أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آلان م نوري - ما لن يقولوه عن حيدر الشيخ علي…ويجب أن يقال















المزيد.....

ما لن يقولوه عن حيدر الشيخ علي…ويجب أن يقال


آلان م نوري
(Alan M Noory)


الحوار المتمدن-العدد: 7644 - 2023 / 6 / 16 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مرت، قبل أيام، اربعينية الفقيد حيدر الشيخ علي، القيادي البارز في الحزب الشيوعي الكردستاني، و قبل ذلك في الحزب الشيوعي العراقي.

يصعب في مناسبة كهذه، في مجتمع تتفشى فيه اعراف (اذكروا محاسن موتاكم) و تقاليد تأليه القيادات التاريخية و تنزيهها عن أي هفوة إنسانية، الحديث عن أي شيء، غير أمجاد و بطولات الفقيد، وهي كثيرة. وقد ادى هذا الدور الكهنوتي، "على اكمل وجه"رفاقه في قيادة حشك، الذين مع تقزُّم دورهم المستمر في المجتمع الكردستاني، باتوا لا يجدون سوى التغني بالامجاد و البطولات الشخصية من الماضي السحيق، عند مسح الاموات بالزيت المقدس، وسيلة لإثبات وجود تعس، هم مصدر تعاسته. وربما تمادوا في دورهم الكهنوتي الجنائزي هذه المرة، حين أصروا على دفنه في مقبرة خصصت لشهداء الحركة الانصارية الشيوعية حصرا.

لن ادعى معرفة عميقة بحيدر الشيخ علي. ولا اريد أن اكتب لمجرد محاولة كسر تقاليد تأليه الراحلين، ولكني أدعي أني رأيته في لحظة تاريخية كانت حاسمة. سأحاول شرحها هنا. و أدعي أن فشل الراحل في فهمها من جهة و قدرته على تعميم فشله في وجدان و تفكير من حوله، ساهمت في تدهور الديمقراطية الكردستانية الوليدة، كما لم يساهم أحد، أو حدث، لا لجهد خارق للعادة قام به الفقيد، بل لكونه القشة المجازية التي قصمت ظهر بعير الديمقراطية في كردستان، وهو بعير عانى الويلات من التركيبة الإجتماعية التاريخية لقادة "الوعي السياسي" فيها، قبل ويلات عنف الحكومات العراقية المتتالية الإجرامي بحق الشعب المبتلى بقادته.

سأرجع بك، عزيزي القارئ إلى 19 مايس 1992 حيث شهد إقليم كردستان أول انتخابات حرة لسد فراغ إداري أحدثه نظام صدام حسين الذي سحب كل الإدارات الحكومية ومؤسسات الخدمة العامة من إقليم كردستان بعد انتفاضتين شعبيتين متتاليتين في السليمانية والمناطق المحيطة بها في صيف 1991، افشلت هاتين الانتفاضتين مفاوضات سيئة الصيت بين قوى ما كانت تعرف بـ الجبهة الكردستانية و نظام صدام، أنتجت مشاهد التقبيل بين صدام حسين ومسعود البارزاني وجلال الطالباني، و تصريحات مضحكة في الصحافة العراقية عن صدام "حكما و ليس حاكما"... وأثناء المفاوضات كان القيادي الكردي كلما شعر بألم في رأسه يذهب للعلاج إلى بغداد ويرجع شافيا بحقيبة صغيرة من الدولارات هدية من الحكم وليس الحاكم. غضب صدام من عدم قدرة مفاوضيه الكرد على تكميم أفواه المواطنين الكرد و على منعهم من "الإساءة إلى الأجهزة الأمنية العراقية" أثناء الانتفاضتين، فقطع المفاوضات وخلق فراغا إداريا في كردستان اجبر الأمم المتحدة على تنظيم ما أرادت لها أن تكون أول انتخابات حرة في إقليم كردستان لتنظيم إدارة مدنية في الإقليم.

الحزب الشيوعي العراقي الذي كان طرفا في الجبهة الكردستانية تحفظ منذ البداية على المفاوضات بين أطراف الجبهة والحكومة العراقية، لكنه احتفظ بتنسيقه مع القوى المتحالفة معه في الجبهة. شارك أنصار الحزب إلى جانب المنتفضين في السليمانية و كرميان في التصدي للقوى الأمنية ومدرعاتها و دباباتها في شوارع المدن و القصبات المنتفضة. اتهمت القوى المشاركة في المفاوضات الحزب الشيوعي بما اتهمه به صدام في السبعينات في كراسه (خندق واحد، ام خندقان).

بدأنا يوم 19 مايس 1992، و اقليم كردستان العراق كان يتوق إلى دخول نادي الشعوب المتحضرة، التي تستطيع أن تؤسس لنظام حكم ديمقراطي تداولي سلمي و مستدام. بدأ اليوم كعرس حقيقي تطلع للمشاركة فيه كل فئات الشعب. كنت حينها صحفيا، عضوا في هيئة تحرير جريدة ناطقة بإسم منظمة إقليم كردستان للحزب الشيوعي العراقي و بدأت اليوم مبكرا مع طاقم التغطية الإعلامية في الجريدة لتفقد مراكز الإقتراع في مدينة اربيل و التجمعات السكانية القريبة منها. منذ الساعات الأولى و بسرعة تحول العرس الوطني الكردستاني إلى كابوس مفزع. تبين أن الحبر الذي جٌلب لضمان صوت واحد لكل ناخب، قابل للمسح بسهولة بمحلول القاصر المنزلي. تحولت العملية الإنتخابية إلى سيرك تتنافس فيه منظمات الحزبين الكبيرين خصوصا على نقل المصوتين و أواني القاصر المخفف في حافلات كبيرة بين مراكز التصويت ليدلوا بأصواتهم في كل مركز مرات متعددة، وحُرمت آلاف مؤلفة من المصوتين الذين أبوا المشاركة في السيرك من حق التصويت بسبب تدافع من كانت رائحة القاصر تفوح منهم و من ملابسهم.

بحلول عصر ذلك اليوم، تداولت قيادة الحزب الشيوعي الموقف و قررت أن سكرتير الحزب آنذاك، عزيز محمد، سوف يعقد مؤتمرا صحفيا يدعو له وفود المراقبين الدوليين و الصحافة المحلية و العالمية ليعلن فشل العملية فشلا ذريعا و يطالب المنظمة الدولية بتحمل مسؤولية فشلها و بإعادة الإنتخابات بعد توفير المستلزمات الحقيقية لإنجاحها…. هنا تدخل الراحل حيدرالشيخ علي!

كان حيدر وقتها مشرفا على محلية اربيل للحزب الشيوعي، أكبر منظمات الحزب آنذاك. وكانت هذه المنظمة تعيش صراعا علنيا بين كوادره حول الهوية الكردستانية في قبال العراقية، انتماءا و تنظيما. كان فشل الراحل في إدارة و توجيه هذا الصراع، وصار الإطار المفاهيمي للحوار يدور على قاعدة المنتج الفكري القومي البائس المستورد من أدبيات الحزبين الكرديين الكبيرين البارتي واليكيتي. تدخل حيدر الشيخ علي في قرار عقد المؤتمر الصحفي بدعوى أن الحزب الشيوعي العراقي يمحو شخصية منظمة إقليم كردستان التي يجب أن يكون لها القول الفصل في الشأن الكردستاني، وان هذه العملية الإنتخابية بإشراف دولي هي منجز كبير للشعب الكردي بعض النظر عن ارتباطه من قريب أو بعيد بالديمقراطية. لذلك لا يصح للحزب الشيوعي الإساءة إلى صورة هذا العرس الوطني. وحين جوبه بواقع أن العملية أصبحت مهزلة على عينك يا تاجر بسبب الغش العلني، سمعت شخصيا جوابه في ممرات مبنى قيادة محلية اربيل التي كانت تضم مكتب جريدتنا أيضا، سمعته يصرخ بأن الحبر الفاسد خلق فرصة متساوية للجميع بالغش. "هم غشوا ونحن غشينا و نغش و سوف نحقق نتائج باهرة"!!!

نجح حيدر الشيخ علي ومتنفذو محلية اربيل في فرض التراجع عن المؤتمر الصحفي و الصمت على العرس الوطني المسروق، واكتفى الحزب الشيوعي بتوبيخ الحزبين الكبيرين في اجتماع مغلق، نتج عنه تقاسم البرلمان الكردستاني الناشئ بين الحزبين 50/50 و تكرس التقاسم المناطقي بين حزبين قائدين أوحدين، كل في منطقته، اطارا لنظام حكم الإقليم، مع مناصب حكومية لترضية الأحزاب التي سكتت عن جريمة وأد الديمقراطية الكردستانية في مهدها، وخرجت الأحزاب و التنظيمات الأخرى من مولد أول انتخابات بلا حمص و تحولت من معارضة إلى شاهدة زور وظيفة وجودها هو تجميل نظام سياسي لا ينتمي إلى العالم المتحضر في أدنى مفاصله. أما على الصعيد الداخلي، فقد تشظت منظمة إقليم كردستان، وصارت لاحقا حزبا فاقدا لهوية تميزه عن الأحزاب القومية الصغيرة التي تعتاش على فتات نهب الحزبين الحاكمين، منذ أكثر من ثلاثين عاما، للمال العام و للثروة الوطنية. مدير عام هنا وآخر هناك…ووزير واحد وحيد كان هو حيدر الشيخ علي في إحدى كابينات التقاسم الإقطاعي الوزاري بين الحزبين. ورغم أنه كان يقف على أكتاف تراث مشرف لوزراء شيوعيين في التاريخ العراقي، من امثال ابراهيم كبة و مكرم الطالباني، إلا أنه كان بحق عاطلا عن العمل و الفعالية في مكتب كبير بلا أي إنجاز يمكن أن يشير إليه شيوعيو كردستان دليلا على أداء مخالف لماكنة الفساد التي لا زالت تنهش في مؤسسات الخدمة المدنية العامة في إقليم كردستان منذ أكثر من ثلاثين عاما.

بررت قيادة الحزب الشيوعي و منظمة إقليم كردستان دورها في تزوير تاريخ أول انتخابات"حرة" في إقليم كردستان بأنها ساهمت بنزع فتيل حرب طاحنة كانت على وشك الاندلاع بين الحزبين ليلة إعلان النتائج. ولكن حتى هذا التفاخر البائس لم يستمر سوى سنتين و نشبت الحرب الطاحنة التي "درئتها حكمة الشيوعيين بتضحيتهم بمصالح الحزب من أجل السلم الأهلي" رغما عن الشيوعيين.

التاريخ لا يعود إلى الوراء ولا يتيح اختبار احتمالات غير ما جرى. ولكن يحق لنا أن نتسائل ماذا لو فشل حيدر الشيخ علي و معه متنفذي محلية اربيل في تحريف مسار الأحداث ذلك المساء؟ هل كنا نقدر على الضغط بما يكفي لفرض إعادة الإنتخابات انتصارا للنزاهة، شرطا للديمقراطية، و بدورها شرطا للسلم الأهلي؟ و هل كنا في أقل تقدير نحافظ على وجود وهوية يسارية لمعارضة لا تقبل تزوير التاريخ؟ ماذا كان سيكون عليه حال إقليم كردستان لو بقي فيه يسار معارض وفيّ للحقيقة، لل يعتاش على فتات الفساد و نهب المال العام؟

لم يتسبب حيدر الشيخ علي في كل شرور التجربة الكردستانية، ولكنه سلب منا امكانيات بدائل تليق بماضيه المشرف و تضحياته الجسام و بطولاته أمام الجلادين في سجون إيران. لم يكن الفاعل الوحيد ولا الفاعل الأول في ما سردت، لكنه سيظل يتحمل وزر كونه الفراشة التي هزت جناحاها فأثرت بتوازنات قوى اعاصير في سماء كردستان المتلبدة، ودفعنا جميعا ثمن الإعاصير هذه باهضا.



#آلان_م_نوري (هاشتاغ)       Alan_M_Noory#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يتنافس كمبرادوران*: صراع الشد و الجذب على نفط إقليم كردس ...
- عن ال 80% الصحيحة و ال 20% العليلة في عقود إقليم كردستان
- المسألة أكبر من أوكرانيا (3 - 3): عن الدول المختلقة والدول ا ...
- المسألة أكبر من أوكرانيا (2 - 3): -دمقرطة- بدون ديمقراطية
- المسألة اكبر من أوكرانيا (1 - 3): ديمقراطية -الحشد- النازي؟!
- حرب أوكرانيا و كرد -ما بين حانة و مانة-!
- إلى المعتقدين بصدق بقانون النفط والغاز في إقليم كردستان, مع ...
- أوكرانيا و معها العالم بين أمريكا السيئة و بوتين الأسوأ!
- يا لهؤلاء -العراقچيين-!
- تجربتي مع المؤسسة القضائية في إقليم كردستان
- طلاب جامعة السليمانية يكشفون عورة نظام سياسي آيل للسقوط
- مناصرو -حركة التغيير- يلقنون العراقيين درسا في الديمقراطي….أ ...
- كرد العراق في ذكرى استفتاء لم يقصد منه الاستفتاء!
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 3 من 3 )
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 2 من 3 )
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 1 من 3 )
- ليس للرئيس ومستشاريه من يلعب معهم!
- عن الوعي الكردي المضطرب بين اسرائيل و فلسطين
- برلمان ال (10%) أي موازنة انتج؟


المزيد.....




- -زيارة غالية وخطوة عزيزة-.. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان ع ...
- رفح.. أقمار صناعية تكشف لقطات لمدن الخيام قبل وبعد التلويح ب ...
- بيستوريوس: ألمانيا مستعدة للقيام بدور قيادي في التحالف الغرب ...
- دعوات للانفصال عن إسرائيل وتشكيل -دولة الجليل- في ذكرى -يوم ...
- رئيس الأركان الأمريكي السابق: قتلنا الكثير من الأبرياء ولا ي ...
- تفاصيل مثيرة عن -الانتحار الجماعي- لعائلة عراقية في البصرة
- الإيرانيون يعيدون انتخاب المقاعد الشاغرة في البرلمان وخامنئي ...
- السلطات اللبنانية تخطط لترحيل عدد من المساجين السوريين
- هتاف -فلسطين حرة- يطارد مطربة إسرائيلية في مسابقة -يوروفيجن- ...
- الجيش الإسرائيلي ينسف مباني في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آلان م نوري - ما لن يقولوه عن حيدر الشيخ علي…ويجب أن يقال