|
أحزاب الطواويس والميليشيات!
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 7726 - 2023 / 9 / 6 - 08:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دائما أردد حديثا نبويا مرويا عن رسولنا الكريم "كان النبيُ إذا (حَزَبَهُ) أمرٌ، صَلَّى"! أستعيد هذا الحديث عندما تأتي سيرة أحزاب فلسطين! إن كلمة (حَزَبَه) في الحديث تعني أصابه همٌّ أو مرضٌ، فهل أصبحت أكثرُ أحزابنا همَّا ومرضا يجب أن نُصلي ونتمنى ونرجو وندعو أن يَشفَى الفلسطينيون منه؟! إن المفهوم القاموسي الشائع للحزب هو التجمع لتحقيق مبدأ وهدف سامٍ، وهو في قواميس اللغات الأجنبية (Party) يعني الاحتفال بمناسبة، غالبا ما تكون مناسبة سعيدة، ومن تعريفات الحزب أيضا: "هو تجمعٌ غايته المنافسة لتحسين أحوال الشعب"! أما الأحزابُ المريضة، وهي أحزاب الهم والغم عليها أن تُراجع مبادئها لتتخلص من الفايروسات المنتشرة في وسطها الحزبي! ومن أخطر أمراضها، مرض الحزب الميليشاوي، حين يصبح الحزبُ ميليشيا عسكرية وديكتاتورا قامعا لحريات الرأي، يُطارد المخالفين في الرأي لا لإقناعهم بالرأي والمشورة، بل بإسكاتهم بالرعب أو حتى بتصفيتهم جسديا وفكريا! في أحزاب الميليشيا يصبح امتلاك السلاح وتخزينه وجذب الأتباع المسلحين، مقدما على التوعية والخدمة العامة، ينتج عن ذلك أن هذه الأحزاب تُصاب بنقص المناعة الفكرية، وتصبح الغاية الرئيسة من امتلاك السلاح ليست حماية الوطن والمواطن، بل حماية المكتسبات والمزايا التي حصل عليها أعضاء الحزب، ومواجهة المنافسين والمخالفين من أبناء الوطن وقمعهم وإقصائهم بالقوة العسكرية، وهذا يُحوِّل لابسي الدروع العسكرية، وحاملي السلاح إلى بُغاة طُغاة يحظَونَ بالحصانة ضد كل القوانين، مما يُعلِّب الثارات والأحقاد والرغبة في الانتقام في نفوس المقهورين! ومن آثار انتشار مرض الحزبية المليشاوية هذه أن يصبح العدوُّ الحقيقيُ أكثرَ قُربا من أبناء الوطن، وقد تستقوي الأحزابُ الميليشاوية بالأعداء لتتمكن من التغلب على منافسيها في الوطن! ومن أعراض هذا المرض أن يتحوَّل مسؤولو الأحزاب من قادةٍ مناضلين متطوعين خادمين إلى سادة وأباطرة مخدومين، وأن يتحولوا بفعل الشعارات والتيجان إلى شخصيات مقدسة يُتهم من ينتقدهم بالكفر الوطني، ويصبح انتقاد سياستهم تجديفا وكفرا! ومن أشهر أمراض هذه الأحزاب الميليشاوية إقصاء المفكرين والواعين عن مراكز القرار، واعتبارهم ميدالية فخرية في أيدي زعماء الأحزاب غير المثقفين، وكل مثقفٍ يجرؤ على التمرد ويشذ عن هذه القاعدة، فإن مصيره النفي والإبعاد وحجب مصدر الرزق ليموت قهرا! كما أن الأحزاب الميليشاوية تعمد إلى ما هو أخطر حين تستغل انتشار ظاهرة الفقر والفاقة في المجتمع فتستقطب أتباعها باستغلال حاجاتهم للطعام والدواء. ويتولى الحزب الميليشاوي التغرير بالأطفال الذين يتمتعون بحماية كل القوانين الدولية، هذه القوانين تُجرِّمُ كلَّ من يُغرر بهم ويستغل حاجاتهم للطعام والغذاء والكساء، يحولون الأطفال القاصرين إلى ميليشيا للرصد، يقدمون التقارير عن المنافسين في الأحزاب الأخرى! ومن أبرز أمراض أحزاب ميليشا العسكر أن تتحول مناسباتها الخاصة من تكتيكات إلى استراتيجيات للهروب من ضآلة إنجازاتها الوطنية العملية فتصبح ذكرى تأسيس الأحزاب طقوسا وكرنفالات وطنية غايتها الرئيسة إبراز صور منظمي الاحتفالات ورؤسائهم، ومنحهم جرعاتٍ زائفة من الفخر الكاذب، حين يصعدون المنابر ينفخون الأبواق بالخطابات المنبرية، كما تنفش الطواويس أجنحتها، ويظنون أن مقياس قوة الحزب تُقاس فقط بعدد المحتفلين! ومن أعراض أمراض الأحزاب الميليشاوية، أن يتحول أعضاءُ الحزب من داعمين لحزبهم ماديا ومعنويا إلى منتفعين ومتكسبين من حزبهم، منتظرين الفوائد والمزايا والتيجان، وهم يقيسون ولاءهم للحزب بقدر مكتسباتهم منه، فإذا انتفعوا بجني الثروات وتعيين أبنائهم وأقاربهم في مؤسسات الأحزاب مجدوا الحزب وطالبوا غيرهم بالولاء والطاعة، وإن لم ينتفعوا من الحزب ماديا ومعنويا، فإنهم ينقمون وينتقدون! هناك مرضٌ خطيرٌ آخر يصيب الأحزاب، حين يصبح الحزبُ شبيها بوكالة تجارية حصلتْ على توكيل من دولة أجنبية، هذا الحزب الحاصل على هذا (التوكيل التجاري) يرفع يافطة الوطن صوريا، وفي الوقت نفسه يُعلن الولاء المطلق لداعميه في الخارج! أخيرا، فإن كل حزب لا يتولى التثقيف والتوعية، وتجديد الدماء باستقطاب الكفاءات الشبابية والمبدعين يتحول إلى بحيرةٍ آسنة لا تنبعث منها سوى الروائح الكريهة تنشر المرض في محيط الوطن! تذكروا أخيرا، أن الأحزاب في عالم اليوم ليست تكتلات ميليشاوية بل هي مواقع إعلامية، ولوبيات رقمية، وغروبات تكنلوجية، وجمعيات متخصصة في مجالات تنظيم الحياة، لا تحتاج لميليشيا عسكرية! وعصبيات قبلية وأسرية، ولم يعد السلاح التقليدي هو السلاح الفعَّال، فالإعلامُ هو سلاح الألفية الثالثة الصارم القاطع!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دول جمهوريات الموز
-
قصتان من علم النفس!
-
ميدالية، باروخ غولدشتاين الإرهابية!
-
من يقف خلف الإصلاحات القانونية في إسرائيل؟!
-
هل هناك جامعات حزبية؟!
-
سيناريوالحرب الأهلية في إسرائيل!
-
ضحايا الذكاء الصناعي!
-
أهلا بكم في مملكة (غلعاد)!
-
أنقذوا إسرائيل من مخيم جنين!
-
لماذا يبصقون علينا؟
-
مرض التشاؤم والإحباط!
-
المستجيرون بالنار!
-
كيف يعاقبون منتقدي إسرائيل؟!
-
صور لا توجد إلا في غزة!
-
هجرة يهود كولومبيا إلى إسرائيل!
-
غزل في صواريخ غزة!!
-
جاك ما برفسور في جامعة تل أبيب!
-
أنواع المنفرات في صفحات التواصل!
-
لأنه يساري لم يؤبنه نتنياهو!
-
هل شهر رمضان شهر الشهوات؟!
المزيد.....
-
مصر.. هكذا رد علاء مبارك على سؤال عن -سيدة- تدعي أنها ابنة ح
...
-
ترامب يستهدف الهند برسوم جمركية نسبتها 25 %
-
ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الهند بسبب صفقاتها مع
...
-
موحا الزياني مغربي أذاق الفرنسيين مرارة الهزيمة
-
مجلة أميركية: العنف بغزة ليس حربا بل تطهير عرقي تمهيدا لطرد
...
-
مجلس الشيوخ الأميركي يرفض وقف بيع القنابل والبنادق لإسرائيل
...
-
تحطم مقاتلة أمريكية -إف- 35- في كاليفورنيا.. وهذا ما حدث للط
...
-
وسط طلقات الرصاص والهروب من الموت.. إليك قصة 3 نساء يكافحن ل
...
-
الفلسطينيون، بثلاثة مناصب رئاسية، وحكومة، وبلا دولة
-
هآرتس: لا تمنحوا نتنياهو صكّ براءة حيال ما يفعله بغزة
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|