أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى لإدريسي - موت بدون فاتحة














المزيد.....

موت بدون فاتحة


سلوى لإدريسي

الحوار المتمدن-العدد: 7653 - 2023 / 6 / 25 - 01:16
المحور: الادب والفن
    


تمددنا فوق تربة رطبة ، مليئة بالحصى ، لازلت اتذكر الألم الذي كان يعانيه جسدي وهي تنخر فيه مثل دودة التفاح ، كنا نلبس الأبيض كاننا شرنقاة أواخر الربيع ،حاولت الهمس الجثة التي كانت بجانبي لكن طرقات معلول حفار القبور حالت دون بلوغ هدفي، انا لا أستطيع رفع صوتي اكثر من هذا ،لأنني ذبحت من الوريد الى الوريد ، رأسي يتهلهل كلما مر أحد الرجال من أمامي ، بعضهم كان يركل رأسي بلا رحمة ، وأخيرا حان وقت قراءة القرآن ، أو ربما ترانيم مسيحية ، لا ادري ربما هذا طقس بوذي ...في هذا المكان لا فرق ،فهم غير متأكدون من هويتك ، بدات أردد معهم دعواتهم لنا ، لكنني بكيت وقتها ، كنت أريد سماع سورة الفاتحة ، لأرى ذاك العالم الذي حدثني عنه شيخي ، رأيت صاحب الصليب يضحك من بعيد كان آخر جثة في الصف الأول ، يقول بصوت مرتفع جاء الخلاص..يرددها بلا توقف ،فكان جزاؤه أن ألقوه في اكبر حفرة ،حتى إنقطع صوته المزعج...
مر وقت طويل ونحن هنا ،الشمس حارقة ،وتلك العقدة أعلى رأسي كأنها صخرة كبيرة ، تثقل أنفاسي ، إنه نفس شعوري وانا طفل احمل صينية الفطير فوق رأسي من بيتنا الى بيت شيخي ، كانت أمي تصنعه له خصيصا ، لم أذق طعمه أبدا ، هذا أكثر شيء ندمت عليه في حياتي ، ندمت لأنني لم آخد ولم قضمة من ذاك الفطير الشهي ..
ها انا ممدد هنا ،يملأ فمي طعم الدم المتخثر ، هو يأكل الفطير في حضن أمي ،وأنا أحارب أعداءه في بلاد تبعد عن وطني بآلاف الأميال ،هو يقرأ الفاتحة وأنا تغنى علي ترانيم الآب ...
لم تكن الحفرة الكبيرة قبر صاحب الخلاص ،لكنها كانت لنا جميعا ،لم أستوعب الأمر إلا حينما سمعت صوت الجرافة ،وهي تستعد لرمينا في نفس الحفرة..غروري لم يسمح لي أن أتقبل فكرة تواجدي مع أعداء الله ..لكن كيف ستأكل النار أجسادهم وأنا معهم ،كيف سيضرب على رؤوسهم بمطرقة من حديد دون أن تنفلت ضربة نحو رأسي ...
كنت أنتظر موعد الإحتفاء بي ،ونقلي الى قبر منفرد "روضة" لكن الوقت طال ..ولم يحضر أحد ،بدأت انزعج من ابتساماتهم ، وهدوئهم المريب..
هل كذب شيخي علي ،أم أن الزمن عندنا ليس كالزمن عندهم؟؟!..
روائح الجيفة ملأت القبر ،حتى التربة بدأت تنبث دودا بجميع الألوان ، الجميع بدأ يتحلل ، وأصبح أجسادنا كتلة واحدة منصهرة فيما بينها،قلب هذا مع كبد ذاك لحمي بدأ يتفتت ويندمج مع عضام صديقي صاحب الخلاص ، كأننا داخل طنجرة واحدة، لكن إلى متى ...
انقطع الكلام داخل الحفرة ، بدأنا نسمع فقط ضجيج الحياة فوقنا ،كلاب تنبح،رجل يتبول فوق القبر ، وطفل يقفز فوق رؤوسنا ويلهو...
نحن صامتون لأننا بدأنا نفهم بعضنا البعض لأول مرة ..



#سلوى_لإدريسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعزوفة المحرمة على النساء
- بدون موعد
- القديسة ومصاص الدماء
- النملة القائد
- أحلام الفتى الطائش
- أين تختبئ الشمس
- أزقة لا ترحم
- ضريبة شمس
- حقوق العلكة
- ألهاربة
- عطا
- مقابر متنقلة
- العمياء
- أدب الرسائل
- امرأة من مطر
- رجل ينقصه الطمع


المزيد.....




- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...
- المخرج التونسي محمد علي النهدي يخوض -معركة الحياة- في -الجول ...
- سقوط الرواية الطائفية في جريمة زيدل بحمص.. ما الحقيقة؟
- منى زكي تعلّق على الآراء المتباينة حول الإعلان الترويجي لفيل ...
- ما المشاكل الفنية التي تواجهها شركة إيرباص؟
- المغرب : مهرجان مراكش الدولي للسينما يستهل فعالياته في نسخته ...
- تكريم مستحق لراوية المغربية في خامس أيام مهرجان مراكش
- -فاطنة.. امرأة اسمها رشيد- في عرضه الأول بمهرجان الفيلم في م ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى لإدريسي - موت بدون فاتحة