أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بحثاً عن عدالة غائبة عن عالمنا















المزيد.....

بحثاً عن عدالة غائبة عن عالمنا


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 18:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل واحد منا لديه تصوره الشخصي عن العدالة الواجبة التي يوقن في دخيلة نفسه أنها إذا ما تحققت حُلت مشاكله كلها وربما معها مشاكل العالم أجمع. رغم ذلك، إذا ما اجتمع نَفرُ قليل للغاية معاً وأباح كل واحد منهم عن مفهومه لهذه العدالة الواجبة بحسب تصوره الشخصي، سيتضح فوراً مدى التناقض وعدم التطابق في المفاهيم ووجهات النظر- أحياناً إلى حد العراك والخصومات القضائية وحتى الاقتتال وسفك الدماء الذي يحدث فعلياً على أرض الواقع بين أفراد الأسرة الواحدة لدى شروعهم في تقاسم المواريث فيما بينهم. إذا كان هذا هو الحال وسط عدد ضئيل من الأشخاص تربطهم صلة دم ورحم، فما بالنا بمجتمع كبير تعداد أفراده بالملايين معظمهم لا يعرفون بعضهم بعضاً وتغيب عنهم مثل هذه الصلات الحميمية؟!

هذا الوضع الصعب والمراوغ للعدالة لم يغب كذلك عن نظر عظماء العقول المفكرة. وحتى فيما بينهم لم يكن هؤلاء العظماء، في تعريفهم للعدالة، أفضل حالاً من أفراد الأسرة المتخاصمين على الميراث. لكنهم، رغم الاختلاف وعدم التطابق والتناقض الصريح أحياناً، اتفقوا جميعاً على أنه رغم الاختلافات والتناقضات الجلية في المفاهيم الذاتية عن العدالة وتطبيقاتها على أرض الواقع، يبقى هناك "مثال" للعدالة يسعى ويتطلع إليه كل إنسان على وجه الأرض، حتى لو كان أشدهم ظلماً وبغياً وأسوئهم تصوراً للعدالة. ومن هنا، خلق الفلاسفة والمفكرون من مفهوم العدالة نفسها كيانين نظريين منفصلين ومتمايزين عن أحدهما الآخر: (1) نموذج مثالي للعدالة غير قابل للتحقيق على الأرض لكن رغم ذلك ينبغي أن يبقى دائماً وأبداً النور المرشد للطامحين إليها؛ و(2) نموذج نسبي قابل للتحقيق بدرجات الذي رغم نسبيته وتشوهاته ونواقصه المؤكدة ينبغي أن يسترشد ويسعى دوماً باتجاه النموذج المثالي.

هل العدل موجود حقاً؟ إذا لم يكن، من أين فرض صورته بهذه القوة على مخيلتنا كافة، دون استثناء؟! وإذا كان، هل هو هذا المثالي المطلق المستحيل على طاقاتنا البشرية المحدودة رغم مساعينا الصادقة والحثيثة إليه، أم هو من جنسنا، نسبي وناقص وبه عوار دائم، مهدد دائماً بالمرض والفساد وحتى الفناء إذا لم يجد ما يعيله ويرعاه؟

مثال حالة:
1- المستبد العادل
هنا القوم في الحقيقة اثنين لا واحداً، أو طبقتين تعيشان في عالمين منفصلين داخل وطن واحد. وبدورها، تنقسم الثروة القومية إلى نصيبين: (1) ملكية خاصة يتمتع بها عامة القوم، و(2) ملكية عامة يحتكر إمكانية الوصول إليها واستغلالها المستبد وحاشيته، يهبها لمن يشاء ويرضى عنه وينزعها متى ما شاء. هناك قضاء لفض منازعات العامة فيما بينهم، ليس على أساس قوانين محايدة وموضوعية بقدر القواعد والأصول العرفية والمركز الاجتماعي والقبلي، والقرب أو البعد من مركز السلطة الممثل في المستبد وحاشيته. ولا يوجد قضاء لفض منازعات أفراد الحاشية أو النخبة فيما بينهم، التي تنفض داخل غرف مغلقة، وأحياناً بتدخل مباشر من المستبد العادل ذاته.

هنا، أياً ما كان تصورك عن العدل في فرص وإمكانية الوصول إلى مصادر الثروة القومية واستغلالها وتنميتها والاستفادة منها لن يلقى تصورك هذا أي وزن أو صدى أو قبول لدى من يقررون فعلياً شروط الوصول إلى مصادر الثروة القومية واستغلالها- المستبد العادل ونظامه. وإذا أصَّريت على موقفك وعاندت، قد ينتهي بك الحال إلى المنع الكامل من الثروة القومية، ومصادرة ثروتك الخاصة، وحتى دفع حياتك ثمناً لهذا العناد.

2- الثروة المَشَاع
هنا كل شيء واحد، واحد فقط غير قابل للقسمة، أو على الأقل هكذا يُتصور ويُقصد له أن يكون. لكن في الواقع، الناس كثيرون ومختلفون بطبيعتهم في تصوراتهم الذاتية عن أنفسهم وغيرهم وعن العدل، من جملة أمور أخرى. حتى يٌفض هذا الاختلاف والتباين الطبيعي في القدرات والمهارات والاحتياجات ووجهات النظر وخلافه وتتحقق الوحدانية المنشودة، لابد من ممارسة نوع من القمع والديكتاتورية. هكذا، في الأنظمة الشيوعية، يلزم مصادرة فردانية الشخص ذاته قبل مصادرة ثروته الخاصة. وعندما يفقد الفرد ذاتيته الإنسانية، ومعها تصوره الذاتي عن العدل، ينتفي عن مفهوم العدالة أو الثروة القومية أو شيوع ملكيتها والانتفاع بها بالتساوي فيما بين العامة كافة وفق الادعاء الشيوعي أي معنى أو قيمة على الإطلاق. ويتحول الفرد من إنسان إلى مجرد رقم افتراضي في معادلة كبرى، أو سِن في ترس آلة عملاقة لا يملك عليها أي سيطرة على الإطلاق.

3- الحق في الاختلاف
لا شك أن البشر جميعاً من جنس واحد يتصف بخصائص مشتركة واحدة تفرقه وتميزه عن الكثير من الأجناس الأخرى، حتى الأكثرها شبهاً بنا مثل القرود من فصيلة البونوبو التي تشترك مع الإنسان في نحو 99% من جيناته. رغم ذلك، ينقسم الجنس البشري إلى نوعين مختلفين ومتمايزين عن أحدهما الآخر في الكثير من الصفات والاحتياجات- ذكر وأنثى. بجانب النوع، يشكل الزمان قاسم آخر يوزع البشر بين أعمار غير متساوية أو متكافئة، من عمر أيام كمضغة في الأرحام حتى أرذل العمر. ثم يأتي قاسم المكان، ليباعد بين البشر عبر مناطق وأقاليم جغرافية ومناخية وطبيعية مختلفة ومتباينة ذات تأثيرات جلية على الإنسان واحتياجاته ومنحى تطوره، بما في ذلك معتقداته وتصوراته عن العدل. هكذا، رغم الأصل الواحد المشترك والتشابه العظيم، لا يمكن أبداً أن تجد من بين مليارات البشر المنتشرين على وجه الأرض شخصاً واحداً نسخة طبق الأصل في كل شيء من شخص آخر حتى لو كان ملازماً له في المكان والزمان- توأم متماثل له. هناك حتماً ولابد درجة أو هامش ما من التمايز والاختلاف، الذي يستدعي بالضرورة احتياجات وتصورات متمايزة ومختلفة مقابلة.

اعترافاً بهذه الاختلافات الطبيعية المثبتة بين البشر، تأسست الأنظمة الديمقراطية على مبدأ حق الأفراد المختلفين بطبيعتهم في التعبير عن تصوراتهم الفردية المختلفة بالضرورة كانعكاس لاحتياجاتهم المختلفة بسبب اختلافاتهم الطبيعية. على هذا الأساس، بات من حق كل فرد أن يصرح بتصوره الذاتي عن العدالة، سواء في إمكانية الوصول إلى مصادر الثروة القومية والإفادة منها أو في أي مسألة أخرى. لكن هذه الحرية الفردية الذاتية لا تعني أنه قد أدرك أخيراً حُلم النموذج المثالي من العدالة الذي يداعب خيال كل فرد. بل سيتعين عليه الالتقاء والاتفاق مع أفراد آخرين غيره لديهم أيضاً تصوراتهم المختلفة عن العدالة. وفي نهاية المطاف، حتى يتمكنون من التوصل إلى اتفاق لابد منه لكي تنفتح أمامهم فرص الوصول إلى مصادر الثروة القومية واستغلالها، سيضطر الجميع إلى القبول بأقل كثيراً مما كان يطمح إليه كل واحد منهم على حدة، أو الاكتفاء بما تسمى عدالة نسبية ومنقوصة لكنها قابلة للتطبيق.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل خَلَق العرب حضارة؟
- هل العرب متخلفون؟
- الإعلان العالمي لحقوق الآلهة!
- كيف انْهَزَمت الجمهورية للمملكة (2)
- كيف انْهَزَمت الجمهورية للمملكة (1)
- النُخَبْ العربية يساراً ويميناً
- عُقْدة روسيا والعرب مع الحداثة الغربية
- بين بوتين وبريغوجين، الديكتاتورية نظام فاشل
- من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف
- الكوميديان أند العسكري
- ثغرة الوعي والخطة الكونية
- اللهُ الذي لا نُريده
- الله الذي لا نراه
- بوتين في المصيدة- كش مات
- حتى لا ننهش جُثَة الوطن
- حين تُفسد الحكومة مواطنيها
- مصاحفُ فوق الأسنة وأمةُ بلا نبي
- أليست الجمهورية الإيرانية -إسلامية-؟
- ماذا لو حكم الإخوان المسلمون؟
- في الإسلام، الديمقراطية حلال أم حرام؟


المزيد.....




- اختفت منذ 82 عامًا.. اكتشاف سفينة حربية يابانية من الحرب الع ...
- نظرة على معاناة عائلة للحصول على طبق واحد فقط في غزة
- غزة: مقتل أكثر من 1000 فلسطيني لدى محاولتهم الحصول على مساعد ...
- إردام أوزان يكتب: وهم -الشرق الأوسط الجديد-.. إعادة صياغة ال ...
- جندي يؤدي تحية عسكرية للأنصار في سيطرة ألقوش
- 25 دولة غربية تدعو لإنهاء الحرب في غزة وإسرائيل تحمل حماس ال ...
- -إكس- و-ميتا- تروّجان لبيع الأسلحة في اليمن.. ونشطاء: لا يحذ ...
- عاجل | السيناتور الأميركي ساندرز: الجيش الإسرائيلي أطلق النا ...
- سلاح الهندسة بجيش الاحتلال يعاني أزمة غير مسبوقة في صفوفه
- السويداء وتحدي إسرائيل الوقح لسوريا


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بحثاً عن عدالة غائبة عن عالمنا