أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - تقمص كائن شتوي















المزيد.....

تقمص كائن شتوي


نبال شمس

الحوار المتمدن-العدد: 1723 - 2006 / 11 / 3 - 07:20
المحور: الادب والفن
    


المطر ينهمر مدرارا، السماء مكفهرة رمادية تميل إلى السواد، والوقت كان بداية شهر نيسان. شهر الإزهار هكذا علمونا عنه. لكن أحدا لم يقل لنا بأن الحيلوان والنرجس تموتان في نيسان.
كان يوما غائرا ليس كغيره من الأيام .. أن تهب عاصفة رياح ومطر شديدة في آخر نيسان. الشهر الذي يحتفل فيه الناس بشم النسيم والتجوال في الربوع الخضراء السندسية .. للعالم احتفالاته ولي احتفالاتي فهذه السنة احتفلت برياحه وفيضاناته, لم أفتش عن النسيم ولا عن الازهار. جو نيسان هذا أثملني جدا جعلني انزوي في حجرتي مع قهوتي وأوراقي المبعثرة, فرغم تكنولوجيا العصر إلا أني ما زلت أحب بعثرة الأوراق وبعثرة الكتب والفناجين حولي حتى تيبس الثمالة بها, أجهل أحيانا التعامل مع الأوراق ألمرتبه والمصنفات الانيقه كجهلي بالتعامل مع النصوص الرومانطقيه التي تبكيني.
كان الوقت ليلا. لم أكن اسمع غير موسيقى الطبيعة وصوت خيوط المطر إلهامية على نافذتي, فرغم نباح كلب احد الجيران إلا انه أضاف طعما آخرا لذلك المساء الشتوي الربيعي
.
مطر ربيعي, زمهرير رياح, موسيقى الطبيعة, نباح الكلب, ماذا سيحدث الليلة؟اشعر أني اسرق لحظاتي من دفاتر الوقت, فصوت الكلب أضاف لمسائي طعم عتمة الليل. جعلني أتذوق الضجيج الذي في عتمة الاغلاس.
اختلطت الامور شعرت إني أدور دورانا عكسيا حول نفسي, فنباح الكلب بدأت اسمعه واترجمه كانه سيمفونية عذبه رائعة. ماذا فعل لي نيسان شهر الإزهار وشهر الموت؟


سأخرج هذه الليلة. سأمشي تحت المطر, سأنصت لموسيقى الرعد وزمهرير الرياح القادم من الشمال, سأشارك ذلك الكلب سيمفونيته, سأمشي وحدي بعيدة عن عيون العالم وسفسطاء الزمن, سأتبلل بالمطر الدافئ سأركض تحته أنا ونفسي دون حذاء دون معطف ودون مظلة احتمي بها, فهذه الليلة لن أخاف الكلاب . هذه ألليله لن أخاف لصوص الليل ولا أقنعتهم التي يتسترون بها خوفا من أن نعرفهم وندركهم. سوف أبقى ماشية أترنح نحو جنون ربيعي أحبه جدا واعشقه جدا.
سريت تحت المطر في عتمة الليل تركت ذاكرتي في أول الطريق وحذائي تحت مكتبتي. مررت بجانب الكلب تحسست ظهره قطعت له لجامه ومشيت نحو زمن اجهله ولا اعرفه.
زمن غريب لا يعيش به أحدا سواي وكائنا شتويا آخرا. كنت قد قرأت عنه بأوراق سرية قالوا أنها تابعة لزمن ما بعد ألقيامه. كان يهوى سرقة الأقلام والشرب من بئر الجنون والمشي مثلي تحت المطر.
كان هذا الكائن يعيش في مدينة بعيده عن مدينتي وفي زمن آخر ليس هو زمننا.
ماذا يجري؟ ذلك الكائن الأسطوري, إني أراه يقترب نحوي مبتسما, انه جميل للغاية, وبسمته فيها براءة ترفض الاقتراب من زمننا؟ وصل إلي, عرفني بنفسه.
أسميته بالمجنون . نعته بأبشع الألفاظ. وكم كان سعيدا بذلك.
ما زال الزمن يدور دورانا عكسيا. شعرت بثقل في مقلتي وجسدي. نور باهر كوى نظري, لم أعد أراه بل رأيت نفسي في وجهه, فقد اختلط جنوني مع جنونه وليلي مع ليله فأصبحت أجيد المشي تحت المطر أكثر, لكني لا أجيد الرقص تحته لأنه هو يجهل الرقص. رأيت الأشجار كأنهن نساء جميلات, بل كل أنثى منهن إيه من آيات الجمال.


كنت كلما مشيت أكثر رأيت خيالات طلابي ينادوني بصيغة المذكر فتاء التأنيث سقطت شهيدة جنوني. فراحوا يخبئون أقلامهم خوفا مني ورتبوا أوراقهم خوفا من أن اقترب منها. بدأت النسوة تلملم الفناجين خوفا من أن استعملها وتبقى الثمالة بها. طلبت منهم أن يعلموني الرقص على نغمات نباح الكلب ففروا هاربين مني تاركين أيامي في زمن سرمدي جميل. زمن ما بعد ألقيامه زمن احترفت به السرقة واصطحاب الكلاب وملاحقة النساء على الطرقات. كيف وصلت لذلك؟ لا ادري اهو هروبي المؤقت من الحاضر؟أهي أمطار نيسان المجنونة؟ كلهم جهلوا فهم الإنسان الجميل الذي في داخلي.
رائع هذا الزمن الذي أنا به الآن ورائع أن أتقمص صورة كائن آخر وارى نفسي به. أدرك عوالمه الحزينة والجميلة. عوالمه البريئة والمظلومة. سأسرق الأقلام وارسم بها أحزان الناس, فضلا على أن يجف حبرها دون استعمالها. سألاحق النساء في الشوارع وأتغزل بهم وارسم جمال كل واحدة التقي بها بين حروفي. سأجعل من كل واحدة ملكة. سأصطحب الكلاب وأرافقهم لأتعلم فنا آخرا من فنون الوفاء, ومعزوفة أخرى لا يراها البشر سوى إزعاجا لهم.
الوقت يجري وأنا ما زلت في داخله تقاسيم وجهي اختلطت بتقاسيم وجهه. شعرت بسعادة فائقة تغمرني, فقد بدأت افهم جوانب أخرى للمرأة وجوانب أخرى للوفاء حتى للسرقة رأيت أبعادا جميله لم أكن أراها في زمني, فالمشي تحت المطر أصبح الآن ذو نكهة أطيب. والقهوة ذي طعم أروع. لقد شعرت أني تحررت تماما من الأنا الموجود في داخلي. وتقمصت أنا جميلا لم أعشه قبل ذلك. لكن رويدا رويدا بدأ الفجر يقترب نحوي, أو إني اقتربت من الفجر لا أعرف. عندما رأيت النور شعرت بإحباط تملكني. فقد توقف المطر الآن. شعرت أن جلدي على وشك الإيباس, فالشمس سوف تخرج من وكرها, وعلي الاختباء قبل ظهورها.
تملكني الرعب وشعرت أني افقد شيئا عزيزا, أريده لي. لكني لا أستطيع المقاومة. شعرت بالأكبال تقيد أنفاسي, فقد توقفت الأمطار عن الهطول وسطعت شمس نيسان. الزمن يدور الآن باتجاه آخر نحو حاضري المتروك خلفي, أيقنت انه علي الرجوع الآن إلى نفسي علي أن أصحو من حلمي الرائع والجميل. فنفسي تنتظرني هناك مع الأطفال الهاربين وكلب الجيران. أين هي نفسي بحثت عنها لم أجدها بعد.
أريد التحرر من ذلك الكائن الجميل أريد العودة إلى حاضري ومكتبتي لكن هذا الكائن لازمني لا يريد تركي, فقد التصق بي لإدراكه أني كائنا شتويا مثله يحب زمهرير الرياح وصوت زخات المطر. فقد بحث عني كثيرا وبحثت عنه كثيرا وصدفتنا كانت أن نلتقي في نيسان لنودع سوية موسم المطر. لكننا لم ندرك أن الشمس أيضا تسطع في نيسان. المطر يتوقف في نيسان. ونيسان هو جسر العبور لموسم آخر.
شيء سحري حدث لي ذلك المساء, فاحتراف مهنة السرقة أصبح جميلا واصطحاب الكلاب والإصغاء لنباحهم أصبح أجمل.
ألقت الشمس أشعتها على ذلك الزمن. بدأ الدوران بالاتجاه الآخر نحو حاضري
كأنها تريد هي الأخرى انتزاعي من ذلك الكائن الذي أحببته, وعشت معه تحت المطر ولاحقنا النساء ولعبت عيوننا على الأقلام. وترنح جسدنا تحت المطر. أحسست بألم فظيع وثقل في جسدي وعيوني لا استطيع فتحها. بزغ النهار والأشجار اتخذت لونها من جديد, صمت الكلب عاد الطلاب وأضافوا تاء التأنيث
وتلاشى الكائن عني مع تلاشي سعادتي, مع تلك الصحوة, تابعت سيري ببراءة وعدت لزمن ما قبل القيامة



#نبال_شمس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريتا
- فراشه مجنونة
- بانتظار الصياد
- طيف ريمورا
- نجيب محفوظ : كفرنا بك مرتين
- صعود اخر
- حلقات الضوء
- لغز اليد الممدودة
- نساء من نبيذ ونار
- مزامير ثقافية
- حفر في التعري,قبل قدوم البحر
- -جوانب أخرى للمرأة في أدب -زياد خداش
- عري القناديل: امرأة, قصيده ووطن
- النرجس لا ينبت في نيسان
- ضرورة انتقاد المسئولين
- العسر التعليمي الاكاديمي
- العسر التعليمي التطوري
- مذكرات متعسر


المزيد.....




- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبال شمس - تقمص كائن شتوي