أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - سخطة زنجيف















المزيد.....

سخطة زنجيف


إيمان سبخاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7705 - 2023 / 8 / 16 - 18:30
المحور: الادب والفن
    


أيعقل أن أكون ولدت لأسدد كل تلك الفواتير و أدفع الضرائب و إيجار البيت... و كل ديون والدي لا رحمة تتنزل عليه، كل يوم يأتي دائن يتقرّب إلى بابي زلفى برقم عليّ أن أدفعه. اللّعنة، يتوالون على أيامي كالإهانات... أكان علي أن أولد بأب مولع بالنساء و له هذه القدرة على الإنجاب، أنا أسوأ ما فعل يوم قذف نطفتي في رحم لا يشبع. نسيت كم رقم بعدي، وصيته على فراش الموت الوحيدة كانت: (أي واحدة تطرق الباب و تقول أنها زوجتي صدقوها). الذي بقيت أذكره أنني الأول و بعدي توالت كل اللعنات. كل عام تلد نساءه الأربعة بنات جدد، أنا الذكر الوحيد الذي قدر له أن يسدّد أضخم فاتورة في حياته و هي وجوده. كل شيء بدا ل " بهيطل" يوبخه، الطرقات تشتمه.. الأشجار على الأرصفة تبصق عليه.. الأحلام تسخر منه... الأيام متواترة كحركة نقّار خشب، حتى حصّتي من الطعام المطبوخ لا تكفي لأنال قسطا من الطاقة لمضاجعة حبيبتي بجنون، في خيالاتي كسينمائي محترف، على السرير المهترئ، أداعب نهديك خلف الباب، أستل رمحي و أتوغلك كي أنتج الخصوبة في شرايينك... أستيقظ أتبول على نفسي من الـفـرح، تــوبخني الأحلام و النافــذة التي كنت تطلين منها علي و مارست عليها هواية التهديف بحبات زيتونة غرست على الرصيف بالخطأ. شحّت كل مواردي حتى مائي و التلهّف لبناء قبة رمل من الأرصفة المتربة أمام بيت يبنى. نمدّ أيدينا تحتها بالحفر حتى تتشابك أصابعنا و ننتشي... لا أملك يا " حبارى" غير القلب الخشبي الذي رسمناه معا على جذع الصفصافة، رجلك المنهك من التسلّق و العواء كلما دق في صدري. لا أملك غير السرير يا حبيبتي و قد بعته لصانع توابيت، الأخشاب لا تشعر بتأنيب الضمير. أنت الوحيدة التي أنحني أمامها حيلتي الوحيدة كي لا أتهم بالسقوط. بينما " بهيطل" يدسّ رأسه في الصفحة 164 لرواية " في مديح النساء الأكبر سنا" في إحدى المغامرات التلصصية "لأندراش"، الإرث الوحيد الجميل الذي تركه والده في دكان لبيع الأنتيكة هو مجموعة كتب، في البداية قلبها لتسجية الوقت، ثم وقع في فتنة القراءة. دخل عليه "عبدولّاي" يبسط راحة يده التي لا تعـرف الرّاحة، يجـوب الشوارع صدكة... صدكة... و عمره يقول سركة... سركة..... الوحيد الذي بقي لأيام أخرى إضافية، بينما أصحابه قرّروا المضي قدما مع جمع غــفير من أبناء جلدته، مثنى و ثلاثى و رباعى... ببدلات و ربطات عنق تبدو كمسيرة لحبال مشانق حول فزّاعات بشرية... لن أحدثكم عن شكل الأحذية و لا عن المسافة. لا أحد يستطيع وصف الجحيم إلا الذي لفظته القيامة. قائلا بامتعاض دون أن يحرك عينيه من على العبارة: (رفضنا أخلاقياتهم الدينية لأنها وضعت الإنسان ضد غرائزه). لا تمدّ لي يدك أنا متسوّل مثلك، مازلت هنا في إفريقيا، أكمل سيرتك لحيدرة هناك يقبع الشمال... هناك يظهر اتساع الهوة بيننا نحن أخلاء الغرق و هم الناجون، لن أبدو لك قشة نجاة.ستأتي الأخشاب على ضفاف حلمك في أن تصير إنسانا لتبيعك الوهم، بثمن كل عمرك الذي يبدو رخيسا و لا يفي بالغــرض. ستجد أن اليد التي كانت ممدودة لك كانت جزءا من تابوت، سيتهمونك بارتكاب تهمة الحياة و يعيدونك عند أول شاحنة بضائع متجهة لأقصى الجنوب، من حيث أتيت و ستظل تهرب و تعود مشيا على الأقدام... دون ماء تصيح في الطرقات المتربة: دو لوو.. دو لووو ... لتذكر الجزائري بلغة الجلّاد، مع الإشارة بإبهامك لفمك كمن يعبّ الهواء. عند العطش كل المياه صالحة للشرب حتى البصاق. و لا صبارة جريمتك الحياة و عليك أن تثبت براءتك. جنحتك العطش، لست بعيرا ستظل عل ناصية الطريق تنتظر امرأة تخيط نعالك الممزقة، تتفحصك فقاعات قارورة الماء التي يخيّل إليك أنها فتاتك الجميلة التي تراودك عن الحياة، بشفاه غير مستعملة لتلعق يأسك القديم. اذهب للشمال حتى خيار الهروب متاحا أكثر. تصل عين "بهيطل" لعبارة ( نحن غير صادقين حتى مع الحياة ) يحشر "عبدولّاي" إبهامي قدميه في الحلقتين الجلديتين لمداسه، يمعس عقب سيجارة لا يدري متى أشعلها في شق الجدار. يقول: يبدو أنه ليست الجدران وحدها بقلوب من حجارة. بعربية فصيحة تطغى عليها اللكنة المالية... يرفع " بهيطل " رأسه و يدحجه بنظرة ذهول... كان يتصور أنه يكلم نفسه.. طلب منه إزاحة الوشاح، لطالما امتعض من وضع الأوشحة الصوفية، ليتبيّن مصدر الصوت أكثر.. ليتلقف الحروف من مخارجها. لكن "عبدولّاي" استرسل بعربيته الفصيحة بلكنة إفريقية: الجزائري لا يعمل، ينام حتى الثانية زوالا و يصحو يسبّ صنابير الماء و قهوة أمه و البلاد التي أنجبته و يهدد بالحرقة كأنه العملة النادرة و البطل الخارق، و البلاد لا تصلح له و لتميّزه المتفرّد. يرد " بهيطل": الأخلاق تفسد كلما شحّت الموارد، كلما فسد الساسة.. يقاطعه "عبدولّاي": يبدو أنك لم تجرب أن تكنس الإسطبلات و تتورط في عملية توليد بقرة، تتصل برب العمل الواحدة ليلا، ليقول لك اللعنة، تصرّف... تصرّف... و ترد وجلا: وي مون باتورن... وي مون باترون... لقد قلت وي من باترون أكثر من اسم الله، اشتغلت كل المهن لقاء المعكرونة التي ترميها عائلة نباتية في القمامة... لا ينتشي لعابكم إلا برؤية الجياع. لا تعرف عدد المرّات التي أعادتني فيها الشاحنة كأرخس بضاعة من الشمال إلى أقصى الجنوب. و كم مرة صارت الصحراء بشساعتها أضيق من فرج نملة... عندما أهــرب و أطويها مشيا على أمل أن يحملني رجل في الطريق أو يرمي لي عبوة ماء كالخلاص... يأمر "بهيطل" بغلق المحل، يسحبه من ذراعه... يجتازان معا كل دروب المدينة المتربة، يأخذه لبيت قيد البناء، حيث يعيش، سمح له صاحبه بالمبيت في خزان ماء فارغ. يحفر تحت شجرة ليمون يخرج الكثير من الذهب، يلمع في عيني "بهيطل" ، إنه محصول سنوات من التنقيب من كيدال كنت أهرب نسيت عدد المرات... أتتسوّل و معك كل هذا الذهب؟ أريد أن أشتري قاعا يا صاحبي، ربما صارا صديقين. اللعنة كل هذا الذهب الذي حلبناه من أثداء الملائكة، بعد لأي و مشقة لا يشتري حياة كريمة. يشتري لنا مكانا في القاع في مؤخرة الكرة الأرضية، نحن الذين أنجبنا آدم من تغوطه، أريد أن أعبّ من متع الحياة... أتذوّق عشرات الشفاه كي أمحو قبلة "فاطوماطا" أمحو بأقداح الشفاه لوعة الفراق، و أنجب طفلا من امرأة شقراء، لكي لا تنظرون إليه كوجه صالح للتشذيب... طفل لا تقوده رائحة الجوع للقمامة. لا تعاملونه كنفايات بشرية في طريق مهمل. و كالقرد عندما يبدي فرحه الهزيع.. عندما يتسكع و يتبادل المومسات مع صديقه الأشقر لا تبصق عليه أضواء الملاهي. لأول مرة يرأف "بهيطل" لحال أحد و يضحك منذ وفاة والده. بدأ يثق فيه و يتخذه كصديق، بدا له كطفل و هو يرتدي نعله بالمقلوب، شملت موجة الضحك الهسترية أيضا "عبدولّاي" و بدا ما تبقى من طفولته تلك السن اللبنية... لأول مرة يحلم من جديد ب "حبارى" بجسدها الذي يشبه منحوتة إغريقية ليوسا في روايته حفلة التيس. شلال أنثوي... يشقان الصحراء معا في رحلة للتنقيب عن الذهب، يسهل عليه العبور و يفتحه "عبدولّاي" على عوالم البربوشيات المليء بالغرائبية، و الطوراق بطقوسهم الغريبة أرضهم بكر تصلح للتاريخ و الكتابة. كل سلوكاتهم لاتينية، كل عاداتهم مدعاة للتأمل...رقصهم... زواجهم... طلاقهم... لا توجد امرأة متحررة كالإفريقية متحررات لأبعد الحدود.. يضحك "بهيطل" من مفهوم "عبدولّاي" للتحرر، يستدرك... يحترمن أجسادهن يا صاح.. بأجسادهن الخلاسية اللامعة تنسى كل متاعب الطريق. حبي ل "حبارى" يقف حائلا بيني و بين أي امرأة لا أريد غير الذهب. يعثر "بهيطل" على جريدة بعد اختفاء الصحف من الأكشاك على طاولة مقهى، لكن عينيه عالقتين على شريط الأخبار في التلفاز المعلّق، ( اختطاف رعية مالي، قضت محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة صبيحة يوم الثلاثاء بالسجن النافذ ست سنوات ل (ك ـ أ) عن تهمة تزوير أوراق نقدية و حيازة معدات تزوير و سلب تاجر مبلغ مالي لتأمين العودة لبلده). تصل "بهيطل" رسالة: صديقك الفحمي الذي يصلح أن يكون وقودا سريا لحكايات الجدات، مزال يحاول الوصول... مثل اليوم الذي التقيتك فيه بنعلي الذي ارتديته بالمقلوب، بضحكتي التي تحبها بما تبقى من طفولتي بسن لبنية، نسيت أن أخبرك أن السبحة بحبات نحاسية مسروقة من رقبة ميت قضى و هو يحاول الوصل. هكذا بعض منا يرسم مثلث حياته مقلوبا و هو لا يدري، فيواجه الكثير من المتاعب. سأغادر الدنيا أيضا من فتحة شرجها و تطبق علينا فمها كحفنة براز. بلا زائرين يتلون على قبري سورة الفاتحة. أنا صديقك الذي لم تسعفه الحياة كي يصادف القشة، و لا الإمرأة الشقراء، نقطة التحوّل التي تعده بالفردوس... توقيع: كوليبالي أمادو يوم: 16 أوت



#إيمان_سبخاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلامي المهبول
- لا تكلني للكدمات... يا أبي
- يشدّ الحزن من الأذنين
- قصة قصيرة: ابتسامة تصلح لنهاية الطريق...
- القصة الأولى من مجموعة: أنتِ أولى بنبضك...
- كلمات آبقة
- قصة قصيرة العايب
- الفصامي عن الفيلم القصير اثنان ناقص واحد ل-أشرف النجاد- و - ...
- قراءة في مجموعة قصصية طفلان ضائعان للقاص و الروائي -سلام إ ...
- قصة قصيرة: كمّامة عزلة
- قصة قصيرة: الرّدية
- قصة قصيرة: عاثر حظ
- قصة قصيرة: أرواح معلّبة
- قصة قصيرة: حورية خلاسية
- قصة قصيرة: ما في وسعك من جنون
- قصة قصيرة عنوانها: مكيرد
- قصة قصيرة: أزرار مفتوحة
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- مهرجان للأدب الروسي في جنوب الهند
- يسرا: هذا ما شجعني على خوض تجربة فيلم -شقو-
- -أوقفوا تسليح إسرائيل!-.. الممثل خالد عبد الله يطلق نداء في ...
- مهرجان كان: السعفة الذهبية... منحوتة فاتنة يشتهيها مخرجو الس ...
- مزرعة في أبوظبي تدّرب الخيول لتصبح نجوم سينما.. شاهد كيف
- ثلاثة وزراء ثقافة مغاربة يتوجون الأديب أحمد المديني في معرض ...
- مشاهدة المؤسس عثمان ح 160.. قيامة عثمان الحلقة 160 على فيديو ...
- فروزن” و “موانا” و “الأميرة والوحش” وغيرها من الأفلام الرائع ...
- جامعة كولومبيا الأميركية تنقل الرواية الفلسطينية الى العالم ...
- مالك بن نبي.. بذر من أجل المستقبل


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - سخطة زنجيف