أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد درير - مأزق الحياة البوهيمية














المزيد.....

مأزق الحياة البوهيمية


سعاد درير
كاتبة وشاعرة وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 7695 - 2023 / 8 / 6 - 00:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يَجتاز إنسان اليوم اختبارا صعبا، مع أنه إنسان اليوم نفسه هذا الذي يَستبعد منشارَ المحاسَبة التي تُغَيِّبُ كليا مسطرة المنطق الذي لا تعترف النملة البشرية بقانونه ولا تَخضع لنظامه بعد سقوط كل أوراق التوت الأمَّارة بإخراج الفرد من جنة الحكمة.
ركوبُ موجة اللامعقول يتزامن مع غرق سفينة الاحتكام إلى المواثيق التي كانت تًجَنِّدُ البشريةَ للبحث عن خلاص من عقدة حالة التوحش البدائي التي تنأى بالذات عن أن تَستدرجها اللحظةُ إلى مستنقع عقيدة الذئاب التي لا تَعترِف سوى بقانون الغاب، والقصد: إن لم تَكن ذئبا فتأكد أنك ستصرخ صرخة نعجة مذبوحة كثير عليها أن تَركن إلى الظل وتكتفي هي بدور المتفرج السلبي.
الحياة بهذه المعايير عند هؤلاء لن تَخرج عن عرض قصير، ولن تتجاوز كونها فُرجة ممسوخة تشوِّهُ حقيقة الإنسان الذي يمثل على الآخرين و على نفسه، يمثل بحنكة جزار يبيع الوهم لطُلاَّب اللحم.
لا تَكذبْ على نفسك، لا تَكذبْ على نفسك يا من تَمْضغ قلبَ الحكمة والمنطق وتُفَرْقِعُهما كما تشاء في دروب الحياة المظلمة بسقوطك في حفرة الحقارة النائية بك عن مُدن الوعي بحاجتك إلى أن تَصنع من قماش الحق فساتين وسراويل لا تَضيق بأجساد أقصى مُناها ألا يَفضحها مأزق الحياة البوهيمية.
لِنَكُنْ أَبْعَد عَمَّنْ صَدَّقُوا الغوغاء، وأحرقوا الحصيرَ وكسروا الوعاء، فكيف الحال وقد كان ذاك الوعاء الوحيد الذي كانت تمتدّ إليه الأيادي لِتَقْتَطِعَ شيئا من خبزه الأسود وتَلتمس شيئا من زيتونه الْمُرّ أو تَرتشف شيئا من لبنه البائت...
الطاولة الخشبية القصيرة التي كانت تضخُّ الدفءَ في قلوب أهل البيت الطيني لم تَعُدْ تَجِد لها مكانا في زمن الإنسان البوهيمي الذي ثار، ثار ونثر الأعواد وأطفأ النار، ثار وكفر بزمن البردعة والحمار، ومضى في طريق جبلي وعر تُحَرِّكُه غريزة قُطَّاع الطرق وسواهم من المارقين الفُجَّار.
أهُوَ دَم كَذِب هذا الذي شوَّهَ معالم خريطة قميص الأُخُوَّة؟ أم هو ذِئبُ الساعة الذي أكلَ إنسانَ اليوم ونهشَ كبده، فما عاد يُحِبّ لأخيه ما يُحِبُّه لنفسه، لكأن ميثاق الأخوة لا يَعترف به سوى كنَّاش الحالة المدنية.
نَشرب النهر، ونُفرغ البحر، ونعيث فسادا في أرض الإنسانية، وقلما يشدنا الحنين إلى جذور أجدادنا الذين فصَّلوا من أمجاد التاريخ عباءة تَقِيهم بردَ الزمن وصَهده، وبَنَوْا أهراما من التيجان التي كُللت بورد الشرف والعزة.
يَطلع النهار، ونَستفيق على أبواق النرجسية التي تَنفخ فيها أفواهُ النزعة السادية، فإذا بمارد الرغبة في ثوران بركان الدم والذّعر يتمدَّد، وإذا بالنية الشمطاء في حرق زرع القلوب تُبَيَّتُ وتُزَيَّتُ، وإذا برأس الضمير الحي يُصْلَبُ على باب مدينة الروح.
الروح يَهجرها الجسد، والقلب يَعصره الصَّدَأ، والحقدُ أفعى سامة تُسافر بلا عنوان، والجهل مظلة مثقوبة لا تَحبس شيئا من أنفاس النفس التواقة إلى وخز الآخَر بإبر تَنفث السم في الشرايين.
إبليس يتجسد في أكثر من وجه تستقرئ فيه الشرَّ المطبق، وميدوزا عجوز خرقاء تَحكم قبضتها على شوارع العيون المستجدية للشفقة، ليس لك إلا قَدَرك الناطق بما لا تقوى على أن تَنطق أنتَ به، فانصرْ قَدَرَك يَنصرك، واحفظْ لسانَك يَحفظك، والْـجمْ لسانَ الوحش الأرعن ذاك الساكن فيك لتتسع المساحة لحورية بحر النُّبْل الإنساني.
كُنْ لَكَ أو عليكَ.



#سعاد_درير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُبّ وشاي وخبز أسود
- النصف المظلم من قمر الحقيقة
- انتكاسة مائية، أم بوادر أزمة عالمية تَقود العالم إلى حرب تست ...
- عَيْنٌ عابَها الكُحْلُ
- خيط الروح
- مظلة الانتظار المثقوبة
- نحو تطهير بيئة التفكير
- الأمل مازال جنينا نائما
- سَمِّي نَهْرَكِ يا عَيْنُ قصيدة
- اَلْفَمُ الباحث عَن قُبلة
- حلاوة عسل نحلة الحُبّ الشقية
- رحيلُك أطفأَ وجه القمر
- جَنِين الأمل الراقِد
- سفينة أخرى تُقْبِرُ أسماكَ بَحر الحُبّ
- أنثى ألْهَبَتْها سِياط الإحساس
- تُسابِقُ ظِلالَ نَعْلَيْها لِتَفْتَحَ لكَ البابَ
- جَوْقَة عصافير خوليو تَلتقِط قَمحَ الحُبّ..
- شيء من العناق يُحَلِّي فنجان الحياة
- الدرك الأسفل من جهنم الحياة
- يَذبل ورد الإحساس


المزيد.....




- -لاس فيغاس آسيا-..كيف يبدو العيش في ماكاو؟
- شاهد ضباط شرطة لوس أنجلوس يزيلون مخيمًا مؤيدًا للفلسطينيين ف ...
- -خطوة مركزية في بناء دولة الاتحاد وتحصينها-.. أنور قرقاش يشي ...
- قيادي في -حماس-: سنُهدي -النصر المبي-ن للسيسي وكل الزعماء ال ...
- ثاني توهج قوي يحدث على الشمس في يوم واحد!
- الخارجية الروسية: الغرب نسي دروس الماضي ويمضي نحو سباق التسل ...
- بوتين يوجه ببدء الاستعدادات لإجراء تدريبات على استخدام الأسل ...
- سياسي بريطاني يحذر من تصريحات كاميرون -غير المنتخب- عن حق أو ...
- هل فقدت فرنسا صوابها؟
- أردوغان يلعب ورقةَ مناهضةِ إسرائيل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعاد درير - مأزق الحياة البوهيمية