أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها االيونانية إلى حضورها في أوربا (الجزء الرابع والأخير)















المزيد.....

إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها االيونانية إلى حضورها في أوربا (الجزء الرابع والأخير)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7678 - 2023 / 7 / 20 - 04:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الموت واقفا، دون أي جبن، لإظهار الشجاعة والشهامة من خلال قيادة قوات جيوشه إلى المعركة هو سمة السادة الحقيقيين، ومن بينهم يستشهد مونتيني بسليم
الأول، سلطان القسطنطينية عام 1512 وملك فاس، مولاي عبد المالك.
"قال سليم الأول لسبب كبير، على ما يبدو لي، أن الانتصارات التي تحققت بدون السيد لن تكتمل، لأن الوصايا التي تجلب الشرف هي فقط تلك التي تُعطى في عين المكان ومن وسط المعركة"، يشهد مونتيني (Montaigne, Essais, L. ii, chapitre 12, p. 215).
لكن مثال ملك فاس له عدة مداخل. لا يقاتل هذا الملك في الميدان فحسب، بل يظهر أيضا كاستراتيجي عظيم في نفس اللحظة التي توحي له جروحه بموته الوشيك. إنه يعرف كيف يستمر في عدم الانتماء إلى نفسه، وكيف يكون بأكمله لشعبه. أخيرا، يرى الموت أمامه، دون "دهشة ولا مبالاة"، "يواصل مجرى الحياة بحرية بعد موته"، بهذه الإيماءة الحكيمة في اللحظة الأخيرة: يضع أصبعه على "فمه المغلق، في إشارة إلى التزام الصمت"حتى لا تضعف معنويات القوات أثناء القتال. لا توجد طريقة جيدة لموت هذا الملك فحسب، بل هناك أيضا اهتمام بإعلان الموت للآخرين الذين تعتمد حياتهم عليه.
وهو يبنى نموذجا تربويا لإميل، استعار جان-جاك روسو
مثال ملك المغرب من مونتيني: إميل، هذا التلميذ الافتراضي، مقياس كل تربية حسنة، سيعرف كيف يروض المعاناة، لأنه سيعرف أن مقاربات الموت ذاتها ليست هي الموت.
"بمجرد ما يشعر به على هذا النحو؛ لن يموت إذا جاز التعبير ، سيكون حياً أو ميتاً، لا شيء أكثر . إنما عنه استطاع مونتيني أن يقول، كما قال عن ملك المغرب، إنه لا يوجد رجل عاش سابقا في الموت حتى الآن"، يعلق روسو ([Jean-Jacques Rousseau, Émile, Éditions GE, 1966, p. 165)
.سياق مثال هذا الملك هو سياق الحرب. إن استخدام مونتيني وروسو له ليس استخداما لمثال أخلاق منحطة لجنود في محنة. بعيدا عن ذلك، صاغ بعض الفلاسفة، مثل غوتفريد لايبنيز، تعبيرا مميزا للحديث عن المسلمين في المعركة، وهو تعبير fatum mahumetanum (المصير المحمدي). يجب تمييزه عن مصير الرواقيين ومن باب أولى عن مصير المسيحيين. المصير المحمدي هو وسيلة لايبنيز لإعادة تسمية "تصوف الكسول" الذي استنكره الرواقي كريسيبوس. يصاغ هكذا: "إذا كان المستقبل لا بد منه، فما يتبغي أن يحدث، سيحدث، بصرف النظر عما أستطيع فعله". هذا بالنسبة إلى لايبنيز "مصير تركيا" الذي بموجبه لا يتجنب الجنود الأخطار، ولا يتركون "الأماكن الموبوءة بالطاعون" (Leibniz, Essai de Théodicée, p. 30, Éditions GF, rééd. 1969).
لا مجال هنا للنصيحة الجيدة ولا للبصيرة. بل هناك سوء فهم للضرورة. إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب ندرك إعطاء الموافقة على الأحداث التي تحدث دون إيلائها، بحسب القدرة، أقصى قدر من العناية.
هناك، في المقابل، مصير الرواقيين الذي، حسب لايبنيز، يشبه مصير المسيحيين، لكنه يسمح لنا فقط بأن نكون "هادئين"، في حين أن مصير المسيحيين يجعلنا "سعداء" لأن ما يحدث أمر به "رب عزيز" يفعل الأفضل، فنحن لسنا في "صبر قسري" ولكن في اطمئنان حقيقي.
من الواضح أن لايبنيز ينزل بالمصير المحمدي إلى مرتبة الحكم المسبق. لم يكن هذا هو الحال مع مونتيني. بدافع من شكوكية إزاء ما يتعلق بأي تبرير لاهوتي، يحدث له أن يتبنى ابتذالات أو أحكام مسبقة، لكن بمنهج مقارن أو بسخرية معلنة، يمنحها نضارة جديدة. يقال إن المسلمين قدريون. هذا الطرح خال من قيمته التصريحية. له معنى براغماتي. إذا قيل إنهم قدريون، فمن أجل تحدي الخطر على نحو أحسن. لذلك فإن المصير ليس استسلاما، بل هو على العكس، تصميم شجاع على التصرف بجرعة من الجرأة . هذا ما لا يفتقر إليه "الأمير العظيم" (هنري الرابع ) أيضا :
"يقول مؤرخوهم إن القناعة المنتشرة على نطاق واسع بين الأتراك، بأن المكتوب الحتمي والفظ في أيامهم، يساعد في ما يبدو على تأمينهم ضد المخاطر . وأنا أعرف أميرا عظيمًا يجد فيها بنبل ربحا، إذا استمرت الثروة في دعمه" (مونتيني، نفس المرجع).
المنهج المقارن موجود لإحباط الخصوصية الثقافية: الأتراك وهنري الرابع المقبل موجودون في نفس القارب. من ناحية أخرى، اعتقد لايبنيز أن التصميم القتالي للجنود الأتراك كان بسبب تعاطي المخدرات أكثر من الاعتقاد بالموت:
ربما يكون التصوف الذي يخلص إلى التخلص من متاعب كل شيء مفيد في بعض الأحيان في حث بعض الناس على الانزلاق صاغرين إلى الخطر؛ وقد قيل ذلك بشكل خاص عن الجنود الأتراك. لكن يبدو أن الاحتراق النفسي (Maslach) له علاقة بذلك أكثر من هذا التصوف"، (لايبنيز، نفسىالمرجع).
يعترف مونتيني بثلاثة رجال ممتازين ، أو بالأحرى "الأكثر امتيازا" بين سائر الرجال: هوميروس، الإسكندر الأكبر، إيبامينونداس. اثنان من هؤلاء الثلاثة يمجدهما المسلمون. أليس هومروس هو الجد المشترك الذي ادعى محمد الثاني، إمبراطور الأتراك، عندما كتب إلى البابا بيوس الثاني، قائلا: "أنا مندهش من كيف يتحد الإيطاليون ضدي، وأننا نشترك في أصل الطرواديين وأنني، مثلهم، لدي مصلحة في الانتقام لدم هيكتور من الإغريق؟"
أما الإسكندر، فقد رفعه العرب والأتراك إلى مرتبة الأسطورة. في الوقت الذي كتب فيه مونتيني، "المحمديون، الذين يحتقرون كل التواريخ الأخرى، يرحبون ويكرمون تاريخه بمفرده بامتياز خاص" (المرجع نفسه).
وفقا لفن المحادثة الذي احتفل به ديكارت في بداية "خطاب في المنهج"، ومونتيني قبله، يحافظ الاوربيون على صداقة مثمرة ومفيدة مع فلاسفة الماضي. إن ابن رشد وأرسطو أو مونتيني أو ابن سينا ​​أو كانط وفريجه، لديهم معهم وسائل لتبسيط تفكيرهم من أجل مزيد من المدنية.
ربما لا يكون رهان المدنية هو الكوني المشترك أو المتقاسم، يجب أن يبقى الأخير بطريقة ما فارغا، لأن الفراغ هو الفضاء الحقيقي للحرية. إذا عدنا إلى عالمنا المعاصر، فمن الواضح أن أوروبا في شكل الاتحاد الأوروبي ليست ذات سيادة، بمعنى أن تشكيل أوروبا السياسية لا يزال غير موجود، ومع ذلك فهي تضع القانون، إنها مختبر مثير للاهتمام في هذا المجال.
من وجهة النظر القانونية، علامة مدنية القانون هي تخفيف العقوبات، في شكل إلغاء التعذيب وعقوبة الإعدام، وقد نجحت أوروبا ليس فقط في ذلك، ولكن أيضا في القضاء على الحرب في فضائها. أوروبا فضاء فارغ من السيادة، لكن هذا الفضاء لديه القدرة على إجبار الدول على تطبيق القانون. إن ما بين الدول هو ما قضى على الحرب.
تمنح أوروبا لنفسها الأصول، لكنها ما زالت تواجه صعوبة في تقاسمها، وتستمر في تصدير الحروب وإنتاج لامنتمين، أناس في غير مكانهم، ليسوا رهائن علماء أخذهم القراصنة من قبالة سواحل تونس، كما هي حال ليون الأفريقي، ولكن أناس يمكن التخلص منهم في جزيرة لامبيدوزا أو في الجيوب الإسبانية في المغرب.
هذا ال"بين" الدول، هذا الفضاء الفارغ من السيادة الذي تمكنت أوروبا من بنائه لنفسها، هذه السيادة الفارغة التي تستثني من القانون يمكن أن تحاول، إن لم تفكر في حدودها على الأقل، أن تتصرف ببراغماتية مثل سليمان القانوني العظيم وخلفائه الذين، في علاقتة تبعيتهم، عرفوا كيف يقدمون لعبة، فضاء للعب، كشرط للحرية.
الأوربيون محظوظون لأن لديهم سيادة بدون إمبراطورية، وسيادة فارغة بطريقة ما، ويبقى إعادة التفكير في هذا الفراغ كشرط للمدنية والتمدن لجميع المناطق الأخرى من العالم، بدون نظرة إمبريالية، ووفق مثل ليست إكراهات يتم الاصطدام بها، بل كمعايير للقياس، وبكلمة واحدة كصندوق عدة صالحة للتفكير في حاضرنا.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي: صرخة إنذار من إيلون ماسك وخبراء التكنولوجي ...
- رفاق نبيلة منيب بابن جرير يراسلون رئيس المجلس الجهوي للحسابا ...
- حصيلة لقاءات اللجنة المشتركة بين الوزارة والنقابات التعليمية ...
- إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها اليونانية إلى حضورها ف ...
- أخنوش في الناظور يعرض -منجزات- حكومته بادعاء مكشوف وتفاؤل زا ...
- إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها اليونانية إلى حضورها ف ...
- أحمد عصيد يدافع عن الحريات الفردية بوضع المحراث امام الثور
- قراءة في كتاب -من ديوان السياسة- لعبد الله العروي
- إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها اليونانية إلى حضورها ف ...
- عزيز سيد الفنان التشكيلي يستجيب لنداء الشرق وآسيا
- قراءة في كتاب -من ديوان السياسة- لعبد الله العروي (2/2)
- قراءة في كتاب -من ديوان السياسة- لعبد الله العروي (2/1)
- هل يمكن لدمج برلمانيين في تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان ...
- ومضات من الذاكرة عن ولعي بالكتابة في الزمن الورقي
- عزيز سيد: شاعرية الحلم
- المؤرخ المغربي مصطفى بوعزيز يقارن بين احتجاجات الأمس واليوم
- الفاتورة الإلكترونية: تعريفها ومقتضياتها القانونية
- الفئة السوسيومهنية: ما تعريفها؟ وكيف يتم؟ وما الفائدة منها؟
- في حوار مع اندريه كومت سبونفيل: نيتشه أعظم سفسطائي عرفته الأ ...
- مال الرمضاني؟ شكون غيرو؟


المزيد.....




- سويسرا تفوز بمسابقة الأغنية الأوروبية -يوروفيغن- 2024
- الرئيس التشيكي: أوروبا سترد على روسيا بنفس الطريقة
- سلوتسكي يحدد الشرط الأساسي لمفاوضات ممكنة بين روسيا وأوكراني ...
- -أراد الله أن تظل حصة مصر في حمايته ورعايته-.. خبير مياه يكش ...
- قائد سابق لفرقة -غزة- الإسرائيلية يكشف دافع الدخول إلى رفح و ...
- الجزائر.. انتشال 5 أطفال توفوا غرقا بشاطئ الصابلات بالعاصمة ...
- سويسري -غير ثنائي الجنس- يفوز بمسابقة يوروفيجن (فيديو)
- قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود ل ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: إصابة 3 أشخاص جراء سقوط صاروخ أطلق م ...
- مرتزق أمريكي يكشف انخفاض عدد المرتزقة في أوكرانيا إلى ثلثهم ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - إطلالة على الفلسفة العربية منذ أصولها االيونانية إلى حضورها في أوربا (الجزء الرابع والأخير)