أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - بورخس قارئ رقمي!














المزيد.....

بورخس قارئ رقمي!


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7689 - 2023 / 7 / 31 - 13:45
المحور: الادب والفن
    


رفض صديقي، وهو كاتب أصدر أكثر من عشرين كتابا في النقد والأدب، وقارئ أكثر احترافية، مطالعة نسخة رقمية من كتاب كان ينتظره بشغف! قال لي إنه قارئ ورقي عتيق ولا يمكن أن يغادر منصته تلك إلى الكتاب الرقمي الذي عرضته عليه بعد أن سألني عنه.
أنا أعرف شقة صديقي الصغيرة في لندن التي ليس بوسعها أن تتحمل مكتبه كما كان منزله في بغداد، وأدرك معاناتنا في تكديس الكتب بمنازلنا الصغيرة، لدرجة أنه يصعب عليّ أحيانا أن أستخرج كتابا من تحت الأكداس في المساحات الصغيرة الموزعة في زوايا المنزل.
لكنني أيضا أدرك حساسية صديقي، فهو كخورخي لويس بورخس يرى في الكتاب الأكثر دهشة بين كل الأدوات التي اخترعها الإنسان طوال تاريخه، إذ إن بقية الأدوات هي امتداد للجسد، فالتلسكوب امتداد لرؤية الإنسان، والهاتف امتداد لسمعه، غير أن الكتاب امتداد لشيء آخر، امتداد للذاكرة والمخيلة.
لكن عن أي امتداد نتحدث اليوم حيال الكتاب الرقمي الذي جعلنا نُحمّل مكتبة تحوي آلاف الكتب في كمبيوتراتنا الصغيرة؟
يتحدث الكاتب بول دالي أشهر كتاب أعمدة صحيفة الغارديان بطبعتها الأسترالية، عن الحرب الاقتصادية التي تشن اليوم على المكتبات المنزلية. وبالطبع دالي ليس مثل صديقي الورقي، فمع وجود أكثر من 70 مترا من الرفوف في منزله الأسترالي، فإن كتبه تعاني من أزمة سكن. ولا يمكن أن أعطي رقما ضئيلا لرفوف شقة صديقي، التي هي في أفضل الأحوال لا تزيد عن رفوف مكتبتي المنزلية.
وحيث لا توجد أرفف كتب في أغلب المنازل اليوم "ليست قاعدة مطلقة"، فهذا يعني عادة وجود عدد قليل من الكتب. بينما التاريخ يصف الكتب في المنزل، على أنها مصنوعات ثقافية اجتماعية، تم تنسيقها للدلالة على الطموح والذوق.
مع ذلك لا أجد سببا يجعلني التعاطف مع صديقي الورقي، عندما أحتفي بمكتبتي الرقمية التي منحتني فرصة كنت أتوق إليها منذ سنوات، عندما سنحت لي بأن أحمّل مئات الكتب على كمبيوتري المحمول وهاتفي، ألجأ إليها كلما وجدت مساحة زمنية للقراءة في المنزل أو المقهى أو القطار. بل أن ساعات السفر صارت أقصر بكثير وأنا أفتح كمبيوتري الصغير والعزيز في الطائرة لأقرأ ما يتسنى لي.
رَفضْ صديقي القبول بالكتاب الرقمي أعادني إلى ترتيب مكتبتي الموزعة بين ثلاثة كمبيوترات وبينهم الموبايل، يسهل جمعها عبر خدمة الإنترنت السحابية، واكتشفت أنني قمت بعمل يستحق الفخر على مدار السنتين الماضيتين، فقد قرأت من الكتب من دون جدول مسبق يعادل ما قرأته خلال سنوات العمل اليومي المضني.
لقد عدت إلى كتب قرأتها قبل عقود عندما وجدت تحميلها المجاني في عدة مواقع، اكتشفت حينها حساسية الذائقة ومستوى القراءة المعرفية، فما كان يبهرني من قبل وجدته لا يتعدى الأفكار السطحية، مثلما وجدت في إعادة القراءة لكتب أخرى أنني لم أقدّر المعرفة العميقة في ما قرأته من قبل.
لقد حصل كل ذلك في الفرصة الجليلة التي منحنا إياها تحميل الكتب الرقمية. وهي خدمة لا تلغي القيمة الحسية للكتاب الورقي، لكن وسط الحرب الاقتصادية على المكتبات المنزلية ومدخراتنا المالية، يصبح الكتاب الرقمي المجاني خدمة تشعرنا بالامتنان، صحيح أننا ندفع فيها الكثير من ألم العيون، لكننا لا ندفع فيها من مدخراتنا المالية! وهي معادلة اقتصادية صالحة للقبول بها.
في النهاية الكتاب، شكل من أشكال السعادة، وإذا كان بورخس حيا سيشعر بتلك السعادة التي توفرها له التقنية الرقمية بعد أن فقد بصره وبعد أن صار الكتاب طبقا مسموعا أيضا، فأنه سيشعر بوجوده من جديد ولا يفقد تعريفه لنفسه بأنه كان كل الكتّاب الذين قرأ لهم، عندما غير العصر الرقمي الجملة لتصبح الكتّاب الذين سمعهم!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنصري في غربته يبيع الماضي
- إيلون ومارك كالحلوى بمذاق مر
- يكذبون علينا ونكذب عليهم!
- يا لوجع مي من دون رافع
- متى نستعيد أمل خضير
- لا أسعد من ذوي الياقات الزرقاء
- ساعة تسديد الحساب الوطني
- رومانسية اقتصادية بين واشنطن ولندن
- إيكاروس بغداد بمذاق تمر مر
- بايدن أم ترامب: ذعر الخفافيش العمياء
- فائق حسن وصدام حسين
- عمار الحكيم زعيم العروض الصوتية الزائفة
- عودة إلى سوينتون والصائغ
- ومتى كانت كرة القدم عادلة؟
- ما ينتظر الحكومات…
- مرة أخرى، الإعلام الغربي أطلق النار على قدميه!
- تويتر مشتاق لدورسي
- سعادة السوداني بغياب الدرس الصحفي عن عرّاف وقرداحي
- الموت حائر أمام أغاني عبدالكريم عبدالقادر
- رئيسي يربت على كتف الأسد “انتصرنا”!


المزيد.....




- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...
- متحف -للنساء فقط- يتحول إلى مرحاض لـ-إبعاد الرجال-
- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - بورخس قارئ رقمي!