أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .















المزيد.....



البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 7647 - 2023 / 6 / 19 - 16:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" سأرسل هذه الدراسة من Cyber ، لان مدير البوليس المريض المعقد نفسيا ، والجلاد .. قطع الكونكسيون عن منزلي لعرقلة الحق في النشر . " .
ما الفرق بين الاختطاف السياسي الذي يحصل خارج القانون ، وبين الاختفاء القسري ، وبين الاعتقال التعسفي ؟
ما دامت النتيجة هي الانسان الذي يخضع للاختطاف السياسي ، و للاختفاء القسري ، وصولا الى الاعتقال التعسفي ، فلا نكاد نعتبر التوصيف هذا اقرارا بحالة خاصة تختلف عن الاختطاف السياسي ، وهو المصطلح الشائع في جميع حقب الصراع السياسي او النقابي ، وبين وصف الاختفاء القسري ، أي يحصل رغم رفض الشخص المختطف لظروف وشروط الاختفاء، وبين الاختفاء القسري القريب من الاختطاف السياسي في المعنى عنه في مجال الاختفاء التعسفي ..
فخلال مراحل الصراع خاصة اثناء الستينات والسبعينات ، كان المعنيون بالظاهرة يصفون عملية الاختفاء بالاختطاف السياسي ، لان الاختطاف حصل بسبب مواضيع سياسية ، جرت العادة على تسمية ضحاياها بالمختطفين السياسيين . وهذا من حيث المعنى ، اكثر ضررا مقارنة مع الاختفاء القسري ، والاختفاء التعسفي .. رغم ان نفس الضرر ، ونفس النتيجة يتولد عن الاختفاء او الاختطاف القسري ، المجرم من القانون الدولي ..
فما يقوم به البوليس السياسي ضد المثقفين ، والديمقراطيين ، والصحافيين ، وفاضحي الفساد بكل اوجهه المقرفة ، هو تصرف اجرامي يمنعه القانون الدولي ، وتمنعه مواثيق الأمم المتحدة ، لان لا ضمانة تضمن ظهور من تعرض للاختطاف السياسي ، الذين العديد منهم قضوا تحت تعذيب البوليس السياسي ، الخارج عن القانون ..
لكن الاختطاف القسري ظهر بعد رحيل الحسن الثاني ، لكن سرعان ما تم استبداله بالاختفاء التعسفي بدل الاختفاء القسري .. ففي حالة الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء التعسفي ، ومنْ قبل تعرضوا للاختفاء القسري ، يكونون في أوضاع خاصة ، تحميها القوانين المختلفة ، خاصة قوانين الأمم المتحدة . لكن لن يتم تصنيفهم بالمعتقلين السياسيين الذين كانوا يشكلون مشاكل لضمير الحاكم ، بسبب تعرية الصحافة الدولية لهذه الجرائم التي يقوم بها البوليس السياسي ، بخلاف الاختفاء القسري والتعسفي ، الذي لا يرقى بأصحابها الى مرتبة المعتقلين السياسيين ، كما هو الحال في عملية الاختطاف السياسي . لذا ففي عهد الملك الحسن الثاني ، كانت محاضر البوليس السياسي ، يتم تحريرها حسب التهمة التي وجهها الى الشخص المتهم . وهنا فان الوضعية القانونية لهؤلاء ، تصنف ضمن الاعتقال السياسي ، لان اصل التهمة هو سياسي .. وهذا الوضع كان يسمح لمنظمات حقوق الانسان الدولية ، وللحكومات الغربية ، بالتدخل لدا الملك في موضوع هذه الملفات ، كما اعطى وضعا قانونيا خاصا بهؤلاء ، حيث كانت لهم مكانتهم بمختلف السجون التي حشروا فيها .
لكن اثناء حكم الملك محمد السادس تغير كل شيء ، واصبح البوليس السياسي يفبرك المحاضر المزورة ، التي لها علاقة بالحق العام ، فيقدم الضحايا الى المحاكم كمجرمي الحق العام ، لا كمعتقلين سياسيين زج بهم في السجن من اجل أفكارهم ومبادئهم ، ففرق بين المجرم السياسي الذي دخل السكن بسبب أفكاره ، وبين من لصقوا له تهمة لها صلة بجرائم الحق العام ، حيث يحرمون داخل السجن في الامتيازات ، التي يتوفر عليها المعتقلون السياسيون وحدهم دون غيرهم ...
تطرح ظاهرة الاختفاء القسري مجموعة من الإشكاليات المعرفية والإنسانية ، وتأسيسا على ذلك ، يمكن ان نسائل مكونات هذه الظاهرة ، تأثيراتها الفعلية او المحتملة ، على تكوين السلوك السياسي للمجتمع المغربي ، امتداداتها البنيوية ضمن تراكمات البناء المجتمعي ، أي عن مدى قدرتها على تكييف السلوك الفردي والجماعي ، حسب استراتيجية السلطة . ولكن قبل هذا وذاك ، يمكن ان نتساءل عن الأسباب ، او الشروط الموضوعية التي تؤسس للّجوء الى هذه الآلة التدميرية ، حيث ان الاختفاء القسري ، او اللاإرادي يْحوّل الانسان الى اللاّإنسان ، كما يرتبط بإشكال سرية وآليات موازية ، وأماكن سرية . وفي حالة المغرب . هل تشكل ظاهرة الاختفاء القسري ، حالة تاريخية ، فقدت رهنيتها ، ام ان هلامية السلطة السياسية البوليسية مجسدة في الدولة المخزنية ، وتراكم السلطات ومركزتها ، وغياب أجهزة للمراقبة ، يجعل من ظاهرة الاختفاء القسري واقعا قائما وكائنا ، حيث الاحداث التي جرت منذ مجيء محمد السادس الى ( الحكم ) ، اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ، مدى هشاشة القواعد ، والمعايير ، والخطابات امام جوهر يستمر في الامتداد والتجرد .
وبناء عليه ، يمكن ان نتساءل . هل ظاهرة الاختفاء القسري تراجعت حقا ؟ . وما يبرر هذا التراجع ؟ ألا يعني ذلك فقط ، ان المخزن البوليسي راكم من الوسائل الزجرية والقمعية ، ما يجعله بنأي عن آلية أصبحت مكلفة على المستوى العالمي ، خصوصا في ظل الترابطات التي اصبح ينسجها هذا الأخير مع نظام العولمة ؟ ، وهي من الأسباب الرئيسية التي عرقلت قضية الصحراء الغربية بأطروحتها المغربية .
وهل يشكل المغرب استثناء ، ام ان ظاهرة الاختفاء القسري ، هي ظاهرة عالمية وكونية بكل المقاييس ، وعملة رائجة في اغلب الدول على حد تعبير مدير الشؤون القانونية لمنظمة " هيومان رايتش واتش " ؟ وتجدر الإشارة الى القول ، انه من السذاجة بمكان ، ومن انعدام المسؤولية القول ، بان ظاهرة الاختفاء القسري في المغرب ، ممارسة تهم الماضي ، حيث الوقائع تؤكد عكس ذلك ..
1 ) الاختفاء القسري . إشكالية المفهوم واسئلة الدلالة :
بدأ استعمال كلمة الاختفاء القسري لأول مرة بصورة منتظمة ومنهجية سنة 1974 ، من طرف منظمات حقوق الانسان ، ووسائل اعلام دول أمريكا اللاتينية ، وبعد ذلك جرى استخدامها بشكل كبير في جهات أخرى من العالم، وخلال سنة 1978 تبنت الأمم المتحدة اول قرار لها حول الاختفاء والاختطاف القسري .
لا شك ان اية محاولة لمقاربة ظاهرة الاختفاء القسري ، تبقى مسكونة بالكثير من المخاطر النظرية ، خصوصا ان اغلبية الآليات القانونية ، لم تتصد لتعريفها التعريف الدقيق ، وبالتالي فواقع التماثل مع ظواهر قد تشكل هي الأخرى انتهاكات لحقوق الانسان ، يمكن ان يؤدي للغموض ، او الى تقييمات غير دقيقة ، او غارقة في ضبابيتها ، الامر الذي من شأنه تعويم دلالات ومفهوم الاختفاء القسري . وبشكل عام ، يمكن القول ان ظاهرة الاختفاء ، والاختطاف القسري ، هي حالة طبيعية في المجتمعات الإنسانية ، حيث ان بعض الافراد ، يمكن ان يُفقدوا بعد حدوث كوارث طبيعية ، او في ظروف غياب الامن وسيادة الفوضى ، ويعدم بالتالي أي اثر لهم .
كما انه خلال الحروب ، تنشغل العائلات بمصير المحاربين ، الاّ انها ما تلبث ان تتوصل بأخبارهم سواء أكانت محزنة او سارة . وفي هذه الحالة يشتركون مع عائلات المختفين قسريا ، في وضعية القلق والترقب . إلاّ ان السلطات في الحالة الأولى ، لا تعمل على مضاعفة معاناة العائلات . وباختصار يمكن القول ان المسؤولية الأخلاقية والجنائية للدولة ، تبقى قائمة ، وتعتبر عنصرا أساسيا في تعريف ظاهرة الاختفاء القسري . كما انها تشكل آلية أساسية ، لإزاحة الغموض عن دلالة المختفي ، وتميزه نظريا وعمليا عن بعض المفاهيم والاصطلاحات ، مثل الشخص المفقود الذي يستعمل عادة اثناء النزاعات المسلحة ، واحيانا يتم استخدام هذه الدلالات بشكل تبادلي ، وهذا خطأ كبير ، لان مسؤولية الدولة غير قائمة في الحالة الأخيرة ، بينما تشكل جوهر وعمق المأساة في ظاهرة الاختفاء القسري . كما ان هذه الأخيرة تشترك مع وضعيات الاختطاف واحتجاز الرهائن في الكثير من النقاط Les points fixe ، حيث ان العائلات والاقارب ، لا يعرفون مصير الضحايا ، ومع ذلك فان الاختطاف او عمليات احتجاز الرهائن ، لا يمكن مماثلتها مع ظاهرة الاختفاء القسري ، لان الأولى عادة ما تستتبع بطلب صريح للمقايضة ، سواء اكان سياسيا او نقابيا . كما يتم تفعيل الأجهزة البوليسية للعثور على الضحايا والفاعلين ، وفتح تحقيقات . وهذا يتناقض مع المنطق الذي يحكم ظاهرة الاختفاء او الاختطاف القسري . ويتعين كذلك هنا التمييز بين الاعتقال في حالة سرية ، والاختفاء القسري ، حيث انه على الرغم من مسؤولية الدولة في كلتا الحالتين . ففي الحالة الأولى غالبا ما يتم اعتقال الشخص من طرف البوليس السياسي ، أي الأجهزة الرسمية للدولة ، وتتوصل العائلة بوثيقة تثبت واقعة الاعتقال ، الاّ ان الزيارات تبقى ممنوعة ، وفي حالة انتفاء هذين المعطيين الأخيرين ، يصبح التمييز غير عمليا .
2 ) المخزن السياسي البوليسي ، وظاهرة الاختفاء القسري او اللاإرادي .
كيف تتحدد العلاقة بين المخزن السياسي ، و بولسه السياسي ، وظاهرة الاختفاء القسري ؟ . اليس من المجحف نظريا وعمليا ، الإقرار بواقع التلازم والامتداد ، في ظل غياب معطيات تاريخية ؟ . وكيف تعاطى المخزن السياسي ، باعتباره آلية عنيفة ورمزية ، مع إشكالية الاختلاف السياسي ، واحتمالات ظهور اقتصاد جديد للتمثيلية السياسية ، تتنازع مكوناته اطراف اللعبة السياسية ؟
تشير الكثير من الكتابات التاريخية ، الى ان المخزن في صورته التاريخية ، كثيرا ما كان يلجأ الى أساليب ، لا تتوافق مع الاطار القانوني الذي يحكم اشتغاله ، والمرجعيات التي يؤسس عليها وجوده . وفي هذا الاطار شهدت الفترة التاريخية السابقة عن الحماية الفرنسية ، حملات اغتيال واختطاف قادة الانتفاضات ، التي كانت تنطلق من مقاربات عقائدية دينية ، تنازع مشروعية السلطان مثل الحركة المهدية ، ومثل ثورة القبائل البربرية ضد الدولة السلطانية المتحصنة في فاس ، وثورة الجيلالي الزرهوني المكنى ب ( أبو حمارة ) .
واذا كان البحث في ظاهرة الاختفاء القسري ، خلال الفترة التاريخية السابقة عن عهد الحماية ، محفوفا بالمخاطر النظرية ، لغياب المعطيات والمرجعيات القانونية العالمية ، التي تدين هذه الممارسة ، فان فترة الاستقلال الشكلي ، تظهر بشكل لا يقبل الجدل ، انّ هذه الآلية شكلت أولوية حاسمة لإرادة الحكم ، وتحييد اطراف اللعبة السياسية ، حيث ظلت حاضرة في سلوك النخبة الحاكمة ، على الرغم من وجود ترسانة قانونية ، تكفل نظريا كافة الحقوق الأساسية للفرد / الرعية / المواطن . ونشير هنا الى دستور 1962 ، وقانون الحريات العامة لسنة 1958 ، الذي خضع لتغيير تراجعي من طرف النظام في سنة 1973 .
ابتداء من فترة الاستقلال الشكلي ، او النصف استقلال ، ستشرع المؤسسة الملكية في التـأسيس لمشروعها السياسي والثقافي والايديولوجي ، لا دارة المجال ، يستند أساسا لهيمنة المتوحد الأيديولوجي ، والمقدس الاستثنائي في أعلى صوره ، وبذلك ستصبح اطراف اللعبة السياسية القائمة ، او المفترضة ، محكومة بمجموعة من الاكراهات الدينية والثقافية التقليدية . كما انها لا تستطيع تجاوز السقف الاجماعي ( اجماع ) ، الذي يحكم منطق اشتغال الحقل . كل هذه المعطيات وغيرها ، تشكل الاستقبالية ، لإشكالية حقوق الانسان بشكل عام ، وللانتهاكات الخطيرة التي شهدها المسار التاريخي للمغرب السياسي بشكل خاص ، ومن بينها أساسا ظاهرة الاختفاء القسري ، حيث انه في ظل غياب تصور واضح لمشروع مجتمعي ، ينبني أساسا على دولة عقلانية ، ومؤسسات حداثية ، واقتسام للسلطة ، يبقى الاستثنائي في كافة صوره الغير أخلاقية واللاانسانية ، اول آلية لردع الاختلافات ، وتحديد الخصوم ، والتأسيس للشمولية ، لان العمق التاريخي ، والسوسيولوجي للدولة المخزنية البوليسية ، يؤسس للكثير من السلوكات والمظاهر ، التي تتنافى مع دولة المؤسسات المحكومة بالقانون . وهذا شيء طبيعي ، لأنه بالرجوع للتمثلات ، يُعدّ المخزن شيئا مسكوتا عنه سياسيا ، لأنه لا يُعدّ مبدأ دستوريا او مقولة قانونية . فإرث المخزن يظهر ، وكأنه يؤسس لطريقة موازية لإشغال الحكم ، يستعمل المساطر القانونية أحيانا ، الاّ انه لا يقف عند حدودها دائما ، أي ان المخزن السياسي البوليسي ، محكوم بانتهازية في التعاطي مع الأدوات القانونية ، وبالتالي فالعمق التاريخي للمخزن السياسي ، يَحُول دون تكريس البعد المؤسساتي للدولة المخزنية . ومن هنا يتحتم القول ، انّ المخزن في حمولته التاريخية والسياسية ، يشكل النقيض الطبيعي لدولة المؤسسات والمواطنة ، حيث يتماهى مع الاستثنائي في اعلى صوره ، ويهاب القواعد القانونية ،لأنه يرى فيها اكراها وخضوعا مُعمّمان ، كما يتضمنان الحق في الاختلاف ، وتحديد المسؤوليات ، وأجهزة للمراقبة .
ان المخزن السياسي والتاريخي ، لا يتسع صدره لكل هذا الهذيان ، كما ان أيديولوجية الامن و( الاجماع ) الوطني التي طورها ، تنزع الصفة الإنسانية عن العلاقات الاجتماعية ، وتُحوّل الافراد الى مجرد أشياء رعايا / ارقاماً ، وليسوا بمواطنين . وبذلك تنقلب وظيفة الدولة من آلية للحفاظ على امن الافراد ، الى نقيضها . ان حقوق الانسان ، ليست ثانوية فقط مقارنة مع الامن الوطني ، كما يراه المخزن السياسي قبل المخزن الطقوسي ، بل هي نقيضه . ففي ظل هذه الشروط اللاّمتكافئة ، تطورت ظاهرة الاختفاء القسري ، وبناء على هذه المقاربة ، يصبح إيجاد فضاءات وحدائق سرية ، ضرورة عملية لتدبير الاختلاف ، وتحديد الخصوم لتحييدها ، وتصريف التناقضات ..
3 ) فضاءات وحدائق سرية للرعب ، وللقتل والتقتيل .
شكلت الرباعية السوداء ، الستينات ، السبعينات ، الثمانينات ، والتسعينات ، المسار الحقيقي ، لاستراتيجية تصنع الرعب عبر ظاهرة الاختفاء القسري ، الأداة الموازية لإدارة الحكم ، في غفلة عن القوانين ، والسلوكات ، والمرجعيات القانونية ، الدينية ، والوطنية ، والعالمية . وخلال هذه الرباعيات ستتعدد الفضاءات : تزمامارت ، قلعة مگونة ، مركز قوات التدخل السريع بالعيون ، ثكنة الجيش قرب بلدية الشاطئ بالعيون ، درب مولاهم الشريف ، قلعة القايد عبدالله ناحية ورززات ، قصر آية الشعير ناحية سكورة ، واد المالح ناحية سكورة ، واد أنيل بالصحراء الشرقية ، واحة عقا شمال واد درعة ، إگدز تازناخت جنوب غرب ورززات ، مزرعة منصور قرب البئر الجديد ، بالإضافة الى الفيلات والمراكب ، ومطار أنفا ، ومركز البوليس السياسي المدني بتمارة DST التي تحولت الى DGST ، الكونبليكس قرب الوقاية المدنية ، مقر قيادة الدرك سابقا حيث كان هناك الاخوان بوريكات ، وحسين المانوزي ، والعسكريين المتمردين ، فيلا تابعة للجنرال الدليمي بمنطقة بوقنادل قبل الوصول الى مدينة القنيطرة ، النقطة الثابتة رقم واحد ، ورقم اثنان ، ورقم ثلاثة Les points fixe ..... الخ . هذه الفضاءات السرية والمرعبة ، ستظل حية في الذاكرة والمِخْيال الجماعي والاجتماعي والسياسي ، اذ لا وجود للمنطق ، او العقل ، او التدين ، او الاخلاق . فضاءات للدموع ، والدماء ، والعرق ، والصراخ ، والجنون ، والشهادة ، أحلام موزعة بين شغب الأرض ، وتعنت الأفق ، فضاءات في غاية السرية التي افتضحت ، ولم تعد سرية حين كشف عنها المثقفون والحقوقيون الفرنسيون ، والمثقفون والسياسيون المغاربة اللاجئين بفرنسا ، وبلجيكا ، واسبانية . أوليس هناك تلازم طبيعي ، بين الاختفاء القسري ، واستراتيجية السرية . لكن ما الذي يجعل المخزن السياسي البوليسي ، يلجأ الى هذه الآلية التي يستنبطها لإدارة الحكم ؟ . ما هي الفوائد التي يجنيها من هذا الاّ منطق والفعل اللاعقلاني ، وألاّ أخلاقي ؟ .
4 ) الاختفاء القسري استراتيجية للرعب والترهيب .
سياسة الاختفاء القسري ، استراتيجية للرعب ، والترهيب ، والتخويف ، والتهريب ، تستمد قوتها ومغزاها ، من فضاء الغموض والابهام الذي يصاحبها ، والدلالات الرمزية التي تؤثث المشهد " الكفكاوي " Franz Kafka ، حيث ان مصير المختفي قسريا يبقى مجهولا ومزاجيا ، وهوية المسؤولين نكرة ، والفضاء امتدادا هلاميا ، والحراس حجاجا ( الحاج ) .
وهذه الاستراتيجية ، وبالنظر الى الرعب غير التقليدي الذي تتضمنه ، من شأنها رد أية ممارسة احتجاجية شرعية ، او غير شرعية . فهي دعوة عامة ومفتوحة ، للاندماج التلقائي في التراتبيات القائمة ، والانخراط في نسق مغلق محكوم بالاستثنائي ، والمقدس ، وثيمنات الرعية والراعي ، أي النظام العام المسطر سلفا . فما الذي يجعل المخزن البوليسي ، مكرها على تقديم تبريرات ، او ملابسات اعتقال هذا الشخص او ذاك . لماذا يتحمل عبئ محاكمات سياسية ؟ . لماذا يتعين تحويل اشخاص عاديين او بارزين ، شهداء قضية ، وبالتالي تعبئة طاقات احتياطية أخرى ، ضمن جينيا لوجيا الاحتجاج ، بل اكثر من ذلك . لماذا تحمل الادانات الدولية مع ما يستتبعها من احراج للحلفاء والأصدقاء في الغرب ، وامكانية تجميد ، او الغاء بنود المساعدات ، والدعم السياسي ؟ .
ومادامت سياسة الاختفاء القسري تكفل كل هذه الأشياء ، فهي ممارسة في غاية المهارة ، والاتقان السريعة ، ولا تتطلب الكثير من الجهد ، لا محاضر بوليسية ، ولا محاكمات سياسية ، وأهميتها تكمن في كونها لا تترك أي اثر ، وتثير الاعتقاد لدا الاخرين ، ببراءة السلطة السياسية من الجريمة . انها وسيلة دراماتيكية وجبانة لهزم الخصوم ، وعلى شاكلتها يشتغل ( مدير ) البوليس السياسي بشكل بليد واكثر رداءة من سابقيه .
وتأسيسا على ذلك ، يمكن القول ، ان سياسة الاختفاء القسري ، تشكل اعلى درجات العنف الممارس ، ليس على الضحايا فقط ، ولكن على العائلات ، المجتمع ، والإنسانية جمعاء . فهي تضرب البنية المجتمعية أساسا ، لتقضي على كافة التلاحمات ( لحمة ) الطبيعية ، الترابية ، والسياسية . كما انها تحوِّل المجتمع الى ركام من الافراد والطبقات ، بدون اهداف مجالية مرسومة ، وبلا ثوابت ، وهي كذاك ، التفاف على القانون ، والقيم الأخلاقية الأكثر اساسية . ان اللجوء الى ممارسة الاختفاء القسري ، يعني بشكل صارخ وفاضح ، اعتراف بانعدام المشروعية ، او على الأقل تآكلها ، بل يشرعن صفات الدولة المخزنية البوليسية ، بدولة الغاب من دون قانون ، تسودها الوحوش المكشرة لأنيابها الصدئة ، ولا تتقن غير فن الهمج . ومنطق الدولة الحقيقية ، في زمن هؤلاء الاوغاد يغيب ، ليعوضه الإرهاب ، والترهيب الفكري والمعنوي وحتى الجسدي .
ترتبط السرية والاختفاء القسري بشكل طبيعي و " منطقي " ، ويتم ضمان السرية من خلال العديد من الآليات والميكانزمات ، فضاء أولا ، يمثل عالما مغلقا ، مليئا بالرموز ، واحداث على شاكلة ميليشيات عسكرية ، منظمة في اطار خلايا ، ومرتبطة فيما بينها من خلال مكتب مركزي ، حالة " المكتب 1 ، و المكتب 2 ، و المكتب الثالث 3 " Les points fixe التي شهدت القتل من اجل القتل ، وليس الاغتيالات ، ومرخص لها باختطاف الأشخاص ، ووضعهم في فضاءات تشتغل من خلال منظومات رمزية . ففي هذه المعتقلات ، سيتم احتجاز مجموعة من المدنيين ، على رأسهم " الاخوان بوريكات " ، حسين المانوزي ، مولاي علي فخيم ، ومجموعة من الجنود الذين شاركوا في انقلابات الجيش ، وعلى راسهم اخ الكولنيل محمد عبابو اخ Le lieutenant colonel محمد عبابو ، عقا سائق عبابو ، محمد علي فخيم .... الخ .. حيث تم اعدامهم من دون محاكمة ، في نفس المعتقل بحضور الجنرال احمد الدليمي ، مولاي احمد العلوي ، ادريس البصري ، العميد بن منصور ... وهي نفسها المراكز التي شهدت اعدام الفرنسيين الأربعة الذين شاركوا في عميلة اختطاف وتصفية المهدي بن بركة ، ومن بينهم ( باليس ، دوباي ، لوني ...) .. اعدمهم الجنرال الحمد الدليمي حتى يغلقوا بالمرة ملف المهدي بن بركة ..
في هذا المجال ، تعتبر السرية عنصرا أساسيا ، لا تطال فقط فعل الاختفاء القسري ، ولكن كذلك الفاعل الذي تتراجع شخصيته ، لتفسح المجال لرمز اخر يضيف العديد من الرهبة والاحساس بالفراغ الإنساني " الحاج " ، كلمة لا معنى لها الا في المخيلة الدينية ، الامر الذي يعد إصرارا على تدمير كل شيء في الضحية . انه الامعان في الانتقام " . فكل شهادات الضحايا تشير الى الانتقام ، " انتم هنا لا لتعيشوا ولكن لتموتوا " .
وتعمل عمليات الاختفاء القسري في نظر المخزن البوليسي ، على المحافظة على مظاهر دولة ( القانون ) ، مع ما يترتب عنها من دعم خارجي ، ومصداقية على المستوى السياسي والاقتصادي ، كما انها توفر الكثير من " المحاسن " كالاعتقالات بدون ادلة ، التصفيات خارج المساطر القضائية .. وتشير بعض الدراسات التي تم اجراءها في أمريكا اللاتينية ، وفي افريقيا من قبل مثقفين وسياسيين وحقوقيين فرنسيين ، ان الأنظمة الدكتاتورية القوية ، والمتمرسة ، لا تلجأ في الغالب الى آليات الاختفاء القسري ، لأنها راكمت الميكانيزمات الضرورية ، التي تكفل لها الخضوع ، وبالتالي فهذه الآلية هي بالأساس نتاج دكتاتوريات غير مضمونة في استمراريتها او ديمومتها ، و نعتقد من خلال ارتسامتنا الأولية ، ان سياسة الاختفاء القسري في المغرب ، مغرب الحسن الثاني ، ومغرب محمد السادس تندرج في هذا الاطار .
5 ) التعيينات المستهدفة بالاختفاء القسري .
-- ما دام المخزن البوليسي له تصوره ومشروعه المجتمعي ، نخبه ، مريديه ...
-- وما دامت الديمقراطية فريدة ، والاجماع فريضة وواجب ديني ، والاختلاف جريمة ، والمنطق والعقل واحد ، والحقيقة واحدة ، والتاريخ استثنائي لا يحتمل الفظائع او تعدد التأويلات ، فان الاخر ، أي آخر يمكن ان يكون ضحية للاختفاء القسري . ومع ذلك هل يمكن القول ان سياسة الاختفاء القسري شملت كافة الشرائح العمرية المسنين ، والعجزة ، وحتى الأطفال حالة ( عائلة الجنرال محمد افقير ) التي رماها الحسن الثاني من دون محاكمة لعشرين سنة كاختطاف قسري .. لكن نرى ان الفئة الأكثر استهدافا ،هي الشباب ، والثوريون والمثقفون ، وذلك بالنظر الى ارتباطه النظري والايديولوجي ، بالنقاشات السياسية التي همت الموقف من قضية الصحراء الغربية ، والمشاريع المجتمعية التي استهدفت إرساء المؤسسات في المغرب ،على بنيات ديمقراطية وحداثية ، تقطع مع الخطاب التقليداني الطقوسي . وضمن هذا الاطار يمكن ان ندرج مناضلي حركة الى الامام ، ولنخدم الشعب ، و23 مارس ، وبعض مناضلي اليسار التقليدي ( الجناح اليساري داخل الاتحاد ) ، كما ضمت مجموعة 26 الماركسية ، دون نسيان الشباب الصحراوي واغلبهم جامعيون ..
وبالنسبة لحالات الاختفاء القسري في " قلعة مگونة " ، يظهر ان بعض العائلات تم اعتقالها بكامل افرادها ، وبما فيها الأطفال الصغار ، الجد والجدة ، الاخوال والاعمام .. وتتنوع الخاصيات السوسيو مهنية للمختفين ، حيث نجد التاجر ، والمتقاعد ، والجندي ، والطالب ، والعاطل ، والراعي ، وبعض الحرفيين الصغار ، والمستخدمين ، وموظفي الدولة . وبشكل عام ، يمكن القول ان كافة الفئات السوسيو مهنية لمجتمع الصحراء ، وجدت لها مكانا في المعتقل الرهيب " قلعة مگونة " .
اما بالنسبة لمعتقل مركز قوات التدخل السريع " السيمي " في العيون ، فيمكن التمييز بين فئتين من ضحايا الاختطاف القسري . الفئة الأولى وظلت قابعة في هذ المكان الرهيب والقذر ، منذ سنة 1987 والى 1991 تاريخ التوقيع على اتفاق 1991 الذي حول جبهة البوليساريو الى سبات طويل ، واغلبهم طبعا شباب تلقى تعليمه في المعاهد والثانويات الاسبانية ، كما شكل هذا المركز محطة أولية قبل الترحيل الى " قلعة مگونة " او " إگدز " .
اما الفئة الثانية فقد كانت تقضي أحيانا شهورا واسابيع ، وبعد ذلك يطلق سراحها ، وهم في الغالب من طلبة الاعداديات والثانويات ، وبعض رجالات التعليم . والجدير بالذكر هنا ، ان هذا المعتقل لا زال عمليا حتى بعد موت الحسن الثاني ، وذلك حسب شهادات بعض الحقوقيين الذين تعرضوا للتعذيب بداخله ، مما يشكل دليلا اخرا على اسطورة خطاب حقوق الانسان التي انتكست عمّا كان عليه الوضع الحقوقي زمن الحسن الثاني ، وزمن محمد السادس الذي برع في التشبه بالحسن الثاني ، من حيث الديمقراطية وحقوق الانسان ، بعد تعرية شعارات الملك الديمقراطي ، الملك الانسان ، ملك الفقراء ، النهج الجديد لممارسة السلطة .. الخ .
بالإضافة الى هذه العينات التي عانت من ظاهرة الاختفاء القسري ، نجد الجنود ، وضباط الصف ، والضباط في معتقل تزمامارت الرهيب .. وبشكل عام يمكن القول انه من الصعب وضع تنميط ، او مقاربة نموذجية للفئات المستهدفة بالاختفاء القسري في المغرب ، حيث طال الاختطاف والاختفاء القسري كل الفئات السوسيو-ثقافية .
والجذير بالذكر ان ظاهرة الاختفاء القسري ، شملت افرادا ، واحيانا مجموعات من افريقيا السوداء ، وبعض المحسوبين على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهم من جنسيات مختلفة من لبنان ، تونس ، فلسطين ، فرنسا ، ليبيا ،وسورية .. الخ .
6 ) الاختفاء القسري بالأرقام ، اية حصيلة ؟
كم هي الحصيلة الفعلية لظاهرة الاختفاء القسري بالمغرب ؟ . اعتقد انه من الصعب الإجابة على هذا السؤال الاشكالي بالنسبة لكافة الأطراف ، بما فيها المخزن البوليسي نفسه ، حيث انه في ظل المسار الدراماتيكي الذي شهده المغرب خلال العقود السابقة ، وشيوع الاستثناء في اعلى صوره ، والشطط في استعمال السلطة ، وغياب سلطة القانون ، والحصار المضروب على المنظمات الوطنية غير الحكومية ، الجمعية المغربية لحقوق الانسان ، الجمعيات الصحراوية لحقوق الانسان ك " كوديسا " ، وتكميم الصحافة ، حيث صحفيون في سجون الملك بمحاضر بوليسية انتقاما للخط في التحرير ، وتواطئ ( النخبة ) السياسية ممثلة في قيادات الأحزاب والنقابات التي أضحت عاقرا وتكلسا ، بالإضافة الى خوف عائلات ضحايا الاختفاء القسري من الانتقام ... الخ ، كل هذا كان يحول دون تسريب المعلومات خصوصا في الأماكن النائية ( تم قتل المناضل الحقوقي حسن الطاهري ) ، والبوليس السياسي عجز في تحديد الجناة المجرمين ، رغم انه يدعي السبق في الكشف عن خلايا تحضر لأعمال إجرامية في كل دقيقة وثانية ههه .. وبشكل عام يمكن القول ، ان الخاصيات الذاتية والموضوعية لظاهرة الاختفاء القسري ، والاكراهات التي تلازمها ، تجعل من الصعب إعطاء حصيلة فعلية وجازمة لعدد الضحايا ، الا في حالة توفر الإرادة السياسية للمخزن البوليسي ، وتوفير الإمكانيات الضرورية للبحث ، والتقصي ، والاستعانة بالخبرة العلمية في مجال البحث ، بواسطة الحمض النووي . ولكن قبل هذا وذاك ، ان يترجم المخزن البوليسي ، خطابات الديمقراطية ، والحداثة ، وحقوق الانسان ، الى خيار استراتيجي يراكم المكتسبات في كافة المجالات ، ولا يكتفي بمراكمة الخطابات التي فقدت مصداقيتها . فبدون هذا الشرط الضروري والحاسم ، يغدو تحديد حصيلة نهائية لظاهرة الاختفاء القسري ، او اللاإرادي نوع من الوهم .. ( اكثر من 500 صحراوي تم الاجهاز عليهم ، وتم دفنهم في مقابر جماعية وبأمكنة متفرقة )
7 ) متلازمات الغياب / الاختطاف / القسري في المغرب ، وعند غيره .
في اغلب الشهادات التي تلقتها المنظمات الوطنية غير الحكومية ، نلمس حالة التشابه والتماثل بينها بشكل كبير. ويمكن اختزالها في الاتي : رجال يقتحمون فضاء العائلة ، في مكان ما ، عمارة او منزل مستقل ، في البادية او المدينة ، ليلا او نهارا ، في الغالب بلباس مدني ، واحيانا نادرة بزي رسمي مميز ، بدون تفويض قانوني او اداري بالاعتقال ، وحتى بدون الكشف عن هويتهم ، اقتادوا بعض افراد العائلة ، قد يكون الاب او الام ، او هما معاً ، او احد الأبناء او العائلة كلها ، واحيانا يتغير الفضاء ليصبح إما مجالا للعمل ، او الدراسة ، اعداديات ، ثانويات او جامعات ، او في مكان عام شارع ، درب ، حيّ ، سينما ، مسرح ... الخ .
والملاحظ انه على الرغم من اختلاف المنظومات الثقافية والتاريخية ، والشروط الاقتصادية والاجتماعية ، والبنيات السياسية للدول ، فان الشهادات تأخذ بعدا عالميا لا يعادلها او يماثلها ، الاّ عالمية المعناة الناتجة عن الاختفاء او الاختطاف القسري .
بعد نهاية المرحلة الأولى من الاختطاف ، يبدأ مسلسل البحث عن الضحية في مرافق المخزن البوليسي الإدارية ، والصحية ، بإدارات البوليس العام الذي كان يغطي على البوليس السياسي ، السجون ، المستشفيات .. الخ . لكن الإجابة تكون دائمة كالصاعقة ، أي الانكار وتهديد العائلات ، واحيانا اعتقالها ، فيضاعف الاختفاء او الاختطاف القسري المعاناة ، سواء بالنسبة للضحايا الذين يتعرضون لكافة اشكال التعذيب المادي والمعنوي ، او العائلات التي تحاول على الأقل في البداية ، كتمان خبر الاختفاء او الاختطاف القسري ، حيث ان التحرك المكشوف يمكن ان يعرضهم لانتقام الجهاز السلطوي ، وانتقام البوليس العام ، وهما الجهازان الذين يستقبلون عائلة الضحايا للاستفسار عوض البوليس السياسي الخارج عن القانون .. وهنا يجب انتظار حتى الاغتيالات بطرق مختلفة لإخفاء معالم الجريمة .
ان هذه الأسئلة وغيرها ، تطرح في الغالب في ظل شروط مادية ومعنوية صعبة ، خصوصا اذا كان الضحية هو المعيل الوحيد للعائلة . ففي ظل هذه الوضعية المسكونة بعدم اليقين ، وكثافة الرمزي ، تصبح العائلة عاجزة عن إرساء استراتيجية للتكيف مع هذه المستجدات . واذا كان الضحية هو الاب ، فان الام وهي في الغالب ربة بيت ، أمية ، تحاول إيجاد عمل لسد الفراغ المادي ، الاّ انها في الغالب تجد كافة الأبواب موصدة ، حيث ان المشغلين يخشون ان يطالهم غضب السلطة المخزنية . وتعاني العائلة من تراجع التضامنات الأولية ، وتنامي مقاطعة اجتماعية لها ، حيث ان تقنية الرعب والترهيب التي يمثلها الاختفاء او الاختطاف القسري ، تستهدف أساسا ترهيب وترعيب المجتمع . انها آلية للتنشئة الاجتماعية المعكوسة او السلبية . وبناء عليه تعاني عائلات الضحايا من التهميش الاجتماعي والاقصاء الاقتصادي ، الامر الذي يعجل بانفجارها ، ويلتحق الأبناء بأقاربهم المباشرين ( الجد او الجدة ، الاخوال او الاعمام ، او بالمراكز الخيرية ) .
وبالنظر الى غياب معطيات او دراسات علمية دقيقة في المغرب ، حول مسار ومصير أطفال المختفين قسريا ، يمكن الاستئناس بدراسة في الارجنتين ، وطالت 203 طفل سنهم يقل عن 12 سنة ، واظهرت من خلال الفحص السيكولوجي ، و النفسي ، والجسدي ، ان 78 في المائة يعانون الانطواء على الذات ، والانحصارات السيكولوجية ، و70 في المائة من الكآبة والخوف المكثف ، او المعمم ، وفقدان الوزن ، والانزعاج من أصوات معينة ( صفارات سيارات البوليس والاسعاف والازياء الرسمية ) ، تراجع في التحصيل الدراسي ، وفي الغالب الانقطاع عن الدراسة ، تضاعف الإحساس بالتبعية للأخرين ، خصوصا البالغين ( الام على سبيل المثال ) ، كما ان ايقاعات المد والجزر ، اليأس والامل التي تصاحب مسلسل الاختفاء القسري ، تؤدي الى استنفاد الاحتياطي العاطفي ، الامر الذي يحُول بشكل تصاعدي دون التطور المعنوي المتوازن للطفل ، كما تم الكشف عن مجموعة من الاعراض ( عدم الاهتمام او الإهمال ، الصعوبة في التركيز ، الانحصارات العاطفية ، الصعود في كبح العدوانية ، عدم الإحساس بالأمن ، استبطان الدولة كوحدة تهديدية ) .
وامام افلاس الجهاز القضائي ، وعدم استقلاليته ، وسريان الإفلات من العقاب ، يتمنى الأطفال ان يقتصوا لأقاربهم بأنفسهم .
وتتناقض الإشارات / التفسيرات التي يتلقاها الطفل ، سواء من العائلة ، الجيران ، المدرسة .. عن سبب اختفاء الاب ، او الام ، وتتأرجح ما بين ادانة الجهاز الدولتي ، او على النقيض اعطاؤه صورة نموذجية ومثالية ، الامر الذي يعمل على تكثيف حالة الغموض ، وغياب الثوابت الأساسية لتفسير الاختفاء او الاختطاف القسري . وتنزع عائلات الضحايا في الغالب الى الانعزال والتهميش ، وذلك حماية للطفل من الإشارات والتفسيرات التي يمكن ان يتلقاها، حيث تمنعه من تكوين صداقات ، وتكثر من النصائح حول عدم الخوض في موضوعات معينة ، الامر الذي يضاعف من خوفه وارهابه ، ويساهم بشكل كبير في انطواء الطفل على نفسه ، وانحصاره العاطفي والتواصلي ..
في عالم الاختفاءات والاختطافات القسرية التي تجري خارج القانون ، لا وجود ليقينيات كل شيء محتمل / افتراضي ، عالم مسكون بالأسرار ، بالمجهول ، والغموض . كل شيء يحتمل الحقيقة والخطأ ، المجتمع ، السلطة ، الوطن ، المعتقدات ، الاّ شيء واحد اوحد ، فظاعة الجريمة المرتكبة ، ونذالة ، وحقارة ، وخساسة الجلادين الموظفين كأرقام عند الجهاز البوليسي في جانبه ، او في فرعه السياسي ..
8 ) الاختفاء والاختطاف القسري والحقوق المنتهكة .
بخلاف الإبادة او التعذيب ، تم تجاهل الاختفاءات القسرية ، في الآليات القانونية المرتبطة بحقوق الانسان ، الى حدود 1992 ، تاريخ تبني الإعلان حول حماية الشخص من الاختفاءات القسرية . ومع ذلك يمكن الإشارة الى مجموعة من الحقوق المنتهكة من جراء الاختفاءات القسرية ، وعلى رأسها الحق في الحياة ، حيث ان المختفين يمكن ان يتم اعدامهم خارج المساطر القضائية ، او يتعرضون للموت من جراء الإهمال او التعذيب ، او بالنظر خلال علاجات ضرورية . كما يتم انتهاك الحق في الحرية وسلامة الشخص ، والحقوق التي ستتبعها كالحق في عدم التعرض للاعتقال بشكل تعسفي ، والحق في المحاكمة العادلة ، وحق كل شخص في الاعتراف له بالشخصية القانونية ، بالإضافة الى الحق في شروط اعتقال إنسانية ، والحق في عدم التعرض للتعذيب ، او لعقوبات قاسية ، او حاط من الكرامة . ان كافة هذه الحقوق تم التأكيد عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان المتبني من طرف النظام المخزني البوليسي .
ويشكل الاختفاء القسري انتهاكا للمقتضيات الواردة في العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب ، ومعاهدة جنيف 1949 ، والبروتوكولين الاضافيين 1977 .. وتنتهك الاختفاءات القسرية الآليات التالية المتبناة من طرف الأمم المتحدة ، المعاهدة ضد التعذيب والعقوبات القاسية والاّ إنسانية ، والحاطة من الكرامة ، ومجموعة المبادئ حول حماية كل شخص ضد جميع اشكال الاعتقال . وتنتهك أيضا الاختفاءات القسرية ، الحق في حياة عائلية مستقرة ، ومجموعة من الحقوق ذات الطبيعة الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ( المستوى المعيشي ، تربية الأطفال في ظروف ملائمة ) . كما تشكل خرقا سافرا لميثاق الأمم المتحدة ، الذي يعد رابطة قانونية ملزمة أخلاقيا وسياسيا لكافة الدول التي تبنته .
لقد كانت شهادة القبطان الرّايْس عن اهوال وبشاعة تزمامارت Tazmamart ، لحظة تعادل في زخمها وعنفوانها لحظة ( استقلال المغرب ) ، لأنها كانت نسخا ونفيا لكل الخطابات ، والاستفتاءات ، والانتخابات ، والبرلمانات ،والكتابات الدستورية المشرعنة ، ولكل المهرجانات ، وللأحزاب السياسية ومؤتمراتها ، وقادتها ، وللنقابية بشتى اصنافها لسبب بسيط ، هو ان الرعب ، والترهيب ، والتعذيب ، والتجويع ، والجريمة والرذالة والحقارة والخساسة ... الخ ، لا يمكن ان تتعايش او تتساكن مع هذا العالم الجميل : دولة القانون .. ان الاختفاء القسري كان هزيمة لشعب وامة ، لأنها لم تدق الخزان عاليا ، واعتقد ان هناك فرصة للانتصار على جبننا ، وهي التشبث بمعرفة الحقيقة كاملة غير منقوصة ولا ناقصة ، وعدم الإفلات من العقاب ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الأمراء ، او الصراع داخل القصر
- هل غيرت جبهة البوليساريو قواعد الاشتباك ؟
- الاتحاد الأوربي يلغي اتفاقية الصيد البحري مع النظام المغربي ...
- دولة البوليس ، دولة الغاب
- هل للمثقفين المغاربة من دور في حركية المجتمع ؟
- فرنسيس فكوياما ونهاية التاريخ
- الخطاب الفلسفي والخطاب الغوغائي
- ثلاثة أجهزة مخابراتية ، تتآمر لخلق الاضطرابات الاجتماعية في ...
- التنظيم السري او البنية السرية
- الدرس المستفاد من الهزيمة المدوية للحزب الاشتراكي العمالي ال ...
- هل القضاء مستقل في المغرب ؟
- المظاهرة ، التظاهر ، والمسيرة
- قصيدة شعرية بعنوان -- لن يتحد الليل مع النهار
- المثقف والسياسة
- أين وصل نزاع الصحراء الغربية ؟
- الخونة وخيانة وطن
- من يحكم الله ، أم الشعب ؟
- المفوضية الاوربية تدعو الاتحاد الأوربي ، الى عدم تجديد اتفاق ...
- هل النظام السياسي المغربي قابل للإصلاح
- السياسة الثقافية واللغوية بالمغرب


المزيد.....




- مصدر لـCNN: مدير CIA يعود إلى القاهرة بعد عقد اجتماعات مع مس ...
- إسرائيل تهاجم وزيرا إسبانيا حذر من الإبادة الجماعية في فلسطي ...
- تكريما لهما.. موكب أمام منزلي محاربين قديمين في الحرب الوطني ...
- بريطانيا تقرر طرد الملحق العسكر الروسي رداً على -الأنشطة الخ ...
- في يوم تحتفل فيه فرنسا بيوم النصر.. الجزائر تطالب بالعدالة ع ...
- معارك في شرق رفح تزامناً مع إعادة فتح إسرائيل معبر كرم أبو س ...
- لماذا لجأت إدارة بايدن لخيار تعليق شحنات أسلحة لإسرائيل؟
- بوتين يشيد بقدرة الاتحاد الأوراسي على مجابهة العقوبات الغربي ...
- كشف من خلاله تفاصيل مهمة.. قناة عبرية تنشر تسجيلا صوتيا لرئي ...
- معلمة الرئيس الروسي تحكي عن بوتين خلال سنوات دراسته


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - البوليس السياسي من الاختطاف السياسي ، الى الاختفاء القسري .