أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - المسافر على جبل الجليد…














المزيد.....

المسافر على جبل الجليد…


ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 7650 - 2023 / 6 / 22 - 14:31
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة..


مرت طوالا على تقاعده من الخدمة الحكومية ثلاث سنوات عجاف، لم يستغلها قط في شيء نافع أو ممتع رغم ما له من أجر شهري مريح وبضعة آلاف من الدراهم وفرها على طول عمره الوظيفي. أقصى ما كان يقوم به هو التمدد على ظهره لساعات طوال ومغالبة آلام التهاب مفاصله بتقليب شاشة هاتفه الذكي في ارتحال مكرور بين هرطقات المؤثرين وقصاصات الأخبار والمغامرات الطائشة على اليوتيوب، والرد على سباب المعلقين في احتدام صراع دونكيشوتي عربي.
التهاب المفاصل الذي أصابه بالتدريج منذ عقده الخامس يظهر أثره جليا على استحالة استقامة أنامل يده وأصابع قدمه وحوض وركه رغم كل المراهم والعقاقير والحقن التي كتبها له أطباء من كل التخصصات المفصلية والعصبية. وكل ما بقي له أن يداري به بعض الألم هي كمادات الماء المتجمد. ولكم أن تتخيلوا حدة لسعاتها في الأيام الباردة. وأغرب أسباب هذا الداء الذي أفرد فيه الأطباء فصل الخطاب ما قاله له طبيب مختص في الأوتار العصبية، إذ أرجع سبب العلة إلى الاستعمال المفرط للأصابع في الإدمان على التنقيب المتشنج في ثقبتي الأنف لاستئصال ما بهما من مخاط متصلب.
بينما كان يقلب شاشة هاتفه الصغيرة، شده خبر جنوح جبل جليدي في حجم ملعب كرة قدم عن محيطه المتجمد وتوجهه نزولا إلى جنوب القطب الشمالي وقد يصل للسواحل الأطلسية على حواف طنجة خلال فترة تتراوح من شهر إلى شهرين إذا لم تتغير الظروف البحرية الحالية.
عنت في ذهنه فكرة أغرب من الخيال إذ رأى نفسه يركب ظهر الجبل الجليدي في رحلة أزلية لما تبقى له من عمر. وسيتقلب طوال اليوم شبه عار على ظهر الجبل المتجمد إلى أقصى الآماد حيث ستنتهي به الرحلة إلى التخلص الكلي من آلامه المزمنة. وأكيد ستشغل الرحلة بال الناس في العالمين إذ سيجعل مركبه الجليدي متصلا بشبكة النت العالمية وعبرها سيبث روتين رحلته على المباشر. وبذلك سيضمن أُنسة في السفر وتمويلا غير مباشر.
في غده استجمع كل قواه وتوجه للمصلحة الحكومية المكلفة بتدبير شؤون البحر. وبعد شد وجذب لعدة أيام، اقتنع ألا يمكنه تحصيل أي ترخيص رسمي لخوض غمار البحر في رحلة محفوفة بكل أنواع الهلاك. وما بقي أمامه إلا أن يسلك طرقا أخرى لركوب الجبل الجليدي الذي يبدو وحسب آخر الأخبار أنه تجاوز بسلام خلجان المملكة المتحدة ومحيطها الصخري الحاد في نزوله نحو بحار أفريقيا.
في مساء قريب، توجه نحو شواطئ التهريب والهجرة، لملاقاة ملاح متمرس على خوض مضيق جبل طارق في حلك الليالي وعتي هيجان البحر. ولأن المهربين لا يأمنون ظلالهم، تحدث إليه الخارج عن القانون أولا من وراء حجب الظلام، وبعدما استأنس فيه ضربا من الجنون الممزوج بالمغامرة والأمل، قرر أن يجادله عن قرب عن ثمن حمله على قارب متخفي لاعتراض جبل الجليد حيث ستبدأ رحلة الشفاء على بحر الظلمات وتحت رحمة التيارات البحرية والهوائية التي سيترك لها عنان مراسيه.
ولأن المهرب له علاقات متشعبة بكل أنواع البشر، رسميين وخارجين عن القانون، فكان من السهل عليه معرفة المكان الذي وصل إليه جبل الثلج اعتمادا على صور أقمار صناعية تسرب إليه بمقابل خدمات أخرى.
بعد أيام قليلة رن هاتف المتقاعد معلنا عن موعد الإبحار، حمل زاده الكبير وتوجه في عمق الليل نحو الأحراش البحرية حيث تتوارى يخوت المهربين.
بعد ساعات من الإبحار غربا تجاه المياه الدولية، عنت للمبحرين في أقصى الأفق الغربي تحت شمس الشروق الملقمة برياح متقلبة قائظة نقطة بيضاء تمخر البحر وتسر الناظرين. توجهوا إليها متسارعين ولكنها كانت أقرب مسافة إليهم عكس ما ظنوه أولا… اشتدت خيبتهم حين وجدوا الجبل استحال إلى مجرد لوح جليدي صغير بعد انصهاره بلفحات ريح الجنوب الحارقة…
*كاتب من المغرب



#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤامرة الكلاب...
- ليل الرجوع…
- الفريق...
- لماذا نشيخ؟...
- المشي على رِجل واحدة...
- طريق المساء...
- دارة الضِّليل...
- لا شيء في الأفق...
- تحجير...
- جفاف الركوات:
- غبش المساء...
- المصعد ..
- الشيح والريح...
- وجه العبثية وقفاها...
- بوصلة السراب...
- الإسكافي التائه...
- أُكتب لِتكنْ...
- فراغ...
- وحدةٌ لا تندثر ...
- زمن التلاشي 2...


المزيد.....




- مدينة الورود بالجزائر تحيي تقاليدها القديمة بتنظيم معرض الزه ...
- تداول أنباء عن زواج فنانة لبنانية من ممثل مصري (فيديو)
- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - المسافر على جبل الجليد…