآلهة الشّابة الاستمرار بتلك المهام الصعبة ، فاقترح "إنكي" إله الحكمة على رب الآلهة "أنليل" ؛ أن يخلق كائناً جديداً تحت مسمّى " الإنسان " ، الذي يقوم بإنجاز جميع الأعمال على الأرض بدلاً من الآلهة المتذمرة . تطوع لتلك المهمة أحد الآلهة ، واسمه "وي ـ ألو "ـ المعروف أيضاً باسم (ألاويلا ) ـ أو "كيشتو" ـ والمُكنّى بـ (إله الضمير) ، وقدّم نفسه ضحيّة لهذا الهدف السامي . وعندما ذُبح إله الضمير، قامت الإلهة "نينتو "ـ أو الإلهة الأم ، والمعروفة أيضاً باسم نينهورساج ـ بعمل خلطة ؛ عجنت فيها لحمه ودمه ومخّه مع مقدار من الطين ، ومن هذا المعجون ، خُلق سبعة من الذكور البشر، وسبع من الإناث .
عند البداية ؛ تنفس الآلهة الشباب الصعداء ، وشعروا بالراحة التي منحها ايّاهم البشر في العمل كبديل عنهم ، غير أنهم أبدوا امتعاضهم وانزعاجهم فيما بعد ؛ بسبب الضجيج العالي الذي أقلق راحتهم ، والصادر من البشر الذين بُعثوا إلى الأرض ، نتيجة تكاثرهم السريع واكتظاظ الأرض بهم .
ربّ الآلهة ( إنليل ) ، كان الأكثر تململاً من تلك الحالة المُقلقة التي لم يألفها من قبل ، لذا قرر تقليص سكان الأرض من البشر ؛ في ان يبعث لهم الجفاف ، ثم الوباء وبعدهما المجاعة . بعد كل هذه الأهوال والمحن التي عصفت في الأرض ، أخذ سكانها يستغيثون بالإله إنكي الذي تخيّلهم وصاروا بشراً .
الإله إنكي ، أخبرهم بما يجب عليهم فعله لإنهاء معاناتهم وإعادة الأرض إلى حالتها الطبيعية ، لكن رب الآلهة إ"نليل" ، لم يكن أكثر صبراً مع البشر ، فقد أقنع رعيته من الآلهة بالانضمام إليه لتنفيذ خطته في فنائهم من الأرض ؛ وذلك في ان يصنع فيضان هائل على الأرض يؤدي الى القضاء التام عليهم ، والتخلص من شرورهم .
أشفق الإله إنكي على أحد عباده من البشر "أطرا ـ هاسس "، هذا الرجل الرقيق والحكيم المحبوب ، الذي حذره من الفيضان القادم ، فقد طلب منه بناء طوف خشبي (Ark) أو بما يشبه السفينة ، وأن يختر زوجاً واحداً لكل صنف من حيوانات الأرض ، وجلبها إلى داخل الطوف . فعل أطرا ـ هاسس كما أمره إلهه ، ومن ثمّ بدأ الطوفان ، كما في المقطع التالي من القصة :

لقد جاء الفيضان ... لا أحد يستطع رؤية الآخر
لا يمكن التعرّف عليهم في تلك المصيبة
لقد اهتاج الفيضان كالثور
مثل الحمار الوحشي يصرخ ، الريح تعوي
الظلام كان دامساً ، لم تكن هناك شمس

الإلهة الأم "نينتو " تبكي ضناها الذين ماتوا، والآلهة الأخرى تبكي معها :
" كانت ترتعش من الحزن ، ولها رغبة في رشفة من الجّعة ، لكن دون جدوى" !.

بعدما انحسرت المياه ، أدرك ربّ الآلهة ، وكذلك الآلهة الأخرى خطأهم ، وندموا على ما فعلوه مع البشر ، ومع ذلك ، كانوا يدركون أنه ما من حل يمكنهم الاستعانة به لإعادة الوضع ما كان عليه .
عند هذا المشهد الحزين يخرج أطرا ـ هاسس من سفينته ويقدم قرباناً للآلهة . رغماً من أن رب الآلهة إنليل ، قد ندم على فعلته الشنيعة في فناء البشر ، إلاّ أنه غضب من إنكي في سماحه لواحد من البشر في الهروب من العقاب ، وبقاؤه حياً . لقد بررّ إنكي فعلته أمام تجمع الآلهة ، ثمّ توجهوا جميعاً الى تناول قربان أطرا ـ هاسس الذي قدّمه الى رب الآلهة ! .
اقترح إنكي حلاً جديداً لمشكلة الاكتظاظ البشري على الأرض ؛ وهو ابتكار مخلوقات جديدة ؛ ليست جميعها خصبة مثل الأولى ، وأن تكون هناك على الأرض ؛ نساء لا يستطعن إنجاب الأطفال ، كذلك ؛ نشر العفاريت الأشرار الذين يخطفون الرضّع بعيداً عن امهاتهم ، ويسببون الإجهاض للحوامل منهن ، كما أن وجود النساء اللائي يكرّسن أنفسهن للآلهة ، يتعين عليهن البقاء عذارى ! . ( وكأن جميع المشاكل البشرية سببها النساء فقط دون الرجال!!.. ) .
في نهاية القصة ، يتم صعود أطرا ـ هاسس ، بطل قصة الطوفان الكبير الى السماء حسب طلبه ، ليعش بعيداً عن هؤلاء البشر الجُدد الذين تخلقهم الإلهة الأم "نينتو" .

كانت القصة لها مغزى كبير بالاضافة إلى جانبها في الترفيه الأدبي ، لكنها بالتأكيد ، جاءت لتبرير حالات الحزن التي يواجهها البشر ، كالتي تحصل عند وفاة الأشخاص لأسباب مختلفة ؛ مثل الغرق ، والموت في مواقع القتال ، أو بسبب التعرض لهجوم الحيوانات المفترسة ، وغيرها . هناك أيضاً جانب آخر؛ إذ تحمل القصة ، رسالة واضحة تشرح فيها المعاناة التي تحدث عند الولادة ، وحالات وفاة الجنين أو الرضيع لأسباب متباينة ، والتعرّض للأمراض المميتة ، أو الإصابة بالعوق الفيزيائي والذهني . هذا ما كان يواجهه الشعب الرافديني اعتقاداً منه ؛ بسبب التزاحم السكاني على الأرض والضوضاء المنبثقة عنه .
كان صعباً هذا الفيضان الرهيب الذي كاد يدمّر البشرية ، إلاّ أنه كان من السهل على البشر في تحمّل فقدان طفل رضيع أو جنين في بطن أمّه ، مع العلم أن الصبر على تلك الخسائر في الأرواح ، قد ساعدت في الحفاظ على النظام الطبيعي للأشياء ، وعلى فكرة السلام مع الآلهة في نفس الوقت .
كان الهدف من هذه الأسطورة ؛ التأكيد من أن المعاناة الإنسانية الفردية لها أسبابها ، فهي ليست مجرد ألم عشوائي لا معنى له ، لكنها في النهاية ، هي قصة أمل وإيمان بمعنى أعمق لمآسي التجارب الإنسانية ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستيڤاني دالي ـ أساطير من بلاد الرافدين ـ الخلق ، الطوفان ، گلگامش ، وغيرها ـ اكسفورد وورلدز كلاسيكس ـ 2009 .
ثوركيلد جاكوپسن ـ كنوز الظلام ـ تاريخ ديانات بلاد الرافدين ـ مطبعة جامعة ييل ـ 1978.



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأختام الشخصيّة في بلاد الرافدين - تاريخها وأهميتها
- معتقدات بلاد الرافدين القديمة عن الموت والآخرة
- قصة ملكة الليل الرافدينية
- اللغة السومرية .. الثقافة الأولى في التأريخ
- المتحف العراقي .. شمعة مضيئة في الظلام
- اكتشاف معبد لإله الحرب في جنوب العراق
- الموت الأسود
- حياة المرأة الأوروبية في القرون الوسطى
- زكوتو عشيقة سنحاريب
- من بلاد الرافدين بدأ نهوض المدن
- الحضارة السومرية .. إختراع المستقبل
- نبوءة مردوخ الإله البابلي العظيم
- قِمبيز الفارسّي .. مَلكُ بابل وفِرْعَون مصر
- بعض أسرار لفائف البحر الميّت
- الحروب الصليبية .. الأسباب والأهداف
- أرخميدس الذي خلَّده العلم ، وتجاهله التأريخ
- الأمازيغ .. شعب وتأريخ
- الذهب سلطان المعادن
- الفضّة ، دموع القمر في العصر القديم
- العري في فن العالم القديم


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - قصة الطوفان البابلية