|
المعارضات و الجماهير : ماذا عن الاقتصاد
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 7748 - 2023 / 9 / 28 - 12:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الطابع الغالب على التململ بين الناس في الشرق اليوم ، الشرق الذي يمتد حتى المغرب ، هو اقتصادي اجتماعي ، بينما لا يتحدث المعارضون الذين هم في غالبيتهم إسلاميون و ليبراليون متحالفون معهم ، إلا عن صناديق الانتخابات ، عن شكل وضع الحاكم على عرشه و طريقة اختيار رجال الشرطة الذين سيحمون النظام و أساليب القمع التي سيمكنهم استخدامها … إننا نشهد انفصامًا جديًا لكنه ليس جديدًا ، بين النخبة المثقفة و "المهمومة بالشأن العام" و بين الناس … لم تواجه سياسات القمع التي طالت أساسًا هذه النخبة في مرحلة هزيمة الثورات العربية بأية احتجاجات أو اعتراضات جماهيرية جدية ، و ما عدا تعاطف غربي إعلامي و سياسي رسمي لم تجد بقايا هذه النخبة في أوطانها سوى الصمت من الناس … حتى الاحتجاجات اللبنانية و العراقية في نهاية العقد الماضي استفزتها المصاعب الحياتية آلتي تعيشها الجماهير و مع ذلك سرعان ما تراجعت بمجرد أن وجد من يعبر عنها سياسيًا … ليس للاقتصاد أو للقضايا و الشكاوى الاجتماعية مكانًا في سردية المعارضات و مشاريعها أو مشروعها ، من المنطقي أن تضع النخبة كل ما يناسبها على رأس جدول الأعمال : حرية الرأي و التعبير و هي تخصها أساسًا و لذلك تحددها بحدود تفصلها على مقاسها خاصة تحالفها المؤقت مع الإسلاميين ، و قبل أي شيء : استعادة إمكانيات أوسع للصعود الاجتماعي عبر آليات مختلفة عن الاستزلام للأنظمة القائمة و خاصة إتاحة إمكانية الصعود إلى السلطة المحتكرة اليوم بآليات تعتبرها ديمقراطية عبر استخدام أية خطابات و وعود شعبوية و مزيفة إن لزم الأمر للفوز بعدد أكبر في صناديق الاقتراع كطريقة بديلة للصعود إلى السلطة … تعتقد النخب ، كما تفعل الأنظمة التي تعارضها ، أن ما يناسبها لا بد أن يناسب مجتمعها و خاصة أكثر فقرائه تهميشًا و استلابًا رغم أنها في الممارسة لا تعير هؤلاء أي اهتمام بينما يقابل هؤلاء المهمشون لا مبالاتها بنفس عدم الاكتراث … و نجد هذا صريحًا في دعاية هذه النخب التي تفتقر لأي ذكر عن حلول اقتصادية ما خارج الإطار الليبرالي أو النيو ليبرالي أو حتى عن مشكلة اجتماعية ، المشكلة سياسية فقط و لا بد أن تنحل بحلها كل المشاكل الأخرى … و لهذا لا تقدم المعارضات العربية في غالبيتها أية "حلول" أو مشاريع خارج صندوق الانتخابات … و هذا ليس إلا وهمًا جديدًا أو استيهاما جديدًا تعيشه النخب ، في الماضي آمن اليساريون بسذاجة بالثورة معتقدين أن كل ثورة لا بد أن تكون يسارية و أن تأتي بهم إلى السلطة بينما لم تكن غالبية الثورات يسارية بأي شكل من الأشكال و قادهم هذا الاعتقاد الساذج إلى دعم "قوى ثورية" وضعت التخلص منهم على رأس جدول أعمالها ، و تبعهم الإسلاميون الذين آمنوا بنفس السذاجة بعد انتصارات الربيع العربي الأولى بأن صناديق الانتخابات ستأتي بهم و أن أية انتخابات لا تنتهي بوصولهم إلى السلطة ليست ديموقراطية بما يكفي ، يعيش الإسلاميون حتى الآن وهم أنهم التعبير الفعلي عن الأمة التي يخترعونها و يتحدثون عنها على مقاسهم ، بينما في المرات القليلة التي خرج فيها "مسلمون" للاحتجاج على أحداث كحرق القرآن مثلًا تمثلت أمة المليارين أو المليار و نصف مسلم بعشرات فقط من المحتجين … لا يتحدث المعارضون العرب اليوم لشعوبهم ، إنهم لا يضيعون وقتهم في الحديث إلى حطامها بل يتحدثون فقط لسادة العالم مستدرين عطفهم خاصة من يعتقدون أنه من المفروض أن يتعاطفوا معهم أيديولوجيًا و أيضًا بفضل توافق المصالح الآنية ، إن شعوبهم اليوم محطمة و مستلبة و مقموعة لدرجة ان الفعل الوحيد المتاح لا يمكن إلا أن يكون "بحماية و رعاية أهلية" من جماعات قبل دولتية و ما قبل "الأمة" حتى ، بينما تعوض هذه الجماعات و خاصة الناطقين باسمها عن هذا باعتقادها بأنها تشكل مركز "الأمة" أو "الوطن" أو "الشعب" الخ و أن "المخلصين" من باقي الجماعات لا بد أن يلتحقوا بها … لا تملك المعارضات شيئًا للناس ، و حتى عندما تحكمهم فانها ستفعل بطريقة مستجدة متجددة تفترض أن الناس لن يتمكنوا بفضلها من الثورة عليها ، لن تعد صناديق انتخاباتها بأكثر من تغيير الحاكم كل عدة سنوات ، و بأن مظاهرات المهمشين و المستلبين القدامى الجدد ستقابل بالرصاص المطاطي و الغاز المسيل للدموع لا بالرصاص الحي و البراميل و أن من سيجرؤ بالكشف عن فسادهم سيحاكم و يسجن في محاكم و سجون أفضل من التي عاشوا فيها هم من قبل … أثبتت الحياة خطأ الكثير مما قاله ماركس لكن هناك العديد أيضًا مما يزال بانتظار أن تفنده الحياة و تجارب البشر ، من هذه الأطروحات الماركسية التي ما تزال تحتفظ بصحتها أن انعتاق البشر لن يكون إلا بأيدي البشر أنفسهم و أن على الناس أنفسهم أن يجدوا الحلول لمثل هذا الانعتاق كما فعلوا من قبل عبر أشكال مختلفة مستجدة من الديمقراطية المباشرة ، أما البدائل فهي مأساوية بين ديمقراطية بلا جدوى سوى للسادة الجدد و خطر ديكتاتوريات و حروب يحوم دومًا
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كانت الحرب الأهلية السورية ضرورة
-
السلطوية الجديدة
-
نقاش لمقال وسام سعادة عن الحرية و الجماهير العربية
-
عالم الحاج صالح الأخلاقي
-
احتمالات النهوض الجماهيري اليوم
-
ملاحظات على مشروع وثيقة توافقات وطنية للمعارضة السورية
-
التحولات الاجتماعية و البنية الطبقية لسوريا الواقعة تحت سيطر
...
-
يا متسولو العالم اتحدوا
-
السوريون و الأمم المتحدة و السوسيال
-
لست شعبًا و لا وطنًا و لا أمةً ، و لا غيري
-
السوريون كضحايا و متسولين
-
عن الديمقراطية كأداة لإقناع المحكومين بالسمع و الطاعة
-
في رثاء محمد أبو الغيط
-
عن الآلهة التي لا تفشل دائمًا عن أن تفشل
-
يسقط يسقط حكم العسكر
-
المعارضة السورية و المساءلة و المسؤولية
-
علاء عبد الفتاح ، لا تمت شهيدًا
-
لا تبكي على اللبن المسكوب
-
صناعة الجماعات
-
القيامة الآن
المزيد.....
-
كأنه مُحاط بـ-مليون سمكة-.. غواص يصادف مشهدًا غريبًا في مياه
...
-
الجيش الأمريكي يعلن تدمير طائرة دون طيار أطلقها الحوثيون فوق
...
-
الجيش الأمريكي: إسقاط مسيّرة أطلقها الحوثيون فوق خليج عدن
-
بعد إزاحة شويغو عن وزارة الدفاع.. لندن تتهمه بالمسؤولية عن -
...
-
بلينكن: الهجوم البري على رفح لن يقضي على حماس وإسرائيل تفتق
...
-
تقرير: الانتحار يتسلل إلى صفوف الجيش الإسرائيلي وتعتيم على ا
...
-
شاهد رد خريجي جامعة أمريكية على رئيسها الرافض لمقاطعة إسرائي
...
-
ماسك يحدد موعد الرحلة الاختبارية الرابعة لمركبة -ستارشيب-
-
حالوتس يدعو للإطاحة بنتنياهو: لن نحصل على صورة النصر حتى لو
...
-
أطعمة تؤدي إلى شيخوخة الجسم
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|