أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - أنشودة للحياة














المزيد.....

أنشودة للحياة


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 7720 - 2023 / 8 / 31 - 22:12
المحور: الادب والفن
    


كان واقفا في انتظار مرور السيارات ليعبر الطريق ، حين هم بالعبور مرت هي بجانبة مسرعة كأنها تريد أن تطير ، هو لا يعرف لماذا اهتز قلبه وهو يتابعها بنظره ، هي نفسها لا تعرف لماذا تكهربت روحها لحظة مرورها بجانبه ، عندما وصلت إلي الجهة الأخري وصارت فوق الرصيف نظرت خلفها، كان هو في منتصف الطريق لم يكمل عبوره بعد ، كان قلبه مازال يخفق وهو يتابعها بنظره ، عندما التفتت إليه وهي علي الجهة الأخري ورأي لمعان عينيها توقف عن السير ، تسمر في مكانه كالمذهول ، كان يحمل في إحدي يديه آلة عود قديمة متآكلة ، وفي اليد الأخري كيس الخبز الذي انفلت من يده وتبعثرت محتوياته علي الأرض دون أن يدري ، فوجيء بها تستدير وتندفع نحوه بذات السرعة التي عبرت الطريق بها ، ولما رأي عينيها مركزتين في عينيه في تحد واضح ارتبك وانتابه الخوف ، فلربما عادت لتلومه علي تلامس ذراعه بكتفها لحظة مرورها بجانبه ، وربما تتهمه بالتحرش علي مسمع من الماره فيتعرض للأذي ، وستكون المصيبة أكبر حين بلمح أحد الماره الصليب المرسوم علي رسغه ويكتشف الجميع أنه مسيحي بينما هي مسلمة محجبة ، فكّر في أن يستدير ويولي هاربا قبل أن تحدث الكارثة ، لكنها كانت قد وصلت إليه ووقفت في مواجهته تماما ، ضمت ذراعيها إلي صدرها وقالت بضع كلمات لم يستطع أن يسمع أو يفسر منها سوي : إيه!!....لماذا؟!!...كيف؟!! ، كان الرعب قد سيطر عليه ، وتوقع أنه حين تنتهي هي من زعيقها سوف ينهال عليه المارة ضربا وركلا ، وربما ينزل ركاب السيارات المتوقفة قبالتهما علي جانبي الطريق ليسحلوه في طول الشارع وعرضه ، من شدة رعبه أغمض عينيه ، فجأة سمعها تقول له : هل أخيفك إلي درجة أنك تريد أن تهرب؟! ، عنما فتح عينيه تمتم كما لو كان يلفظ نفسه الأخير وهو يقول في دهشة : زينب!! ، ثم بدا كما لو كان قد أغمي عليه وراح يترنح ، غير أنها احتضنته بسرعة قبل أن يسقط.
كان أبوه قد علمه العزف علي العود ، وفي الفصل كان مدرس الموسيقي يكلفه بعزف أغنية تفرق كتير التي تغنيها نجاة الصغيرة ، فيما كانت زميلته زينب التي تجلس بجانبه منذ السنة الأولي تصدح بكلمات الأغنية علي عزفه ، كان صوتها حلوا ، وكان مدرس الموسيقي يكاد يرقص وهي تقول :
ماتحبنيش كده حُب عادي
زي حالة ناس كتير
تفرق كتير
ياحبيبي.
في أفراح الحارة حيث يقطنان في بيتين متجاورين كان يحلو للعريسين ولأهلهما أن يعزف هو وتغني زينب بينما ينخرط الجميع نساء ورجال وأطفال في الرقص .
كان سمعان عبقريا علي العود لكنه كان بليدا في كل المواد ، وفي حصة الإملاء كان مدرس العربي يلاحظ دائما أنه يحشر اسم زينب بين الكلمات في موضوع الإملاء بلا مبرر ، إذ كان دائم السرحان في الأغنية التالية التي ستغنيها زينب في حصة الموسيقي ، كان صوتها يخطف قلبه ويجعله يتجلي في العزف إلي درجة أن مدرس الموسيقي كان يرفعه من تحت إبطيه عاليا ويقول له : عندما تكبر سوف ترقص مصر كلها علي أنغامك ، لكنه هو كان يقول للمدرس : زينب هي التي تمنح لنغمات العود طعمها الحلو.
لما كبرا - وكانا لا يفترقان يوما رغم اختلاف دراستهما الجامعية - لم يجرؤ سمعان علي التصريح بحبه لها ، لكنها فاجأته ذات يوم وطلبت منه أن يعزف لها أغنية شكل تاني لنجاة الصغيرة ، وحين بدأ العزف مالت عليه وضمت وجهه بين راحتي يديها وراحت تغني وهو يعزف :
شكل تاني حبك إنت
شكل تاني حب ناره مدوباني
لما عاد إلي وعيه وهو في حضنها وسط الطريق ، قالت له : أنت تهرب من نفسك أم تهرب مني؟! ، تلفت حوله في ذعر ، ثم همس في أذنها وهو يرتعد : سوف يهدرون دمنا ياحبيبتي ، قالت له : لكنها قالت له : الله يقول – أرادت أن تتلو عليه آية من القرآن - لكنه قاطعها بسرعة واضعا يده علي فمها وهو يقول لها : لا ترفعي صوتك فأنت تعرفين ما يقولونه هم ، حيئذ ابتعدت عنه خطوة واحدة ، ثم رفعت ذراعيها عاليا ، وراحت تدور حول نفسها كالفراشة وهي تقول له : إذن ليس أمامنا سوي أن نرقص ونغني ، لم يكن يدرك هو أن العود سوف يستجيب لأصابعه بتلك الروعه ، فيما انطلقت هي في الغناء:
ماذا لو كنّا عصفورين
يبنيان عشهما علي شجرة
أو غزالين يمرحان بلا خوف في البرية
نصلي فوق أجنحة الريح
أو في دروب الغابة
ونحن نتقافز فوق التلال.
كان العزف والغناء قد ملأ سماء المدينة ، كان هو يدور حولها ويفز في الهواء وهو يعزف ، فيما أحاط بهما المارة وركاب السيارات من كل جانب ، وكما توقع مدرس الموسيقي كانت المدينة كلها ترقص معهما وتغني.



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ معروف
- هرتلة شخصية
- نظرة إلي التراث
- المستنقع
- الخطاب الديني
- ثرثرات
- المصرية
- الصليب
- السبهلله (29)
- السبهلله (28)
- السبهلله (27)
- السبهلله(26)
- السبهلله (25)
- السبهلله (24)
- السبهلله (23)
- السبهلله (22)
- السبهلله (21)
- السبهلله (20|)
- السبهلله (19)
- السبهلله (18)


المزيد.....




- المشاهير العرب يخطفون الأنظار في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف ...
- احتفاء وإعجاب مغربي بفيلم -الست- في مهرجان الفيلم الدولي بمر ...
- عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
- افتتاح معرض فن الخط العربي بالقاهرة بتعاون مصري تركي
- عام فني استثنائي.. 5 أفلام عربية هزت المهرجانات العالمية في ...
- صناع فيلم -الست- يشاركون رد فعل الجمهور بعد عرضه الأول بالمغ ...
- تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة
- مصطفى محمد غريب: تجليات الحلم في الملامة
- سكان غزة يسابقون الزمن للحفاظ على تراثهم الثقافي بعد الدمار ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أبو قمر - أنشودة للحياة