أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف















المزيد.....

المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7803 - 2023 / 11 / 22 - 19:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أنسى في بداية عهدي بمدرسة المحلة الثانوية العسكرية بنين حين اختارني الرائد، بالنظر إلى قوامي الفارع، لتقدم المارش العسكري تمهيداً لبدء اليوم الدراسي. وصدمتي حين أوقف العرض وأمرني بترك المقدمة لزميل آخر، مبرراً بكوني وجلاً ومتردداً لا أصلح للقيادة. من يومها، أسأل نفسي: هل فعلاً أنا لا أصلح؟ وإن كنت، هل لا أصلح لشيء على الإطلاق، أم لهذا الشيء فقط؟ وما علاقة هذا الشيء- العسكرية- بصبي في السادسة عشرة من عمره، من منطقة ريفية ويدرس في مدرسة مدنية تتبع وزارة التربية والتعليم وليس وزارة الحربية؟ أنا في سني هذا، كنت فلاحاً ومزارعاً لا يُشق له غبار، بشهادة الكبير قبل الصغير. كذلك، وفي هذه المدرسة أيضاً، كنت مُقيداً بفصل الأوائل. كيف اقتحمت هذه العسكرية- التي فشلت فيها بشهادة الرائد ولا حتى أفهمها لانعدام سابق معرفة وعشرة- عالمي الزراعي الذي فتحت فيه عيني وشربته كما يشرب الطفل بالفطرة مع حليب أمه لغة بيئته المحيطة دون الحاجة إلى تعليم؟ وكيف اقتحمت عالمي التعليمي الذي قد جمعت فيه 15 سنة سابقة من المعارف النظرية، التي بالطبع لم يكن من بينها التدريب العسكري؟ ولماذا هذا الأخير، وما هي قيمته، في حياة فتى فلاح يستكمل تعليماً مدنياً لكي يظفر في النهاية بوظيفة مدنية؟

رغم خضوعه للاحتلال الأجنبي لنحو سبعة قرون متصلة، منذ سقوط الخلافة العربية العباسية في 1258م حتى سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في 1922م، بقي المجتمع العربي بعيداً عن العسكرة ويعيش حياته المدنية بشكل طبيعي. لكنه خلال ثلاثة عقود فقط- من 1922 حتى 1952، وهي الحقبة التي تزامنت مع خضوعه لاحتلال دول من أوروبا الغربية على رأسها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا- تَشرَّب المجتمع العربي خصائص عسكرية إلى حد ما كان يتصوره أحد، وستشكل منحنى تطوره منذ ذلك الزمن حتى الوقت الحاضر. ربما مكونات المجتمع العربي لم تقاوم- ولم تتعسكر جراء مقاومة- محتليها الأجانب غير العرب لكن المسلمين على خلفية المِلَّة المشتركة، ومن ثم بقيت منزوعة الروح والشوكة العسكرية طيلة أكثر من 700 سنة قضتها خاضعة، مسالمة، لحكمهم؛ وربما أنها أيضاً قد أظهرت حساسية خاصة تجاه مستعمرين غربيين (كُفار؟) لا تزال ذكريات الحروب الصليبية ضدهم ماثلة لم يمحوها الزمن، ومن ثم لم تطيق أكثر من 30 سنة من حكمهم دون مقاومة. لكن الأمر المؤكد، أن الثورة الصناعية في الغرب وما تلاها من تطورات هامة من أبرزها نشأة الدولة الوطنية كانت قد عرفت طريقها إلى المجتمع العربي وتأثر بها. ولهذا لا يُستغرب أن نهاية الخلافة العثمانية عبر المنطقة العربية أتت إلى حد ما بيد مقاومة أبنائها العرب أكثر منها بيد الجيوش الأوروبية. المهم، الاحتلال الغربي رغم قصر عمره هو الذي استفز مقاومة المجتمع العربي، إلى حد متطرف سيشكل مستقبل هذا الأخير.

وهكذا، قد بُنيت المقاومة، ومن ثم العسكرة، العربية فوق ركيزتين أساسيتين: (1) المفهوم الغربي الحديث للدولة الوطنية؛ و(2) الاستعمار الغربي. وهو سبب الفصام في الشخصية العربية الحديثة: نحن نحسدهم ونريد أن نَقوى ونَتقدم مثلهم من جهة، وفي الوقت نفسه تَملؤنا الرغبة الجامحة لمقاومتهم والتخلص من هيمنتهم ووصايتهم علينا- نريد أن نستقل عنهم.

وبقينا، منذ استقلت المجتمعات العربية من نير الاستعمار شرقي وغربي، نتردد جيئة وذهاباً في تردد وحيرة وتخبط بين قطبي هذه الثنائية الغربية: كلما أخفقنا في مشروع الدولة الوطنية والأخذ بالحداثة الأوروبية أكثر، كلما زادت مقاومتنا- ومن ثم عسكرتنا- أكثر ضد المعسكر الغربي ذاته الذي نسعى لتقليد نموذجه، والذي اكتسب فيما بعد طابعاً أمريكياً. وهو ما يعكسه بوضوح واقع الحال الفلسطيني اليوم، لكنه متغلغل بدرجات متفاوتة في المجتمع العربي عبر المنطقة كلها. بتنا نرى أمرنا من خارجنا، من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ونتهمهم ونرى فيهم أسباب المشكلة والحل معاً وفي آن وحد. كلما تفاقمت مشاكلنا، التي تُعزى إلى عسكرة متطرفة عطلت طاقات المجتمع العربي بعد تجييشه لصالح مقاومة متطرفة ضد الغرب والولايات المتحدة، سارعنا بالاستنجاد بهم ذاتهم لحل مشاكل نتهمهم أنهم سببها.

من تربة هذه المقاومة العربية الشرسة ضد المستعمر الغربي، نبتت شخصيات مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين ومعمر القذافي، وأيديولوجيات مثل القومية العربية والبعث العربي والنهضة الإسلامية والمقاومة الفلسطينية- جميعها امتداد للثنائية الغربية أعلاه. وعلى عكس زعامة مثل سعد زغلول تقود الأمة نحو المستقبل وضد ما قد لا يكون رائجاً ومستساغاً بالضرورة لكن قد ينفعها، كان هؤلاء مجرد مزايدون شعبويون يقودون شعوبهم إلى الخلف نحو الماضي، نحو كل ما هو رائج ومحبب للهوى حتى لو كان فيه ضرر وهلاك محتمل. ولم يكن هناك أكثر رواجاً في ذلك الوقت من مقاومة المستعمر الغربي والدفاع عن الدين ضد هؤلاء الكافرين. وبالفعل، ذهبوا في هذا الطريق حتى آخره- حتى تصدعت مشاريع دولهم الوطنية فوق رؤوسهم ورؤوسنا جميعاً، لنعود مجدداً إلى نفس أعدائنا الذين نقاومهم لكي ينجدونا- ولا نعرف إن كان من أنفسهم أم من أنفسنا أم من الاثنين معاً؟!!

أخذت روح المقاومة، ومن ثم العسكرة، تتغلغل في المجتمع العربي فور قدوم المستعمر الغربي إلى المنطقة. ثم تضخمت بصورة مخيفة فور استقلال الدول العربية وتولي زمام قيادتها حكومات ولدت هي ذاتها من رحم المقاومة، لتواصل عسكرة مجتمعاتها أكثر فأكثر، إلى حد لم يسلم منه صبي فلاح بقاعة الدرس بقرية نائية. تحول المجتمع العربي إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، يفكر ويخطط ويصنع السياسات وفق النهج العسكري، ويزرع ويصنع ويخدم مثل الجندي في الزي. حتى المأكل والمشرب والملبس كان كله حتى وقت قريب وبعضه حتى اليوم يُصرف في حصص مُقنَّنة ومُدعَّمة كمخصصات الجند. ولم يكن مستغرباً والحال كذلك أن يتغلغل النهج العسكري إلى كل شيء، حتى العلاقات والترتيب الاجتماعي لشرائح المجتمع، حيث أصبحت الرتب واللواءات نجوم المجتمع والمعادل الموضوعي لباشوات العصر البائد. وكذلك الدين-كأحد مكونات المجتمع- تغلغل فيه النهج العسكري، ليفكر بنفس الطريقة، ثم ينظم صفوفه مثل العسكر، ويلبس الزي ويحمل السلاح. وتُولد ظواهر اجتماعية-دينية عربية غير مسبوقة، مثل الإسلام السياسي وحركة المقاومة الإسلامية.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعريف النصر والهزيمة في وعي ثقافة مأزومة
- شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر
- في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟
- هل تَقْدر الولايات المتحدة على ردع روسيا والصين معاً؟
- بِدَعْ الضلال الست المُهلكة في القرون الوسطى
- الست الموبقات في نظر المسيحية القروسطية
- فَلِسْطين، حكاية شعب
- فِلِسْطين
- ماذا بعد الطوفان؟
- هل تنجح إيران في تغيير قواعد اللعبة العربية؟
- 25 يناير، رد الاعتبار
- انتخابات مصر
- حين لا يكون للكلام معنى: مراكز الكلام
- ضبط مفهوم الإمبريالية في الإدراك العربي
- اتفاقات أوسلو، موت بطيء ومأساوي
- وحوش اللفياثان في حياة البشر
- هل تترك السعودية صلاح للمصريين؟
- لماذا خَلاَ سكان السماء من الشياطين؟
- بين تعاليم السماء وقوانين الأرض، بحثاً عن العدالة
- هل من حق روسيا أن تغزو أوكرانيا؟


المزيد.....




- أنور قرقاش يعلق على لقاء محمد بن زايد ومحمد بن سلمان
- كيف يعمل دماغك فعليا؟
- طبيب يشرح أسباب الأقدام المسطحة
- على محور-خاركوف- العملياتي.. صاروخ مجنح روسي يخترق الدروع ال ...
- تقصي الحقائق: ثلاثة أرباع قطاع غزة صنفت مناطق إخلاء
- محادثات أميركية - إيرانية غير مباشرة لتجنب تصعيد في المنطقة ...
- سفينة تصاب بجسم مجهول في البحر الأحمر وتتعرض لأضرار
- كيربي للجزيرة: أوصلنا رسائل غير مباشرة لحماس بشأن الرصيف الب ...
- هيئة بريطانية: تعرض سفينة لأضرار بعد استهدافها في البحر الأح ...
- ما الوعود التي قطعتها جامعات أميركية لإنهاء احتجاجات حرب غزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف