أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - إنّ فرعون علا في الأرض ، وجعل أهلها شيعاً ، حتى يستمر لوحده مسيطرا على السلطة ، والثروة ، والجاه ، والنفود ، فكان بذرة البدرات الأولى للانقسام القبائلي والمذهبي في الدولة الإسلامية .















المزيد.....



إنّ فرعون علا في الأرض ، وجعل أهلها شيعاً ، حتى يستمر لوحده مسيطرا على السلطة ، والثروة ، والجاه ، والنفود ، فكان بذرة البدرات الأولى للانقسام القبائلي والمذهبي في الدولة الإسلامية .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7674 - 2023 / 7 / 16 - 21:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هناك قناعة أساسية راسخة ، تولدت لدا معظم المفكرين المتخصصين في الشأن العام الاسلامي ، هي ان النظام القبائلي ، القبلي ، هو أداة للسيطرة السياسية ، وللاستبداد بكل اشكاله القبيحة المقززة ، أوجده حكم الاستبداد والطغيان المطلق ، والقهر السياسي والقومي ، وهو لم يظهر الاّ كوسيلة بيد المحتلين الاستعماريين والطغاة ، لشق صفوف المحكومين والمستعمرين ، والحيلولة دون إتّحادِهمْ ضد العدو المشترك . أي الغازي ، والمحتل ، وأذنابه في الداخل .
فعندما نتكلم عن النظام القبائلي الثيوقراطي ، فإننا لا نقصد العداء بين المنتسبين للأديان المختلفة ، ولا تفضيل الافراد لهذه القبيلة او تلك ، ولا ممارسة شعائر دينية معينة . فتلك قضايا تتعلق بالأفراد ، اكثر مما تتعلق بتكوين أنظمة الحكم السياسية .
إنما نعني بالنظام القبلي ، نظاما معيّناً للحكم ، يقوم على هيمنة اقلية دينية ، او مذهبية على السلطة السياسية ، واحتكارها للامتيازات الاقتصادية ، والثروة ، والجاه ، والنفوذ ، والمال ، واحتكار المكانة الاجتماعية المُتأتّية من السيطرة على الحكم السياسي .
وهنا ، غالبا ما تكون سلطة الأقلية القبائلية ، السارقة للحكم وللدولة وللثروة ، بحاجة الى دعم خارجي ، كقوة احتلال سابقة ، او نفوذ امبريالي ، بحكم كونها مهددة داخليا ، من ثورات القبائل الثائرة ، ضد حكم السلطة المركزية التقليدي ، فتلتمس المساندة الخارجية ، الامر الذي يوفر الأسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية ، وبين الأقلية الحاكمة ، لقمع وكبت المحكومين ، والثائرين ، والاستئثار بالسلطة السياسية ، والثروات الاقتصادية . و يمكن تلمس هذا في دعوة السلطان عبدالحفيظ لفرنسا ، كي تحميه من ثورات القبائل البربرية ، التي ثارت ضد نظام " لمْحَلّة " في فاس ، كي يبقى السلطان العلوي مسيطرا على الأرض والثروة ، التي هي ارض البرابرة وثروتهم التي يسيطر عليها نظام " لمحلة " في فاس ..
لذلك يقترن النظام القبائلي الثيوقراطي في اكثر الأحيان ، بالاحتلال الأجنبي ، والهيمنة الخارجية ، حتى إذا كان المحتلون ، لا يشاركون الحكام المحليين ، المعتقد الديني ، او المذهبي .
فالاشتراك في الدين ، وفي المعتقد بينهما ، ليس ضروريا لقيام نظام قبائلي ، يشكل اقلية ، ويسيطر على البلد ... ومثال على ذلك ، معاهدة الحماية الموقعة مع فرنسا في سنة 1912 ، وتبني بريطانيا لليهود ، واختلاقها فكرة " الوطن القومي لليهود " ، رغم الاختلاف الديني بينهما . وبطبيعة الحال فإن الانتماء الديني او المذهبي المشترك ، يعزز من الترابط ، ويوفر أرضية واسعة لاستغلال النعرة القبائلية ، لأغراض التوسع الامبريالي الاستعماري ، كما يظهر في تبني فرنسا بلبنان للأقلية المارونية ، وإعادة القيصرية الروسية فيما سبق ، حماية الأرثودوكس في فلسطين .
ومن جانب آخر ، فإن فوائد النظام القبلي للمحتلين ، لا تقتصر على ربط الأقلية الحاكمة بهم ، بل يشجع أيضا على خلق القبيلة المعاكسة بين المحكومين ، الذين يجدون انفسهم يُضطهدون ، بسبب انتماءاتهم الدينية والمذهبية ، إضافة الى أسباب أخرى . ولذلك تثار النقمة القبائلية ، ويتسع الانقسام بين الشعب ، وتضعف قواه ، فتصبح كل قبيلة تبحث عن من يحميها ، ويوفر لها الامن والأمان ، والاستقرار ، وضمان الحقوق والامتيازات المتوفرة لدا القبيلة الأخرى .
هكذا يتسع الانقسام بين الشعب ، وتتكتل كل قبيلة حول من يدعي حمايتها ، فيتعذر بذلك توحيد الجماهير ، في حركة موحدة ضد المحتلين ، وضد الحاكمين ، ويتهيأ لهؤلاء تعزيز قبضتهم على البلاد والعباد .
ان مثل هذا الوضع المقصود ، والذي يعتمد سياسة فرق تسد ، يوفر للحكم فرصة الظهور بمظهر " حكم محايد " ، يتوسط بين جميع القبائل المتصارعة . وهنا سنجد ان دساتير الأنظمة الثيوقراطية ، تمنع الحزب الوحيد ، وتشرّع لظهور الأحزاب ، لخلط الأوضاع وبعثرتها ، وتحويل الصراع ، من صراع ضد الأقلية الحاكمة المستبدة ، الى صراع بين احزاب تدعي دفاعها عن كل قبيلة .
ان نظام القبيلة هذا ، يوفر مزايا عديدة للمستعمرين، وللحاكمين المحتلين ، الذين كثيرا ما يجدون انفسهم ، عاجزين عن كبت الشعوب المستعمرة ، والمحتلة والمقموعة ، واكراهها على الطاعة ، والخضوع ، والسجود .
ان النظام القبائلي يختلف عن النظام العنصري ، بكون الحاكمين والمحكومين في النظام القبلي ، ينتمون ظاهريا الى امة واحدة ، وبلد واحد ، لا تفرقهم سمات خارجية ، كاللون ، والملامح الجسدية ، او الانتماء القومي . لذك يتمتع نظام القبيلة ، بقابلية كبيرة على التمويه والثورية ، فقلما يمارس هذا النظام علنا ، او يتعرض الى الكشف والفضيحة ، الاّ في حالات غير معتادة ، او نتيجة التمحيص بانتساب الحاكمين ، وعلاقاتهم القبلية والمذهبية ، وهو امر لا يتهيأ لأكثر الناس .
أولا ) تطور القبيلة في الإسلام :
فْسر ظهور نظام القبيلة في الإسلام ، تفسيرات شتى ، تتباين بالتحيّز والموضوعية ، تبعا لميول المؤرخ ، واتجاه الكاتب . ولعل اشهر التفسيرات وأكثرها انتشارا بين الأوساط القبائلية والشوفينية ، نظرية ابن حزم الاندلسي ، وهي كنظرية عنصرية ، لم يكن من الغريب ان تشيع بين المستشرقين الغربيين ، ومن تأثر بهم من دعاة الفكر القومي في البلاد العربية .
يقول ابن حزم : " والاصل في اكثر خروج هذه القبائل عن ديانة الإسلام ، ان الفرس كانوا من سعة الملك ، وعلو اليد على جميع الأمم ، وجلالة الخطير في انفسهم ، حتى انهم كانوا يسمون انفسهم الاحرار والابناء ، وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم ، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على ايدي العرب ، وكانت العرب اقل الأمم عند الفرس خطرا ، تعاظمهم الامر ، وتضاعفت لديهم المصيبة ، وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ، ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق ، فرأوا كيْده على الحيلة انجع ، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا اهل التشيع ، بإظهار محبة اهل بيت رسول الله ، واسْتشْناع ظلم علي ، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى اخرجوهم من الإسلام ....
وقد سلك هذا المسلك أيضا عبدالله ابن سبأ الحميري اليهودي ، فانه ( لعنه الله ) ، اظهر الإسلام لكيْد اهله ، فهو اصل إثارة الناس على عثمان ، واحرق علي ابن ابي طالب منهم قبائل ، واعتصموا بالإلهية ، ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة ، وهما مجاهرتان بترك الإسلام جملة ، قائلتان بالمجوسية المحضة ، ثم مذهب " مزدك " المؤبد الذي كان على عهد انو شروان بن تيماد ملك الفرس ، وكان يقول بوجوب تأسي الناس في النساء والأموال " ( الفصل في الملل والاهواء والنحل 115:2 ) .
لم يكن ابن حزم اول من ردّ ظهور القبيلة في الإسلام الى " ابن سبأ " الذي نسب اليه قابليات خارقة لم تتوفر للأنبياء ، كقدرته لاستمالة الناس ، وتوجيههم كيفما شاء ، وكأنهم قطيعا من الأغنام .
لكن الوقائع التاريخية ، تكذب هذا التفسير الساذج ، لظهور القبائل والمذاهب في الإسلام ، لان الخلاف الديني السياسي ، ظهر اول ما ظهر ، بين المسلمين الاوائل انفسهم ، قبل ان ينتقل الى اهل الأقاليم المفتوحة ، والاقوام المقهورة ، كالفرس مثلا .
وقد شاعت اسطورة " السبئية " ، بين مؤرخي الإسلام من غير الشيعة ، حتى أخذ بها كُتّاب مرموقون ، عُرفوا بالنزاهة والتجرد ، عن الافتراء الذي نسبه ابن حزم الى الإسماعيلية ، والقرامطة ، والمزدكية ، والأزارقة ، والشيعة عموما .
فقد أورد الطبري وهو صاحب مدرسة عقلانية محايدة ، روايات يُستشفّ منها ، ميله الى ارجاع الخلاف المذهبي ، الى مساعي عبدالله بن سبأ ( انظر تاريخ الطبري 4 : 230 – 341 ، 346 ...الخ ) .
لكن الطبري يورد أيضا خلافا لغيره من المؤرخين ، روايات أخرى اكثر صلة بالظروف الاجتماعية التي ظهرت فيها المدراس المذهبية ، والتجمعات القبائلية ، فأشار الى عوامل تكوينها ، مثل تراكم الغنائم الحربية بأيدي قلة متنفذة من المسؤولين ، وحرمان أكثرية المهاجرين الجدد الى الامصار الإسلامية من المستلزمات البسيطة للحياة . وهذه تفسيرات اقرب للقبول ، واكثر انسجاما مع التكوين التاريخي للمجتمع العربي الإسلامي .
ومن الجانب الاخر ، فقد طرحت المدارس الإمامية تفسيرا آخرا ، لأصول الانقسام المذهبي ، وبظهور نظام القبائل في الإسلام ، ردّته الى انكار مكانة الامام على علي ابن ابي طالب ، وغصب حقه الوراثي في خلافة الرسول ، باعتباره افضل المؤهلين لهذا المقام ، واقرب المرشحين رحما بالنبي ، فأوردت تبريرات شهيرة لدعم رأيها هذا ، منها وجود النص على امامة علي في خطبة غدير خمّ ، ومنها ترجيح مذهب الوراثة في الملك والإمامة .
لكن هذا الرأي ، لم يحض بموافقة مدارس أخرى ، انكرت مبدأ الوراثة السياسية ، وقالت ان المبدأ الذي نص عليه القرآن في امامة المسلمين ، هو مذهب الشورى . وقد احتج أبو بكر بهذا المبدأ عندما رفض تسليم ارض ( فدك ) الى ورثة النبي ، حيث استند الى حديث نبوي يقول :
" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ....( انظر البلاذري ، فتوح البلدان ص 44 ، ياقوت معجم البلدان . مادة : فدك ) .
وقال أصحاب هذه المدارس ، ان الخلافة بالبيعة ، لمن يُجمع عليه اهل الحل والعقد من المسلمين ، ويوردون حججا لترجيح قولهم هذا ، منها قبول الامام علي بيعة الخلفاء الثلاثة ، من قبله ، ومنها حجج أخرى يطول سردها .
فنحن هنا ، لسنا في معرض مناقشة التبريرات النظرية ، والفقهية لإمامة الفاضل او المفضول ، ولا الدفاع عن قبيلة من القبائل العربية ، ولا الدفاع عن مدرسة مذهبية معينة ضد أخرى ، لان هذا ليس محله ، ويتطلب دراسات علمية مستفيضة ونزيهة ، بل ما يعنينا كباحثين ، مستنبطين ، ومحللين ، هو تحديد المغزى السياسي والاجتماعي للصراع المذهبي ، ومنه القبلي العربي ، فنرى ان ظهور المذاهب في الإسلام ، ونفخه في النعرة القبلية ، يعود في رأينا الى حقيقتين أساسيتين :
--- أسباب نفخ الإسلام في النعرة القبلية والمذهبية .
اولاً : الصراع بين المدينة والدولة :
اتخذ الصراع الطبقي في الإسلام اشكالاً معقدة وغير مألوفة ، يتعين توضيحها قبل تناول تطور النعرة القبلية والمذهبية في بلاد الإسلام .
فقد وُلدت مع ظهور الإسلام تناقضات أساسية استمدت جذورها من التكوينات الاجتماعية السابقة للإسلام ، وتطورت في اطار الامصار الجديدة ، واتخذت هذه التناقضات شكل صدام بين ( المدينة ) كوحدة اجتماعية – سياسية ، وبين ( الدولة ) المركزية الكبرى ، حيث اصبح الصراع فيما بعد ، القوة المحركة للمجتمع الإسلامي الأول .
برزت هذه الظاهرة جليا في الآيات القرآنية ، حيث يرد ذكر " القرى " ، و " القرية " ، باعتبارها الكيان السياسي الحضري المعروف قبل الإسلام . فمكة تميزت بكونها " أم القرى " ، وقد اشير الى مكة والطائف باصطلاح " القريتين " . وهنا لا بد من الإشارة الى ان معنى " القرية " في المفهوم اللغوي القديم ، هو غير المفهوم الدارج في الوقت الحاضر . فقد كانت تعني ( المدينة – الدولة ) مثل مدينة الحضر ، وتدمر ، والبتراء ، ومكة ، والطائف ، ويثرب ، وغيرها . فكانت هذه المدن يمثل كل منها دولة صغيرة مستقلة ، لها حكوماتها وارضها الزراعية المحيطة بها ، والمناطق التابعة لها . ولم يستخدم مصطلح القرية قديما بمعنى البادية ، وانما حُرّف هذا في العصر الحاضر ، فيَرِد على لسان العرب مثلا : " القرية .. المصر الجامع ... ويقال أهل القارية للحاضرة ، وأهل البادية للبدو .." .
وامام هذا التكوين " القروي " بالمعنى القديم للمجتمع الجاهلي ، ظهر الإسلام يدعو الى الوحدة السياسية المطلقة ، بتلبية الناس لدعوة النبي ، وطاعتهم لرسالته السماوية . فالإسلام كما معروف ، يعني الخضوع والطاعة ، بمعنى تنازل الكيانات السياسية المستقلة – القرى والقبائل – ، وانصهارها جميعا بالكيان المركزي الإسلامي الجديد .
هذا وقد دام التناقض بين الكيان القروي ( كيان المدينة – الدولة ) ، وبين الدولة المركزية الإسلامية ذات الابعاد العالمية ، بضعة قرون ، انعكس في عملية التنقل الدائم للعواصم الإسلامية طيلة القرون الثلاث الأولى للإسلام – مكة ، والمدينة ، والكوفة ، وبغداد ، وسامراء ، كأمثلة بارزة على ذلك . ففي اطار هذا التناقض ، ظهرت نعرة القبيلة في الإسلام كانعكاس لصراع اهل الكوفة ، وغيرها من الامصار الإسلامية ، ضد مركز الدولة الإسلامية كما سنبين فيما بعد .
ان التكوين التوحيدي للإسلام الأول ، لم يتسع لظهور نظام قبائلي . بل تعارض معه تمام التعارضة ، لأن المجتمع الإسلامي الأول ، كان يحمل بعض تقاليد المجتمع الجاهلي ، الذي وُلِدَ فيه ، بما في ذلك نظام القرى الحرة . فقد ذمّ القرآن التكوين القبلي للمجتمع ، وحرم تقسيم الناس الى شعوب وقبائل مختلفة ، وأدان الأنظمة المركزية القديمة ، معتبرا كياناتها القبلية دليلا على الظلم والجبروت : ( ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا – القصص : 4 ) . وجاء أيضا : ( ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء – الانعام : 159 ) .
ولم يكن نظام القبيلة مجهولا عن المسلمين الأوائل ، فاصطلاح القبيلة بمعناه السياسي ، ظهر اول ما ظهر في اللغة العربية ، إشارة الى نظام الملوك الذين ورثوا دولة الاسكندر المقدوني . فيقول السهيلي :
" وكانت ملوك القبائل والجماعات متعادين ، يغير بعضهم على بعض ، وقد تحصن كل واحد منهم في حصن ، وتحوّر الى حيّز ، منهم عرب ، ومنهم اشغانيون فُرس .... وكان الذي فرقهم وشتّت شملهم ، وأدخل بعضم بين بعض – لئلا يستوثق بهم الملك ، ولا يقوم لهم سلطان – " ( الاسكندر بن فيلبش اليوناني ... الروض الانف 1 : 31 ) .
وفي رواية أخرى إنّ ارسطوطاليس ، هو الذي أشار على الاسكندر ، بث النعرة القبلية بين الجموع فقال له : " فرّق كلمتهم بان تجعل لكل قبيلة منهم ملكا ، فلا يؤدي بعضهم الى بعض طاعة ، ويلجأ كل فريق منهم اليك " ( الاسكافي – لطف التدبير . ص 16) .
ويفسر الاسكافي ظهور المسيحية في الدولة الرومانية ، بدوافع قبائلية ، إذ يقول : ان الروم اجتمعت على خلع قسطنطين ، فشاور مستشاريه فقالوا له : لا طاقة لك بقومك ، وقد اجتمعت كلمتهم على خلعك ، وهم على غير دين يفهمونه ، هذا والروم لا تعرف النصرانية ، وهي تعبد الاوثان على جاهليتها ، فقال : فما الحيلة ؟ . قالوا له : تستأذن لتحجّ الى بيت المقدس ، ثم تطلب دينا من اديان الأنبياء ، فتدعوهم اليه ، وتحملهم عليه ، فانهم يفترقون فرقتين ، فرقة تصير معك على دينك ، وأخرى تشد عنك ، فتقاتل من عصاك بمن اطاعك ، فانك تظهر عليهم ، لأن كل قوم قاتلوا على دين فهم غالبون " ( المصدر السابق . ص 48 ) . وفي احد الخطابات السياسية للحسن الثاني قال ، وهو يشرح وضعه من المعارضة الشعبية : اذا قالت الثلثين عاش ، وقال الثلث يسقط ، نطْحن الثلث الذي قال يسقط ..
يظهر جليا إذن ، ان المسلمين القدماء ، كانوا يفهمون مغزى النظام القبائلي بكل دقة ، وكانوا يرون في الإسلام الأول ، ضمانا لعدم تطور هذا النظام التقسيمي . والحقيقة فان الفترة الإسلامية الأولى ، عهد النبي محمد ، لم تشهد نظاما قبائليا متناحرا بين المسلمين انفسهم ، وانما كان الانقسام القبائلي ، يقوم بين أهل الإسلام وأهل الذمة . ولكن مجرى التاريخ قد أظهر ، والمصالح قد أظهرت ، نظام القبيلة العربية الشوفينية العنصرية ، كنتيجة منطقية لتطور الدولة المركزية القائمة على القهر ، والتسلط ، والجبر ، والتوسع ، لا سيما تلك الدول الاستعمارية القديمة ، والملكيات المركزية الكبرى ، التي سيطرت على مناطق شاسعة من العالم . ومن ثم فلم تظهر النعرة القبائلية في الإسلام ، الاّ عندما ابتعدت الدولة الإسلامية عن أصولها ( المدنية – القروية ) القديمة ، واستخدمت العسكريين المماليك ، خصوصا بعد فترة البويهيين والسلاجقة الاتراك .
ثانيا ) النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية
في أعلاه ، رأينا كيف ان الإسلام نفخ في النعرة القبلية ، وان هذه ، لم تكن مجهولة لدا معتنقي الإسلام . بل انها كانت ملازمة له ، في كل اطوار الحكم الإسلامي ، من الخلافة الى الدولة الإسلامية . فالحاكم الإسلامي اعتمد النعرة القبلية ، لتشتيت الصفوف ، واضعاف الشعب ، وتحويل الصراع ، الى صراع يجري بين الحاكم الإسلامي الفاشي ، والشعب الذي تمثله القبائل ، الى صراع بين القبائل المتناحرة بعضها البعض ، على الغِلّة ، والامتيازات ، والثروة ، والجاه ، والمال ، فيما الحاكم الإسلامي الفاشي ، والمستحوذ وحده وعائلته على السلطة ، والثروة ، والمال ( عثمان بن عفان ) ، وبعد عثمان بن عفان ، يستفرد بالجميع ، ويظهر انه فوق الصراعات القبائلية ، وانه محايد ، ولا يد ، ولا دخل له فيها ، في حين انه هو رأس الفتنة الضاربة . حتى يستمر يسود لوحده ولعائلته .
هكذا سنجد ان النظام القبائلي ، وظفه الحاكم الإسلامي ، كأداة للقهر السياسي ، والسيطرة السياسية . فهو بذلك نظام أوجده نظام الطغيان ، والاستبداد المطلق للقهر السياسي ، وكوسيلة لشق الصفوف ، والحيلولة دون اتحاد الشعب ، لان في الاتحاد قوة اقهار الحكام ، وقهر نُظم القهر والاستبداد .
لقد قسمنا هذا القسم الى محورين . المحور الأول وكان عنوانه ، الصراع بين المدينة والدولة ، في حين ان عنوان المحور الثاني عنوانه ، هو النعرة المذهبية والدينية ، في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين .
ثانيا : النعرة المذهبية والدينية ، في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين :
انعكس التناقض بين الدولة الإسلامية المركزية ، وبين الكيانات المدنية ( القروية ) ، وتقاليدها التي استمرت بعد الإسلام ، في صراع اجتماعي آخر ، سرعان ما اندمجا فيه ، ليُكوّنا تيارا سياسيا يعارض السلطة المركزية للخلافة .
اعتمد الإسلام في نظريته السياسية ، على وحدة السلطة السياسية والاقتصادية ، التي اتخذت شكلا محددا بعد تطور نظام الخراج ، وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . فقد إعتُبرتْ الأراضي الزراعية للأقاليم المحتلة التي غزوها عُنوة ، ملكا للامة الإسلامية ، أي ملكا للدولة الإسلامية ، التي أوكلت بدورها زراعة تلك الأراضي للفلاحين ، لقاء ضريبة معينة تسمى الخراج .
ولمّا كان عائد الخراج ، يرجع من الناحية ( الشرعية ) على الأقل لمجموع الامة ، فقد قيّد هذا النظام من دور الحاكمين في التلاعب في الأراضي الخراجية ، لكنه دفعهم من جانب آخر ، نحو تجميع المِلْكيات الخاصة ، وإقامة المصانع والمؤسسات الإنتاجية .
لقد اقترن نظام الخراج ، بتطور ديواوينية ( بيروقراطية ) واسعة النفوذ ، تتمتع بثقافة تقليدية عالية ، ميّزتها عن العامة المسحوقة الجاهلة . فكان من المنطقي ان يسير المجتمع الإسلامي ، بعجلة تطور عرجاء ، افضت الى انقسامه الى معسكرين كبيرين – الحاكمين والمحكومين – ، او يسمى في الادب القديم ، بالخاصة والعامة .
هكذا نرى ان التركيبة السياسية – الاقتصادية للمجتمع الإسلامي ، قد حدّدت الطبقات الاجتماعية ، وكيّفت طبيعة الصراع الطبقي ، واوجدت الأسس الاجتماعية ، لظهور القبائل المكرسة للانقسام ، كما حصل في فترات لاحقة ، باعتبار ان القبائل تمثل شكلا معينا من اشكال التكوينات الطبقية .
ان هذه التشكيلة السياسية الاقتصادية المعقدة ، تجعل من المُتعذّر فهم المدارس المذهبية في الإسلام ، بالاقتصار على الاقاويل الفقهية والنظرية ، دون النظر الى الدلالات الاجتماعية التي تعبر عنها تلك المدارس ، والى الظروف التاريخية الخاصة ، التي أحاطت بظهور كل فئة من الفئات المذهبية ، ومدى علاقتها بالدولة من ناحية ، وبالفئات المحكومة من ناحية أخرى .
وفي اطار هذا المنظور ، برزت ظاهرة عامة في تاريخ بعض المقاطعات الإسلامية ، قلما نجد لها مثيلا اليوم في المجتمعات الأخرى ، وهي حقيقة تمايز دين الحاكمين ، عن دين المحكومين ( الإسلام الرسمي والإسلام الشعبي ) ، واختلاف المذاهب الرسمية عن المذاهب الشعبية ، كما يجري الامر اليوم في العراق والبحرين والسعودية ، والمغرب ، حتى انعكست القاعدة القديمة القائلة : " الناس على دين ملوكها " ، الى نقيضها .
ان تقلب الأديان والمذاهب في المجتمعات الإسلامية ، كانت تجري تبعا لتقلب الأنظمة السياسية الحاكمة ، او الاسر المالكة . وهذا بخلاف ما عرفته اوربة . فانتشار المسيحية مثلا ، كان نتيجة قرار سياسي اتخذه بعض ملوك الروم ، لاعتناق دين المسيح ، وكذلك الحال بالنسبة لحركات الإصلاح الديني الاوربية في العصر الوسيط .
ان انتشار الأديان المختلفة بالمنطقة العربية الإسلامية ، كان يتقرر في حالات كثيرة ، حسب ميل السلطة السياسية القائمة . وهذا نلاحظه مثلا في ايران منذ عهد زرادتش وماني ، وحتى عهد الاسرة الصفوية في القرن السادس عشر . كذلك نفس الحال نجده في مصر التي كانت أحد اهم مراكز الدعوة المسيحية قبل الإسلام ، لكنها قبلت الدين الإسلامي ، واللغة القرآنية ، دون مقاومة تذكر .
ففي الفترة الإسلامية ، قامت في مصر اكبر دولة شيعية في تاريخ الإسلام : الدولة الفاطمية التي لم تزل آثارها العمرانية شاخصة للعيان : القاهرة ، والجامع الازهر ، والاضرحة المقدسة ....لخ ، لكن المذهب الامامي ( الإباضية الفاطمية ) ، سرعان ما اختفى من مصر ، مع تغلب صلاح الدين الايوبي ، وازالته للخلافة الفاطمية الشيعية .
اما في تاريخ وادي الرافدين ، فنرى ظاهرة معاكسة ، حيث ان أهل بابل ، قد عارضوا الاحتلال الإخميني – الفارسي ، قبل القرن السادس قبل الميلاد ، واتخذت المعارضة شكلا دينيا ، بانتشار مذهب وثني معين ( يتعلق بعبادة الاله سن ) ، حمل المحتلين الفرس على التظاهر بحماية المذهبي البابلي التقليدي ، إستمالةً لكهنة بابل المحافظين . وفي الفترات اللاحقة ، نجد اهل العراق يعتنقون المسيحية ، معارضة للمجوسية دين السّاسانيين . ( الفرس ) .
وكذلك الحال في العهد الإسلامي ، كان مدى انتشار المذهب الشيعي ، يتناسب مع تزمت الحاكمين ، وتقريبهم للحنابلة ، وأهل الحديث . وفي العهد العثماني ، نلاحظ ان كثيرا من العشائر والاسر السنية المرموقة في العراق ، انتقلت الى المذهب الشيعي ، استجارة بمراكز الشيعة الكاظمية ، والنجف ، وكربلاء من ظلم الحكم العثماني .
وقد شملت هذه الظاهرة اكثر نواحي العراق ، ولم تقتصر على المنطقة المحيطة بالمراقد الشيعية ، فمن المعروف ان اكثر المراثي الحسينية انتشارا في العصر الحديث ، هي من نظم بعض شعراء الموصل . وفي الوقت نفسه ، نرى بروز مظاهر التضامن ، بين اهل المذاهب والأديان المختلفة ، عند تعرض البلاد الى للاحتلال الأجنبي ، او عند قيام الثورات الشعبية الكبرى في القديم والحديث .
ان هذه الظواهر غير المعتادة التي برزت على مرّ القرون ، تدل لاشك ، ان الصراع القبائلي ، والصراع المذهبي ، كان دائما تعبيرا عن صراع اجتماعي ، وانعكاسا لمقاومة شعبية ضد تسلط اجنبي ، او استبداد محلي ، بأشكال دينية ، او مذهبية ، او قبائلية ، تنسجم مع الاحوال السائدة في المجتمع ، والتقاليد الجارية بين الناس .
--- الإطار الاجتماعي للنعرة القبلية والمذهبية .
بداية ظهور النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام :
ظهرت مقدمات النعرة القبلية والمذهبية في الإسلام ، مع توجه الخلافة نحو الإدارة المركزية المطلقة ، والمَلكية المستبدة خلال ولاية عثمان بن عفان ، واقترن ذلك بانفجار اول ثورة سياسية في الإسلام ، من قبل القبائل التي تم اقصاءها من الغنيمة ، ومن النصيب من أموال بيت المسلمين ، الذي استأثر به عثمان لوحده ، مع اسرته و عائلته ، والمقربين اليه من عائلته وأصدقاءه ، كما هو عليه الوضع بالمغرب اليوم .
بيد ان الصراع السياسي في الإسلام ، يعود الى فترة سابقة عن ولاية عثمان ، شهدت بداية تحول الصراع القبلي والمذهبي ، الى صدام واسع بين العامّة ، وبين مركزية الدولة الإسلامية .
ومن اجل توضيح هذه القضية ، يجب ان نعود الى أوضاع مكة قبل الإسلام ، واستعراض الأحوال السياسية بعد وفاة النبي محمد .
– الإسلام والنعرة القبلية والمذهبية :
كانت مكة ، تمثل نموذجا متطورا للحكم القروي ( بالمفهوم القديم الذي المحنا اليه في الدارسات السابقة )، فهي كانت امّ القرى ، ومركز الحياة السياسية والتجارية في الجزيرة العربية قبل الإسلام . فكان نظامها السياسي اشبه بالجمهورية الديمقراطية الشعبية ، يقوم على توازنات بين بطون قريش القبيلة السائدة بمكة .
كانت السلطة السياسية في المدينة ، تتناسب والمكانة التجارية لكل بطن من بطون قريش ، لا على القوة العسكرية ، الامر الذي استلزم نشوء نظام من الحكم ، يقوم على السلطة الروحانية ، وشرف الانساب ، وهو نظام يستمد جذوره من تقاليد تاريخية عريقة في القدم .
في هذا الاطار ، سنجد ان قريش المستفيد الأول من هذا التراتب العنصري والتمييزي ، قد عارضت كل محاولة لتحويل مدينتها الى مَلَكية ، او الحاقها باي من الدول الكبرى القائمة آنذاك ، فأحبطت دسائس البيزنطيين لتنصيب عثمان بن الحُوَيْرث ملكا عليها . وقد ساعد هذا الوضع غير العسكري لمكة ، على تعزيز مكانتها الدينية ، باعتبارها حَرمُ أمن ، يأوي اليه كل خائف ، وملاحق ، وطريد ، ومضطهد .
وفي فترة معينة قبل دخول الإسلام ، تصدّر بنو امية رئاسة مكة ، وسيطروا على تجارتها ، وحلّوا محل بني هاشم الذين ذهبت ثرواتهم ، وتردّت مكانتهم التجارية . فيذكر ابن حبيب ( انظر . المحبر ص 165 ) ، ان حرب بنو اميّة خلف المُطّلِب بن عبد مناف ، على رئاسة قريش ، وكان أبو سفيان قائد قريش في حربها ضد المسلمين .
وبعد فتح مكة ، تقرر ان تظل المدينة ( يثرب ) عاصمة الدولة الإسلامية ، لأسباب كثير منها ، رغبة النبي في بناء مجتمع إسلامي بعيدا عن التناحر القبلي والمذهبي ، وهو هدف لا يمكن ان يتحقق في ظل هيمنة قريش على مكة ، حتى بعد الغزو ( الفتح ) ، واستمرار نفوذها السياسي والديني في جزيرة العرب .
وفي المدينة ، لم يكن لبني اميّة ، او أي من القبائل العربية ، نفوذ يوازي نفوذ ومكانة الجماعة الإسلامية ، إذ أخذت القبائل التي هاجرت اليها ، واستقرت فيها ، بالانحلال والاندماج بالمجتمع الإسلامي الجديد ، الذي بدأ يتطور ، ويمتد منها الى بقية الانحاء الأخرى .
استهدف الإسلام ، مركزة مختلف مستويات الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والروحية ، وكان من دوافعه الاجتماعية ، إزالة الانقسام العشائري ، والقبائلي ، والقومي ، وصهر التشكيلات الاجتماعية المستقلة – كالقبائل والقرى ( المدن – الدولة ) ، والدويلات الصغيرة – ، بكيان إسلامي موحّد ، يسعى الى تشكيل دولة مركزية عالمية .
انصبت مساعي النبي محمد بعد فتح مكة ، على إقامة نواة المجتمع العالمي الجديد في المدينة ، وفق الاسبقية والاولوية في خدمة الدعوة الإسلامية ، لا على أواصر الانساب القبلية .
بيد ان التقاليد القبلية ، كانت عميقة الجذور ، تستمد قوتها من تكوين اجتماعي عضوي ، رسّخته ظروف حياة البادية . وقد ظلت التقاليد والعلاقات القبلية حيّة ، خارج حدود المدينة ، رغم بداية انحلالها في العاصمة الإسلامية . فكان من المحتم ان تجد تعبيرها في الحياة السياسية ، حين توفّر الظروف المناسبة ، وهذا ما جرى مباشرة بعد موت محمد .
ثار خلاف عميق بين صحابة النبي محمد ، حول مسألة اختيار خليفة له . فقد أراد اهل المدينة وهم الأنصار ، ان يكون الخليفة منهم ، فرشحوا سعد بن عبادة ، في حين مال بقية المسلمين الى اختيار الخليفة من قريش ، فبُويع أبو بكر الصديق ، وهو من قبيلة قريشية قليلة الشأن ، وهذا أهّل أهم بيتين من بيوت قريش : بني هاشم اهل النبي ، وبني اميّة زعماء مكة قبل الإسلام .
كانت دوافع اختيار ابي بكر ، حِرصُ جماعة المسلمين ، تجاوز الصراعات القبلية القديمة ، وترسيخ مبدأ الشورى ، رغم ان التصويت على ابي بكر كان من ستة أصدقاء في مؤتمر " سقيفة " الإنقلابي . أي كان انقلابا مدروسا على نظام الشورى المُتغنّى به . وما كان من الممكن ان يتحقق هذا ، الاّ بقطع الطريق على استئثار البيوتات العليا من قريش ، سيما بني هاشم وبني امية ، بالسلطة السياسية والدينية . وقد ساعد هذا الاختيار المفروض على وحدة اهل المدينة ، في مواجهة حركة الثورات القبائلية ، التي شوّهوها بتسمية حرب ( الردة ) بعد وفاة النبي ، واستعادت الدولة الإسلامية سيطرتها على الجزيرة العربية .
وبعد القضاء وتصفية القبائل الثائرة ( المرتدة ) ، ضد دكتاتورية السلطة المركزية الراشدة ، توجّه المسلمون للغزو ( الفتوح ) الخارجي ، بحملات عسكرية عاصفة ، أطاحت بأكبر امبراطورتين في العالم آنذاك .
وفي ظروف التوسع الإسلامي ، ومركزة السلطة السياسية ، امكن لجم الصراعات القبلية ، والشروع على نطاق أوسع من ذي قبل ، بصهر القبائل المختلفة بالقوة .
لكن الأوضاع التي ظهرت على مسرح الاحداث بعد هذا الغزو البربري ، وتمصير الامصار ، جلبت معها صراعات وانقسامات اجتماعية جديدة ، إذْ تكدّست الغنائم الهائلة في مركز الخلافة في الحجاز ، واقتسام ثروات الاكاسرة والبزنطيين ، بين المُقاتلة المسلمين في الامصار ، فخلقت أوضاعا تطورت فيها طبقات اجتماعية جديدة ، وتطلعات حضارية لم تكن معروفة في المجتمع الإسلامي في الحجاز .
استقر المقاتلون المسلمون اول الامر ، في المدن القديمة المحتلة التي تعرضت للغزو، وطالب البعض منهم بتقسيم الأرض الزراعية بينهم في تلك الأقاليم ، والسماح لهم بالانخراط في حياة البلدان المحتلة .
امام هذه المطالب ، وجدت الخلافة نفسها ، تواجه خطر انصهار المقاتلين في التجمعات السكنية الكبيرة لتلك البلدان ، وابتعادهم تدريجيا عن الحياة الإسلامية . هنا قرر الخليفة عمر بن الخطاب ، بالتشاور مع صحابته واصدقاءه في المدينة ، إعادة تنظيم القوات الإسلامية ، وتنفيذ خطوات سياسية وعسكرية بعيدة الأثر ، منها تطبيق نظام الخراج ، وسحب المقاتلين من المدن القديمة ، وتجميعهم في امصار جديدة ، وتطبيق المناوبة في خدمة البعوث العسكرية الى المناطق النائية . فكانت الكوفة ، اول الامصار الإسلامية الجديدة ، التي ضمت اكثر المقاتلين الذين انتهت اليهم خزائن الساسانيين ، واتسعت خلال بضع سنوات ، حتى قاربت نفوسها نصف مليون نسمة حسب الروايات التاريخية ، وبعد ذلك مصّرت البصرة والفسطاط .
--- أول حكم ذاتي لمواجهة النعرة القبلية في الدولة الإسلامية .
ان تمصير الامصار ، وتطبيق الأنظمة الإدارية الديمقراطية الجديدة ، خلقا مراكز سياسية جديدة ، لا تقل وزنا عن عاصمة الدولة الإسلامية في الحجاز . ونتيجة لذلك ، برزت مخاطر الصدام بمركز الدولة ، وتطوّر الى صراع متنامٍ ، بين المدينة في الحجاز ، واهل الكوفة .
وقد حاول الخليفة عمر تسكين الأمور ، بمداراة الكوفيين ، وتلبية اكثر مطالبهم ، ولكن الوضع السياسي الجديد ، كان من الخطورة بمكان ، ممّا حمل الخليفة على اتخاذ إجراءات تنظيمية ، لتحقيق توازن سياسي جديد ، يعزز من مكانة العاصمة الإسلامية في الحجاز ، وهيمنتها على الامصار .
تتلخص هذه الإجراءات ، بإعادة تنظيم الدولة الإسلامية كلها ، وفق نظام ديمقراطي جديد للأمصار ، منح لكل منها استقلالاً ذاتيا فيما يتعلق بأمور الإدارة ، والاقتصاد المحلّيين ، على ان يُراجع مركز الخلافة في القضايا السياسية العليا . و كان نظام الحكم الذاتي هذا اشبه بالاتحاد الفدرالي انْ صح التعبير ، مركزه المدينة .
قسم الخليفة عمر الدولة الإسلامية الى سبعة اقسام ، وفق نظام ( الأسباع ) ، وهو نظام قديم يرجع الى أصول بابلية ، يُصور العالم المعمور على هيئة سبعة أقاليم ، مُرتبة على شكل سبع دوائر ، ست منها بدائرة مركزية تمثل أقاليم بابل . يقول اليعقوبي ( 142: 2 ) ان عمر بن الخطاب ، هو الذي اوجد هذا النظام . فقال ان عمر : " مُصّر الامصار في هذه السنة ( 17 هجرية ) . وقال الامصار سبعة . فالمدينة مصر ، والشام مصر ، والجزيرة مصر ، والكوفة مصر ، والبصرة مصر ....لخ " .
كان المقصود بهذا التنظيم ، منح الامصار قدرا كبيرا من الاستقلال الذاتي ، وخصص لها أربعة اخماس الغنائم العسكرية ، ودفع الخمس المتبقي لمركز الدولة الإسلامية ، إضافة الى نسبة معينة من إيرادات الخراج . ونتيجة لهذه الإجراءات الديمقراطية التقدمية ، اصبح في حوزة الامصار موارد اقتصادية ، وقوة عسكرية كبيرة ، فعمل الخليفة عمر على خلق توازنات مُعينة بينها ، لئلا تتمرد على مركز الخلافة .
كان تأسيس مدينة البصرة وتمصيرها ، يستهدف خلق قوة موازنة للكوفة ، وكانت البصرة اول الامر معسكرا صغيرا ، وقد سارعت الخلافة بمدها بالمهاجرين من مختلف انحاء الجزيرة العربية ، ثم الحقت بها بعض الأقاليم التي غزاها اهل الكوفة لسد نفقات المقاتلين ، والمهاجرين الجدد . ( انظر الطبري 4 : 160 ) .
اثار هذا الاجراء الأخير اهل الكوفة ، فطلبوا من اميرهم عمّار بن ياسر ، رفع شكواهم الى الخليفة . لكن امام رفض الأمير طلبهم ، وساند قرار الخليفة بدعم اهل البصرة ، شغبوا ( شغب ) عليه ، وطالبوا الخليفة بعزله ، فاضطر عمر لتلبية طلبهم وهو كارها ، فقال : " أعضل بيّ " أهل الكوفة " . وكان يقول : " أي نائب اعظم من مائة الف لا يرضون غير الأمير ، ولا يرضى عنهم امير " .
ان هذا الصراع بين أهل الكوفة والخلافة ، قد تطور فيما بعد عبر سلسلة من الثورات والحروب الأهلية ، مع أهل البصرة وأهل الشام ، ليتخذ صورة مذهبية . وفي أرضية هذا الصراع ، بذرت البدرات الأولى للانقسام القبائلي والمذهبي في الإسلام . ثم ان ما جرى على نطاق الدولة الإسلامية ، انعكس أيضا داخل كل مصر من الامصار بصورة متفاوتة .
لم يقتصر تطبيق نظام ( الاسباع ) على إدارة الدولة الإسلامية ، بل شمل تنظيم بعض الامصار الإسلامية نفسها . وقد أُعيد تخطيط مدينة الكوفة وفق النظام المذكور ، لضمان هيمنة المركز الإداري على الاحياء القبلية المحيطة . فكان من مزايا التخطيط الجديد ، توفير سيطرة مركز المدينة على الأطراف ، وضمان عزل الاحياء القبلية عن بعضها البعض عند الضرورة ، وكذلك سد منافذ المدينة الى الخارج إذا اقتضى الحال .
وقد ظهرت نتائج هذا التخطيط الذي استقرت عليه الكوفة ، في تسهيل ضرب الحركات الثورية فيما بعد ، ولا سيما ثورة الحسين ، وثورة زيد بن علي ، حيث استطاعت الكوفة المدينة ، حصر الناس في معسكر النخيلة ، او في المسجد الجامع ، وعزلهم عن الثوار .
وكما حدث في الصراع بين الكوفة ، والبصرة ، والشام ، فقد جرى ذلك بين احياء الكوفة نفسها ، فانحازت قبائل اليمن الى الشيعة ، في حين انحازت ثقيف وغيرها من القبائل العدنانية الى الامويين .
لكن التنظيمات الديمقراطية التي نفّدها عمر بن الخطاب ، باحترامها للاستقلال الذاتي للأمصار ، حافظت على وحدة المقاتلة الإسلامية ، واضعفت عوامل الانقسام المذهبي ، والصدام السياسي . غير ان هذا الوضع سرعان ما تغير بعد وفاة عمر ، وانتقال الخلافة الى عثمان بن عفان ، الذي سيطر بالكامل لوحده ، وعائلته ، وأصدقائه ، والمقربين منه على بيت المال ، شرارة مقتله ، وشرارة ثورات الامصار الثورية ، وعلى رأسهم ثوار مصر .
كان الخليفة الجديد ، ينتمي الى الاسرة الاموية التي فقدت مكانتها السياسية المهيمنة بعد الإسلام . وقد تولى عثمان الخلافة في وقت أنجزت اكثر الغزوات ، وتزايدت ثروات المقاتلة ، وتراكمت الأموال في الامصار ، فأدى هذا الى تزايد هجرة الناس للبلدان المغْزُوّة ، وخلق مشاكل خطيرة حاول الخليفة مواجهتها بإحداث إجراءات لم تعهدها الجماعة الإسلامية ، إذ لم يمر وقت طويل ، حتى شرع عثمان بن عفان بانتهاج سياسة تخالف سيرة من سبقه .
فقد حاول تعزيز المركزية في الدولة الإسلامية ، وتحويلها من ديمقراطية الى دكتاتورية ، وتقوية مؤسسة الخلافة ، الدولة انا / انا الدولة ، وجعلها اشبه بالمُلْك . فاقدم على الغاء نظام الامصار ( الحكم الذاتي ) الديمقراطي التقدمي ، وحولها الى إدارات محلية مرتبطة مباشرة بالخلافة ، وعيّن أبناء عشيرته ، وأصدقائه من الامويين امراء على الأقاليم والامصار ، وخول لهم الاستئثار بأموال الدولة الإسلامية .
وكان من إجراءات عثمان ، تعزيز هيبة الخلافة أمام العامة ، ونبذ حياة البساطة التي سار عليها النبي ، وأبو بكر ، وعمر . فقد بنى لنفسه قصرا كبيرا في منطقة الزوراء بالمدينة ، وحاول نقل مركز الخلافة الى مكة كصلاة المقيم فيها . وهذا امر اخذه عليه خصومه ، واعتبروه من احداثه المبتدعة . ثم عمل عثمان على احاطة نفسه بجند مماليك ، اختارهم من العبيد الذين كانوا يرسلون الى الحجاز ، ضمن الخمس المخصص للخلافة من الغنائم العربية ، فكانوا يسمون " عبيد الخمس " ، أي الخماسة .
ثم شرع عثمان بتدوين القرآن ، وحصره ذلك بالخلافة وحدها ، فامر بتوحيد المصاحف ، واحراق القديمة منها التي كتبت في عهد النبي والخلفاء من بعده . والغى نظام الامصار، واحل محله نظام ( الاجناد ) ، لذلك ابدل اسم الكوفة ، فأصبحت " كوفة الجند " ، كما تذكر العديد من المصادر .
ورغم انه بعث للأمصار سبعة مصاحف ، الاّ انه اسقط مصاحفها الخاصة بها ، سيما مصحف ابن سعود ، الذي ظل موضع اجلال من اهل الكوفة والشيعة عامة . وسمح عثمان لأشراف الحجاز ، الانتقال الى الأقاليم بعد ان كان عمر منعهم من ذلك . وسوغ لهم استثمار أموالهم ، وشراء العقارات في الامصار ، وبناء دور التجارة فيها ، أي الجمع بين الحكم ، والتجارة ، والثروة .
وبمثل هذا التنظيم الاستبدادي شبه الملكي للدولة غير المعهود من المسلمين ، قاد الى تدمر واسع بين الناس ، واثار روح التمرد في الامصار التي حُرمت من استقلالها الذاتي ، كالكوفة ، والفسطاط ، والبصرة . وقد كانت ثورة اهل مصر شديدة على عثمان لأسباب عديدة ، منها انه اسقط الفسطاط كليا من بين الامصار، ولم يخصّها كما فعل مع الامصار الأخرى .
انفجر التذمر الشعبي بثورة سياسية كبرى ، حُوصر فيها الخليفة في داره في عاصمة الدولة الإسلامية ، ثم قتل دون ان ينصره احد ، غير بعض أبناء عمومته من الامويين .
وبعد مقتل عثمان بايع اهل المدينة علي بن ابي طالب بالخلافة ، فهرب الامويون من المدينة ، وتجمعوا في الشام استجارة بأميرها معاوية بن ابي سفيان . بعد ذلك انحاز بعض اشراف قريش الى البصرة في محاولة للإنفراد بالعراق ، وعزل الحجاز عن اهم أقاليم الدولة الإسلامية ، الامر الذي دفع بالخليفة علي بن ابي طالب الإسراع الى ترك الحجاز ، واتخاذه الكوفة مركزا للخلافة ، والشروع بحروب طويلة ضد البصرة والشام كما هو معروف .
هكذا نرى ان محاولات عثمان بن عفان فرض نظام دكتاتوري مركزي مطلق ، وحرمان الامصار من استقلالها الذاتي الديمقراطي ، وتركّز الملكيات الخاصة بيده ، ويد عائلته ، وأبناء عمومته ، وتعمق التمايز الطبقي ، والعنصري ، كانت العوامل التي قادت الى صراع سياسي حاد ، مهّد الطريق لظهور القبلية والمذهبية في الإسلام . فما اشبه الامس باليوم .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنرال الجزائري شنقريحة يهدد بالحرب
- المفوضية الاوربية تعلن انّ تجديد اتفاق الصيد البحري مع النظا ...
- فشل محاولات جبهة البوليساريو
- الدولة المخزنية
- هل ما يجري من دمار في فرنسا حصل صدفة ؟
- لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير
- أشباه المثقفين من يقبضون العصا من الوسط
- سقوط الإمبراطورية الروسية
- بوليس المخابرات
- دعوى قضائية جديدة للقضاء الإسباني، للمطالبة بفتح تحقيق في جر ...
- البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .
- صراع الأمراء ، او الصراع داخل القصر
- هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك ؟
- الاتحاد الأوربي يلغي اتفاقية الصيد البحري مع النظام المغربي ...
- دولة البوليس ، دولة الغاب
- هل للمثقفين المغاربة من دور في حركية المجتمع ؟
- فرنسيس فكوياما ونهاية التاريخ
- الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي
- ثلاثة أجهزة مخابراتية ، تتآمر لخلق الاضطرابات الاجتماعية في ...
- التنظيم السري او البنية السرية


المزيد.....




- فريدمان: نتنياهو -مستعد لاستخدام أمريكا- لبقائه السياسي.. وإ ...
- -بكتيريا في مايونيز-.. كشف سبب حالات التسمم بمطعم في الرياض ...
- بعد تجاوزات بعض المصلين.. وزير الأوقاف يمنع تصوير الجنازات ب ...
- وزير الخارجية الهندي: الهيمنة الأمريكية وصلت إلى نهايتها
- نائب الأمين العام للناتو يوضح موقف الحلف من إرسال القوات إلى ...
- مصر تحذر إسرائيل.. الجرائم بغزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا
- حزب الله: نفذنا هجوما جويا بمسيرات انقضاضية على قاعدة ‌‏بيت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي إضافي في صفوفه شمالي غزة ويك ...
- كتائب القسام تستهدف قوات إسرائيلية بأسلحة متنوعة وتنشر مشاهد ...
- منها التعليم الجيد واتباع نصيحة الأم.. علماء ألمان يكتشفون أ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - إنّ فرعون علا في الأرض ، وجعل أهلها شيعاً ، حتى يستمر لوحده مسيطرا على السلطة ، والثروة ، والجاه ، والنفود ، فكان بذرة البدرات الأولى للانقسام القبائلي والمذهبي في الدولة الإسلامية .