أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير















المزيد.....

لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7662 - 2023 / 7 / 4 - 14:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يمكن تغيير مجتمع او المجتمع ، من دون وجود ثقافة تغييرية ، او ثقافة للتغيير نسميها بثقافة التغيير .
وان كانت هذه الحقيقة من المسلمات الكونية ، فان التغيير ، وايّ تغيير، لا يمكن انتظاره في غياب ثقافة التغيير . فالطبقات التي تقود التغيير ، او المؤهلة للتغيير ، دائما هي الانتلجانسيا الحيوية الهادفة ، بمختلف تركيبتها الفكرية ، واختلافاتها الفلسفية ، والأيديولوجية .. فلم يسبق في التاريخ الإنساني ان سمعنا يوما ، او قرأنا ، ان الاميين يثورون ، وان الجياع ينتفضون ، لان اصل أي تغيير هو درجة امتلاك ناصية الثقافة ، في اطار الصراع الثقافي الذي لن يكون غير صراع أيديولوجي ، فلسفي ، وسياسي ، لبناء المجتمع الجديد ، والتأسيس للدولة الديمقراطية ، الفاعل الوحيد لتكريس دولة كل الحقوق الكونية ، المعترف بها امميا ، وكما هو مشاهد في الميثاق الاممي لحقوق الانسان .
وبالرجوع الى حركية التاريخ ، لنتساءل عن الطبقات التي قادت الثورات ، سنجد ان تلك الطبقات كانت مكونة من جمهور المثقفين على اختلاف إعتناقاتها الفلسفية والأيديولوجية ، ولم تكن تتكون من جمهور العوام المعرض للكثير من العناوين التحقيرية ، كالعوام ، والرعايا ، والرعاع ، والاوباش ، وشهداء كوميرة .... الخ .
فالثورة الفرنسية ، قامت بها البرجوازية الفرنسية ، المالكة للثقافة البرجوازية ، والثورة الروسية ، قام بها مثقفو الحزب الشيوعي ، والطبقات المتلاحمة مع الشيوعيين فكريا ونظريا ، والثورة في الصين قادها فكر الثقافة الصينية التي بلورها Mao Tsé Tong ، في الاعمال الخالدة التي صهرت الثقافة الصينية الخالصة بمطامح الفلاحين الذين وعدهم Mao بمستقبل زاهر ..
وانها نفس الحقيقة قادت الثورة ( الإسلامية ) الإيرانية بالاستناد على الفكر الديني في حلته السياسية التحريضية والثورية ..
وبالنسبة لكل هذه الثورات الإنسانية ، سنجد ان الأفكار النيرة للزعماء وللمنظرين ، قد نجحت في توظيف ومزج طبقات الشعب ، بالطبقات المثقفة متزعمة الثورة ..حيث كان الشعب المدرك لثقافة صنعها غيره ، ان ثورة ذاك الغير ، الذي لم يكن عضويا ضمن الشعب العامل ، هي في صالحه ، رغم طابعها الأيديولوجي او الثقافي السائد ، والمفروض بحكم التقاء المصالح بين الثوريين وبين المنظرين ، وبين عموم الشعب ، الذي جعله وضعه الاجتماعي يميل الى الثوار ، ضد أنظمة الحكم المتسلطة من طاغية ، واستبدادية ، ودكتاتورية ، وبوليسية ، تبذر ثروة الشعب تبذيرا ، في الملاهي والكماليات ، فيزيد هؤلاء ثراء في ثراء اكثر من فاحش ، وتزيد الشعوب في فقر اكثر من الفقر المدقع ..
لذا فان التعويل على التغيير ، ومن دون وجود ثقافة للتغيير ، سيكون مجرد أضغاث أحلام ، لن تفي بالمقصود من الثورة ، الذي هو الرقي والتنمية ، للشعوب المفقرة ، والمضطهدة ، والمقموعة ، والمستلبة الإرادة ..
تتجدد الحاجة الى البحث في المسألة الثقافية في بلادنا ، التي على رأسها نظام يعادي ويكره الثقافة والمثقفين ، لأنه بسبب أميته ومحدودية قدراته التي تنفخ فيها الطبائع البوليسية ، تعتبر أيّة ثقافة مسببة لصداع رأسه ( شْقيقة ) ، وفي الشروط الحالية التي تتميز – ضمن ما تتميز به عامة -- بعملية ترتيب البيت الواسعة التي يقوم بها النظام المخزني البوليسي ، سعيا منه الى تدعيم المتداعي من اركانه ، والتكيف مع التحولات التي شهدها ويشهدها العالم ، حيث تحتل المسألة الثقافية حيزا هاما في مجال اهتماماته الراهنة ..
وتبدو هذه الحاجة اكثر إلحاحاً ، في ظل التراجع والنكوص الكبيرين ، الذي يعيشهما ( اليسار ) بمختلف تلويناته وشكلياته ، والتي وصل الى الحضيض الذي ابانت عليه ، نتائج الاستحقاقات السياسية التي نظمها النظام ، وفرض شروطه من دون حاجة الى التشاور ، او التذكير ، او التحذير من الانقراض الكلي ، الملاحظ اليوم تنظيميا ، والملاحظ أيديولوجيا ، حيث التناقض الكبير بين الخطابات الجوفاء من جهة ، وبين الركوع والخضوع لإملاءات النظام ، الذي يشعر بنشوة الانتصار في الحرب ، بعد ان حسم المعارك التي دارت وبمسمياتها المختلفة ..
فما تعيشه اطراف ممن تبقى من هذا اليسار الباهت ، ليدعو الى الشفقة ، خاصة وانه اعطى للنظام شيكا على بياض ، عندما تخلى عن شروط المشاركة في الاستحقاقات منذ ستينات القرن الماضي ، كالتذرع بغياب الدستور الديمقراطي ، واشراف الحكم من خلال جهازه السلطوي على احتكار عملية البناء السياسي ، طبقا لما يريد ويخطط له النظام المخزني البوليسي ، الذي اذاب الجميع في طنجرته التي قد تنفجر ، اذا غاب الملك ، وهو انفجار قد يطرأ بغتة ، مما يجعل التحكم فيه ، يواجه بصعوبات ، قد تتضاعف سيرها نحو الهاوية الغير منتظرة نهايتها . هذا اذا توقف الانحدار والانفجار في حدود المطالب الخبزية . اما اذا اصبح رأس النظام والنظام مطلوبان ، فتلك قصاصة أخرى ، لا يستطيع النظام التعامل معها ، اذا تم النفخ فيها من خارج المغرب .. من قبل قوى تحن الى الاستعمار والى عهد الوصاية والتحجر ..
فاذا كان ( اليسار ) الرسمي يعيش البلبلة ، واضحى جسم بدون روح ، فان ( اليسار ) الاخر على يسار اليسار المخزني المهيكل ، انتهى الى النهاية التي هو فيها اليوم ، بسبب أخطاء لم يكن مسموحا بها ، لأنها عطلته عن انتاج مشروعه العام ، حول الدولة الديمقراطية . ومن الأخطاء التي سببت في نهاية هذا اليسار ، نذكر على سبيل الأمثلة ، وليس على سبيل الحصر :
-- الحلقية الفكرية والسياسية التي تنتهي وانتهت بالخنق الذاتي والتنظيمي والثقافي ، اذ بقي هذا اليسار خارج التغطية الشعبية والجماهيرية ، فتسببت غربته في بقاءه غريبا في وسط اجتماعي معروف بتكلس عقله ، وبالأمية والجهل الضاربين اطنابهما ، في وسط يميل الى المحافظة ، ويتشبث لوحده بالمظاهر المخزنية الملاحظة حتى في (افراحه) و ( احزانه ) وما اكثرها .
-- غياب حوار فكري بناء وجدي .
-- ضعف العمل لبلورة برنامج سياسي عقلاني .
-- ضيق الأفق فيما يخص العمل المشترك والموحد .
-- ثم الميل الى التشرذم ، وهو المرض الذي تسبب في نفوق ( اليسار ) الملكي ، وتفريخ اشكال كثيرة من اليسار ، يفرقها كل شيء ، ولا يجمعها أي شيء .
وان ما تعيشه اطراف واسعة من ( اليسار ) الملكي التقليدي ، ومن اليسار الجذري الذي على يسار اليسار الملكي ، من بلبلة فكرية واسعة ، تنعكس على نوعية ودرجة اهتمامه بالمسألة الثقافية ، حيث يتراوح الموقف منها عموما ، بين موقف قائم على الإهمال والتهميش ، انطلاقا من رؤية تضع المسألة الثقافية خارج اهتماماتها ، او في احسن الأحوال لا ترتبها ضمن ( أولوياتها ) ، او تعيد انتاج موقف جاهز ، يهتم بالمسألة بأدوات قديمة ومتجاوزة ، لا تأخذ بعين الاعتبار ما استجد على صعيد المسألة الثقافية ، وما استجد في الوضع الاقتصادي والسياسي عموما .
اذن الخلاصة ، هي ان أي بحث في المسألة الثقافية ، لا يمكن ان يكون خصبا ومجديا ، دون ربط المسألة بخلفيتها الاقتصادية والاجتماعية ، من حيث ان هذه المسألة ، مرتبطة بتكوينه ، وتاريخه ، وعلاقاته بمحيطه القريب والبعيد ، وبطبيعة النظام القائم او السلطة القائمة ، من حيث هي مؤسسة نافذة وقائمة ، لها آليات وضوابط وهياكل . ومن حيث هي سياسات نافذة ، وممارسات جارية . فالمشكلات المستعصية التي تواجهها الثقافة التي تروم التغيير ، هي في الجزء الأكبر منها ، تتعلق بالسلطة القائمة على القهر ، والطغيان والاستبداد ، والاضطهاد الثقافي والمجتمعي ، والتي تحتكر وسائل ترويج المنتجات الثقافية ، من وسائل اعلام ( صحافة مواقع الكترونية وتلفزة .. ) ودور للنشر . ومن مدرسة تجعلها في خدمتها ، بما تسنه من مناهج ، وتنفذه من خطط ، تحكم على أوسع الجماهير بالأمية والجهل ، وتقصيها من هذه المنتجات ، مما يجعل هذه الجماهير تلوذ بثقافة مخزنية بوليسية قروسطوية ، تجد فيها ضالتها ، أي تجد فيها أجوبة ( صحيحة ) ، على ما يطرحه عليها المجتمع والحياة .
وتعمل السلطة القائمة ، على ترويج ثقافة جامدة مبنية على الخرافة ، والغيب ، والتقاليد المرعية ، ثقافة أركاييكية ، تمزج في عجين هلامي ، بين التقليد ، وبين (الحداثة) العصرنة المشوهة والمعطوبة ، وهكذا .... ، تنهل من موروث تقليدي ، يشرعن الاستبداد والطغيان ، ويفرض قهرا الجبرية ، والضبطية ، والتحكمية ، ويقصي الاقصاء الكامل العقل والمنطق ، ويجعل من الطاعة لأولي الامر الطاغية المستبد ، والمفقر للشعب سيدة الفضائل . كما تنهل من ( حداثة ) عصرنة لزجة ، تقوم على ثقافة استهلاكية مشوهة ، تمجد التقنية الخالية من أي مدلول أيديولوجي ، وفي نفس الوقت تحتقر الانسان الفاعل ، وانسان التاريخ ..
طبعا سنجد ان هذه الثقافة الأركاييكية ، المبنية على الخرافة واللاّهوت في شقه العبودي / اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر / .. الذي يجب اطاعته ، حتى ولو كان شخصا فاسدا مهلكا للحرث وللنسل . فالطاعة واجبة ، بل هي فرض عين للحفاظ على الدولة اللاديمقراطية ، قائمة ... سنجد ان هذه الثقافة تقدم نفسها على أنها خالدة وأزلية ، غير مرتبطة لا بالمجتمع ولا بالتاريخ . وهي كثقافة مُدلّسة وجبرية ، سنجد انها تعادي التغيير الذي تعتبره شذوذا عن الحالة الطبيعية . انها ثقافة التبرير لا غير ، أي شرعنة وتبرير الوضع القائم ، والدولة القائمة عدوة الديمقراطية ، أي تضفي على الوضع القائم ، مسحة من قداسة زائفة ومغشوشة ..
ان وضعا ثقافيا من هذا القبيل ، يطرح على ثقافة المواجهة والتغيير ، تحديات كبيرة ، عليها ان تواجهها بالجرأة والمسؤولية اللازمة لتربح الغد ، وفي مقدمة هذه التحديات ، القدرة على رصد الجديد ، وتمييزه عن القديم الذي يتمظهر بأشكال جديدة ، وعدم الركون الى الأجوبة الجاهزة والبالية ، والجرأة على التقدم نحو هذا الجديد ، والكشف عنه ، واعلانه جهرا ، من دون ريبة ولا خوف .
ففي نظرنا كمحللين للإشكالية المنزلة ، والمفروضة على ضوء المعطيات المتوفرة ، نجزم الجزم القاطع ، بان مشروع ثقافة التغيير ، بما هو مشروع مضاد للوضع القائم ، يمكن ان يستشف ملامحه وأسسه ، من ملامح وأسس الوضع الثقافي القائم ، من حيث انه ينبني على نقضه . فثقافة التغيير تقوم على :
1 ) العقل : في ظل الشروط القائمة ، التي تتسم بانتعاش التيارات اللاعقلانية ، على خلفية الازمة ، وانسداد الآفاق في بلدان المركز الرأسمالي ، وفي بلدان الأطراف ، وانحسار المشروع الماركسي ، والقومي ، والوطني في العالم العربي وببلادنا ، تتفاقم ظاهرة النكوص والارتداد عن القيم المستندة على العقل ، والواثقة في قدراته ، بما هو آلة للكشف والتحليل ، واستخلاص النتائج . ففي هكذا شروط ، تبرز الحاجة ماسة الى رفع لواء العقل ، والاستناد عليه في تحليل المجتمع والتاريخ ، ضداً على الرؤى والنظريات اللاعقلانية ، التي هي أوسع من ان نحصرها في الديني منها ، وانْ كان هذا الأخير ذو حضور ملحوظ ، ودور وازن ، وله " شرعية " تاريخية تفتقدها النظرات الأخرى ، حيث تنتشر بشكل واسع هذه الرؤية المنغلقة ، التي ترى ان النص الديني قدم أجوبة تامة ونهائية ، للمشكلات التي طرحتها ، وتطرحها الحياة على الانسان في الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، وترى ان العقل قاصر ، او انه يقود الى الظلال عن الطريق المستقيم ، وبالتالي ينبغي التسليم بما نعتبره حقائق ازلية، دون تمحيص نقدي ، ولا اعمال للعقل فيها .
اما التيارات الأخرى ، وان كانت لا تقوم على الدين ، فهي ذات منحى لا عقلاني ، تنظر للإنسان ككائن تحكمه الغرائز ، وتسوقه الاهواء ، ويستسلم للعواطف الجامحة ، ويلعب اللاّوعي دورا أساسيا ، انْ لم يكن اشبه بالقدر في حياته . وهذه التيارات التي تنتشر كاللهيب في اوربة عصر الامبريالية ، تجد لها صدى واسعا في صفوف ( مثقفي ) دول المحيطات ، او دول الأطراف ، وليس بدول المحاور او المحور .
2 ) التاريخ : ليس التاريخ فيما ترى ثقافة التغيير ، تدفقا لا عقلانيا للأحداث يقف الانسان مشدوها امامها . انه سيرورة يحكمها منطق داخلي ، فهو ذو معقولية ومعنى ، وهو يتحرك بفعل البشر افرادا وجماعات . فالتاريخ بدأ بظهور الانسان على الأرض ، ويستمر مع هذا الانسان في صراعه ، من اجل غد افضل . هذا الصراع الذي خاضه الانسان منذ القدم ، ضد قوى متنوعة ، من نظم استبدادية ، وطغيانية ، وطبيعة متسلطة وغريبة . كما خاض هذا الصراع ضد الجهل ، مما مكنه من معرفة واسعة ، بددت العوالم المظلمة التي كانت تلوح امامه ، وفتحت له آفاقا واسعة ، واكسبته الثقة في النفس وفي المستقبل ، وحفزته على استكشاف عوالم مجهولة .
ان التاريخ هو تقدم واستمرار متواصل . ومستقبل الانسان ليس وراءه ، ولا يمكن استعادة الماضي ولا تكراره ، والتقدم سنة من سنن الكون . والبشرية تتقدم نحو الأفضل ، ونحو الغد الأكثر من افضل عبر منعرجات متنوعة .
ان الركود ليس الاّ عرضي ، فالزمان بأبعاده الثلاثة ، ماضي وحاضر ومستقبل ، فهو ليس دائرة مغلقة ومتكررة . ان الوجود التي تحكمه السيرورة ، يتفتق دائما على اشكال جديدة من الحياة ، أغنى وأخصب من سابقاتها . ولا يعني الإقرار بهذه الحقائق ، السقوط في التفاؤلية الساذجة ، او اليوتوبيا L’utopie ، كما لا يعني الركون الى انتظار حتمية مفترضة .
3 ) الديمقراطية : ان ثقافة التغيير معنية قبل غيرها بالمسألة الديمقراطية ، بما هي مطلب لا وسع الجماهير الشعبية ، وبما هي شرط لازم لازدهارها وانتعاشها . وتقتضي هذه الديمقراطية الغاء كافة التشريعات الدكتاتورية ، ورفع الإجراءات الإدارية البوليسية ـ التي تضيق الخناق على ثقافة التغيير، وعلى المبادرات الحرة .
ان ديمقراطية الثقافة ، تستوجب فتح المناطق المحروسة ، لان المقدس هو الله وحده ، لا شريك له في هذا التقديس ، غير مصالح الشعب ، ومصلحة الوطن في بشره، وفي جغرافيته التي يجب دفع أي خطر يتهددها . وفي هذا الاطار ، تبدو حاجة ثقافة التغيير ملحة ، الى نبذ الانغلاق والتقوقع السائد داخلها ، واعتماد الحوار والجدل العلني ، دون رمي بالتكفير ولا الهرطقة ، باعتبار ان سيادة الديمقراطية داخلها ، هي مجال لتفاعل الآراء وتخصيبها .
وتقتضي هذه الديمقراطية الانفتاح على أوسع الجماهير ، والبحث عن السبل للنفاد اليها ، وإمكانية التغلغل في الوجدان والوعي والسلوك ، اعتبارا انه دون هذا الانفتاح ، محكوم على هذه الثقافة بالضمور والكساح Le rachitisme ، وهنا ينبغي بذل مجهود جبار ، لتجديد اللغة ، بما هي وسيلة تواصل ، وامدادها بالحياة ، دون السقوط في الابتدال ، ولا اهمال أي مكون من مكونات الهوية .
4 ) الانفتاح او علاقة الكوني بالمحلي : مع التحولات الاستراتيجية التي تحصل في العالم ، مثلا كانهيار الاتحاد السوفياتي ، وسقوط جدار برلين ، وسقوط الأنظمة السياسية في اوربة الشرقية ، التي حكمت باسم الشيوعية ، والشيوعية منها براء ، لأنها كانت أنظمة برجوازية الدولة .. ، وتعمق عملية العولمة ، او القطب الواحد بدل القطبين الاقتصادي والسياسي ، وتوجيه طعنة للصراع الأيديولوجي ، ذاك التناقض الذي انعكس بحدة على المستوى الثقافي ، خصوصا في ظل ما تمتلك الامبريالية من إمكانيات هائلة ، لنشر خطابها وقيمها الثقافية ، تطرح بشدة على جدول اعمال ثقافة التغيير ، مسألة علاقة الكوني بالمحلي ، وما يرتبط بها من مشكلات الهوية ، وأسلوب ومضمون الانفتاح .. وهكذا تبدو الهوية مهددة بخطر كاسح ، لا تملك من أسلوب للمقاومة ، غير الانغلاق .
ان المطلوب من ثقافتنا ، انْ لا تتعامل مع الهوية كمعطى جاهز ونهائي ، او ككيان فوق التاريخ . بل هي مشروع منفتح على الدوام ، على المنجزات التقدمية للآخر ، تتفاعل معها دون تعصب ، ولا انغلاق ، وانْ لا نضع الذات ( هل هي مكون منسجم ) في تعارض مع الآخر . فعلاقة الخاص بالعام ، هي علاقة جدل وتفاعل مستمر ، وليست الخصوصية مقدسا جديدا ينضاف الى جملة مقدسات ، التي ترفع لمحاربة الفكر الاخر بكل منوعاته ، تحت يافطة الفكر المستورد ، الدخيل ، الأجنبي الخ ...
وفي هذا الصدد تطرح مشكلة الفرنكوفونية ، بما هي مشكلة لغوية ثقافية ، تتداخل بالسياسة والاقتصاد . فاللغة هي اكثر من أداة تواصل . انها الواقع المباشر للفكر ، ترتكز فيها النظرة للذات وللعالم ، وتلخص التجربة المعايشة . ان الطبقات والشرائح المرتبطة بالاستعمار ، هي التي تستميت دفاعا عن الفرنسية ، بتقديمها على انها أداة محايدة ، ووسيلة لامتلاك ثقافة الغرب المتقدم في مواجهة همجية الشرق . غير انه يجب ان لا يفوتنا التسجيل ، ان هذا الرأي يجد مبرره فيما تعيشه اللغة العربية من ركود ، وعدم مواكبة التطور ، وكون البحث في اللهجة البربرية بأصنافها الثلاث : تريفيت ، تشلحيت ، وتمزيغت لا يزال الى الآن ، كأنه في اطار التأسيس .
بقي ان نسجل في معرض العلاقة بين المحلي والكوني ، ان الحداثة الحقيقية وليس العصرنة ، كهَمّ يخامر كثير من المثقفين ، وحتى اشباه المثقفين ، ليست مغامرة غير مسؤولة ، ولا استهلاك لإحداث الصراعات الفكرية التي ينتجها الغرب المسيحي اليهودي الماسوني . ان الحداثة بما هي حركة ومفهوم ، هي ارتباط بهموم الانسان والمجتمع المغربي ، الذي يرزح تحت القهر ، والفقر ، والتجهيل ، والمرض .. ويعيش تحت سلطة الاستبداد والطغيان ، ومصادرة الحقوق ..
وعلى سبيل الختام . قد يلحظ القارء النزيه ، انّ هذه الملاحظات عامة ، لا مست قضايا شائكة بخفة . واغفلت قضايا أخرى ، في الوقت الذي يتطلب الامر ، تفكيرا معمقا ، وبحثا جديا وجماعيا ، للتدقيق فيها ، اعتبارا من ان هذا التدقيق ، واجب ومسؤولية على الغيورين على هذا المنبر . وهكذا انْ نجحت هذه الملاحظات في التحريض على الأسئلة والكتابة ، يكون ذاك هو المبتغى والمأمول .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشباه المثقفين من يقبضون العصا من الوسط
- سقوط الإمبراطورية الروسية
- بوليس المخابرات
- دعوى قضائية جديدة للقضاء الإسباني، للمطالبة بفتح تحقيق في جر ...
- البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .
- صراع الأمراء ، او الصراع داخل القصر
- هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك ؟
- الاتحاد الأوربي يلغي اتفاقية الصيد البحري مع النظام المغربي ...
- دولة البوليس ، دولة الغاب
- هل للمثقفين المغاربة من دور في حركية المجتمع ؟
- فرنسيس فكوياما ونهاية التاريخ
- الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي
- ثلاثة أجهزة مخابراتية ، تتآمر لخلق الاضطرابات الاجتماعية في ...
- التنظيم السري او البنية السرية
- الدرس المستفاد من الهزيمة المدوية للحزب الاشتراكي العمالي ال ...
- هل القضاء مستقل في المغرب ؟
- المظاهرة ، التظاهر ، والمسيرة
- قصيدة شعرية بعنوان -- لن يتحد الليل مع النهار
- المثقف والسياسة
- أين وصل نزاع الصحراء الغربية ؟


المزيد.....




- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال 24 سا ...
- طبيبة تبدد الأوهام الأساسية الشائعة عن التطعيم
- نتنياهو يعيد نشر كلمة له ردا على بايدن (فيديو)
- ترامب: انحياز بايدن إلى حماس يقود العالم مباشرة إلى حرب عالم ...
- إكسير الحياة وطارد الأمراض.. هذا ما تفعله ملعقة واحدة من زيت ...
- المبادرة المصرية تدين الحكم بحبس المحامي محمد أبو الديار مدي ...
- مقابل إلغاء سياسات بيئية.. ترامب يطلب تمويلا من الشركات النف ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف آثار تعليق شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إ ...
- -حماس- تعلن مغادرة وفدها القاهرة إلى الدوحة
- الملوثات الكيميائية.. القاتل الصامت في سوريا والعراق


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - لن يكون هناك تغيير من دون وجود ثقافة التغيير