أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمزى حلمى لوقا - أسرة ... قصة قصيرة














المزيد.....

أسرة ... قصة قصيرة


رمزى حلمى لوقا

الحوار المتمدن-العدد: 7663 - 2023 / 7 / 5 - 23:19
المحور: الادب والفن
    


أُسرَة
قصة قصيرة


خَلفَ دَمعتينِ لم أسمَحْ لهما بالسُّقوطِ ، كان يَقِفُ غَاضِبًا شَرِسًا ، كما لم أرَهُ من قَبل .

رُسغايَ مقيدانِ بحبلٍ خشنٍ ، جذعي عارٍ ، يَلمعُ تحتَ وَهَجِ النَّارِ المُشتَعلةِ ، والعَرقُ الذي غطَى جسدي بالكاملِ بَدأ يَتسَاقَطُ بِغَزَارةٍ داخِلَ سِروالي المُتَّسِخ .

عندما مَرَّ خلفي كانت زَفَراتُهُ الحارةُ تُلهِبُ ظهري ،
جَعلَ أصابِعَهُ الضخمةَ تَتَخَلَّلُ شَعري ، وهو يَكِزُّ علي أسنانِهِ بِصَوتِ صَريرٍ مُزعِجٍ ، وبقسوةٍ لَطمَ رأسي بالجِدارِ الحجري الصَلدِ ، بينما خيوط الدماءِ تَتَطايرُ مع كلِ شَوطٍ وارتطام .

أمسَكَ به إخوتي بعد أن هدَّهُ الإعياءُ والتَعَبُ
: لا تٔضَيِّعُ هيبتَكَ مع هذا الكلبِ .
ابتعدَ مُضطرًا بعد أن بَصَقَ على وجهي وهو يَتَنَفسُ بصعوبة .
كانت الوجوهُ حولي تكادُ تمزقني إرَبًا، ما بين غَضَبٍ وامتعاضٍ وتَشَفٍ
شدوا وثاقي إلى جِذعِ شجرةٍ خَشِنَةٍ ، فأنعرزَ في صدري بَعضُ قَذاها ، وتناوبوا ضربي بسياطهم على وَقعِ حَثِّهِ المُتَصَاعِدِ ، فكانت ضرباتهم تزداد قوةً وسرعةً ، وأنا أتهاوى رغم حرصي ألَّا أُبدِي تأثرًا من ضرباتهم الموجعة ، حتي تسربت إرادتي من ثقبٍ سِريٍّ في جُدرانِ الرُوحِ فَغِبتُ تدريجيًَا عن الوعي.

استيقظتُ علي ظلامٍ دامسٍ إلَّا من بصيصِ شعاعٍ دامعٍ يتسربُ من خلال فتحاتٍ صغيرةٍ في بابِ الحظيرةِ المتهالكِ ، تلك التي رموني فيها تحت أرجلِ البهَائمِ حيثُ الرطوبةِ والرَّوثِ والماءِ القذر.

في الظلام بكيت كما لم أبكِ من قبل ، وأنا أستَشعِرُ دَمعاتٍ وخوارًا حزينًا يُشاركُني وَجعي وبكائي من كائناتٍ ما زالت تعرفُ معنىً للشفقةِ ورَدِّ الجميل .

كان الألمُ قد بدأ ينهشُ في جسدي المتورمِ ، وكانت درجةُ حرارتي قد بدأت ترتفعُ من الحُمَّى ، التي لازمتني هي والهذيان طوال فترة احتجازي بالحظيرةِ ، و قد صاحباهم الجوعُ والعطشُ والضعفُ الشديد .

في ظهيرة اليوم الثالثِ أو الرابع فُتِح بابُ الحَظِيرَةِ ، وقبل أن تَتَعودَ عيني ضوءَ الشمسِ المُبهرِ ، أو أستكملُ وقفتي المتعسرةَ ألقوا عليَّ دفعةً هائلةً من الماءِ فانكفيتُ بشدة على وجهي .
ربطوا قَدَمَيَّ بالحبالِ وسحلوني على أرض المزرعةِ القاسيةِ حتى وصلتُ لمكانِ التعذيبِ الأولِ.

كان صوتُه خشنًا مثل حضورِه الطاغي
وضع قدمَه فوقَ رأسي فانغرز خدي في أرضِ المزرعةِ الطينيةِ السَّبِخَة
وصرخَ بخشونته المعهودة :
يَحفُرُ قبرَهُ بيديهِ

دون أن أعتدلَ شعرتُ بشماتَتِهم حولي.
ألقوا في يدي مِعولَ حفرٍ ، بينما صَوَّبَ أخي الأكبر سلاحَه المُرَخّصَ نحو رأسي خشية أن أهاجمَهم به .
قام الآخرُ بتوجيهِ رَكلَةٍ قويةٍ في ظهري يستحثني على البدءِ في الحفرِ .

بعد دقائقَ كانت ضرباتي المتعبةُ كفيلةً بتفكيكِ الأرضِ بعض الشئ
ومع آخرِ الليلِ كانت المقبرةُ في جاهزيةٍ تامةٍ للاستعمالِ الآمنِ إلا من بُعدِها عن قَبرِ أمِّي .

مع الفَجرِ
اقترب أبي بخطواتٍ حازِمَةٍ .. فَتَحَ محفظتَه .. أخرجَ قُصاصةَ ورقٍ
: وجدنا الحُجَّة .
ثم رَفَعَ كَفَّهُ وهَوَى بقسوةٍ على وجهي
وهو يُهدِرُ : لماذا لم تُدافِع عن نفسك .
ثم بَصَقَ علي وجهي وهو يصرخُ
: جبان .
ومَضَى غاضِبًا .

تركني إخوتي أتَهَاوَى على وجهي في مقبرتي التي حفرتها بيدي ، ولم ينسيا أن يتركا نَظرَتَي شَماتةٍ واحتقار .



بقلم
رمزي حلمي لوقا
يونيو 2023



#رمزى_حلمى_لوقا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- Whatsapp
- فرعون ... قصة قصيرة جدًا
- طَوطَم ... قصة قصيرة
- إتش تي مِل ... قصة قصيرة جدًا
- أثر ... قصة قصيرة جدًا
- كلمات تبحث عن عنوان أو معنى
- كَآخرِ هَالِكٍ
- ربما
- من ذا يَهتَمْ!
- طَعنَةُ الرُّوح
- فَلنَتَّفِق
- مَدَائِنُ حَائِرَة
- تَذَكَّرِي
- مَريَم (التعويض/ العوض)
- ديوجين
- سالومي.....مشهد إفتتاحي
- هيباتيا
- غفران رواسنه
- مشهد من حياة شوبنهاور
- حاذر وقف


المزيد.....




- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رمزى حلمى لوقا - أسرة ... قصة قصيرة