|
الضمير يبحث عن الإنسان
صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 7800 - 2023 / 11 / 19 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
" قال لي أحدهم... سألت ضميري يوماً: أين أنت؟ فأجابني: موجودٌ، حاضرٌ، دائماَ صاحياً أنا، بل أنت أين يا عزيزي ؟ أفتقدك كثيراً... بعد صمت قصير تابع ضميري حديثه معاتباً : يزعجني ويؤلمني ضياعك العبثي الغير مبرر وعدم استقرارك النفسي، لماذا افكارك مبعثرة مشوهة غير منظمة؟ ... حرر ذاتك من زنزانتها أطلقها لتستنشق عبير الحرية ، تعال لنتحاور ونتكلم عسى أن نحل معضلة واقعك الأليم، تعال جالسني لا تتردد لا تجبن. خجلت من نفسي، وادركت عمق حقارتي وضعفي، بدأت من تلك اللحظة أجالس ضميري لأستجمع إنسانيتي المغلوب على امرها المتصدعة بفعل أضاليل خانعة تهمس في وجداني من قبل شياطين بشرية استسلمت بإرادتي لها ".
معظم انحرافات البشر ناتجة عن سوء تقدير في تدبير شؤونهم واحتياجاتهم الخاصة والعامة، مما يولد سلوكيات سيئة وشرور، لو أخضع كل منها لميزان الضمير عوضا عن المصالح لكانت المسيرة الإنسانية في ابهى حللها وابهجها رونقا وجمالا وانفعالا وعطاء . هل سمعت بالضمير ؟ ... أليس هو إدراك مواقفك واستعداداتك الفكرية لمواجهة التحديات ألانسانية المختلفة المعيقة لبناء مجتمع سليم متعافي من أمراض التمييز والتعصب والكراهية إلخ... اليس الضمير إستحسان وقبول وتطبيق ما يجعلك إنسانيا بعيداً عن الإنفعالات العاطفية، أليس هو التفريق بين الجيد والقبيح، والعدالة والظلم، المساواة والتمييز والمفاضلة بينك وبين كل ما يدعى اخر. القوانين الوضعية والإلهية والعادات والتقاليد والمبادىء وبنية التكوين الاجتماعي الخ... كلها تؤثر على تشكيل ضمير الإنسان. ما يزرع وينمو ويحفر وينقش في وعينا منذ كنا أطفلاً في عقولنا من تعاليم تشهد على عمل الضمير فينا. فكل ما يندرج من مسميات وتقسيمات وتفنيدات وتباينات تحت ثقافة وتعاليم المجتمع وعقائده وايديولوجياته وما ينتج من تقاطع بينها تشكل سلوكيات وضمير الفرد والأمة والشعب، لذلك لا يوجد معيار واضح يمكننا من قياس نقاء الضمير الإنساني، ما يراه البعض خيراً يراه اخرون شراً لهم. بالرغم من ذلك هناك مساحة واسعة لإيجاد وبناء ضمير إنساني عالمي يوحد البشر كلهم فيه يبحثون عن قيم إنسانية تمكنهم من التعايش السلمي وتحقيق العدالة والحريات. للمؤمنين من كل الملل والنحل والطوائف والمعتقدات والمذاهب واللادينين والكفرة واتباع الشيطان والسحرة والعرافون والدجالون والملحدون الخ... اعذروني إن نسيت سهوا ذكر احد ممن يصنفهم البشر في كل من يشبههم أو يسير بدربهم ويتبختر بمشيتهم ويرتكب كل معصية باسم الضمير أقول:" سلوك المتهاون أو المتهور فيه ضبابية غير واضحة الأسباب والنتائج، تحكيم الضمير بأخلاقية وإنسانية مؤسس على دراسة واقعية مبنية على رجاحة العقل وقوة وصدق البصيرة دليل نضج فكري معرفي، دونه سيقع الإنسان في مستنقع الظلال وموت الضمير". ما اكثر المواقف التي سمعنا فيها عن الضمير، وكم من مرة دهشنا وصدمنا من متحدث في ظروف ومناسبات عديدة – دون تحديد هويته/هويتها - يتصف بالمعرفة والمرؤة والشرف ضميره معدم مائت غائب . البعض خدعنا بقوله: "إن الضمير هوصوت الله في الانسان" اعذروني ان قلت بأني أشك بذلك، لان الملحد والكافر واللاديني الخ... كل منهم يمتلك ضمير. الضمير جهاز تقيمي لطبيعة أعمالنا الناتجة عن افكارنا المتولدة بداخلنا. لا تربطوا الضمير بالله لان القصد الإلهي هو ان يعيش البشر بمودة بمحبة بسلام بعدالة ويحافظ كل منهم على الأخر، مقدار المسافة قرباً أو بعداًعن القصد الإلهي -أن يعيش الجميع بمحبة - يحدد مقدار حقيقة أفعال ألإنسان شريرة كانت أم حسنة. رجاءاً لا تربطوا اسمه القدوس - له المجد - بمقاصدكم الشريرة. فالخير المزروع باعماق اعماقك ليس خيرا ما لم يشمل الجميع، والشر المزروع باعماقك ستغرق فيه أنت وانانيتك ومن يسير بدربك. هل انت منتمي لوطنك العربي أم لوطن أخر؟ لا تجبني... فقد تكون من أعوان المستعمر الذي عمق الشرخ وبزق شروره بين الدول العربية والطوائف والأديان تحت مسميات عديدة مما تسبب في اغتيال الضمير.من المعروف أن عالمنا العربي، عوضاً عن الإجتهاد والعمل الدوؤب وكسر كل القوانين لمواجهة التغيرات العلمية والعالمية لتغير واقعنا الأليم البائس يستسلم ويقوم بتأدية دور الضحية ويلقي احباطاته وعدم تطوره وتراجعه التقني والعلمي والثقافي على الدول العظمى ، على الدول الاستعمارية. نردد سرا وعلانية بأننا ضحاياها منذ قرون ، ولا مسؤولية تقع علينا في شيء مما اصابنا به الزمن من وهن وتقهقر وتراجع ومحن وهبوط وسقوم واعوجاج حتى الأن. ضمائرنا تدرك بأن المعوقات الرئيسية تكمن في غياب العدالة والحريات التي كانت السبب المباشر في هبوطنا الحضاري مما تسبب في هجرة الادمغة وتراجعنا الفكري وإختلال عمل الضمير فينا. هل للضمير علاقة بالافعال وردات الفعل للإنسان؟ بالتأكيد نعم، عندما يتعرض الضمير الى وخز – حدث ما - تثار حساسية لدى اللإنسان ويبداء ضميره إما الى تأنيبه أو تبكيته أو إسكاته. بالتالي التجاهل التام لا يأتي من فراغ بل من خلال تعاليم تمنع العقل من التفاعل مع الحدث لأنها تستبدل الحقيقة بأخرى أكثر ارتباطاَ بقيود تعاليم خضع لها . هل تسألت يوماً أن كان ضميرك يضر المجتمع أو ينفعه في حال كنت متعصب أو متسامح ؟ المتعصب قد يحمل كراهية لكل ما هو أخر مختلف عنه في العقيدة والفكر والرأي تطرفه يعطيه – يمنحه - أحقية بأن يخالف الشرائع والقوانين التي تطالب بحق الاخر في الحياة والحرية والحياة الكريمة والاختيار. والمتسامح لا يرضى بحدود تقام بينه وبين الاخر الذي يشاركه التاريخ والأرض. سؤال يحتاج الى وقفت صادقة أمام الحقيقة : كيف يمكن للمذنب، المتعصب المغتصب الفاشي أو القاتل الخ... أن يستمع لصوت الضمير في داخله ان كان ضميره أصلاَ مائت؟. أليس عندما يتهمنا ضميرنا نكون بالطبع مذنبين؟ علينا أن لا ننسى بأن الضمير سيبقى الصوت الداخلي الذي يهمس في قلوبنا وعقولنا، إحياؤه واجب إنساني فلا تخنق هذا الصوت المتحمس ولا تبقه سجينا أومدفوناَ بل ادفعه بكل ما اوتيت من قوة للعمل. الضمير الذي يجلب الكوارث لمجتمعه ولا يحاسب دليل على ضمائر نمت على ضفاف بحر من الفساد. الضمير يحتم علينا أن نحتكم ونفكر برزانة وهدوء وبمحبة لا بإنفعال وردود الأفعال...الضمير يحتاج الى أصحاب مبادىء مكرسين جل أعمالهم ليطبقوا بإخلاص القوانين التي ينظمها ويؤمن بها المجتمع محلياً وعالماً ويحرص على تطبيقها دون تمييز ولا يغلفها بالعطاءات والمساعدات لبشر يئنون من الظلم والتشرد ويهربون من طاحونة الموت. أصحاب الضمائر الحية يعانون لأن صوت الحقيقة يصرخ بداخلهم يدعوهم الى العمل، اما أصحاب الضمائر الميتة يثيرهم ويغريهم ان يشيدوا قلاعهم على مأسي الاخرين. أين انت يا الله؟ اعتذر منك لقولي هذا انه صراخ مؤمن يعكره صمت العالم الرهيب. ربي في المجتمعات السليمة أستحسن ما يقال: "على الأقلية أن ترضى بقرارات ألأغلبية". لكن يا ربي بالمقابل على الأغلبية أن لا تضيق الخناق على الأقلية وتتنكر لها وأن لاتستخف بمطالبها بتغيرات معقولة وترفض بسبب عددها. تذكر أيها الانسان ... أن الضمير لا يبنيه الله ولا يرتبط بمشيئة الله. يبنى نتيجة تراكمات دخلت الى وعي الفرد منذ كان طفل بناء يشيد بالمدخلات التي تعبر عبر الدماغ متأثراَ بتعاليم وثقافة المجمع بعاداته بتقاليده بدينه الخ... للمرة الثانية اردد: "لا يرتبط الضميربمشيئة الله لأن الله خلقنا احرار أصحاب إرادة حرة يريدنا ان تكون دوافعنا واعمالنا وتصرفاتنا نابعة عن محبة، المحبة التي فينا تثبت افعالنا الانسانية وسلوكياتنا ودوافعنا، تحقيق المحبة وحجم تطبيقها هي الميزان الإلهي الذي يحاسبنا الله. لذلك يعتمد ضميرنا على مفاهيمنا للتعايش للسلام للحرية للعدالة للمساواة للأخر بإنسانية".
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة معرفة ورأي
-
أفكار معلبة
-
لوحة نفاق
-
خيبات أمل
-
الحقيقة ثورة الحرية
-
مهم وقيادي ؟!
-
ألإنسانية بريئة منكم
-
طاعة خوف أم طاعة قناعة ؟
-
أٌمية ثقافية
-
الانسانية محبة
-
الثورة سيدة الديمقراطية والحريات
-
الكرامة حياة
-
الانسانية طريق حياة
-
مواطن أم فرد في وطن
-
مستقبلنا وليد وعينا
-
عروبتنا تغرق بالأحلام
-
العلمانية حرية تقدم ومستقبل
-
الثالوث الانتهازي
-
الشرق يشهد انحسار المسيحية
-
في الشرق الكلام يفوق الافعال
المزيد.....
-
استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
-
ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل
...
-
هل يوجد تنوير إسلامي؟
-
كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
-
نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
-
أنس بيرقلي: الإسلاموفوبيا في المجتمعات الإسلامية أكثر تطرفا
...
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|