أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - قصة قصيرة: أرواح معلّبة















المزيد.....

قصة قصيرة: أرواح معلّبة


إيمان سبخاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6396 - 2019 / 11 / 1 - 21:39
المحور: الادب والفن
    


أرواح معــلّـــبــة
يحضرني وجه جدي بقوة هذا المساء و هو عــائــد حافيا من المسجـد، متـذمرا من الذين يسرقون أحذية المصلّين، ناولته أمي كاتمة ضحكتها، نعال أبي التي تصغـره... استفحلت الظاهرة إلى أن صار الكل يذهبون بدون أحذية و تحولت الصلاة إلى عقــوبة جماعية و لم يعـد أحد يضع زينته عند المساجد أو خارجها... عدا شيخ طاعن في السن، سأل الإمام الذي يخفي حذاءه تحت السجاد، هل يجوز لي تعـليق حذائي على رقبتي في الصلاة؟ كان مراوغا بارعا، تهــرّب بفتوى حضـرته للتو متحسسا حذاءه تحته، السير حافيا سيضاعف أجرك... قطعت الفتوى رزق اللص الذي أراد أن يقول: عليكم أن تعودوا حفاة أيها المنافقين.. هكذا ستعـلقون في مكر رجال الدين، الذين يتــركون برازهم في كل مكان، من أخمص أقدامكم إلى أرنبة أنوفكم.. لست نبيا لأربط بطني بحجــر، لا أملك قــربانا.. كما أني لم أطمع في نكاح أختي و أقـتـل هابيل.. لكن أنى للأغبياء أن يفهموا بأن المسافة إلى الله أقــرب من اللّــقمة إلى فمي... لم تكن الأحذية مسروقاته الوحيدة، كان قد كــوّن مكتبة من الكتب المسروقة لأشخاص قضوا و من البيوت المهجورة.... كان موت أحد المثـقـفيـن يعني له صفقة مـربحة، لبيعها في البسطات في مدينة مجاورة فأصبح مع الوقت قبلة للقــراء على اختلاف أذوقهم، الذين يجدون عنده كل ما ندر.. يتّبع الجنائز.. يحظى بطعام مجاني.. يتظاهر بالانتحاب الذي تعلمه من صديقه الشيعي يوم عاشوراء.. اجتمعا بسبب الجوع في إحدى المناسبات الدينية، رأى أحـدهما نفسه في الآخر و فهمه من خلال صــوت بطنه... تحولا مع الوقت إلى لصّين بارعيـن مغلّفـين بمهابة عــظيمة منحتهما إياها سطوة الكتب، عدة أعوام من تعاونهما على البرّ و التقوى جعلت المكتبة تكبر دون مطاردة أو اكتراث من أحد... اتسعت تجارتهما و تحسّن وضعهما، لكن حذاء أحد الأعيان الجلدي اللامع أعاد "مسعود" إلى شغفه القديم.. لسوء حظه أن صاحب الحذاء كان وزيرا و تبدد حلمه في لحظات بامتلاك حذاء إيطالي فاخر، يسحق به عـقـدته من الأحذية.. قبض عليه مـتـلبسا من قبل الحارس الشخصي الذي كان مختبئا يبارك صلاة سيده... لمحه "منتظر" و غمغم متأسفا على صاحبه ماذا فعـلت؟ ماذا فعـلت يامتعــوس؟ في ليلته الأولى من السجن تنبه لوجود كتاب في جيب ستــرته الداخلية، لفتته إمرأة فاتنة على الغلاف كان قد سرقه من المثـقـف الأخير. أمسكه و بدأ يتفحّصه، كان رواية لإيميل زولا "حصاد الحب" وقعت عيناه على عبارة (الحب أن تكوني ترحبين بالموت في أي لحظة و أنت برفقته).. جعلته العبارة يتفطن لقلبه الذي لم تدخله امرأة من قبل، تــرحّب بالموت و هي في حضنه... هذه هي الحياة، نولد.. نحب.. ثم نموت.. الباقي كله محض هـــراء.. (واجبنا أن نحيا) أعادها عدة مرات، واجبي أن أحيا... الكتب تختصر كلما عجزنا عن قوله بكلمة واحدة بإيحاء من سطر، مرّ كل احتجاجه الصاخب من تاء الحياة المستديرة.. على لسان الدكتـور باسكال عبارة (الجبن أن يقـتل الإنسان أفكار غيره). وقع في فتنة القراءة.. صار يطلب من صديقه في كل زيارة مزيدا من الكتب، أحب السجن الذي أغناه عن الرّكض خلف المال.. السجـن بالنسبة له جنة غير متوقعة " خبز بلا شراء و دار بلا كراء" كانت تلك دعوة أمه له منذ سنوات، هاقد لحقته اليوم.. الكتب جعـلت لمواجة الموت.. الحــرب.. الخراب.. الوحدة.. نشرات الأخبار.. الأدوية و الأطباء و الضرائب.. الأكاذيب، الشائعات و السجن الذي صار يدعــو أن يطول.. أن يزوده الحارس بمزيد من القــضبان.. صار يعثر بين طياتها على أوراق نقدية.. تمائم.. صور.. وجد رسالة حب و صورة لامرأة مكشوفة الصدر و الساقين باللونين الأسود و الأبيض، التاريخ على ظهر الصورة 10 جانفي 1948 فتح الرسالة المتآكلة الصفراء بخط باهت و أحرف انتشــرت بفعل الدموع الواقعة على الحبر.. بكى هو أيضا و خمّن لو قـرأها موزع البـريد لاستقال، الرسالة اختصـرت عمرا من الحب بأكمله.. نسي أي ميت كان صاحب الكتاب و بالضرورة الرسالة من أي مكتبة سطا عليها .. اعتصر ذهنه دون جدوى و غرق في نوبة بكاء.. الكلمة أنثى يسوقها الكاتب إلى بلد ميت فتحيض المعنى و يخضرّ المكان... زوده منتظر بكتاب آخر صباح هذه الزيارة، مستغــربا من سلوكه و تغيره الملحــوظ معلّقا، أيها الوغــد مكنك السجــن من أن تقــرأ بشكل مثالي كان يبكي مطولا عندما يعثر على بصمة الميت أو خطه أو تاريخ الاقتناء أو ثنية لورقة و علامة للعودة و يطرح السؤال كم من رجل غيرك قرر أن يعود لتك الصفحة لكنه لم يعــد... لم تكن كتبا عادية.. كانت بلمسة الموت، كلّها تـفيض مـوتـا كأن لم تلامسها أصابع نابضة بالحياة يوما.. كأن أطرافها تتكسّر على أسفل الأوراق لتصدر الكلمة صوتا ممزوجا بروح الكاتب و صاحب المكتبة.. اكتمل نصاب سجنه هذا المساء.. حان وقت الفكاك.. كان يلوذ خلف عبارة الحب، الحياة و الأمل.. هاربا من موت وشيك لبطل الرواية، وجد صديقه قد وقع في الفتنة ذاتها منكفئا على قراءة كتاب جديد ليأخذه له غدا، كان طوال تلك المدة ينتقيهم بعناية لكي يرفع معنويات صديقه و يخفف من وطأة الجدران التي تحد روحه الحــرّة. يقدم النبيذ لمالك الرصيف لقاء ليلة تحت ضوء الإنارة العمومية... هنا في البلدان التي لم تنل استقلالها منذ خروج الاستعمار الظاهـري حتى الأرصفة و الهواء يؤجر، لا أحد تخلص من "ذهنية الأجر في مجتمع تعــوّد على المقابل في كل شيء" كما كتب أحد مثـقفي المدينة على هامش كتاب في علم الاجتماع و وقع العبارة باسم ع.ح ... وقف أمامه كمن هبط من السماء ، فتح فمه ذاهلا... مندهشا.. تعانقا طويلا... و ضحك آه أيها الصديق أنت أيضا فتـنت؟ أرأيت أشكالها و هي مصفوفة و متلاصقة لا فاصل بين أغلفتها كحيوات متجاورة و أرواح مخلّدة. باغتهما السكير مهددا بالتبوّل فوقها... لاذا بالفرار قال مسعود و هما يــركضان علينا أن نتدبر عملا آخر غير سرقـتها و بيعها... سأله منتظر: و هو حـزين كمغـسّل موتى، كانا قد وصلا إلى عامود إنارة آخر... هل توجــد كتب في الجنة؟



#إيمان_سبخاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: حورية خلاسية
- قصة قصيرة: ما في وسعك من جنون
- قصة قصيرة عنوانها: مكيرد
- قصة قصيرة: أزرار مفتوحة
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان سبخاوي - قصة قصيرة: أرواح معلّبة