أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سعيد مضيه - البيداغوجيا النقدية في عصر السياسات الفاشية















المزيد.....

البيداغوجيا النقدية في عصر السياسات الفاشية


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7645 - 2023 / 6 / 17 - 12:24
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لا يتوقف الأكاديمي الأميركي، هنري غيروكس، عن التحذير من أخطار الفاشية على الثقافة والتعليم ، والإهابة بالمثقفين وجميع انصار الديمقراطية بان يتعاملوا مع التربية قضية سياسية بامتياز؛ فالتربية محور الصراع الاجتماعي في الوقت الراهن، ذلك أن الصراع يدور لكسب وعي البشروالتحكم في ردرود افعالهم ومعاييرهم والقيم الموجهة للسلوك.
يتناول الباحث البيداغوجيا ، وهي الوسائل والأساليب المعتمدة في التعليم ، مثل التعليم التلقيني والعنف المدرسي ونهج الأوامرية والعقوبات المستعملة ضد الطلبة فهذه يعتبرها غيروكس بيداغوجيا لنظم القمع والاستبداد، تمهد الطريق للفاشية كنظام سياسي. مقابل هذه البيداغوجيا يقدم الباحث بيداغوجيا نقدية وتعليم حواري.

في هذا البحث المتعمق يعرض الأكاديمي أزمة الديمقراطية في الولايات المتحدة مقرونة بازمة التعليم العام والعالي، يفاقمها هجوم الفاشية، كما هو جار بصورة متعمدة ومنهجية في الولايات التي يحكمها جمهوريون. يجري بالولايات المتحدة إرساء ظواهر فاشية في التعليم المدرسي والجامعي وفي السياسة والقضاء والثقافة والإعلام والجوانب الأخرى من الحياة الاجتماعية. ولا يتبقى غيران يفوز الفاشيون بالأغلبية في الانتخابات كي يباشروا بإدارة نظام فاشي مكتمل الأركان. وحيث ان الديمقراطية تتطلب جماهير مطلعة وواعية فإنه يحذر من أن "النشاط السياسي يفقد إمكاناته التحريرية إن هو عجز عن تقديم الشروط التعليمية لتمكين الطلبة وغيرهم من التفكير في المجهول، والتحقق من ذواتهم أفرادا مطلعين نقديين ومنخرطين بالعمل. فلا وجود لنشاط سياسي للتحرير بدون بيداغوجيا قادرة على إيقاظ الوعي وتحدي الإدراك العام وإبداع انماط للتحليل يكتشف الناس من خلالها لحظة إدراك تمكنهم من إعادة التفكير بالظروف التي تشكل حيواتهم".
البلدان العربية تخضع حاليا لنظم حكم أشبه بالفاشية، ثبتت نظما تعليمية باتت تقليدية بتعاقب العقود، وظيفتها تخريج أجيال لا تنتمي لوطن او مجتمع، نفس النمط الذي يدأب الفاشيون بالولايات المتحدة ودول اخرى على الحط من نظمهم التعليمية ليبلغ مستواه . فكل ما ترمي اليه قوى الفاشية بالولايات المتحدة سياسيا وتربويا وثقافيا ويحذر من أخطاره البروفيسور هنري غيروكس قائم وطيد الأركان في مجتمعاتنا العربية. قسم البحث الى أجزاء ثلاث كي يمكن التمعن في القراءة واستيعاب مقصد الباحث المتمر في شئون التربية والتعليم.


أشباح الفاشية

معنا من جديد الظل الطويل للفاشية المحلية ، في اميركا الشمالية والعالم كله يهل على شكل تطهير ثقافي وعنصري؛ شاهد المربون أشباح الفاشية من قبل في تصرفات الكولنيالية المتوحشة ومصادرة الملكيات، في عصر عبودية يتميز بشراسة السياط والقيود بالرقاب، وفي عصر جيم كراو ( الدعوات لعزل السود والتمييز ضدهم) وبصورة اوضح في الرعب الاستعراضي والاغتيال بأسلوب اللنش( تعليق الأسود بأقرب عمود او شجرة). وعلى المدى الأقرب شاهدنا التصرفات الفاشية للإرهاب في سياسات الاختفاء القسري والتطهير العرقي الذي مارسه كل من ادولف هتلر وبينوشيه في تشيلي وغيرهما. وفي كل حالة قدم لنا التاريخ تصورا لما سيكون عليه نهاية البشرية . ومع ذلك فدروس التاريخ بلغتها ، لغة الكراهية ، وآليات التعذيب ، ومعسكرات الموت وعنف الاغتيالات كاداة سياسية يجري في الأغلب تجاهلها .
مُثُل الديمقراطية ووعودها في تراجع مع اليمينيين المتطرفين يبعقون حياة جديدة في ماضي الفاشية؛ يصح هذا بشكل خاص مع تحول التعليم شيئا فشيئا أداة للهيمنة ، ومع اخضاع الأجهزة البيداغوجية اليمينية للمقاولين كارهي الشغيلة والفقراء والملونين والمتحولين جنسيا والمهاجرين من الجنوب وغيرهم ممن باتوا يعتبرون فضلات بشرية ، وينظمون الهجمات ضدهم.إن التصدي للحركة الفاشية المضادة للثورة يتطلب إدخال لغة جديدة وبناء حركة اجتماعية جماهيرية ، لكي نقيم فضاءات لتعزيز التعليم والعدالة والأنشطة السياسية والثقافة والسلطة التي تتحدى النظم القائمة لتفوق البيض العرقي وقومية العرق الأبيض والجهل المصطنع والأمية المدنية والاضطهاد الاقتصادي.

النيوليبرالية النهابة على المسرح

في هذا الزمن نعيش في عالم أشبه برواية المدينة الفاسدة ( دستوبية). سمة عالمنا الأزمات الجديدة وتسعير التناقضات القديمة. منذ أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي شنت حرب من قبل شكل جديد للراسمالية ، اوما بات يدعى الليبرالية الجديدة، على دولة الرفاه والصالح العام والعقد الاجتماعي. تصر الليبرالية الجديدة على ان السوق يجب أن لا يتحكم بالاقتصاد فقط ، إنما بجميع نواحي الحياة الاجتماعية.إنه يركز الثروة بايدي النخب المالية ويرفع بلا كوابح المصالح الخاصة وكذلك دعم الذات وفوضى الاقتصاد والخصخصة لكي تكون المبادئ الحاكمة للمجتمع. في ظل الليبرالية الجديدة كل شيء يعرض للبيع؛ وتحت الاستهلاكية الإمكانية الوحيدة المتوفرة هي الالتزام بالسوق ، والعلاقة الوحيدة ذات الأهمية تتنمذج حسب أشكال التبادل التجاري. في ذات الوقت تتجاهل الليبرالية الجديدة الحاجات الإنسانية الأساس ، مثل الرعاية الصحيةالشاملة ، الأمن الغذائي ، أجور عادلة ، والتعليم بنوعية لائقة. علاوة على ما تقدم تستهين الليبرالية الجديدة بحقوق الإنسان وتفرض ثقافة القسوة على الصغار والملونين والنسساء والمهاجرين وكل من يعتبرون فضلات بشرية.
ترى الليبرالية الجديدة في الحكومة عدو السوق- ما عدا عندما تحول السوق المنافع الى الشركات الثرية ، وتحدد المجتمع في إطار الأسرة والأفراد.، تتبنى مذهب المتعة الشائع وتتحدى فكرة الصالح العام؛ في ظل الليبرالية الجديدة ينهار العام ويستبدل بقضايا شخصية وعلاج طبيعي، مضفيا على جميع المسائل طابعا مكرسا للمسئولية الفردية، ومن ثم يجعل من المستحيل تقريبا على الأفراد ترجمة الهموم الخاصة الى اعتـبارات منهجية أوسع. هذا التركيز المبالغ فيه على المسئولية الشخصية يبعد الناس عن السياسة عن طريق عدم تقديم لغة لمقاربة القضايا التركيبية الأوسع مثل الدعوة من اجل أشغال افضل ومدارس أفضل وحياة اكثر أمنا ، تعليم مجاني ، وأجور شاملة أ كقاعدة، من بين امور أخرى. كما انه يركز على لغة العواطف والانشغال بالذات متيحا نوعا من البرود الأخلاقي ولامبالاة تجاه النضالات الديمقراطية الأوسع من أجل إصلاحات تطال الجنس والجندر والاقتصاد. يضاف لذلك في ظل الليبرالية الجديدة تنفصل الأنشطة الاقتصادية عن التكاليف الاجتماعية ، وبذلك تفصم أي إحساس بالمسئولية الاجتماعية في الوقت الذي غدت في السياسات المولدة للعنصرية المنهجية والدمار البيئي والعسكرة واللامساواة الصادمة خواص ملازمة للحياة اليومية والأنماط القائمة للحكم... [كما لا حظ بيرني ساندرز ، هذا بعيد عن الأخلاق ان يمتلك ثلاثة أشخاق بالقمة من الثروة أكثر من نصف الأميركيين بالدرجة السفلى ،أي 165 مليون اميركي.. فذلك غير اخلاقي ، وغير صحيح؛ وليس ذلك ما يتوجب وجوده في مجتمع ديمقراطي].
واضح أنه توجد ضرورة لطرح أسئلة أساس حول دور التعليم في زمن الطغيان الوشيك، او لنطرح الأمر بطريقة مغايرة، ما هي التزامات التعليم تجاه الديمقراطية بالذات؟ بمعنى كيف بمقدور التعليم العمل من أجل إعادة تأهيل فكرة الديمقراطية ، حيث امور العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة تغدو خواص اساسية للتعليم لكي تعيش في المجتمع.
في اللحظة التاريخية الراهنة بات الحكم السلطوي أشد خطرا من ذي قبل – حكم بات التعليم فيه يقوم بدور جديد في عصر الفاشية المتفوقة؛ المشروع التسلطي واضح بشكل خاص في الولايات المتحدة ، حيث حكام ولايات من اليمين المتطرف أقروا سلسلة من سياسات التعليم الرجعية تتراوح ما بين منع المعلمين من ذكرنظرية العرق النقدية والقضايا المتعلقة بالتوجهات الجنسية الى إجبار المربين التوقيع على قسم الولاء، عرض برامجهم الدراسية على النيت، الغاء الفترات والسماح للطلبة التصوير السينمائي لصفوفهم، وأمور كثيرة أخرى. تلاحظ جود ليغوم[ صحفية ومحامية اميركية من مواليد 1978] ، بصدد منع الكتب أن" النشطاء اليمينيين يسعون عبر البلاد لمنع آلاف الكتب من المدارس وغيرها من المكتبات العامة. غالبا ما يزعم دعاة الحظر انهم يتصرفون حماية للأطفال من الانحرافات الجنسية؛ غير أن الحظر يستهدف بصورة دائمة الكتب ’ التي الفها السود او تتحدث عنهم ، والعديد من الكتب الموصوفة بالانحراف الجنسي هي بالفعل روايات على درجة عالية من الإطراء ". سياسات تعكس صدى الماضي الفاشي ، حيث منع الكتب أدى في نهاية المطاف الى وضع المعارضة بالسجون واختفاء الأشخاص –تأكيد من الكاتب..
لا تقتصر الهجمات على كتب وأفكار معينة حيال المربين والفئات الدنيا طبقيا وملونين، فاليمين المتطرف يوجه هجماته أيضا حربا ضارية على مجرد القدرة على التفكير ، والتساؤل والانشغال بالسياسة من منطلق كونها نقدية ، مطلعة وراغبة في الانخراط بثقافة التساؤل. وبتعميم اوسع انها جزء من جهود منسقة لتدمير التعليم العام والعالي وجميع أسس الثقافة المدنية والمهارة السياسية. في ظل حكم وية البازغة يبذل المتطرفون السياسيون محاولاتهم لتحويل التعليم الى مجال لقتل التخييل.، مكان تلغى فيه الأفكار المهيجة ، وحيث الكلية والطلبة يعاقبون من خلال التهديد بالقوة أو اتخاذ إجراءات تنظيمية قاسية ضد إعلان المعارضة أو الانخراط في شئونها وكذلك اعتبار السلطة مسئولة.
في هذه الحالة تترافق محاولة تقويض التعليم العام والتعليم العالي كمصلحة عامة ومجالات ديمقراطية عامة مع محاولة منهجية لتدمير الفكرة التي تقول انها مصالح عامة ديمقراطية وحيوية.المدارس التي ترى نفسها مجالات عامة ديمقراطية يجري الآن التقليل من أهميتها وقيمتها بجهود السياسيين من اليمين المتطرف للحزب الجمهوري وحلفائهم ، حيث يصفونها ب "مصانع الاشتراكية" ، "مدارس الحكومة" ، و"قلاع الفكر اليساري".
في الحقيقة، وكما لاحظ جوناثان تشيت[ محلل سياسي يكتب في نيويورك]ما يقوله اليمينيون المتطرفون في الحزب الجمهوري حول المدرسة الأميركية يعكس حقبة من التاريخ حيث الأنظمة الفاشية استعانت بلغة شبيهة متجذرة في خطابات المكارثية في الحرب الباردة. مثال ذلك ان "سيناتورفلوريدا، ماركو روبيو، وصف المدارس " جورة نفايات الأدلجة الماركسية"؛ اما وزير الخارجية السابق ، مايك بومبيو، فيزعم ان اتحادات " المعلمين والقذارة التي يلقنونها لأطفالنا ،سوف تخسف هذه الجمهورية ". و قال دونالد ترمب ان " الشيوعيين ذوي الشعر الزهري يعلمون أطفالنا "، وان " المعتوهين والمجانين الماركسيين" يديرو ن التعليم العالي . وصرح حاكم ولاية فلوريدا، الجمهوري دي سانتيس، من شاشة فوكس نيوزأنه اذا فاز بالرئاسة في الانتخابات القادمة سوف "...يدمر اليسارية في البلاد ويقذف أيديولوجيا النهوض في مزبلة التاريخ."
هذا خطاب أكثر من مناهض للديمقراطية وتسلطي؛ فهو أيضا يشكل سياست سامة حيث التعليم يجري تحويره شيئا فشيئا حيزا ينعش الاضطهاد ، والعنف ويستخدم سلاحا كاداة للرقابة وأدلجة الدولة وصالة إقصاء.؛ غدت الأمثلة عديدة جدا يصعب حصرها ؛ قائمة قصيرة من شانها ان تضم مديرية مدارس بفلوريدا تحظر رواية آني فرانك ديري ، وطرد مديرة مدرسة في فلوريدا اطلعت التلاميذ على لوحة ’ ديفيد‘ لميخائيل أنجيلو ،إصدار كتاب مدرسي شطب منه أي تلميح للعنصرية حين رفضت روزا بارك عام 1955 ترك مقعدها في الباص بمدينة مونتغمري بولاية الاباما . تسوء وتبدو مطورة كل يوم يمر .

فريري وضع التعليم في مركز النشاط السياسي وظهور سياسات الفلشية

من الصعب تخيل لحظة أشد إلحاحا لتناول محاولات باولو فريري بجدية لوضع التعليم في مركز السياسة ؛ موضع الخطر بنظر فريري كانت فكرة ان التعليم مفهوم اجتماعي ، متجذرة في هدف تحرير الجميع . يضاف لهذا ان رؤيته للتعليم شجعت الكرامة الإنسانية ، لم تكتف بتمكين الناس بأن يفكروا نقديا فقط ، إنما اشركت في ذلك الأفراد والهيئات الاجتماعية. على غرار جون ديوي ، اقر مشروع فريري السياسي ان لا ديمقراطية بدون مواطنين مطلعين وباحثين عن المعرفة. واليوم باتت هذه الرؤية أساسية في خلق الظروف لاجتراح مقاومة أممية جماعية بين المربين والشباب والفنانين وغيرهم من شغيلة الثقافة دفاعا عن الصالح العام ، إن لم يكن عن الديمقراطية بالذات .حركة كهذه هامة للمقاومة والتغلب على كوابيس الفاشية والطغيان التي تعربش بالولايات المتحدة وإيطاليا وهنغاريا والهند وعدد من البلدان الأخرى موبوءة بحركات شعبوية يمينية وبالميليشيات اليمينة المتطرفة مثال "الأولاد الفخورون" وأحزاب نازية جديدة.
يافطات تحول اميركا باتجاه الفكرة الفاشية عن التعليم موجودة في كل مكان؛ الطلبة المتحولون جنسيا عرضة للهجمات، وتاريخهم مشطوب من المناهج المدرسية ويزداد تجريم من يترعون لصناديق رعايتهم؛ يجري إعادة كتابة تاريخ الأميركيين من أصل إفريقي ، بينما يطرد من الوظائف المدرسون والكليات والمشرفون على المكتبات ممن يعارضون أو يرفضون هذا النص الفاشي أو تتم شيطنتهم ويتعرضون في نفس الحالات لتهم جرمية. يعكس هجوم مقذع ضد المتحولين جنسيا تلك الهجمات التي وجهت في السنوات الأولى من الرايخ الثالث، يشن السياسيون من اليمين المتطرف ودعاة تفوق البيض العنصريون حملات شرسة ضد الشباب المتحولين ومدرسيهم ممن تجري معاملتهم حاليا مارقين اجتماعيا ، وتوجه الشتائم لأنصارهم ويعتبرون مثل ممارسي الجنس مع القاصرات ومربيات.
يظهر خطر السلطوية المتنامي كذلك في ظهور ثقافة مناهضة للعلم تزدري اي فكرة للتعليم النقدي؛ وما كان ذات يوم خارج إطار التفكير يتعلق بالهجوم على التعليم بات اليوم أمرا معتادا؛ حاليا يمتدح الجهل كفضيلة وتفوق البيض والقومية المسيحية البيضاء باتت حاليا المبادئ التنظيمية للحكم وللتعليم في عدد من الولايات الأميركية وفي عدد من الأقطار بالعالم.
ان هذا الهجوم اليميني على الديمقراطية ازمة لا يجوز السماح لها ان تتحول الى كارثة يضيع معها كل امل. وهذا يشير الى تصور التعليم مفهوما سياسيا متجذرا في هدف تعزيز قوة الشعب وتحريره بمجموعه، خصوصا إذا لم نرد إسقاط دور التعليم كمجال ديمقراطي عام. وهذه ممارسة بيداغوجية تدعو الطلبة لتجاوز أنفسهم ، ويعتنقوا الضرورة الأخلاقية لأن يعتنوا بالآخرين ، ويعتنقوا الذاكرة التاريخية، والعمل من اجل تفكيك تراكيب الهيمنة ويتحولوا الى موضوع للتاريخ والنشاط السياسي والسلطة . إذا اراد المربون تطوير أنشطة سياسية بمقدورها إيقاظ الأحاسيس النقدية والتخييلية والتاريخية للطلبة فمن الأمور الحيوية الملحة ممارسة التعليم مشروعا لتعزيز القدرات الفردية والجماعية- مشروعا يقوم على قاعدة البحث عن الحقيقة وتوسيع نطاق التخييل المدني وممارسة الحرية.
تبدأ الفاشية نشاطها بلغة الكراهية ، وكما لا حظ ثوم هارتمان[صحفي وكاتب ومؤلف أمريكي، ولد في 7 مايو 1951 في غراند رابيدز في الولايات المتحدة]. ، قبل ان تمسك الفاشية بكامل السلطة في بلد ما يجب اولا ان تكون موضع قبول الناس كنظام "وطني"للحكم ، تمثل إرادة أغلبية الشعب؛ ولهذا السبب تضحّي الفاشية بالأقليات أولا... قبل ان تحصل على السلطة الكافية لإخضاع الأمة ذاتها". ضد هذا التحذير من المهم لنا كمربين ملاحظة ان المرحلة الراهنة يميزها بروز آلات ثلم الخيال تنتج الجهل المصنوع وتنشر الأكاذيب على مستوى غير مسبوق، تمنح السلطوية حياة جديدة. وكما يلاحظ المؤرخ فيديركو فبتشيلستاين[ مؤرخ ارجنتيني رئيس قسم التاريخ بالمدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية ومدير برنامج جاني في دراسات ّأمريكا اللاتينية] من الضروري جدا ان نستذكر ان " احد الدروس الأساس لتاريخ الفاشية هو الكذب العنصري أفضى الى العنف السياسي الشرس" . نحن نعيش في زمن غدا ما لم يفكر به أمر معتادا بحيث ان كل ما يقال وكل ما يهم الناس لا يقال. يضاف لذلك ان الحط من قيمة الحقيقة وإفراغ اللغة يجعل من الصعب تمييز الصالح من الشرير والعدالة من الظلم ؛ وفي ظل هذه الظروف يفقد الجمهور الأميركي بسرعة نحو اللغة والأخلاق التي تتحدى الآليات ابسياسية والعنصرية للقسوة وعنف الدولة والإقصاء الهادف.
للتعليم ، بشكليه المؤسسي والرمزي ، دور حيوي يلعبه في مكافحة تزييف التاريخ المتجدد ، عنصرية تفوق البيض، السلفية الدينية، العسكرية المتسارعة والقومية المتطرفة؛ إذ تنشر الحركات اليمينية المتطرفة في أنحاء العالم صورا للماضي تتسم بالتطرف القومي العنصري يغدو من الجوهري إعادة تأهيل التعليم كأحد أشكال الوعي التاريخي وحراسة المعنويات؛ يصح هذا بوجه خاص في زمن حين تغدو الذاكرة التاريخية والاجتماعية ماض قومي ، وحين يجري تطبيع السياسات السلطوية تعظم بالجهل والخوف واضطهاد المعارضة والكراهية .ان دمج السلطة والتكنولوجيا الرقمية الجديدة والحياة اليومية لم تغير الزمان والمكان فقط، بل وسعت أيضا نطاق الوصول الى الثقافة كقوة تعليمية . ثقافة الأكاذيب والقسوة والكراهية مدعمة بالخشية من التاريخ وتدفق المعرفة على مدار الساعة ولسبعة أيام كل أسبوع اخذت حاليا تشن الحرب على الوعي بالتاريخ وفترات الانتباه والحذر والشروط الضرورية للتفكير والتأمل والتوصل الى أحكام سليمة.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخازي التلاعب السياسي بالولايات المتحدة
- تراجيديا السياسات الأميركية .. الاستعداد الدائم للحرب
- يوغل الفاشيون في اضطهاد الفلسطينيين! ما وراء الأكمة؟!
- نظم الكولونية الامبريالية مصدر ازمات الشعوب وفي الاشتراكية ا ...
- مانعة الصواعق السياسية بإسرائيل تصعيد التناقضات مع الفلسطيني ...
- نظام الأبارتهايد يتعمق باالمرقبة الإليكترونية الدائمة
- نكبة تتناسل نكبات شكلت نسيج الواقع الكولنيالي الاقتلاعي الصه ...
- إ شكاليات التحديث الثقافي في فلسطين
- تعليم يؤهل لثقافة الفاشية وسياساتها .. تجربة اميركية-
- تهويد الضفة بما فيها القدس ميدان المواجهة الرئيس للمشروع الص ...
- مصير أوروبا -2 على أوروبا استعادة إدارتها الذاتية وتحمل مسئو ...
- مصير أوروبا
- سموتريتش لم يجدد بالصهيونية فكرا ، سياسة أو ثقافة
- عشرون عاما على تصريح بوش -المهمة انتهت-
- الحرب قادمة.. إرفعوا أصواتكم الآن!
- حروب الولايات المتحدة هيأت المناخ الاجتماعي والثقافي للفاشية ...
- حروب الولايات المتحدة بالخارح غذت حربا مستدامة بالداخل وتغذت ...
- دراسات نقدية لإبداعات نبيل عناني– الحلقة الأخيرة
- دراسات نقدية لإبداعات نبيل عناني الفنية (2من3)
- نبيل عناني أبرز مؤسسي الحركة التشكيلية الفلسطينية المعاصرة(1 ...


المزيد.....




- البنتاغون: انتصار روسيا في الصراع الأوكراني سيكلف الولايات ا ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر ملخص عملياته في رفح (فيديو)
- زخارف ذهبية وعرش خشبي.. مقاطع مسربة من -قصر بوتين- تكشف عن ...
- ممثلة إباحية تدلي بشهادتها عن علاقتها الجنسية بترامب في المح ...
- غموض يحيط بمقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر، ما الذي نعرفه عن ...
- محيطات العالم تعاني من -ارتفاع قياسي- في درجات الحرارة هذا ا ...
- بعد أشهر من المماطلة.. اتهامات تطال فون دير لاين بتجاهل وعرق ...
- اتفاق أوروبي على استخدام الأموال الروسية المجمدة لتسليح أوكر ...
- وزير مصري سابق يوضح سبب عدم تحرك جيش بلاده بعد دخول إسرائيل ...
- كيم جونغ أون يودع -سيد العمليات الدعائية- في كوريا الشمالية ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - سعيد مضيه - البيداغوجيا النقدية في عصر السياسات الفاشية