أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - قراءة في كتاب : خيانة المثقفين - -Het Verraad der Clercken-














المزيد.....

قراءة في كتاب : خيانة المثقفين - -Het Verraad der Clercken-


زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)


الحوار المتمدن-العدد: 7642 - 2023 / 6 / 14 - 00:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"«أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ."
(متّى 5: 13).
------------
بدايةً ، لابدّ من التنويه ، إلى أنّ الخيانة المقصودة هنا في متن هذا الكتاب، ليس بمعناها الوطني السياسي الصرف ، بل المعنى العقلي الفكري.
أو لنقل هي الحقيقة التي يُعبّر عنها ببساطة قول المُتعلّم سراً أو علانية :
كلُّ ما أقول وأفكر به ، أو أكتب حوله وأدعو له ، يدور حول جوهر ومبدأ وحيد وصحيح ، فحواه يقضي ، بأنّ قومي أفضل الاقوام ، و أمتي خير الامم ، و معتقدي أقوَم المعتقدات قاطبة ، ومذهبي أصدق المذاهب ، و طائفتي أحسن الطوائف ...
الفيلسوف الفرنسي جوليان بيندا Julien Benda ، هو فيلسوف ومفكر شُغل َطوال حياته بمسألة اعتبرها حساسة جدا وهامّة ، أرّقت ذهنه وأرهقت زمنه ، ألا وهي مسألة :
" خيانة رجال العلم أو المثقفين " فألف حولها كتاباً، ذاع صيته بذات الاسم ، وتمّ نشره في عام 1927.
انتقد فيه المواقف الدينية والقومية المتنافرة ، المعادية لنماء الفكر الانساني ، وهاجم خذلان النخبة المثقفة في عصره (من المثقفين ورجال الدين ) ، التي ابتليت بها أوروبا، في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
ثم شرح وجهة نظره في ضلال اهل الفكر (من النخب المثقفة و رجال دين ) الذين يعتبرون أنفسهم ملح الحقيقة وطلابها ، و طليعة الجماعة وقادتها ، و حماة أخلاق المجتمع ، أو النخب العارفة و المعبرة عن ضميره ،
ولذلك يقول عنهم - ممتعضاً - أنهم قد خانوا مُثلهم العليا ، وضحوا بالنزاهة الأخلاقية والفكرية ، لصالح الأجندات السياسية لبلدانهم حيناً ، أو من أجل مداهنة سوءآت أقوامهم ، والنفاق إلى طوائفهم و أديانهم أو أحزابهم أو و الخ ، حيناً آخر .
و أنهم خاصموا الوفاء لجوهر الحقيقة ، حينما التزموا بالحقائق التي تتوافق و المصالح الوطنية والدينية الضيّقة ، وحين قدموها عن المبادئ العالمية وقيم الانسانية السامية العليا.
في هذا الكتاب، دعا بيندا Julien Benda أصحاب الفكر إلى العودة إلى أخلاقيات المبادئ العامة المجردة ، محذراً إياهم ، من العواقب الخطيرة مسايرة جهالات العامة من الناس ، والنفاق لعواطف الرعاع من الجماهير ، والخلط بين السياسة والأخلاق.
كما حثّهم على إلتزام النزاهة الفكرية، و الصدق مع الذات على الدوام، والاخلاص للحق أيّما كانت الظروف.
و ناشدهم بالتركيز على القيم العالمية مثل العقلانية والتسامح والإنسانية ، والامتناع عن اتباع مسالك الغوغاء بقصد الشهرة أو الاكتفاء بالمصالح السياسية الضيقة الأفق.
لما في ذلك خدمة للجهل ، وخيانة لمسار البحث عن الحقيقة ونماء المعرفة.
مبيناً أن خيانة أهل الفكر تلك ، كانت من أهم الاسباب التي ساهمت في تفاقم الاضطرابات السياسية والاجتماعية، التي ابتليت بها أوروبا حتى الحرب العالمية الثانية وصعود الفاشية .
فيما يلي ، سأورد لكم تباعاً، بعضاً من اهم العبارات العميقة، التي وردت في متن هذا الكتاب ، و لا اجزم بالقطع ، أهميتها المطلقة بالضرورة ، أو صوابيتها التامة للجميع .
- "الرجل ليس سيئاً لأنه مشرع سيء ، لكنه يسن القانون لأنه سيء".
- "الأخلاقي الحقيقي يحكم على الأفعال ليس من خلال نتائجها ، ولكن من خلال المبادئ التي تمثلها".
- "من أخطر أنواع التعصب تعصب المثقفين ، لأنه لا يتعلق بالأفعال ، بل بالأقوال والأفكار".
- "كل ثقافة عليها واجب الدفاع عن نفسها ، ولكن ليس على حساب الأخلاق العالمية."
- "يجب على النخبة المثقفة أن تدرك أن الحقيقة ليست دائما شعبية وأنه من واجبهم معارضة آراء الجماهير".
- "عندما تفسد السياسة الأخلاق ، تختفي كل الفروق بين الصواب والخطأ". "في أوقات الأزمات ، على المثقفين الاعتماد على المبادئ المجردة والامتناع عن المصالح السياسية قصيرة المدى".
- "القومية هي العدو الأكبر للإنسانية الحقيقية".
- " إن أخطر أشكال التجربة ليس تجربة الشر ، بل تجربة الخير في خدمة الشر".
- "المثقف الحقيقي هو الشخص الذي لا يرتبط بأي مصلحة قومية أو عرقية أو دينية ويبقى مخلصًا للمبادئ العالمية للفكر والضمير الإنساني".
في تقديري ، فإن أقل ما تشير إليه الاقتباسات من الكتاب، إلى أن الإنسانية لديها نزعة متأصلة إلى الشر ، وأن الأخلاقي الحقيقي يحكم على الأفعال بالمبادئ التي يمثلونها ، وأن تعصب المفكرين ورجال الدين هو أحد أخطر أشكال التعصب.
قصارى القول :
باستثناء شرقنا المكلوم بخرافة الماضي التليد ، الذي مازال مشغولاً بإثبات أنه بيت الله ، و أبو التاريخ ، وأصل الحق و الحكمة، ومحضن العلم ، ومنبع الفضيلة ، وأساس سؤدد العالم ، و .. و ..الخ
فإن الافكار الواردة في كتاب "Het Verraad der Clercken" اثرت - ومازالت - على النقاش العالمي ، حول دور المثقفين في السياسة والحاجة إلى مبادئ عالمية في المجتمع الحديث.
وهذا الكتاب يكتسب أهميته - في زعمي - لكونه ذا صلة في السياق السياسي اليوم ، ويتناول بالنقد المستنفعات الفكرية ، التي ماتزال للأسف بعض النخب الثقافية المشرقية، تعتبرها اساس النهضة ، و ديدن الحق والتقدّم الاجتماعي ..
حيث لا تزال النخب المثقفة في مجتمعاتنا المريضة ، تعاني الهشاشة المعرفية، وتكابد ذات الهموم و المخاوف بشأن الانقسامات الخطرة ، التي تتسبب بها خيلاء الاستعلاء القومي و الديني .
وبالطبع هناك كثير منهم لا يوافق اعتقاد هذا الفيلسوف، بأن السياسة يمكن أن تفسد الأخلاق ، وأن المثقف الحقيقي يجب أن يظل مخلصًا دائماً للمبادئ العالمية الانسانية الكلية المجردة ، وأن يسعى قدر المستطاع لئلا يكون مغلولاً بأية مصلحة قومية أو عرقية أو دينية ، تهدد النزاهة الأخلاقية والعلمية لديه..



#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءَة في كتاب : - الإنْسان أُحَادِي اَلبُعد -
- أفكارٌ خاصةٌ حَولَ مَعنَى الفَّنْ وأهميته..
- التَّنْويريَّ المُتديِّن ..
- حول القيم الدِّينيَّة والقيم الإنْسانيَّة ..
- الكِتَاب الفيروسي - مِن الدِّيكْتاتوريَّة إِلى الدِّيمقْراطي ...
- - فاوستْ - Faust - الرجلُ الذي باعَ روحَهُ للشيطانِ-
- البَحثُ في إيمانُ - هيغلْ -
- ليسَ بعيداً عنْ خدرِ العَواطفِ . .
- كتابُ ال لفياثانْ Leviathan
- الفنان التشكيليِ السوري - محمودْ الساجرْ -
- حوارٌ معَ صَديقي المُتَديّنِ . .
- أفكارٌ حولَ مثَالية الفيلسوف -هيغل - ..
- مِمَّا تَتَأتَّى أَهَميَّة اَلمبْدِع - وِلْيم شِكْسبِير -... ...
- قصّة كهفِ أفلاطونْ ..
- عبرةُ - تَاجِرُ اَلْبُنْدُقِيَّةِ - ..
- المِهنْ الآيلة للزوال بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة
- العِلْم الحَقيقي وَالعِلم الزَّائف ..!
- تَوضِيح حَوْل مَعنَى - النَّظريَّة العلْميَّة -
- لِلنَّاسِ فِيمَا يُفكِّرون مَذاهِبْ..
- أَحزان الشّاب - فارتر- .. ل غوته


المزيد.....




- وجهة واعدة في الشرق الأوسط.. كيف أصبحت السعودية رائدة في قطا ...
- أذربيجان تطالب وزير الداخلية الفرنسي بالاعتذار
- -قوات دولية وتطبيق حل الدولتين-.. هل توصيات القمة العربية قا ...
- من هم قضاة محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائ ...
- في محكمة العدل الدولية: إسرائيل تعتبر قراءة جنوب إفريقيا للق ...
- المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من ...
- مبادرة تسلق جبال ويليز..طفل في السادسة يحاول إنقاذ عائلته في ...
- بوتين من الصين: لا خطط حاليا لتحرير خاركوف
- وزير الخارجية الأمريكية يمنح سلطات كييف حرية قصف الأراضي الر ...
- حزب تركي يدعو لتجمعات جماهيرية ضد محاكمة قيادات كردية بارزة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكريا كردي - قراءة في كتاب : خيانة المثقفين - -Het Verraad der Clercken-