أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - وداع بيتي الأخير














المزيد.....

وداع بيتي الأخير


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 7761 - 2023 / 10 / 11 - 08:32
المحور: الادب والفن
    


أعتذر لمكتبتي المشحونة بذكريات السنوات، لأن قائد طائرة الأباتشي منحني إنذارا معدودا بالدقائق لكي أنجو بنفسي قبل أن يصدروا الحكم علي شقتي الصغيرة بالإعدام!
أعتذر لشقتي التي أشرفت على بناء كل حجر من أحجارها، اخترت لها مواد لصقها ومكان صفها، أنفقت أسبوعا كاملا في زيارة محلات البلاط، لأتمكن من اختيار البلاط المحبب لي، شعرتُ بأنني لم أشترِ بلاطا مصمتا أصم بل اشتريت رفيقا لي سيرافقني حتى آخر يوم في حياتي، حملته مغلفات هذا البلاط بحنان، كما حملت مولودي الأول في سرير مهده، راقبت مصفف البلاط، أوصيتُه أن يكون رفيقا حنونا شفيقا بكل بلاطة، كنت ألمس بيدي كل بلاطة تجف وأشعر بالنشوة والسعادة، حتى أنني وزعت الحلوى على المحيط عندما أكملت صف البلاط!
هكذا قرر قائد الطائرة أن يفجر حقده الدفين فوق بلاطي، وأن يقذف الحطام فوقه، لينزع منه لمعته المحببة في قرارة نفسي!
كنتُ أظنّ أنني أملك نسخة بديلة عن شقتي، فقد كنت أظن أن شقة أبني المجاورة ستكون بديلا ثانيا عن شقتي حين تُقصف بالطائرة، فأنا أيضا بنيتها بيديَّ، كنت أيضا أظن أنني سعيد لأنني أملك شقة ثالثة لابنتي أيضا، كنتُ أعيش في حبور وأنا أرى أن لي ثلاث شقق مستقلة متجاورة، لم أكن أتوقع أن محتلا غاصبا وسفاحا عتيا سيغتال مني هذه السعادة، بقنبلة واحدة في ثوانٍ معدودة، وهو يرتشف كوب العصير بانتشاء في مقصورة طائرته!
لم أكن يوما اتوقع أن تغتال مني قنبلةُ الحقد ذكرياتِ اختيار غرفة نومي التي اشتريتها بالتقسيط المُريح، وتغتال مني سعادتي عندما انتهيت من تسديد آخر قسط من أقساطها، شعرتُ بالأسى لأنني لم أودعها الوداع الأخير!
وددتُ أن أقف في وسط قاعة الجلوس المكتنزة بالحكايا والذكريات لأرفع يدي اليمني سلاما وتحية لمخزونها من الذكريات، كنتُ أودُ قبل الوداع الأخير أن أستعيد إحدى البسمات والقهقهات والطرائف المخزونة في كرسيها الطويل، كم كنت أشتاق أن أستعيد الأحاديث والحوارات الثقافية المخزونة في تضاعيف كراسيها المصففة على شكل ندوة من ندوات الثقافة والسمر، لم أكن أعتقد أن أرى مِزق أشلائها تملأ المكان، بعد أن فجرتها قنبلة البغي والعدوان!
ما أقسى ألمي وحسرتي وأنا أطأ بقدميَ شظايا مطبخي، وأن يغتال مني قائد طائرة الحقد مذاقي وغذائي التقليدي ويجبرني على أن أحتمل ألم الشوق إلى نكهتي المفضلة في الطعام والشراب، كيف أستعيد نكهة كوبي الخزفي الخاص المشبع برائحة قهوتي التي أعدها بنفسي؟! كوبي هذا صديق الملازم لمقالاتي وخطط كتبي، شهد هذا الكوب ولادة أربعة من كتبي، كنت أراه يتغلغل وسط حروفي يمنحها نكهة القهوة المُرة!
ها أنا أغادر مطبخي التقليدي التراثي، بدون أن أحظى برؤية هذا الكوب، لأن القنبلة غطته بالسواد ووزعته شظايا وسط الركام، ارتعشت يدي وأنا ألملم أطرافه وأضمه إلى صدري لأشيعه إلى مثواه الأخير.
هل يمكنني أن أتخلص من رائحة البارود التي سكنتْ في طبقيَّ المفضلين، الطبقَ الأول مزين بوردة سوداء صغيرة وسط معجون فضي من الرخام الأبيض، والثاني مصنوع من المعدن المصقول، كيف يمكنني أن أعتاد على تذوق الطعام في ملجأي الجديد، وأن أنسى مذاق طبقيَ المفضلين؟!
ما الذي أغلق شهيتي للطعام، كنتُ أظنَّ أن السبب يعود إلى أنني خسرت كل شيء وأصبحت بلا مأوى، غير أنني أدركت بعد ذلك أن السبب يعود إلى غياب طبقي المفضلين، ولا أظنَّ أنني سأعتاد على الاستغناء عنهما؟
لم أكن أعلم أن اغتيال شقتي وشقة ابني وابنتي ستعيد إليَّ ذكرى مهدي الأول المغصوب من المحتلين الإسرائيليين، نعم أصبحت اليوم أكثر قربا من مهد ولادتي الأول!
سأظلَّ أردد ما قاله الشاعر المبدع، بابلو نيرودا: "اقطعوا كل الورود، واقتلوا كل العصافير، لكنكم لن تمنعوا حلول الربيع"!
..........................
ملاحطة ربما يكون هذتا المقال خو الأخير بعد انقطاع الكهرباء والماء والهاتف وشبكة الإنترنت على غزة يوم 10-20-2023م .... أمضيت ست ساعات حتى تمكنت نت إرسال هذا المقال



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمة حرب أكتوبر 1973 على إسرائيل!
- جامعات الحفلات والمهرجانات!
- الحكام المتآمرون والجواسيس!
- اتفاقية أوسلو سفينة تايتنك!
- أحزاب الطواويس والميليشيات!
- دول جمهوريات الموز
- قصتان من علم النفس!
- ميدالية، باروخ غولدشتاين الإرهابية!
- من يقف خلف الإصلاحات القانونية في إسرائيل؟!
- هل هناك جامعات حزبية؟!
- سيناريوالحرب الأهلية في إسرائيل!
- ضحايا الذكاء الصناعي!
- أهلا بكم في مملكة (غلعاد)!
- أنقذوا إسرائيل من مخيم جنين!
- لماذا يبصقون علينا؟
- مرض التشاؤم والإحباط!
- المستجيرون بالنار!
- كيف يعاقبون منتقدي إسرائيل؟!
- صور لا توجد إلا في غزة!
- هجرة يهود كولومبيا إلى إسرائيل!


المزيد.....




- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق أبو شومر - وداع بيتي الأخير