سيريزا ــ في قاع الانحطاط السياسي

الحزب الشيوعي اليوناني
(Communist Party of Greece)

الحوار المتمدن-العدد: 7749 - 2023 / 9 / 29 - 04:47
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

 


أقيمت يوم 24-9-2023 الجولة الثانية لانتخاب الرئيس الجديد لحزب سيريزا. لقد كان هذا الحزب استمراراً لـ "ائتلاف اليسار والحركات والبيئة" (سيناسبيسموس)، الذي كان مكوناً من جزء من كوادر الحزب الشيوعي اليوناني كانت قد تآكلت بسبب الانتهازية وأفكار الثورة المضادة وغورباتشوف، و انسحبت من الحزب الشيوعي اليوناني خلال الفترة 1989-1991، بعد أن حاولت  دون جدوى في وقت سابق، تفكيك حزبنا. و كان الجزء المذكور قد تعاون في إطار حزب سيناسيبيسموس مع قوى انتهازية أخرى كانت قد غادرت الحزب الشيوعي اليوناني عام 1968، وكانت تنتمي إلى ما يسمى بتيار "الشيوعية الأوروبية".
و ضمن مساره تحوَّل حزب السيناسبيسموس عام 2004 إلى "ائتلاف اليسار الجذري" (سيريزا)، مع مشاركة مجموعات يسارية أخرى من خارج البرلمان، وبعض الزُمر التروتسكية والماوية، و بعض الاشتراكيين الديمقراطيين.
بعد عام 2010 وانهيار الحزب الاشتراكي الديمقراطي الرئيسي، حزب الباسوك، انضم جزء كبير من كوادر هذا الحزب إلى سيريزا، مما جعل اﻷخير الحامل الرئيسي للاشتراكية للديمقراطية في اليونان. فاز سيريزا في الانتخابات وشكل حكومة (2015-2019) طبق سياسة قاسية مناهضة للشعب وفي مجال العلاقات الدولية قام ببناء علاقات أوثق لليونان مع الولايات المتحدة وإسرائيل، و أدمج البلاد بنحو أعمق في خطط الناتو، مع توسيع القواعد الأمريكية. و شارك في الحكم مع حزب "اليونانيين المستقلين" اليميني المتطرف، و بعد التلاشي السياسي للحزب المذكور انضم جزء من كوادره إلى حزب سيريزا، الذي قام بإضافة عبارة "التحالف التقدمي" إلى اسمه.
بعد هزيمة سيريزا في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 23 حزيران-يونيو، استقال رئيسه، رئيس الوزراء الأسبق ألكسيس تسيبراس، و انطلق السباق على خلافته. نتج عن هذا السباق انتخاب ستِفانوس كاسِلاكيس رئيساً لحزب سيريزا يوم 24-9  بعد أن حصل على 56.69% من الأصوات، مقابل حصول وزيرة العمل السابقة لحكومة حزب سيريزا، إيفي أختسيوغلو على نسبة 43.31%.
و في هذه الانتخابات، كان بمقدور حتى أشخاص لم يكونوا أعضاء في سيريزا لحين الجولة الأولى الانضمام له والتصويت على الفور بعد دفع مبلغ 2 يورو،  حيث شارك ما مجموعه 149 ألف شخص في الجولة الأولى (للتصويت لأحد ال5 مرشحين للرئاسة) و 134.000 شخصاًَ في الجولة الثانية من الانتخابات.
إن ستِفانوس كاسِيلاكيس الذي انتخب رئيساً لحزب سيريزا، هو مقيم غير دائم في اليونان، وكان حتى شهر مضى غير معروف تماماً في اليونان. حيث كان يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو رجل أعمال و مالك سفن، و وفقاً لتصريحاته فقد كان يعمل في بنك Goldman Sachs و متطوعاً في الحملة الانتخابية لجو بايدن.
 أجرى كاسِيلاكيس حملة دعائية هجومية باهظة الكلفة خلال الشهر الماضي في وسائل الإعلام، واعداً بتحويل سيريزا إلى حزب عصري، وفق رؤيته ل"الحزب الديمقراطي" الأمريكي، لكي يتمكن سيريزا من أن يصل الحكم مرة أخرى. و على هذا النحو، اكتملت بهذا الشكل مرحلة أخرى من المسار المحدد مسبقاً للإندماج والانحطاط السياسي لهذا الفضاء، و هو ما بمقدوره حصراً أن يسبب الاشمئزاز لأي شخص يعتبر نفسه تقدمياً و يسارياً حقا.
و كان ذيميتريس كوتسوباس، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، قد تطرق لهذه المسألة في كلمته خلال مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية، مسجِّلاً ما يلي:
"بغير استطاعة جميع أولئك الذين يريدون تغيير الأمور في النهاية أن يتطلعوا إلى إعادة تشكيل الاشتراكية الديمقراطية المُذنبة.
عليهم التفكير في واقعة الدعاية الصارخة المروجة لهؤلاء هذه الأيام في جميع وسائل الإعلام النظامية، في حين تُحجب مواقف و أنشطة الحزب الشيوعي اليوناني تماما من وسائل الإعلام المذكورة، مما يُشير إلى الدور الذي سيلعبه هؤلاء في اليوم التالي أيضا.
و فيما يتعلق بأولئك الذين يشعرون بالدهشة أو حتى بالارتباك إزاء ما يحدث في سيريزا، فإننا ببساطة نقول لهم أن يفكروا في الجانب التالي الذي ربما لم يفكروا فيه:
أن و لسوء الحظ، فإن هذا هو المآل المحدد مُسبقاً لمسار كامل من الاندماج في النظام، كان قد اتبعه هذا الفضاء السياسي المحدد. هذا هو مسار الانحطاط السياسي في المواقف والمقترحات، في المواقف السياسية والحركية، الذي دعمته و روجت له منذ عدة سنوات، تارة باسم ما يسمى "التحديث" و طوراً باسم "الممكن"، وأحيانا باسم "إمكانية الحكم في إطار النظام"، كوادر حزب سيريزا الحالي مع أولئك الذين يظهرون كأوصياء على شخصية مزعومة لسيريزا أكثر "يسارية".
إن الوضع الحالي في سيريزا هو أعلى مرحلة من منطق "أهون الشرين"، الذي خدمته قيادته لسنوات و بالطبع مع جميع مرشحيه الحاليين، الذي أوصلوا ميتسوتاكيس وحزب الجمهورية الجديدة إلى السلطة مرة أخرى.
إنه المنطق – الذي يعود حتى لحقبة الشيوعية الأوروبية - الذي يدعو الشعب إلى التخفيض المستمر لمطالبه، و إلى قبول توافقات غير مقبولة، وابتلاع خيبات الأمل، باسم إدارة أفضل - إنسانية مزعومة - للنظام الحالي، و التي هي عديمة احتمال تحقيقها أكثر من يوم المجيء الثاني.
وإلى أين يؤدي هذا المنطق بدقة حسابية؟ إلى الانحطاط و الانحدار و إلى سياسة الصورة السوقية، و التحول إلى حزب برجوازي نقي الجينات حاملٍ لقيم المزاحمة العفِنة...
على هذا النحو اضمحلت أحزاب الشيوعية الأوروبية من على وجه الأرض، كالحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الإيطالي، وغيرهما، و التي وصل اﻷمر بها اليوم إلى انعدام التمثيل حتى في برلمانات بلدانها بعد أن كانت تستحصل في الماضي على نسب ال30%.
و بما يشابه هذا المنحى وصلنا اليوم إلى إبراز أجندة للأغلبية في الحزب المحدد، تحاكي حرفياً نظيرتها أجندة حزب الجمهورية الجديدة، مع إشارات معروفة إلى "الامتياز، و"السيرة الذاتية الجيدة"، و"فرص التقدم" وما شاكلها.
ما البرهان الإضافي الذي يحتاجه أي مناضلون صادقون و يساريون و تقدميون متبقون في هذا الحزب، على أن ما جدوى لينتظروها من سيريزا أو من أي نسخة مستقبلية له؟
لديهم اليوم خيار: ذلك الذي اتبعه كل من سبقهم و لم يرغبوا في أن يكونوا جزءا من مسار التحوُّرِ السلبي لسيريزا، و رحلوا عنه محافظين على قيمهم ومثلهم العليا وهم مواكبون اليوم للحزب الشيوعي اليوناني».
هذا و سجَّل الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في منعطف آخر في كلمته ذاتها:
«طالما استمر وجود أولئك الذين يُعمِّدون الأفكار الأكثر نظامية و المتحجرة التي تخرج من أنبوب الاختبار  المتواجد على الضفة اﻷخرى للأطلسي، كما يُعمِّدون الاشتراكية الديمقراطية المذنبة و يعتبرونها أملاً، فإننا سنكون حاضرين دائما هنا، لنضيء الأمل الوحيد و التقدم: اﻷمل و التقدم في نضال طبقي لامتقهقِر ضد النظام وسلطته».

#الحزب_الشيوعي_اليوناني (هاشتاغ)       Communist_Party_of_Greece#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل