أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آلان م نوري - المسألة أكبر من أوكرانيا (2 - 3): -دمقرطة- بدون ديمقراطية















المزيد.....

المسألة أكبر من أوكرانيا (2 - 3): -دمقرطة- بدون ديمقراطية


آلان م نوري
(Alan M Noory)


الحوار المتمدن-العدد: 7202 - 2022 / 3 / 26 - 15:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أوضحنا في الجزء الأول أن أوكرانيا تشكو من انتشار نازية جديدة عابرة في ايديولوجيتها وارتباطاتها حدود أوكرانيا. وأن خطورة هذا الإنتشار لا تكمن في الدعم الشعبي الذي تفتقده هذه القوى العنيفة الدموية، بل في ارتباطاتها العلنية بمؤسسات الدولة في أوكرانيا، و في التبني و التطبيع التدريجي، من قبل من يسمون بالنخبة السياسية الحاكمة فيها، لأكثر افكارها خطورة على مستقبل السلم والديمقراطية، ليس فقط في أوكرانيا، بل في أوروبا و العالم كله. ويمكن اختزال هذه الأفكار إلى العداء السافر لكل ما يعتبر منطلقات فكرية لليسار، بما فيه اليسار غير المنحدر من التاريخ السوفيتي لأوكرانيا إلى حد تجريم وجود بعض المنظمات اليسارية، من جهة، و عداء سافر لكل التجمعات البشرية التي لا تنتمي إلى المجموعة العرقية-الدينية المسماة بـ "المسيحيين البيض".

و ما يجعل من هذا الأمر مسألة أكبر من أوكرانيا هو أن آليات هذا التبني والتطبيع التدريجيين للممارسة السياسية المبنية على الكراهية و العنصرية، لا تقتصر على أوكرانيا فقط، بل تبدو سمة غالبة لـ"التحول الديمقراطي" في الكتلة السوفيتية السابقة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي والدول الدائرة في فلكه في أوروبا الشرقية في نهاية القرن الماضي. فالخطاب السياسي للنخبة الحاكمة، و توجهات السياسة العامة في بولندا وهنغاريا، على سبيل المثال، لا تختلف كثيرا عما يجري في أوكرانيا. فما كان بالأمس القريب مرفوضا و مستهجنا شعبيا، وملاحقا قانونيا، من خطاب الكراهية والعنصرية في الإتحاد الأوروبي بات من المفردات اليومية لرموز السياسة المتنفذين في البلدين. من كان يتصور أن بلدا عضوا في الإتحاد الأوروبي (بولندا) يسن قانونا في عام 2018، يعتبر فيه التصريح بأن الإدارة البولندية، أو اجهزة فيها، أو حتى افراد بولنديين متعاونين مع النازية الألمانية، أثناء الحرب العالمية الثانية، كان لهم دور موثق في المحرقة اليهودية،جريمة يعاقَب "مرتكبها" بالسجن؟

قد يقول قائل أن الممارسة السياسية المستندة إلى الهوية الثقافية (Identity Politics) ليست ظاهرة جديدة في الإنتقال الديمقراطي. فقد كانت محركا أساسيا للتحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال. ولكن الإختلاف الجوهري بين هذه وتلك هو أن عملية الدمقرطة في أمريكا اللاتينية، استندت إلى الزج بقطاعات واسعة من المجموعات العرقية المهمشة (السكان الأصليين) لأول مرة في الممارسة السياسية بخطابها المستقل عن الخطاب السياسي التقليدي العمومي، فأعادت تعريف العدالة الإجتماعية بتوسيع الإعتراف بمساواتها في الحقوق السياسية و الاقتصادية. و عنى ذلك، على العكس مما يجري في أوكرانيا و شرق أوروبا عموما، أن انخراط هذه المجموعات السكانية في السياسة أدى إلى إنجازات خدمت تعميق الديمقراطية و السلم الأهلي و الهوية الوطنية المشتركة بين التجمعات الإثنية في بلدان أمريكا اللاتينية. في حين أن الممارسة السياسية المستندة إلى الهوية الثقافية في أوروبا الشرقية أدت إلى نهب الموارد العامة و التضييق على الأقليات العرقية والدينية واللغوية والمهاجرين من غير البيض المسيحيين. فما الذي حصل وأين هو الفرق؟

جوهر الاختلاف بين التجربتين في "التحول الديمقراطي"، أي بين ما جرى و يجري في أمريكا اللاتينية من جهة و ما جرى و يجري الآن في أوروبا الشرقية، وبلدان أخرى مثل العراق،من جهة اخرى، هو أن التحولات في الأولى جرت في إطار رفض شعبي لحزمة السياسات الإقتصادية المعروفة بـ (توافق واشنطن) التي ينعتها اليسار بـ "الليبرالية المتوحشة"، بينما جرت التحولات في الثانية بالتزامن مع هيمنة مفاهيم (توافق واشنطن) على جميع المشاركين في العملية السياسية فيها.

وإذا استعرنا مفاهيم المنظومة الفكرية للأمريكي (روبرت دال) و اعتبرنا أن الصراع السياسي بشأن علاقة الدولة بالمجتمع يتحرك على محورين (أو ميلين) الأول هو التشارك و الثاني هو التنافس؛ و إذا عرّفنا التشارك، بقدرة النظام السياسي على توفير فرص متساوية للإستجابة لمصالح المواطنين الاقتصادية. و عرّفنا التنافس بقدرة النظام السياسي على توفير فرص متساوية للإستجابة لحق المواطنين في التنافس السياسي مع القوى المتنفذة، فإن المسار الديمقراطي هو الإتجاه بتوسيع الفرص على المحورين معا. أي زيادة الأستجابة لمصالح المواطنين الإقتصادية بالتزامن مع زيادة حرية المواطنين في التنظيم السياسي والتنافس على السلطة. ولكن ما جرى في أوروبا الشرقية و بلدان مثل العراق هو تقليص حاد للتشارك مع توسيع فرص التنافس فإنعكس ذلك بخلق هوة هائلة في الثروة بين المواطنين مع زيادة ملحوظة في حرية التنظيم والتنافس السياسي، فتلونت هذه الحرية باحتكار الأغنياء الجدد لقنوات المنافسة السياسية و توظيف زيادة قدراتهم التنافسية لتوسيع فجوة الثروة بينهم و بين كافة أفراد المجتمع بإسم الليبرالية الإقتصادية. و يسمي دال هكذا نظام بالـ (تنافسية الأوليغارشية)، لا الديمقراطية! أي أن ما ينتج من هذا المسار هو التحول بعيدا عن الديمقراطية و ليس بإتجاهها.

ولكن يبقى السؤال، لماذا التحول نحو التنافسية الأوليغارشية في إطار هيمنة الليبرالية الإقتصادية يجعل من خطاب الكراهية والعنف المجتمعي نمطا مقبولا من الخطاب السياسي ويدفع باتجاه انفجار العنف المجتمعي في حالاته القصوى؟

حينما تقرر القوى الفاعلة الأساسية في المجتمع التي تشارك في العملية السياسية انها سوف "تحرر" آليات السوق من التدخل المجتمعي و تضع آليات السوق هذه خارج نطاق عمل الديمقراطية، بل توظف آليات عمل الديمقراطية الشكلية لخدمة إبعاد سيطرة المجتمع على الأسواق، و بالتالي على مفاتيح ادارة الكيان السياسي، فلابد إذا من البحث عن أسباب غياب العدالة الإجتماعية لا في الإقتصاد و علاقات الإنتاج و دور الدولة في إعادة توزيع الدخل، بل في بنى أخرى في المجتمع. و حين تتحكم الأوليغاركية في آليات هذا البحث فسيكون المذنب دوما جزءا من المجتمع يمكن تحويله عبر أدوات الخطاب السياسي المستند إلى الهوية الثقافية إلى "الغير" الذي بسحقه يتخلص المجتمع من مشاكله، ويا حبذا لو كان هذا الغير غجريا في أوكرانيا البيضاء أو اجنبيا مهاجرا اسمر البشرة ينبأ مظهره الخارجي بأنه مسلم، أو مسيحيا يتبع الكنيسة الأورثوذوكسية الروسية، لا الأوكرانية، أو روسيا يتحدث الموسكوفية "الفجة" لا الأوكرانية…الخ. و المشكلة هي أن هذا الخطاب سيلوّن سلوك المعارضة السياسية التي قبلت بشروط اللعبة في إبعاد "آليات السوق" عن الصراع السياسي، و سيلجأ هو أيضا إلى تبشيع "الغير" الأوكراني الكاره للموسكوفي و ينصح بكرهه بالمقابل علاجا لمشكلة غياب العدالة الإجتماعية!

لأوكرانيا، نموذجها العابر للمحلية في "الدمقراطة". وهو نموذج يفرّغ الديمقراطية من أدواتها الأساسية. ولنا في التجربة العراقية مثلا مرا لما تعنيه هكذا دمقرطة. السلم الأهلي لازمه إخضاع النشاط الإقتصادي لآليات الديمقراطية و ليس العكس.

اوكرانيا بلد يعتدى عليه. والتضامن الدولي لإيقاف الاعتداء عليها شرط لإنسانيتنا جميعا. لكن هذا لا يعني تزكية نظامها السياسي. أو تزكية نموذجها "الديمقراطي"...لأن المسألة أكبر من أوكرانيا.



#آلان_م_نوري (هاشتاغ)       Alan_M_Noory#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة اكبر من أوكرانيا (1 - 3): ديمقراطية -الحشد- النازي؟!
- حرب أوكرانيا و كرد -ما بين حانة و مانة-!
- إلى المعتقدين بصدق بقانون النفط والغاز في إقليم كردستان, مع ...
- أوكرانيا و معها العالم بين أمريكا السيئة و بوتين الأسوأ!
- يا لهؤلاء -العراقچيين-!
- تجربتي مع المؤسسة القضائية في إقليم كردستان
- طلاب جامعة السليمانية يكشفون عورة نظام سياسي آيل للسقوط
- مناصرو -حركة التغيير- يلقنون العراقيين درسا في الديمقراطي….أ ...
- كرد العراق في ذكرى استفتاء لم يقصد منه الاستفتاء!
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 3 من 3 )
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 2 من 3 )
- دروس أفغانستان... لمن يعتبر! (الجزء 1 من 3 )
- ليس للرئيس ومستشاريه من يلعب معهم!
- عن الوعي الكردي المضطرب بين اسرائيل و فلسطين
- برلمان ال (10%) أي موازنة انتج؟


المزيد.....




- الأرض أم المريخ؟ شاهد سماء هذه المدينة الأمريكية وهي تتحول ل ...
- وصف طلوع محمد بن سلمان -بشيء إلهي-.. تداول نبأ وفاة الأمير ا ...
- استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتيا ...
- وصول إسرائيل في الوقت الحالي إلى أماكن اختباء الضيف والسنوار ...
- شاهد: شوارع إندونيسيا تتحوّل إلى أنهار.. فيضانات وانهيارات أ ...
- محتجون يفترشون الأرض لمنع حافلة تقل مهاجرين من العبور في لند ...
- وفاة أحد أهم شعراء السعودية (صورة)
- -من الأزمة إلى الازدهار-.. الكشف عن رؤية نتنياهو لغزة 2035
- نواب ديمقراطيون يحضون بايدن على تشديد الضغط على إسرائيل بشأن ...
- فولودين: يجب استدعاء بايدن وزيلينسكي للخدمة في الجيش الأوكرا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آلان م نوري - المسألة أكبر من أوكرانيا (2 - 3): -دمقرطة- بدون ديمقراطية