أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - النُخَبْ العربية يساراً ويميناً















المزيد.....

النُخَبْ العربية يساراً ويميناً


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7658 - 2023 / 6 / 30 - 13:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دأبها على مر التاريخ، ظلت ولا تزال النخب العربية تتحلق كالفراشات حول مِصباح السلطة، أو تَعِفُ كالذُباب على عسلها. إذا ما أخطأت حسابات المسافة الصحيحة وأثارت الغضب، اكتوت بنيران السلطة- أحياناً حتى إلى حد الاحتراق. وطالما التزمت الأدب وقدمت الطاعة والولاء والانضباط، غَرِفَت من عسل السلطة ما يكفيها ويفيض على ورثتها من الأجيال المقبلة.

في اليمن، عند فجر عهد النخب العربية بالسياسية، عرضت لنا حقبة العداء السافر والحرب المباشرة هناك بين أكبر دولتين عربيتين- مصر جمال عبد الناصر وسعودية فيصل بن عبد العزيز- قررتا فيما بينهما آنذاك، بينما تنفرد بذلك إحداهما فقط الآن، المصير والتوجه والمشهد العربي العام، عرضت صورة كاشفة لطبيعة النظام والنخبة على الجانبين. هذه الدولة الفقيرة والضعيفة والبائسة كانت آنذاك كما لا تزال الآن مسرحاً تتعرى فوق عِشَشِه وجباله وخراباته وهياكل أبنائه الجوعى عورات القوى الإقليمية الكبرى، وتنكشف سوءات ومساوئ النخب الداعمة والمُعيلة لها. كيف بَدَت النخبة العربية آنذاك، في أوج نشاطها وأقوى منصاتها: (1) نظام جديد جمهوري، يساري وثوري في مصر؛ و(2) آخر قديم ملكي، يميني ومحافظ في السعودية؟! كان العالم العربي كله، بحُكامه ونُخبه ومَحْكُوميه، لا يخرج بأي حال عن واحد من هذين القطبين، أو يقف حائراً ومتردداً على مسافة ما فيما بينهما.

في أتون حرب اليمن خلال الستينات، لعبت كل من مصر والسعودية دور الوكيلتين والممثلتين في الإقليم لأقوى قطبي اليمين الرأسمالي واليسار الشيوعي في عالم تلك الأيام- مصر ارتدت زي الشيوعية السوفيتية بينما السعودية تحالفت مع الرأسمالية الغربية والأمريكية. كانت اليمن ضحية حرب بالوكالة بين قطبي العالم يساراً ويميناً. لكن على المستوى القطبي الإقليمي، هل يمكن أن تُحسب السعودية حقاً على اليمين العالمي الرأسمالي، أو مصر على اليسار الشيوعي؟! قد نخرج ببصيص إجابة من نظرة سريعة على البُنْيَة النخبوية التي التَحَفت بها نظم الحكم في كلا البلدين.

في الرأسمالية، تنمو النُخب في تربة طبيعية من الأرض، في الهواء الطلق وتحت ضوء الشمس، وتُوَّفر لها عوامل الإنبات والرعاية والعناية المواتية. وتُنتخب فيما بينهما علواً وهبوطاً عبر التنافس المنظم والمنضبط طبقاً لقانون محايد ومنصف وعادل ونافذ في جميع المواطنين دون تمييز. هذا القانون لا يضعه النظام الحاكم، ولا النخب المتنفذة؛ بل يضعه ويراقب تنفيذه جمهور المواطنين أنفسهم، عبر مشرعين يختارونهم بأنفسهم لكي ينوبوا عنهم في برلمانات من ضمن وظائفها سن القوانين، وقضاء مستقل بمقدور كل شخص أن يستنجد به التماساً لإنفاذ قانون أو تقويم انحراف أو جَبْر ضرر لحق به. في هذه البيئة شبه الطبيعية المنظمة والمقننة، يستطيع ابن الزبال أن ينهض ويترقى عبر الدرجات من خلال الفرصة المتكافئة والمنافسة العادلة والمنصفة طبقاً للقانون، حتى لو وصل إلى أعلى المناصب التي لا يستثنى منها الحكم.

إذا كانت الرأسمالية تشبه في هيكليتها البيئة الطبيعية لكن المنظمة والمقننة، الشيوعية شيء آخر مختلف جوهرياً. الشيوعية ليست من الطبيعة ولا علاقة لها بقوانين الكون الطبيعية. الشيوعية مصنع، أو مخرطة عملاقة تصنع النخب طبقاً لقالب محدد ومعلوم المقاسات مسبقاً. هذا المصنع الكبير الذي يتم فيه خرط النخب في قوالب محددة يُدعى الأيديولوجيا. والنخبة هناك هم هؤلاء أنفسهم منتجو وحراس ومنفذو الأيديولوجيا. هؤلاء جميعاً يجمعهم الحزب الشيوعي، الذي ينافس العَدَم بعد نفسه. وإذا كانت هناك من آلية لفرز النخب في الأنظمة الشيوعية، هذه الآلية لا توجد على الإطلاق سوى داخل مصنع الحزب الشيوعي ذاته. من الغفير إلى الرئيس، والعامل والموظف إلى المدير العام، والفلاح في الحقل إلى وزير الزراعة، والمجند إلى وزير الدفاع، والبهلوان إلى وزير الثقافة...الخ، حتماً ولابد أن يمر الجميع عبر مخرطة الحزب الشيوعي، وحتماً ولابد أن يتقنوا النط والقفز بين تروس ماكينته الدوَّارة والمراوغة والتخفي من سيورها البتارة حتى ينجوا ويترقوا، أو أطاحت برؤوسهم عن أجسادهم.

في الرأسمالية والشيوعية على حد سواء، ثَمَّة قواعد موضوعية معينة تحكم لعبة انتخاب وترقي أو سقوط النخبة. حتى تكون القاعدة قاعدة لابد أن تتصف بالشمول والتعميم؛ وحتى تكون موضوعية لابد أن تكون مجردة، أن يكون واضعوها أشخاص آخرين غير المستفيدين منها. رغم ميل هذه القواعد إلى القوانين الطبيعية في الأولى والمصطنعة في الثانية، إلا أنها في الحالتين كانت وبلا شك قوانين، بمعنى قواعد موضوعية؛ والنخب في الحالتين تظهر وتختفي وفقاً لهذه القواعد المتناقضة والمتعادية على الجانبين.

في الحالة العربية الوضع مختلف. بدل القواعد الموضوعية، هنا صلات دم وقربى ونسب ومصاهرة وصداقة ومعرفة شخصية وخلافه. هذه هي التي تُنتخب وتُصَفَّى وتُستبدل بواسطتها النخب. من هم نُخبة مملكة بن سعود وجمهورية عبد الناصر؟

في الأولى، أبناء بن سعود نفسه ومن يتقاطعون معهم في علاقات قربى ونسب ومصاهرة وتحالفات قائمة على الصداقة والمنفعة المتبادلة والمعرفة الشخصية؛ وفي الثانية، رفقاء الدرب والسلاح لعبد الناصر نفسه والمتقاطعون معهم في نفس علاقات القربى والنسب والمصاهرة والتحالفات والمصالح والخدمات والامتيازات المتبادلة القائمة على الصداقة والمعرفة الشخصية. هم شِلة، زُمرة، عُصبة، أو مجموعة عبد الناصر؛ أخوة وأشقاء وأقرباء وأنساب أبناء سعود والمتحالفين معهم؛ أو، باختصار، آل عبد الناصر من جهة وآل سعود من الجهة الأخرى. في صياغة جديدة، بدل القواعد الموضوعية الصلات والمعارف الشخصية هي التي كانت ولا تزال تحكم لعبة انتخاب النخبة داخل الدولة العربية، حيث لا تتوفر لا البيئة الطبيعية المواتية الصالحة لإنباتها بشكل طبيعي وتلقائي ولا مصنع الأيديولوجيا القادر على خرطها وإنتاجها في صورة مُصَنَّعة. هنا النظم تأتي أولاً ثم تَفرد وتَفرض وتُحْكم شبكة نخبتها على مجتمعاتها على أسس عَصَبية الدم أو القرابة أو النسب أو المصلحة أو المهنة أو السلاح أو المعرفة الشخصية...الخ، فيما يشبه الروابط والعلاقات الناظمة لأفراد ومجموعات المافيا الإيطالية حديثاً، أو العشائر والقبائل والقرى والممالك والإمبراطوريات قديماً، ومن ضمنها الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية...الخ.

إذا كانت القواعد الموضوعية مفقودة في كلا النظامين بهذا الشكل، هل يمكن أو يُتَصور أصلاً أن تنشأ هناك رأسمالية أو شيوعية، يمين أو يسار، أو أي نظام موضوعي (حديث) آخر أياً كانت صفته ونعته؟! إذا كان الحال في حقيقته كذلك، ولا يوجد لا شيوعية ولا يسار في مصر عبد الناصر ولا رأسمالية ولا يمين في سعودية آل سعود- لغياب القواعد الموضوعية الضرورية لقيام أي نظام حديث من هذا النوع- في أوج صراعهما على الساحة العربية، لماذا تخانق المصريون مع السعوديين ومرغوا أنفسهم في تراب اليمن؟!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُقْدة روسيا والعرب مع الحداثة الغربية
- بين بوتين وبريغوجين، الديكتاتورية نظام فاشل
- من شيطان الرأسمالية وملائكة الشيوعية- صناعة التطرف
- الكوميديان أند العسكري
- ثغرة الوعي والخطة الكونية
- اللهُ الذي لا نُريده
- الله الذي لا نراه
- بوتين في المصيدة- كش مات
- حتى لا ننهش جُثَة الوطن
- حين تُفسد الحكومة مواطنيها
- مصاحفُ فوق الأسنة وأمةُ بلا نبي
- أليست الجمهورية الإيرانية -إسلامية-؟
- ماذا لو حكم الإخوان المسلمون؟
- في الإسلام، الديمقراطية حلال أم حرام؟
- نظرة على مستقبل الجيوش في الجمهوريات العربية
- ميلشياوية من أزمة شرعية
- كيف حُشِّرت مصرَ في العُنُق
- الاستعمار بين المثالية والواقعية
- حتى لا نخون الوطن بسبب طاغية: صدام نموذجاً
- كيف نتطور؟


المزيد.....




- تسببت بوميض ساطع.. كاميرا ترصد تحليق سيارة جوًا بعد فقدان ال ...
- الساحة الحمراء تشهد استعراضا لفرقة من العسكريين المنخرطين في ...
- اتهامات حقوقية لـ -الدعم السريع- السودانية بارتكاب -إبادة- م ...
- ترامب ينشر فيديو يسخر فيه من بايدن
- على غرار ديدان العلق.. تطوير طريقة لأخذ عينات الدم دون ألم ا ...
- بوتين: لن نسمح بوقوع صدام عالمي رغم سياسات النخب الغربية
- حزب الله يهاجم 12 موقعا إسرائيليا وتل أبيب تهدده بـ-صيف ساخن ...
- مخصصة لغوث أهالي غزة.. سفينة تركية قطرية تنطلق من مرسين إلى ...
- نزوح عائلات من حي الزيتون بعد توغل بري إسرائيلي
- مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - النُخَبْ العربية يساراً ويميناً