أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى لإدريسي - أزقة لا ترحم














المزيد.....

أزقة لا ترحم


سلوى لإدريسي

الحوار المتمدن-العدد: 7375 - 2022 / 9 / 18 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة : أزقة لا ترحم

داخل الزقاق الضيق ، الواقف كتل ،يصعب على المارة المرور من خلاله إلا بالإستعانة بأحد الدواب ،وصولا إلى البوابة النحاسية الكبيرة التي تطل على ساحة واسعة، يتجمع فيها النحاسون الذين يصنعون الصواني والأباريق وبعض الأواني المنزلية المنقوشة بزخارف تقليدية..
يقف أسفل الزقاق هو و فرسه ،ينظر إلى ذلك العلو ، الذي ستمر منه الفرس المحملة ببرميلين من الحليب ، تتمايل بهما كلما تحركت..

نظر الرجل إليها وعلامات الأسى بادية على وجهه ،كيف سيدفع بهذه الروح البريئة نحو الهلاك وبطنها منتفخ جدا ،ولا يدري في أي وقت قد تلد..

بدأ يمرر يديه على وجهها ، وهي تنظر إليه نظرة استغاثة ، كأنها تتوسله تخفيف الحمل عليها ، وتركها وشأنها ،تركن إلى زاوية مظلمة تدفن فيها ألمها الأبكم..

لكن هيهات ..!
للرجل مسؤوليات كبيرة ، عليه توزيع الحليب على النحاسين ، والتجار في الأزقة المجاورة ، والعودة إلى قريته في نفس اليوم يحمل في الشوال ،سكرا وعلب الشاي وبعض قطع الصابون ،لأهل بيته الذين ينتظرون قدومه .

ضربها على مؤخرتها بسوط من الجلد صنعه بنفسه ، يلجأ إليه كلما استصعب عليها المضي نحو الأعلى، ضربها للمرة الثانية في نفس المكان ثم الثالثة ثم الرابعة ،دون أن تتزحزح من مكانها ، ووليدها يرفس برجليه داخل بطنها ،يكاد يمزق جلدها

تعجب الرجل منها وثار غضبا ، بدأ يركلها بقدميه ، لتستسلم أخيرا ..
تجر حوافرها بصعوبة ،كأنها تحمل جبالا فوق ضهرها ، وركبتيها الأماميتان مثنيتان ،تكاد تسقط على الأرض ، لاحظ الرجل ميل براميل الحليب باتجاهه ، وشعر بثقلهما وهو يدفعها ،باتجاه الأعلى ...وماهي إلا لحظات حتى سقطت الفرس والبراميل على الأرض ، وسال الحليب ومعه كيس الحمل ، أختلط بياض الحليب بحمرة دماء الولادة ، وجرى كل شيء نحو الأسفل محدثا بركة زهرية اللون..
صاح الرجل :الله أكبر ...الله أكبر
الفرس تلد
ناسيا ضياع مصدر دخله الوحيد..
بدأ يطرق أبواب المنازل المكومة على طول ذاك الارتفاع كأنها تتكئ على بعضها البعض..
يطرق هنا وهناك بعشوائية..

بدأت النوافذ الصغيرة لتلك البيوت تفتح ، لايظهر أحد من سكانها ، إلا بعض النساء اللواتي تشجعن لرؤية الطارق لكن لا يظهر منهن سوى العينان ،ملثمات بخرق بيضاء ...
نطقت إحداهن ، إضغط على بطنها يا عم ، كي تساعدها
سأرسل لك بعض الماء

خرج من منزلها طفل صغير يحمل دلوا بين يديه ، والمرأة خلف الباب تظهر وتختفي ، لشدة استحيائها، حمل الرجل السطل وأفرغ نصفه على مكان الولادة ،ثم انتقل إلى بطنها وبدأ يضغط بكلتا يديه ، ووجهه يتصبب عرقا ،يضغط ويضغط مرة بيديه ومرة برجليه..والعيون تراقب في صمت من خلال شقوق النوافذ..
والفرس المسكينة أخرجت لسانها كأنها تلهث ، وعينيها جاحضتان تكادان تخرجان من محجرهما...

الوقت يمر والرجل الحائر بين الضغط وإفراغ المياه، يكاد يغمى عليه من كثرة التعب ، خطواته المتثاقلة ويديه المرتعشتين توضحان ذلك،
بدأت الفرس تصدر صوت أنين خافت، انتبه الرجل إليها وحمل بين يديه دلو الماء وأفرغ ما تبقى منه داخل فمها ...
ثم جثى على ركبتيه بجانب رأسها
في تلك الأثناء تعالت أصوات الزغاريد من النوافذ ، وبدأت النساء تصحن :الحمد لله ولدت ،كل واحدة منهن تمرر تلك الجملة لجارتها إلى أن وصل الخبر للمنزل المترامي في قمة الزقاق
نظر الرجل إلى المهر الصغير الملقى على الأرض وبدأ يحمد الله وينظر للأعلى كأنه يشكر النساء على دعمهن له..
ثم انتبه إلى الفرس فوجدها جثة هامدة لا تحرك ساكنا ، لسانها ممدد على الأرض ، يكاد يخرج من حلقها ...
تحولت الزغاريد إلى نحيب، وبكاء ، وصاحبة السطل أقفلت بابها والتحقت بجاراتها خلف النافذة ، تشاركهن الحزن ،والمهر الصغير يحاول الوقوف بأقدامه النحيلة و المرتعشة

حمل الرجل المهر بين يديه ، وسار به صعودا نحو الأعلى ، كلما اقترب من القمة ، تتعالى أصوات التجار والحرفيين

فيتملكه شعور بالديق واليأس ..كارها المكان والزمان..
يقترب من البوابة الكبيرة ، فتبدأ أصواته تعلو بالتهاني والتبريكات على ما يحمله بين يديه ، غير آبهين بوجهه المظلم كأنه قطعة ليل من كثرة الحزن..
انتبه الرجل لقوارير الحليب الموضوعة أمام عتبات الدكاكين ، فازداد ألمه الضعفين ، عندما تراءى له صاحب الحصان وسط الساحة يقهقه مع الباعة، وقد باع ما في شواله من حليب ، اقترب الرجل من صاحب الحصان، ومد يده نحوه ،واضعا المهر الأنثى بين يديه، ثم غادر مطأطا الرأس، منكسر الجناح ، في تلك اللحظة تعال صوت الآذان ، فاهتزت لذلك الصوت جوارح القروي، فغير وجهته نحو الزقاق، يتبعه بعض الرجال ، ليحملوا معه الفرس نحو مقبرة الشهداء .. القريبة من الأزقة التي لا ترحم



#سلوى_لإدريسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضريبة شمس
- حقوق العلكة
- ألهاربة
- عطا
- مقابر متنقلة
- العمياء
- أدب الرسائل
- امرأة من مطر
- رجل ينقصه الطمع


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلوى لإدريسي - أزقة لا ترحم