|
تاريخ الأمم
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 7704 - 2023 / 8 / 15 - 10:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
البعث والنشور الأخروي إنذار لازم عالمي الجن والإنس منذُ بداية الخليقة ولقد وجدنا ذلك على لسان إبليس في وقوله ربي أنظرني الى يوم يبعثون - وكذلك في وصايا الله لأدم –فالفكرة التي حملها أبناء ادم للأجيال تبشر بحياة أخرى عوضا عن الجنة التي فقدها أبويهما - فكان مفهوم البعث والنشور في معتقدهم يتمحور حول الابتعاد عن الخطيئة وان وجدت فالتوبة هي البديل عنها – ولكن بعد قرون من الزمن تكونت المجتمعات فتلاشت تلك الأفكار لتحل محلها أفكار أخرى جديدة أزالت التهديد الوعيد معتبرة الخطيئة من الحريات الشخصية فشرعت لها طقوس وثنية يحمل فيها الشريك مع الله جميع الخطايا - من أصلاب المؤمنين الناجين من غرق قوم نوح تشكلت أمم أخرى - لكن سرعنما استبدل الشيطان قيم الإيمان والتقوى ومخافة الله التي حملوها عن آبائهم باعتقادات أخرى ألغت البعث والنشور وكافة مظاهر التدين جملة وتفصيلا – نطلق على تلك الحقبة التاريخية اسم ( الدهريون أو الوجوديون ) - قال الله - ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – أي بعد قوم نوح – فأرسلنا فيهم رسولا منهم ان اعبدوا الله مالكم من اله غيره أفلا تتقون – أفلا تبعدون أنفسكم عن عذابه - قال - الملا من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا - ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون – لئن أطعتم بشرا مثلكم أنكم إذا لخاسرون – أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون – هيهات -هيهات لما توعدون - ان هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين – الوجودية أو الدهرية - فكر انبثق من داخل احدث المجتمعات في تلك الفترة التي كانت تتمتع برفاهية اقتصادية عالية جدا - وأترفناهم في الحياة الدنيا - رافضة كافة أشكال التدين سواء ان كان وثني أو توحيدي – فلسفة الوجودية للحياة - هي ان الوجود هو من أوجدهم والدهر هو المتحكم بحياتهم وموتهم -- ان هي إلا حياتنا الدنيا – لا وجود للبعث - نموت - نحن الإحياء - ونحيا - ويعيش غيرنا ويموت - وما نحن بمبعوثين - ان هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين - وردت كلمة الله على لسان الدهريون فما هي ماهية الله عند الفكر ألوجدي – حسب ردهم على الرسول - هم لا ينكرون الله خالق الوجود – لأنه هو من وهب الحياة للإنسان ليستثمر كافة منافعه وغرائزه وملذاته دون أي حدود – لكن رأي الوجودية بالرسول يختلف عن اعتقادهم بالله - قالوا - ان هو إلا رجل افترى على الله كذبا - أي الرسول - وما نحن له بمؤمنين – بمؤمنين بالبعث والنشور-- قال ربي انصرني بما كذبون – قال عما قليل ليصبحن نادمين – فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ{31} فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ{32} وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ{33} وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ{34} أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ{35} هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ{36} إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ{37} إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ{38} قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ{39} قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ{40} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{41}
من أصلاب المؤمنين الناجين من هلاك قوم عاد تكونت أمم أخرى أعادت مشاهد الإنكار للبعث والنشور الأخروي – قال الله-- ثم أنشانا من بعدهم قرنا آخرين – وما تسبق من امة اجلها وما يستأخرون – ثم أرسلنا رسلنا تترا – رسول بعد رسول - كل ما جاء امة رسولها كذبوه فاتبعا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – كانت نهاية قوم ثمود نهاية التعامل بالأدلة المادية بعد ان اثبت فشلها في تغير الواقع الديني للأمم السابقة – قال الله - {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }الإسراء59 – بعد تقدم الأمم في كافة المجالات وظهور الكتابة في أقدم الحضارات كحضارة وادي الرافدين والحضارة الفرعونية استعان الله بها كآلية جديدة تحفظ للشعوب دينها عبر التاريخ والأجيال مع بقاء سنته المؤكدة بالقضاء على الشيطان وأتباعه أينما وجدوا – ولكي يثبت الله فاعلية الكتب في المحافظة على الدين عبر التاريخ ضرب لنا مثل عن موسى وفرعون وبالرغم من هلاك فرعون وقومه وانتهاء تلك الفترة إلا ان كتاب موسى الذي نزل على بني إسرائيل لا يزال فاعلا في معتقدات الشعوب الى يومنا هذا – قال الله - ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين الى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين – فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون – فكذبوهما فكانوا من المهلكين – فأول كتاب ديني على وجه الأرض هو كتاب موسى كتب بداية على ألواح الطين - ولقد أتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون –– ثاني كتاب من بعد كتاب موسى - الإنجيل –كتب بعد انتقال عيسى ابن مريم وأمه من البيئة الصحراوية الى حضارة المدن لأنها مصدر العلوم والكتابة والتدوين- وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما الى ربوة ذات قرار ومعين – ارض تربو بالزراعة لمياهها العذبة ومركز استقرار سكاني لانتعاش الأنشطة الاقتصادية – يا أيها الرسل كلوا من الطيبات إني بما تعملون عليم – جميع الرسل ابلغوا الأمم ان الشعب واحد والرب واحد - وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون – لكن الشعوب قطعوا أمر دينهم الى ملل وديانات وقوميات وطوائف وأحزاب كما يقطع زبر الحديد المعادن الأخرى -- فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون – بعد السرد التاريخي للأمم السابقة انتقل التنزيل الى مشركي أهل مكة – مخاطبا إياهم - يا أهل مكة انتم ليس بأفضل من الأمم السابقة - لقد كانوا أكثر منكم أمولا وبنين - قال الله - فذرهم يا محمد في غمرتهم حتى حين – أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين – ونسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون – تطرق التنزيل الى إشكال الإيمان العقائدي تكميلا للإعمال الشخصية التي ذكرناها في مطلع سورة المؤمنون –قال الله - الذين هم من خشية ربهم مشفقون – والذين هم بآيات ربهم يؤمنون – والذين هم بربهم لا يشركون – والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون – أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون – ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون – بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون – حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب اذا هم يجارون –يجأر يصرخ بصوت عالي خوفا من الموت – لا تجاروا اليوم أنكم منا لا تنصرون – قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون – ينكص - يرفض الامتثال لقول الله – مستكبرين به سامرا تهجرون – الاستكبار والهجر لآيات الله من سمر الافتخار في مجالسهم
ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ{42} مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ{43} ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ{44} ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{45} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ{46} فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ{47} فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ{48} وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ{49} وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ{50} يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{51} وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ{52} فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{53} فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ{54} أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ{56} إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61} وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{62} بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ{63} حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ{64} لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ{65} قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ{66} مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ{67}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طور سيناء
-
ملك إحساسي
-
وطني دجلة والنوارس
-
أنا – وقلبي
-
التراث المكي وثنية الحج
-
جدال الخصوم
-
الرجال قوامون على النساء بين الإسلام السياسي والتنزيل
-
ولقد كتبنا في ألزبور
-
أنا - وروحي - والقدر
-
خصوصية الأنبياء بين التراث الديني والتنزيل
-
هالة عاهد بين الاتفاقيات الدولية والإسلام السياسي
-
رمي الجمرات بين الله والشيطان
-
الأضحية بين التراث الديني والتنزيل
-
إبراهيم بين تحطيم الأصنام والتشدد الديني
-
اللعب والعبثية
-
طه - 2
-
يا يمه انطيني الدربيل انظر حبي وشوفه عيد الفطر 1444
-
طه - 1
-
ليلة القدر بين التراث الإسلامي والتنزيل
-
مريم - 2
المزيد.....
-
بلينكن يزور الأردن وتركيا لبحث وضع سوريا -بعد الأسد- وهدنة غ
...
-
القاهرة: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
-
الأردن يسير قافلة مساعدات إلى سوريا
-
تصاعد عمليات استهداف مخيم النصيرات
-
بن زايد يبحث مع ملك الأردن الوضع في سوريا والتطورات في المنط
...
-
جائزة نوبل للسلام 2024: موكب لتكريم الناجين من القصف الذري ف
...
-
سجن صيدنايا: ظنت شقيقها ميتا فخرج حيا من -المسلخة البشرية- ف
...
-
أين ماهر الأسد؟
-
فحص جيني ينهي فرحة عائلة أردنية باستعادة ابنها من سجون الأسد
...
-
تمهيدا لإجراء الانتخابات .. شولتس يطلب التصويت على الثقة
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|