أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - العدد 68 من «كراسات ملف»: المؤشرات الاقتصادية في فلسطين .. 2021 ــ 2022















المزيد.....



العدد 68 من «كراسات ملف»: المؤشرات الاقتصادية في فلسطين .. 2021 ــ 2022


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

الحوار المتمدن-العدد: 7629 - 2023 / 6 / 1 - 16:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


■ صدر العدد 68 من سلسلة «كراس ملف»، بعنوان «المؤشرات الاقتصادية في فلسطين»، ويتناول جوانب من الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر ثلاث دراسات مكثفة تستند إلى معطيات مسحية متخصصة:
• تعرض الدراسة الأولى لانعكاس الارتفاع العالمي لأسعار السلع والخدمات على مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني، وترصد تراجع هذه المؤشرات مع الارتفاع المضطرد للأسعار على خلفية الإغلاقات التي فرضتها إجراءات مواجهة انتشار جائحة كورونا، والنقص العالمي الشديد في الموارد الغذائية والطاقة بسبب الحرب الروسية ــ الأوكرانية. وتخلص الدراسة إلى طرح مجموعة من الإجراءات والخطوات الاقتصادية للحد من تأثير تداعيات هذين الحدثين العالميين الكبيرين على مستوى معيشة الفلسطينيين في الضفة والقطاع الذين يعانون بالأساس ويلات الاحتلال ومآسي الانقسام.
• وتتابع الدراسة الثانية من حيث انتهت الأولى، فتبحث في واقع الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفاقم تداعيات النقص في موارد الطاقة خلال العامين الأخيرين،(2021 ــ 2022)، وانعكاس التضخم المالي العالمي ــ بعد تراجع جائحة كورونا ــ على النشاط الاقتصادي الفلسطيني، وأبرزت هذه الدراسة مؤشرات تدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين إثر تراجع القيمية الفعلية لمواردهم النقدية. وتختم الدراسة كما سابقتها بعدد من الملاحظات والاقتراحات لمواجهة هذا التدهور.
• وتفرد الدراسة الثالثة بحثها لعرض مؤشرات الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة ، مستعيدة تأثير الحصار الخانق على القطاع على حياة سكانه. وتركز هذه الدراسة على تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية الدولية على الأوضاع المعيشية، وتختم بالدعوة إلى رسم سياسة اقتصادية تجمع ما بين اتخاذ التدابير الفورية لمواجهة مستجدات الأزمة القائمة، وبين الخطوات الهادفة لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة.
وضع الدراسات الثلاث الدكتور سمير أبو مدللة، الأستاذ المحاضر في جامعة الأزهر في غزة، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات/«ملف»
أواخر أيار(مايو) 2023


المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات
«ملف»



مؤشرات الاقتصاد في فلسطين
2021 ـ 2022


د. سمير مصطفى أبو مدللة
أستاذ محاضر في جامعة الأزهر ـ غزة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين






سلسلة «كراسات ملف»
العدد الثامن والستون ـ أواخر أيار(مايو)2023

















المحتويات


• مقدمة
1- الاقتصاد الفلسطيني وتأثير الارتفاع العالمي للأسعار
2- حول الأمن الغذائي والطاقة والتضخم في فلسطين
3- أزمات غزة الاقتصادية ومعيقات التنمية المستدامة























مقدمة
■ يتناول هذا الكراس جوانب من الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر ثلاث دراسات مكثفة تستند إلى معطيات مسحية متخصصة:
• تعرض الدراسة الأولى لانعكاس الارتفاع العالمي لأسعار السلع والخدمات على مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني، وترصد تراجع هذه المؤشرات مع الارتفاع المضطرد للأسعار على خلفية الإغلاقات التي فرضتها إجراءات مواجهة انتشار جائحة كورونا، والنقص العالمي الشديد في الموارد الغذائية والطاقة بسبب الحرب الروسية ــ الأوكرانية. وتخلص الدراسة إلى طرح مجموعة من الإجراءات والخطوات الاقتصادية للحد من تأثير تداعيات هذين الحدثين العالميين الكبيرين على مستوى معيشة الفلسطينيين في الضفة والقطاع الذين يعانون بالأساس ويلات الاحتلال ومآسي الانقسام.
• وتتابع الدراسة الثانية من حيث انتهت الأولى، فتبحث في واقع الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفاقم تداعيات النقص في موارد الطاقة خلال العامين الأخيرين،(2021 ــ 2022)، وانعكاس التضخم المالي العالمي ــ بعد تراجع جائحة كورونا ــ على النشاط الاقتصادي الفلسطيني، وأبرزت هذه الدراسة مؤشرات تدهور الأوضاع المعيشية للفلسطينيين إثر تراجع القيمية الفعلية لمواردهم النقدية. وتختم الدراسة كما سابقتها بعدد من الملاحظات والاقتراحات لمواجهة هذا التدهور.
• وتفرد الدراسة الثالثة بحثها لعرض مؤشرات الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة ، مستعيدة تأثير الحصار الخانق على القطاع على حياة سكانه. وتركز هذه الدراسة على تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية الدولية على الأوضاع المعيشية، وتختم بالدعوة إلى رسم سياسة اقتصادية تجمع ما بين اتخاذ التدابير الفورية لمواجهة مستجدات الأزمة القائمة، وبين الخطوات الهادفة لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة.
وضع الدراسات الثلاث الدكتور سمير مصطفى أبو مدللة، الأستاذ المحاضر في جامعة الأزهر في غزة، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات/«ملف»
أواخر أيار(مايو) 2023















مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني في ظل الارتفاع العالمي للأسعار
■ يعتبر الارتفاع العالمي لأسعار السلع والخدمات، آفة الاقتصاد في الوقت الراهن، وقد انعكست آثاره على الاقتصاديات العالمية والعربية، كما على الاقتصاد الفلسطيني، الذي يعاني بالأساس مشاكل كثيرة من بينها تذبذب معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وانخفاض الاستثمار. كما انعكس هذا الارتفاع على مستوى معيشة المواطن الفلسطيني في العديد من الجوانب.
وقد شهد العالم في العامين الأخيرين ارتفاعاً مستمراً في أسعار السلع والخدمات كنتاج طبيعي لأزمة الإغلاق الكبير بفعل جائحة كورونا، وخاصة السلع الغذائية الرئيسية التي ارتفعت أسعارها ارتفاعاً حاداً، حيث ارتفع معدل التضخم، الذي يعكس الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، ليصل إلى 3,4% في العام 2021، وارتفع في النصف الأول من العام 2022 ليبلغ نحو 8%. ووفقاً لتقرير البنك الدولي، فإنه إذا ظل التضخم مرتفعاً فإن ذلك ممكن أن يترجم إلى ركود تضخمي وهبوط حاد في النشاط الاقتصادي.
فمنذ تموز (يوليو) 2022 ،ارتفع مؤشر الأسعار الزراعية بنسبة 19% مقارنة بشهر كانون الثاني(يناير) 2021، وارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 15% و 24% على التوالي لنفس الفترة ، وذلك بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية ــ الأوكرانية، ولا تزال مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي للعام 2022 مرتفعة لتصل إلى 828 مليون شخص بزيادة 46 مليوناً عن العام 2020 . وعلى صعيد الدول العربية، ارتفع معدل التضخم إلى 3.4% في العام 2021 مقارنة مع 1.7% في عام 2020. ويشير البنك الدولي إلى أن كل زيادة مقدارها 1% في أسعار السلع الغذائية يؤدي إلى إضافة نصف مليون إلى عدد الفقراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث بلغ معدل التضخم 14.8% عام 2021.
■ في فلسطين، ارتفع المستوى العام للأسعار في العام 2021 ليبلغ 1.23% مقارنة مع (0.73-) في العام 2020. وتشير بيانات أسعار المستهلك لشهر حزيران(يونيو) 2022 ، مقارنة مع الشهر نفسه من العام 2021 ، إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين بنسبة 4.47% ، بواقع 4.57% في الضفة الغربية و 4.28% في القدس و 3.91% في قطاع غزة . وعند مقارنة الربع الثالث من العام 2022 مع نفس الربع من العام 2021، وجدنا العديد من التغيرات في كل مكونات الرقم القياسي لأسعار المستهلك، وذلك على النحو التالي:

جدول (1) التغير في الرقم القياسي لأسعار المستهلك

أقسام الإنفاق الرئيسية 2021 2022 نسبة التغير%
الرقم القياسي لأسعار المستهلك 102.27 105.49 3.16
المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية 102.99 106.7 3.6
المشروبات الكحولية والتبغ 101.92 105.9 3.9
الملابس والأحذية 93.52 97.4 4.15
المسكن والمياه والكهرباء والغاز 104.88 106.41 1.46
المفروشات والمعدات المنزلية والصيانة 100.38 103.66 3.27
الصحة 98.46 100 1.56
المواصلات 100.23 105.11 4.87
المعلومات والاتصالات 93.93 96.9 3.17
الترفيه، الرياضة، الثقافة، الحدائق، والحيوانات 116.37 122.72 5.46
خدمات التعليم 100.56 103.62 3.04
المطاعم وخدمات الاقامة 103.87 112.68 8.48
التأمين والخدمات المالية 99.31 99.89 0.58
الرعاية الشخصية والحماية الاجتماعية 108.82 109.66 0.77
المصدر: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
نلاحظ، من خلال الجدول الرقم (1)، الارتفاع في جميع المكونات الرئيسة للرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين. وجاء الارتفاع الأعلى في المطاعم وخدمات الإقامة بنسبة تغير،(+ 8.48%)، ومن ثم مؤشر أسعار المواصلات، التي ارتفعت بنسبة تغير(+4.87%)، ومن ثم الملابس والأحذية. أما المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية فقد ارتفعت بنسبة 3.6% و 3.9% في المشروبات الكحولية والتبغ. وهناك قطاعات تأثرت بموجة الغلاء العالمي في غزة والضفة الغربية، من بينها الطاقة والكهرباء بسبب ارتفاع أسعار الوقود، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات الصناعية والغذائية المرتبط إنتاجها بشكل أساسي بقطاع الكهرباء، حيث تعد روسيا أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي والقمح.
ويعد المستوى العام للأسعار من أهم المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في متابعة وتحليل المتغيرات الاقتصادية لدى متخذي القرارات الاقتصادية والسياسية على حد سواء، باعتبار أن عدم استقرارها يعطي مؤشراً سلبياً عن حالة الاقتصاد الوطني للبلد، فضلاً عن متابعة حركتها وتشخيص حالات عدم الاستقرار والاحتكار.
■ يعتبر التضخم أحد الأسباب الظاهرية التي تؤدي للعجز في الموازنة. فعند اشتداد الضغوط التضخمية تضطر الدولة إلى اعتماد زيادة الأجور لمواجهة الارتفاع في المستوى العام للأسعار وتغطية العجز الحاصل في الطلب الاستهلاكي، وهذا يُعَبَّر عنه في الاقتصاديات بتمويل انخفاض قيمة العملة. ولمواجهة العجز في الموازنة، من الممكن أن تقوم الدولة بزيادة الإصدار النقدي. ويمكن أن يكون التوسع في الائتمان الممنوح للحكومات من قبل الأجهزة المصرفية بمعدل أكبر من معدل نمو الناتج القومي، مما يؤدي إلى التضخم النقدي، الذي يؤدي بدوره إلى ضعف القدرة الشرائية للنقود وفقدان قيمتها، مما يجعل الأفراد يفقدون ثقتهم بها، وهذا يساعد على انتعاش المضاربة في السوق السوداء، ويزيد حالات التهرب الضريبي، الأمر الذي ينعكس سلباً على الإيرادات الحكومية. وقد أكدت دراسات عربية وعالمية تأثير التضخم على عجز الموازنة العامة. كما يساهم التضخم في ظهور نزعات تشاؤمية لدى رجال الأعمال، مما يؤدي إلى عزوفهم عن الاستثمار. وتلجأ الحكومات في مواجهة التضخم إلى اتباع سياسة مالية تقوم على زيادة الإنفاق وخفض الضرائب، الأمر الذي يفاقم العجز في موازنة الحكومة.
فيما يلي رصد أولي لتأثير ارتفاع الأسعار العالمية على العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية الفلسطينية:
(1)
تراجع النمو الاقتصادي
■ يؤثر ارتفاع الأسعار سلباً على النمو الاقتصادي، باعتبار أن التضخم يحد من إمكانية استشراف مستقبل الأوضاع الاقتصادية ، فيقلل حجم الاستثمار. وأظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تراجع إجمالي الناتج المحلي من (15,829.0) مليون دولار في العام 2019 إلى (15,027.1) مليون دولار عام 2021، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي في الضفة الغربية من (12,998.8) مليون دولار في العام 2019 إلى (12,470.5) مليون دولار في العام 2021. أما في قطاع غزة، فقد انخفض الناتج المحلي الحقيقي من (2,830.2) مليون دولار في العام 2019 إلى (2,556.6) مليون دولار في العام 2021. وانخفض الاستثمار من (3,549.1) مليون دولار في العام 2021، مقارنة مع (3,911.2) مليون دولار في العام 2019. كما انخفض الانفاق الاستهلاكي النهائي من (17,328.8) مليون دولار في العام 2019 إلى (16,625.1) مليون دولار عام 2021. وهذا انعكس على تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى (2,922.5) دولار في العام 2020 مقارنة مع (3,378.3) دولار في العام 2019.


(2)
اختلال الميزان التجاري
■ يؤدي ارتفاع أسعار السلع المنتجة محلياً إلى انخفاض تنافسيتها في الأسواق الخارجية، مما يعني تراجع صادرات الدولة. كما يؤدي انخفاض أسعار السلع المستوردة مقابل السلع المحلية إلى زيادة الاعتماد على الخارج، الأمر الذي ينعكس على الميزان التجاري. وشهد العام 2020 مزيداً من التراجع في مستويات عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات الفلسطيني. ولكن جاء انخفاض العجز نتيجة انخفاض وتقليص كل من الصادرات والواردات على حد سواء ،حيث بلغ صافي الميزان التجاري
(-1547.7) مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2022، كما بلغ (-1630.9) مليون دولار في الربع لثاني من العام 2022. وهذا يعود لانخفاض الصادرات من (373.1) مليون دولار في الربع الأول من العام 2022، إلى (360.4) مليون دولار في الربع الثاني من العام 2022. كما انخفضت الواردات إلى (-1630.9) مليون دولار في الربع الثاني من العام 2022، مقارنة مع الربع الأول من العام نفسه.
(3)
تراجع الأجور والقوة الشرائية
■ تأثرت الأجور والقوة الشرائية في فلسطين نظراً لارتفاع المستوى العام للأسعار عالمياً، حيث تراجعت الأجور الاسمية للعاملين في الاقتصاد المحلي في الربع الأول من العام 2022، كما تراجع معدل الأجر اليومي للعاملين في الضفة الغربية بنحو 4.9% مقارنة بالربع المناظر لتبلغ 118.8 شيكل. وقد ازدادت حدة الانخفاض في معدل أجور العاملين في قطاع غزة بنحو 9.1% لتبلغ 55.1 شيكل. وقد أدت مستويات التضخم المسجلة إلى المزيد من التآكل في القوة الشرائية للعاملين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ تراجعت القوة الشرائية للعاملين في الضفة الغربية بنحو 7.8%، في حين تراجعت للعاملين في قطاع غزة بشكل ملحوظ وبواقع 12.4%، وتراجعت القوة الشرائية للعاملين في إسرائيل والمستوطنات بمقدار 1.2%.

(4)
اتساع «فجوة الموارد المحلية»
■ يؤدي التضخم وارتفاع معدلات الأسعار إلى إضعاف الحوافز الفردية على الادخار والاستثمار، والتوجه بدلاً من ذلك نـحو الإنفاق الاستهلاكي الآني، هرباً من ارتفاع الأسعار المتوقع، الأمر الذي يؤدي لإعاقة التوجه نـحو مؤسسات الادخار، مما يضعف دور وفاعلية المؤسسات المالية والأسواق، ويؤدي إلى إضعاف الحوافز. وبالإضافة إلى التأثير السلبي جراء ارتفاع أسعار السلع الأساسية، هناك ثمة تأثير آخر سيضغط على الدخل المتاح للمواطن الفلسطيني نتيجة الارتفاع المتوقع للاستهلاك وانخفاض الادخار، وهو ما يعاني منه أصلاً خلال السنوات الأخيرة، ويُعدّ من الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الفلسطيني. وتشير الاحصاءات الرسمية إلى أن ما نسبته 90.8% من الدخل المتاح الإجمالي في فلسطين يذهب للاستهلاك، في حين أن 9.2% في المتوسط تذهب للادخار. وبالتالي، فإن من تداعيات ارتفاع الأسعار تعميق «فجوة الموارد المحلية»، وهو ما يقود إلى زيادة الاستهلاك وانخفاض الادخار والاستثمار نتيجة استحواذ الاستهلاك على النسبة الأكبر من الدخل الإجمالي المتاح.
أما في قطاع غزة، فإن ما يُنفق على الاستهلاك يزيد عن الدخل بحدود 30% . لذلك، يكون تأثير ارتفاع الأسعار على الدخل في قطاع غزة أكثر ضرراً على نسب الاستهلاك مقارنة بالضفة الغربية، التي تشهد أوضاعا اقتصادية أفضل أداءً من غزة، بفعل عمل عشرات الآلاف من العمالة في إسرائيل والمستوطنات. إلا أن أية إغلاقات مستقبلاً قد تؤدي إلى تراجع اقتصاد الضفة، والذي يعتمد بشكل كبير على سوق العمل الإسرائيلي.
(5)
انخفاض المساعدات الخارجية
■ تأثرت المساعدات الخارجية المقدمة لحكومة السلطة الفلسطينية بمسار العملية السياسية المتصلة بالتسوية. كما انعكست الأزمات العالمية، ومنها ارتفاع معدلات التضخم، على قيمة هذه المساعدات. وبما أن حكومة السلطة تعتمد بشكل كبير على المنح والمساعدات، فإن الاقتصاد الفلسطيني يعاني «صدمة عميقة» نتيجة الانخفاض الكبير والمتتالي في هذه المساعدات، التي تراجعت، على سبيل المثال، من(1,978.1) مليون دولار في العام 2008 إلى (1,401.8) مليون دولار في العام 2009 ، واستمرت في تراجعها إلى أن وصلت إلى 321 مليون دولار عام 2021، وبنسبة تراجع بلغت 84%. وهذا يؤشر إلى أن الاتجاهات المستقبلية للمساعدات الخارجية، غالباً، ستمضي نحو مزيد من الانخفاض، وخصوصاً أن معطيات الواقع الاقتصادي والسياسي لا تشير إلى إمكانية توقع زيادات فاعلة في حجم المساعدات. وهو ما يضع الاقتصاد الفلسطيني أمام تداعيات خطيرة.
(6)
ازدياد معدلات الفقر
■ اتسعت دائرة الفقر في مناطق السلطة الفلسطينية، نتيجة ارتفاع الأسعار، وازدياد نسبة انعدام الأمن الغذائي وتزايد الانفاق الاستهلاكي واستحواذه على النسبة الأكبر من دخل الأُسر الفلسطينية، وانخفاض الادخار والاستثمار الناتج عن تبعات الأزمة الروسية ــ الأوكرانية وتبعات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته المتواصلة،(الحصار، الإغلاق، الحروب المتكررة، الانتهاكات بكافة أشكالها)، وتبعات جائحة كورونا وما ترتب عليها من خسائر اقتصادية فادحة. وقد أثر ذلك على صمود الأُسر الفلسطينية مادياً، والتي تعاني أصلاً من ارتفاع نسب الفقر، حيث تشير الإحصاءات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن 29% من الأُسر في مناطق السلطة الفلسطينية تُصنف حالتها المادية بأنها أُسر فقيرة وتتوزع ما بين 13.6% في الضفة الغربية و54.2% في قطاع غزة، وتشير هذه الاحصاءات إلى أن 29% من الأسر الفلسطينية بالكاد تستطيع تدبير أمورها المادية، أو تعاني وضعاً مادياً خطيراً، وتتوزع ما بين 20.1% في الضفة الغربية، و43.9% في قطاع غزة.
(7)
تفاقم عجز الموازنة العامة
■ أدى الارتفاع في الأسعار العالمية إلى تراجع الايرادات العامة في فلسطين، نتيجة انخفاض القوة الشرائية للدخل، وضعف الادخار والاستثمار. وبذلك تفاقم عجز الموازنة الفلسطينية، الذي ارتفع من (77.1-) عام 2019، إلى (133.4-) عام 2020. كما انعكس الارتفاع في المستوى العام للأسعار على موجودات الجهاز المصرفي الفلسطيني، حيث تراجعت التسهيلات الائتمانية الممنوحة للقطاع العام من 16.3% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من العام 2021، وبلغت في الربع الرابع من العام 2021 ما يقارب 11.9%. وانخفضت ودائع العملاء من 15.4% في الربع الثالث من العام 2021 إلى 9.1% في الربع الرابع من العام 2021، وذلك يعود إلى الضغوط الكبيرة على دخول الأفراد جراء الارتفاع في المستوى العام للأسعار.

خطوات وإجراءات

في مواجهة تداعيات ارتفاع المستوى العام للأسعار، من الواجب والممكن اتخاذ العديد من الخطوات من قبل الحكومة بمشاركة المؤسسات الأهلية والمنظمات المهنية والنقابية. مع التنويه الضروري بأن المدخل الفعلي الحاسم لحل الأزمات الاقتصادية في فلسطين يبدأ بإعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني وتحريره من أسر الاقتصاد الإسرائيلي، بالتوازي مع دعم المنتجات المحلية في إطار خطة تنموية منهجية. من بين هذه الخطوات:
1- وضع خطة حكومية لدعم الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، داخل المناطق الفلسطينية وخارجها، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
2- تشديد الرقابة على الجودة والنوعية، وتفعيل جمعية حماية المستهلك، وترسيم القوانين التي تكفل حقوقه. ووضع الحكومة أمام دورها في ضبط السقف السعري والأرضية السعرية.
3- مراقبة الأسواق ومنع التلاعب بالأسعار، وتشديد العقوبة على المخالفين، وخاصة في نظام التقسيط الذي شهد تزايداً واضحاً في المحافظات الجنوبية الفلسطينية، وقد ساهم ذلك في ارتفاع أسعار العديد من السلع كالسيارات وأدوات البناء, إضافة لانتشار ظاهرة البيع بالتقسيط بزيادة تزيد عن 20% ، وتعدد أصناف السلع المُقسطة كالأجهزة الكهربائية والأثاث المنزلي والموبايلات وصيانتها وغيرها من المنتجات، ويعتبر قطاع غزة الأكثر استدانة من بين المناطق الفلسطينية.
4 ــ إعادة التدقيق في تطبيقات مبدأ «المنح التقشفي»، الذي تتبناه الحكومة، وقد بات يستهدف المواطن من خلال إثقال كاهله بأعباء ضريبية جديدة، ويطبق في كثير من الأحيان بدون مسوغ قانوني، في ظل غياب السلطة التشريعية.
4- حماية قطاع المقاولات، الذي يشغِّل آلاف العمال الفلسطينيين، عبر اجراءات تشريعات لمواجهة هذه الظروف، بمشاركة كل من اتحاد المقاولين ونقابة المهندسين.
5- على الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزارات المالية والاقتصاد والإسكان والتنمية الاجتماعية أن تتحمل المسؤولية في الحد من تفاقم الأزمة القائمة، كون هذه الوزارات على تماس مباشر مع حركة السوق،وخاصة أن المستوى الرسمي في بعضه يتشارك مع المستثمرين في عدد من القطاعات الاقتصادية («زواج المتعة»)!
5/11/2022






















حول الأمن الغذائي والطاقة والتضخم في فلسطين

(1)
الأمن الغذائي
■ يعتبر الغذاء من أهم مصادر الحياة البشرية، وتسعى الكيانات السياسية إلى تأمين احتياجات مجتمعاتها من خلال إنتاج الغذاء واستيراد ما ينقصها منه، وهو ما يضع قضية تحقيق الأمن الغذائي في قلب الاهتمامات الملحة للدول.
ينعدم الأمن الغذائي في فلسطين لأسباب كثيرة أبرزها الاحتلال الذي يمنع سيطرة الفلسطينيين على أراضيهم ومواردهم وثرواتهم الطبيعية، ويسلبهم القرار السيادي الذي يمنحهم القدرة على توجيه نشاطهم الاقتصادي. ويفاقم من تداعيات انعدام الأمن الغذائي الخلل الهيكلي في الاقتصاد الفلسطيني، وضعف بنيته التحتية، بالإضافة إلى غياب الخطط الاقتصادية التي من شأنها التخفيف من حدة الأزمات، ويضاف لما سبق أزمة التمويل من قبل المنظمات الدولية.
وبحسب نتائج تقرير« مسح الأمن الغذائي الاجتماعي والاقتصادي» لعام 2020، فإن عدد الأسر التي تتمتع بالأمن الغذائي أقل من نصف عدد الأسر الفلسطينية، مع وجود فجوة كبيرة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث وفقاً لاستطلاع أجراه برنامج الأغذية العالمي في آذار(مارس)، 2022 فإن 1.8 مليون شخص في فلسطين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويعاني 53% من سكان القطاع من الفقر، وما نسبته 64.4٪ منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
ضعف الاقتصاد الفلسطيني يجعله أكثر تأثراً بارتفاع الأسعار العالمية على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، ومثال ذلك ارتفاع سعر الطن من الدقيق في فلسطين من 350-$- إلى 550-$-، أي ما نسبته 57.14%، كما ارتفعت أسعار الفواكه والخضروات، التي تعتبر أساس النظام الغذائي، وتشير بيانات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني إلى ارتفاع الأرقام القياسية الشهرية لأسعار المستهلك للمواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 7.6% بالمقارنة مع ما قبل عامين. ويفاقم نقص التنوع في مصادر الغذاء، من تداعيات انعدام الأمن الغذائي، حيث 50٪ من ضحاياه يشكون نقصاً حاداً في المعادن والفيتامينات الأساسية.
يمكن القول، إن الاقتصاد العالمي قد شهد تضخمًا كبيراً في أعقاب التعافي من أزمة كورونا بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وانخفاض قدرة الإنتاج العالمي على تلبية الطلب، بما في ذلك المواد الغذائية. فقد أدت الحرب الروسية ــ الأوكرانية إلى انتشار العديد من الصدمات عبر أسواق الحبوب الأساسية والزيوت النباتية، بسبب سيطرة روسيا وأوكرانيا بشكل مشترك على صادرات الحبوب العالمية، والتي تمثل 30٪ من الحبوب و 20٪ من القمح. وقد أدى ذلك بالطبع إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الفلسطينية، حيث ارتفع مؤشر أسعار الدقيق في القطاع بنسبة 15٪ في شهر آذار(مارس).
وبالنظر إلى الحرب المستمرة في أوكرانيا وانعدام وجود سياسات حكومية في الوقت الحالي و تناقض الإجراءات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، من المرجح أن تبقى السوق الفلسطينية عرضة للصدمات الناجمة عن التغيرات العالمية، ونؤكد هنا على أن تحسين الأمن الغذائي مسؤولية وطنية بالدرجة الأولى، ولا يمكن تجاهل دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني. وتقع على عاتق الحكومة في المقام الأول مسؤولية دعم القطاع الزراعي في توفير الغذاء ومحاربة البطالة من خلال خلق فرص العمل ونشر الوعي والثقافة الغذائية بين المواطنين.
وتلعب منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً في الضغط على الحكومات والجهات المانحة، من أجل توجيه الأموال نحو المشاريع التنموية، ويلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في دعم سلسلة الأمن الغذائي من خلال الاستثمار في القطاع الزراعي وخلق وظائف أكثر استدامة. وهو مايسلط الضوء على ضرورة تبني استراتيجية ناجعة لتحسين الوضع الغذائي في فلسطين ككل، وفي غزة على وجه الخصوص، بحيث تكون شاملة ومتكاملة، تشمل جميع السكان في جميع المناطق وعلى جميع المستويات، ومتكاملة في القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، وتشجيع التصنيع الغذائي للاستفادة من الإنتاج الزراعي والحيواني وتحويله إلى عملية طويلة الأمد. ونؤكد أنه لا بد للمصلحة الوطنية أن تتغلب على التشرذم من خلال صياغة سياسة وطنية مشتركة والتعاون مع المجتمع المدني واقتراح سياسات عاجلة للتعامل مع الأزمة الوشيكة وذلك من خلال:
1- تلبية احتياجات المجتمع الفلسطيني من خلال بناء شراكات حقيقية مع القطاع الخاص ضمن سياسة شاملة وبناء مخازن الحبوب لتخزين المواد الغذائية، ومتابعة السعر وضبطه حسب ما يلاءم المجتمع الفلسطيني.
2- دعم القطاع الخاص ورجال الأعمال والتجار من خلال تخفيض الضرائب ومواءمتها.
3- دعم المستهلك من خلال سياسات حكومية شاملة تساعد على تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني من خلال توفير الحماية الغذائية لجميع السلع الأساسية ومنع ارتفاع الأسعار والاحتكارات.
4- دعم القطاع الزراعي لتشجيع المزارعين على زراعة القمح من خلال تقديم الحوافز وتقديم برامج تعويض عن خسائرهم المتراكمة.
5- تطوير القطاع التجاري وتعزيز اتفاقيات التجارة الدولية بما يخدم المصالح الفلسطينية.
6- على القطاع الخاص أن يلعب دوراً أوسع في الاستثمار في القطاع الزراعي.
7- على المنظمات الأهلية الضغط على الجهات المانحة لتحديد أولوية التمويل للمشاريع التي تعمل على تحسين الأمن الغذائي.
8- الإرشاد والمشاركة في التوعية في برامج خاصة تشمل المنظمات الزراعية والصحية والتعليمية التركيز على الفئات الضعيفة كأولوية في البرامج المنفذة.
(2)
أمن الطاقة في فلسطين
■ تفتقر فلسطين إلى السيطرة على مواردها الطبيعية، وعليها التحول إلى الطاقة المتجددة واعتماد آليات تحد من اعتمادها على مصادر الطاقة التقليدية، فهي بحاجة إلى التخلص تدريجياً من اعتمادها على إسرائيل، خاصة في مجال الطاقة.
ويختلف وضع أمن الطاقة في فلسطين عن غيره من الدول في ضوء الاعتماد شبه الكامل على الجانب الإسرائيلي في قطاع الطاقة، وعدم السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية المختلفة، حيث تحصل على 86٪ من طاقتها من الجانب الإسرائيلي في ظل تزايد الطلب على الطاقة وخاصة الكهرباء الأمر الذي سيتطلب خططاً وإجراءات لتلبية هذا التزايد في الطلب.
ولا يمكن لقطاع الطاقة أن يتطور دون التحكم في منطقتي «ب» و«ج» بما فيها من موارد طبيعية تم سلبها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، حيث أن التحول من أنظمة الطاقة التقليدية إلى أنظمة مستدامة ولا مركزية يتطلب توليد الطاقة ومعرفة آليات كفاءة الطاقة والتخزين والاعتماد على المركبات الكهربائية. وقد ارتفعت الأرقام القياسية الشهرية لأسعار المستهلك للمسكن والمياه والكهرباء والغاز وغيرها من الوقود قرابة 7% بالمقارنة مع قبل عامين، وبالتالي نؤكد على ضرورة بذل جهود للحد من العوائق أمام الاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال:
1- إدخال ونشر التسهيلات المتاحة للاستثمار في الطاقة المتجددة في فلسطين.
2- الحاجة إلى دعم حكومي في تحسين وانشاء البنية التحتية وشبكات الكهرباء في الهيئات المحلية المختلفة والأرياف.
3- تعزيز وتطوير المباني صديقة البيئة من خلال تطوير مهارات العاملين وإدراج مواد تعليمية في هذا الخصوص في الجامعات الفلسطينية، وتوعية المواطنين بأهمية هذه المباني ومدى جدواها مالياً على المدى الطويل.
4- تحديد المناطق الأكثر ملاءمة لإنتاج الطاقة المتجددة مع مراعاة وحماية الأراضي الصالحة للزراعة.
5- استخدام المخلفات الصلبة والطاقة الحيوية كطاقة لتوليد الطاقة.
6- وضع استراتيجية لتصحيح حالة الشبكات الكهربائية، حتى تتلاءم قدرتها على تحمل أنظمة الطاقة المتجددة.
7- إنشاء صندوق أخضر لمشاريع الطاقة الشمسية.
8- تلبية الحاجة إلى دراسات الجدوى والتشريعات المتعلقة بعملية تخزين الطاقة وإمداد الشبكة العامة بفائض الأنظمة الفردية لتأمين الطلب المحلي.
(3)
آثار التضخم العالمي على فلسطين
■ يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على الواردات من الدول المجاورة ، حيث يتم استيراد معظم السلع مثل النفط والقمح والأرز والسكر من شركاء تجاريين عالميين وإقليميين. وفي ضوء جائحة كورونا، تأثرت قنوات التوريد في جميع أنحاء العالم، وفي بعض الحالات توقفت تمامًا. وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تأثر الطلب ومستويات الأسعار بشدة. وتمتلك روسيا حصة كبيرة من احتياطيات النفط والغاز والمعادن في العالم. بالإضافة إلى ذلك ، تعد روسيا وأوكرانيا من بين أهم موردي القمح والذرة في العالم. ونتيجة لذلك، أدت الحرب والعقوبات التي نتجت إلى نقص المعروض من هذه السلع، مما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه السلع عالمياً.
وقد تأثرت فلسطين مؤخراً بارتفاع أسعار بعض السلع، بما في ذلك الدقيق والقمح والحديد والألمنيوم والحليب، إلخ، ويعود ذلك لارتفاع في الأسعار جزئيًا كما ذكرنا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 /2/ 2022، وقد تراوحت الزيادات العالمية بين 10٪ إلى 45٪ ، أبرزها حوالي 30-35٪ لأسعار الحديد، والألمنيوم بحوالي 2500 شيكل للطن، والنحاس 20٪ ، والمواد البلاستيكية والطلاء وجميع مستلزمات البناء، ومعدات الإنارة، والأعمال الميكانيكية والإسمنت والخرسانة.
لقد ألقت الأزمة الاقتصادية العالمية بظلالها على قطاع غزة من خلال الزيادة المباشرة في أسعار السلع الأساسية سواء كانت غذائية أو مواد أولية، وتتزامن تلك الزيادة مع الظروف الاقتصادية الصعبة لسكان قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 15 عامًا، والذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 40% والفقر إلى 53%.
تحاول الحكومة الفلسطينية محاربة التضخم وتركز على إبقاء التضخم منخفضا في بعض السلع الأساسية مثل الوقود والنفط والكهرباء، مع قيام إسرائيل برفع الأسعار لكل كيلو واط / ساعة . وحاولت الحكومة الفلسطينية أن تجعل هذه الزيادات لا تصل إلى المستهلكين الفلسطينيين، وخاصة الفئات ذات الدخل المنخفض. كما دفعت الحكومة الفلسطينية حوالي 12.6 مليون شيكل إسرائيلي في أذار(مارس) 2022 كدعم لتعرفة الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، تكبدت الحكومة خسائر مالية إجمالية قدرها 14.06 مليون شيكل خلال أشهر شباط(فبراير) وآذار(مارس) ونيسان(أبريل) للحفاظ على أسعار الكهرباء دون تغيير.
من ناحية أخرى، ترتفع أسعار الوقود في جميع أنحاء العالم. ومع وصول أسعار النفط إلى 149 دولارًا للبرميل، تبذل الحكومة الفلسطينية قصارى جهدها للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على المستهلك النهائي. بالتالي يجب على صانعي السياسة الفلسطينيين التوصل إلى طرق مبتكرة لمحاربة التضخم، خاصة وأن الاقتصاد الفلسطيني يفتقر إلى عناصر السيادة ، مثل العملة الوطنية ، والسيطرة على الحدود، والسيادة الاقتصادية. إن غياب هذه العوامل يحرم صانعي السياسة الفلسطينيين من الأدوات والسياسات التي يمكن أن تساعد في إدارة الصدمات السلبية.
وعلى الحكومة الفلسطينية تنفيذ عدد من البرامج، التي من شأنها توجيه الاقتصاد الفلسطيني نحو الانتعاش والنجاح في الحد من التأثير السلبي على الأسعار المحلية، مثل دعم الوقود والغذاء الأساسي والكهرباء. وتحتاج الحكومة الفلسطينية إلى أجندة سياسية جريئة وواضحة لدعم خطة اقتصادية من أجل تحويل فلسطين إلى دولة مستقلة وذات سيادة وتتمتع بالاكتفاء الذاتي. ويتحقق ذلك بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وقابلة للحياة.
ومع أن الحرب الروسية الأوكرانية انعكست على الأسعار في العالم، لكن الزيادة في فلسطين كبيرة جداً مقارنة بالزيادة العالمية، والسبب في ذلك يعود إلى عدم قيام وزارة الاقتصاد بالرقابة على الأسعار، والسيطرة على الأسواق، كذلك قيام بعض التجار باحتكار بيع البضائع دون الاهتمام بالمصلحة العامة.
ونضيف هنا أنه في إطار عدم السيطرة على أدوات السياسة النقدية والسيطرة الجزئية والمقيدة على أدوات السياسة المالية فإن السياسة المالية تضع الاقتصاد على مسار التصحيح بشكل أكبر، حيث أن السياسة النقدية تتضمن ضرورة رفع أسعار الفائدة من أجل الحد من الطلب واحتواء التضخم. بيد أن الارتفاع في مستوى الدين يزيد من الخطر على النظام المالي. وعليه تكمن أهمية السياسة المالية في دورها في التأثير على الاقتصاد على المدى الطويل من خلال الاستثمار في البنى التحتية والخدمات من التعليم والصحة، وفي الوصول إلى العدالة في توزيع الدخل، من خلال اتباع عدالة في فرض الضرائب على المواطنين واتباع نظام الضرائب التصاعدية من أجل حماية الفئات منخفضة الدخل، الأمر الذي يؤثر في الطلب على السلع وبالتالي على الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
ومن أجل التخفيف من حدة الانعكاس السلبي للأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الفلسطيني يجب اتخاذ مجموعة من الاجراءات يتمثل بعضها في التالي:
1- مراقبة الأسواق ومنع التلاعب بالأسعار للحد من استغلال التجار في السيطرة على السوق وفرض عقوبات شديدة على المخالفين ومن يبيعون بأسعار غير معقولة.
2- تعزيز مراقبة الجودة والكمية من أجل ضمان عدم التلاعب بالكمية والوزن والنوعية.
3- إنشاء جمعية حماية المستهلك، والمطالبة بإقرار قانون حماية المستهلك.
4- القيام بحملات توعية استهلاكية لتعزيز دور التجار من خلال الضغط عليهم لخفض الأسعار.
5- تعزيز دور الحكومة في السياسات الاقتصادية المتمثلة في سياسة السقف السعري والأرضية السعرية.
6- هناك حاجة لسياسة اقتصادية تعزز الدور الرقابي للأسعار والتجار،لأن من يدفع ضريبة زيادة الأسعار هم مواطنون فلسطينيون، وخاصة الفئات ذات الدخل المنخفض والمهمشة.
7- يجب على الحكومة أن تتصدى لخطر انعدام الأمن الغذائي، وأن تخفف من تأثير الأسعار المرتفعة، لا سيما على الفقراء، وأن تعزز شبكات الأمان الاجتماعي.
1/3/2023














أزمات غزة الاقتصادية ومعيقات التنمية المستدامة
■ يعاني قطاع أزمات اقتصادية ـ اجتماعية عميقة، بفعل الحصار المتواصل على يد الاحتلال الاسرائيلي وأطراف دولية أخرى، وأصبح القطاع يفتقر إلى كافة مقومات الحياة بمختلف مناحيها، بسبب عزله بأكمله عن العالم الخارجي، إلى جانب العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر، وقد انعكس كل ذلك بشكل سلبي ومباشر على معظم مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية.
وتعمقت أزمات القطاع غزة بفعل قيام السلطة الفلسطينية منذ العام 2013 بوقف الترقيات والعلاوات عن موظفيها في غزة ما أدى لتراجع القوة الشرائية، وتأثيره بشكل جزئي على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في القطاع. وفي عام 2017 قامت السلطة الفلسطينية بتطبيق قانون التقاعد الإجباري على قرابة 18000 موظف، وحسمت حوالي 50% من رواتب موظفيها، المتآكلة اساساً، نتيجة وقف العلاوات والترقيات وعدم صرف غلاء المعيشة منذ العام 2013 . يضاف إلى ما سبق أن متوسط رواتب القطاع الخاص في غزة لم يتخط 800 شيكل، أي أنه لم يصل إلى الحد الأدنى من الأجور الذي يقدر بـ 1880 شيكل. وبهذا المتوسط المتدني من الرواتب لا تزال نسب البطالة في أعلى مستوياتها ، في ظل العرض المرتفع من الأيدي العاملة وغياب فرص التشغيل. كل ذلك وأكثر انعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي والإنتاج، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل كبير، وسادت حالة ركود عامة أصابت مختلف القطاعات الاقتصادية.
■ تدل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية أن معدل التغير السنوي في الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين للعام 2022 بالأسعار الثابتة لعام 2015 قد بلغ حوالي 3.6% فقط مقارنة بـ 7% بالعام 2021، وذلك بسبب التوقف شبه التام للدعم الخارجي المخصص للموازنة الفلسطينية واستمرار قرصنة دولة الاحتلال لأموال المقاصة الفلسطينية واقتطاع ما يوازي ذلك من مصروفات الشهداء والجرحى والأسرى، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما رافقها من ارتفاع أسعار المواد الأساسية. ويعاني قطاع غزة أصلاً حالة ركود ناجمة عن تدهور حصيلة الناتج المحلي الإجمالي عقب تواصل انخفاض الإنفاق الحكومي بالإضافة إلى استمرار الانخفاض في معدلات الاستثمار الناتج عن العدوان واستمرار الحصار المفروض على القطاع، فضلاً عن تراجع معدلات الدعم الخارجي الموجه نحو للمشاريع التطويرية وموازنة «الأونروا». كل ذلك، أدى إلى تراجع معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي في القطاع ليحقق انخفاضاً هو الأدنى في السنوات الثمانية الأخيرة بواقع 2,767 مليار دولار. وساهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين عموماً قرارات واشنطن المالية المتتابعة ضد القضية الفلسطينية، وما تبعها من تقليص الدعم الأوروبي لموازنة السلطة الفلسطينية وتقليص المنح التطويرية.
■ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين في العام 2022 ، نحو 3,045 دولاراً، مرتفعاً بنسبة 4.2% عن العام 2021، وفي الضفة الغربية كان النمو بنسبة 5.1% بواقع 4,410 دولارات، أما قطاع غزة فقد ارتفع بنسبة 0.5% ليصل أدنى مستوى له على الإطلاق بواقع 1431 دولاراً، وهو ما يشكل حوالي ثلث متوسط دخل الفرد في الضفة الغربية.
وقد حققت مكونات الطلب الكلي تطورات سلبية عام 2022، نتيجة استمرار سيطرة الاحتلال على منافذ التجارة والإجراءات المرتبطة بالاستيراد والتصدير، فضلاً عن الكثير من العوامل التي أثرت سلباً على القدرة التنافسية للسلع الفلسطينية، منها الإغلاق الذي واكب جائحة كورونا ومن ثم تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، التي رافقها شح في توريدات الطاقة وارتفاع أسعار السلع الأساسية. وازداد العجز التجاري إلى أكثر من 37% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب استمرار ضعف الصادرات مقابل ارتفاع الواردات بحوالي ثلاثة أضعاف الصادرات. وعلى الرغم من تحقيق الصادرات نمو بنسبة 7.9% ، إلا أنها لم تستطع سد الفجوة مع الواردات ، التي نمت بدورها أيضاً بنسبة 7%. وأدى نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات إلى تعميق عجز الميزان التجاري ليصل إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعود إلى سيطرة إسرائيل على المعابر، ووضعها عراقيل أمام العملية التجارية ، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن وغيرها، إضافة إلى غياب السياسات الحكومية الداعمة للمنتج الوطني في ظل المنافسة مع المنتجات الإسرائيلية.
■ شهدت غالبية مكونات الطلب الكلي صعيد في قطاع غزة تراجعاً للعام الثاني على التوالي، الأمر الذي أوقع الاقتصاد الغزي في حالة ركود، حيث استمر الانخفاض في الإنفاق الحكومي بنسبة 4.2%، وانخفض الاستثمار بنسبة 13.4%، وقد استمر التباطؤ في نمو معدلات الاستثمار نتيجة لخطورة البيئة الاستثمارية في القطاع، التي تعتبر غير جاذبة أو حتى محفزة للاستثمار، الأمر الذي انعكس على رأس المال الاستثماري بشكل سلبي وعمل على تراجع دخوله في أية استثمارات جديدة.
كما انعكست الضغوط التضخمية وارتفاعات الأسعار عالمياً وبشكل تدريجي على مستوى الأسعار المحلية، خاصة وأن فلسطين تستورد معظم استهلاكها من السلع والخدمات، مما تسبب في ارتفاع المستوى العام للأسعار على مدار العام 2022، ليبلغ معدل التضخم في فلسطين حوالي 3.8% مقارنة مع العام 2021. ويعتبر هذا المعدل الأعلى منذ نحو عشر سنوات.
■ بلغ عدد العاملين ما يقارب 1.133 مليون عامل بواقع 655 ألف في الضفة و285 ألف في قطاع غزة و 193 ألف في إسرائيل والمستوطنات، حيث أن 54% من مجموع العاملين يعملون في القطاع الخاص، مقابل 24% في القطاع الحكومي و22% يعملون في إسرائيل مقابل 367 ألف عاطل عن العمل، منهم 65% في قطاع غزة. وبالرغم من التحسن في أعداد العاملين مقارنة مع الأعوام السابقة، إلا أن معدل البطالة في السوق الفلسطيني انخفض فقط إلى حوالي 24% في العام 2022 مقارنة بـ26.9% في العام 2021، ويعود الارتفاع في معدل البطالة إلى الارتفاع الكبير في معدلاتها بقطاع غزة حيث ما يقارب نصف المشاركين في القوى العاملة( 45.3%)، هم عاطلون عن العمل مقارنة بـ13.1% في الضفة الغربية، وما زال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الذكور والإناث؛ حيث تبلغ 21٪ بين الذكور و39% بين الإناث، ويذكر أن البطالة بين الخريجين الشباب (20-29) سنة من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى بلغت 48% بواقع 28% في الضفة الغربية و73% في قطاع غزة. والجدير ذكره أن نسبة البطالة في المخيمات الفلسطينية هي الأعلى حيث بلغت 38.6% مقابل 27.4 في الريف و15.6% في المدن، وهذا يدل على زيادة عدد الباحثين عن عمل في فلسطين، وتدنى قدرة سوق العمل في القطاع على استيعاب العمالة الجديدة بفعل الحصار، مقابل مساهمة سوق العمل في إسرائيل والمستوطنات في استيعاب أعداد كبيرة من العاملين في الضفة الغربية.
يضاف إلى ما سبق، أن ما نسبته 63% من العمال في قطاع غزة يعملون لدى القطاع الخاص مقابل 81% من العمال في الضفة الغربية يعملون في نفس القطاع، الأمر الذي يعكس اعتماد قطاع غزة على القطاع العام أكثر من الضفة مما يلقي الضوء على تضخم القطاع الحكومي في غزة ما بعد مرحلة الانقسام.
■ بلغت نسبة الفقر في فلسطين 29.2% ؛ بواقع 13.9% في الضفة الغربية وحوالي 53% في قطاع غزة،. وبالمقارنة مع عام 2011 ، تكون نسبة الفقر في فلسطين ارتفعت بنحو 13.2%. ونذكر هنا أن حوالي 80% من سكان قطاع غزة يتلقون على الأقل شكلاً من أشكال المساعدات، الأمر الذي ينذر بأزمة حقيقية قد تنعكس على كافة مجالات الحياة.
■ انخفضت إيرادات المقاصة بشكل ملحوظ، ترافق مع انخفاض في المنح والمساعدات الخارجية، الأمر الذي أدى إلى تراجع في الإيرادات العامة والمنح. وتستحوذ إيرادات المقاصة على ما نسبته 62.7% من الإيرادات العامة، وقد بلغت إيرادات الجباية المحلية 37.3%. وبالمجمل، حققت الإيرادات العامة انخفاضاً نسبته 3.6% في العام 2022 مقارنة بالعام 2021، كذلك انخفضت المنح والمساعدات بنسبة 7.1% لنفس الفترة،. وعلى صعيد آخر، شهد الإنفاق العام انخفاضاً بسبب انخفاض بند الأجور والرواتب، ويمثل الإنفاق الجاري حوالي 92.9% من إجمالي الإنفاق العام (42.1% أجور ورواتب، 42.8% إنفاق على غير الأجور، 6.8% صافي الإقراض، 1.2% مدفوعات مخصصة). وفي نهاية العام 2021 ، بلغ الدين الحكومي على السلطة الفلسطينية ما يعادل3,848.1 مليار دولار مقارنة مع 3,649.2 مليار دولار في العام 2020، كما بلغت نسبة الدين العام 18.5% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني خلال الربع الثاني من العام 2022.
لقد عملت إسرائيل منذ انشاء السلطة الفلسطينية على إضعاف اقتصاد قطاع غزة، سواء بالعدوان أو الحصار أو السيطرة على المعابر ومنع دخول المواد الخام تحت دواعي أمنية. وهذا يأتي ضمن سياستها طويلة الأمد بجعل التنمية الاقتصادية مستحيلة. فأصبح اقتصاد قطاع غزة هو اقتصاد الفقراء، وعليه فإن استمرار صرف المنحة الأميرية القطرية تعد استراتيجية لإبقاء منظومة الفقراء، وهذا يضاف إلى المساعدات المقدمة من برنامج الغذاء العالمي والأونروا ووزارة التنمية الاجتماعية، وتزايدت أعداد مشاريع الفقراء (بائعو السجائر أو المشروبات أو مواد التنظيف) وأصبحوا يشكلوا نسبة كبيرة من إجمالي العمال وشكلوا منظومة عمل تتعرض للاضطهاد، وتزايدت المنح والمساعدات ذات الجانب الإنساني والإغاثي وأصبح جُل الغزيين يعتمد على المساعدات، سواء النقدية أو العينية أو مزيج منها. وبرزت في السنوات الأخيرة إشكالية تفاوت توزيع الدخل والثروة، حيث تم خلق مجتمع يعاني تراجعاً في مستويات العدالة الاجتماعية، حيث برزت سلطة الاحتكارات والتغول على قوت الشعب دون رقيب أو حسيب، وصولاً إلى تفشي مفاهيم الرأسمالية المتوحشة. ورغم الحصار والعدوان إلا أن بروز «زواج المتعة»، القائم على المصلحة بين السلطة التنفيذية ومقربين من الحكم ورأس المال، في استغلال فاضح للسلطة لتحقيق ثراء فاحش، حيث تكدست الثروة في أيدي فئة قليلة ولم توظف في مشاريع إنتاجية.
وفي ظل استمرار موجة التضخم العالمية، والتشدد في الأوضاع النقدية، وتفاقم المشاكل المتعلقة بسلاسل التوريد، خاصة من السلع الأولية والأساسية، جراء استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن النتائج تشير إلى استمرار التباطؤ في أداء الاقتصاد الفلسطيني للعام 2023، مدفوعاً بتزايد حالة عدم اليقين الناتجة عن الوضع المالي للحكومة، والارتفاع الملحوظ في مستويات الأسعار المحلية، وتراجع القوة الشرائية للدخل الفردي. ومن المتوقع تحقيق الاقتصاد الفلسطيني لمعدل نمو يصل إلى حوالي 2.5% خلال العام 2023، مقارنة مع نمو قُدر بحوالي 3.6% خلال عام 2022، مدفوعاً بنمو الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري والصادرات وتحسن القيمة المضافة لغالبية الأنشطة الاقتصادية، وأن يرافق هذا الأداء انخفاض طفيف في معدلات البطالة مقارنة في العام 2022، مع بقاء مستوى الدخل الفردي دون تغير يذكر.
إن تردي الوضع الاقتصادي يعود لتراجع القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الصناعة والزراعة لصالح قطاع الخدمات وسوء الأداء الاقتصادي للسلطة، يضاف إليه بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي كرس التبعية للاقتصاد الإسرائيلي ووضع قيوداً على الاقتصاد الفلسطيني وربطه بغلاف جمركي موحد وجرده من أدواته وسياساته النقدية. ويضاف إلى ما سبق الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ العام 2006 والانقسام الفلسطيني ــ الفلسطيني وتداعياته السلبية على كافة مناحي الحياة.

معطيات وخلاصات

• يلعب الحصار المشدد والعدوان المتواصل على غزة، والذي يستهدف منشآت صناعية وزراعية وخدماتية، دوراً في تردي الأوضاع في القطاع، في الوقت الذي لا تملك فيه السلطة القائمة في غزة رؤية تنموية مغايرة للسياسة العامة التي تسير عليها السلطة الفلسطينية بشكل عام.
• تراجعت معدلات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة ، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ثمانية أعوام؛ بواقع 2,6 مليار دولار.
• انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.5% ليصل أدنى مستوى له على الإطلاق بواقع 1,431.4 دولار، وهو ما يشكل حوالي ثلث متوسط دخل الفرد في الضفة الغربية.
• شهدت غالبية مكونات الطلب الكلي تراجعاً للعام الثاني على التوالي الأمر الذي أوقع الاقتصاد الغزي في شرك الركود، حيث استمرار الانخفاض في الإنفاق الحكومي والاستثمار.
• استمرار التباطؤ في نمو معدلات الاستثمار نتيجة لخطورة البيئة الاستثمارية في القطاع، التي تعتبر غير جاذبة أو حتى محفزة للاستثمار، الأمر الذي انعكس على رأس المال الاستثماري بشكل سلبي وعمل على تراجع دخوله في أية استثمارات جديدة.
• لا يزال حجم التجارة الخارجية دون مستوياته قبل الحصار، علاوة على أن نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات عمق عجز الميزان التجاري ليصل إلى أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي.
• ارتفعت معدلات البطالة في قطاع غزة لتصل إلى 45.3% ،وارتفعت نسبة الفقر والفقر المدقع لتصل إلى 53%.
• يعمل حوالي 63% من العمال في قطاع غزة لدى القطاع الخاص مقابل 81% من العمال في الضفة الغربية يعملون في نفس القطاع، الأمر الذي يعكس اعتماد قطاع غزة على القطاع العام أكثر من الضفة مما يلقي الضوء على تضخم القطاع الحكومي في غزة ما بعد الانقسام.
• بلغ الدين العام على السلطة الفلسطينية في نهاية العام 2021 ما يعادل 3.848.1 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن هناك أزمة اقتصادية وأزمة مالية حقيقية، ودخول الاقتصاد في أزمة خسائر سنوية متفاقمة.
• ساهمت الإجراءات والسياسات العقابية للسلطة الفلسطينية بحق قطاع عريض من موظفي السلطة إضافة إلى ضرائب ورسوم حكومة غزة في اضعاف الاقتصاد، وحملت الفقراء وأصحاب الدخل المحدود أعباء إضافية.
توصيات
في ضوء تلك المعطيات والاستخلاصات تبرز أهمية الخطوات التالية في مواجهة الأزمة:
1- ضرورة إتباع نهج متوازن في معالجة الأوضاع في غزة، يجمع بين التدابير الفورية لمواجهة الأزمة، وخطوات لإيجاد بيئة مواتية للتنمية المستدامة، مثل ضمان استمرار الخدمات الأساسية كالطاقة، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتي لها أهمية بالغة لمصادر كسب الرزق للسكان، وللاقتصاد كي يعمل ويؤدي وظائفه.
2- الحاجة إلى زيادة القوة الشرائية للأسر لتمكينها من العودة إلى النشاط الاقتصادي الأساسي، وتعزيز مصادر كسب الرزق التقليدية عن طريق توسيع منطقة صيد الأسماك بعد حد الأميال الثلاثة الذي ينطوي على قيود شديدة، وصولاً إلى منطقة عشرين ميلاً التي اتفق عليها في تسعينيات القرن الماضي.
3- على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لدعم بيئة مواتية للنمو الاقتصادي عن طريق رفع القيود على التجارة، والسماح بحركة السلع والناس والتي بدونها لن يتحسن الوضع الاقتصادي في غزة أبداً.
4- ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تسرع في انتهاج السياسات وتنفيذ المشروعات اللازمة للتنمية الاقتصادية المستدامة، ومن ضمن ذلك دعم التجارة في الخدمات الرقمية.
5- الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لفك وإزالة الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإنهاء الانقسام وكافة مظاهره ومضامينه، وتشكيل حكومة موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة ذات صلاحيات كاملة من أجل إقامة شراكات ثنائية ومتعددة مع المانحين لإعادة الإعمار وإعادة تأهيل البنى التحتية الخاصة بقطاع غزة، وإعادة إنشاء الشبكات التجارية والإنتاجية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لما لذلك من أهمية في تحفيز النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل مولدة للدخل.
6- ضرورة العمل على تحسين البيئة الاستثمارية وخلق المناخ الاستثماري المشجع لجذب مختلف الاستثمارات.
7- تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية والتخلص تدريجياً من التبعية والارتهان للاقتصاد الإسرائيلي.
8- تنمية القطاع الخاص وتفعيل دوره التنموي من خلال القوانين وتسهيل الإجراءات الإدارية وغيرها.
9- إعادة النظر بالسياسات المالية الحكومية من خلال تحفيز الطلب وإعادة النظر بسياسة الأجور ووضع حد أدنى وحد أعلى للأجور لتقليص التفاوت في المجتمع.
10- بناء نظام اقتصادي يضع حداً للاحتكارات، ويقوم بتمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتبني مفاهيم الاقتصاد المنتج والمقاوم، وإعادة النظر بالاقتصاد الإغاثي واستبداله بالعمل المنتج والبدء بدعم المشاريع التنموية الصغيرة كالتعاونيات ومشاريع الثروة الحيوانية والنباتية للخريجين والفقراء، من خلال قروض ميسرة بعيداً عن استغلال البنوك وكذلك بعض المرابين الذين انتشروا بالسنوات الماضية.
11- إن الحلول الجذرية لاقتصاد قطاع غزة مستعصية في ظل الاحتلال والانقسام وسيطرة إسرائيل على الموارد والمعابر. وبالتالي، ينبغي في المرحلة الحالية تخفيف حدة المشكلة الاقتصادية من خلال تبني الاقتصاد المنتج والعدالة الاجتماعية وتمويل المشاريع الصغيرة وإعادة النظر بسياسة محاباة رؤوس الأموال على حساب الفقراء ومتطلبات التنمية■
20/5/2023



#الجبهة_الديمقراطية_لتحرير_فلسطين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدد 67 من «كراسات ملف»: النكبة في السينما الفلسطينية والعر ...
- كتاب تحت المجهر
- «تحت المجهر» ... كتاب جديد عن مركز «ملف»
- العدد65 من «كراسات ملف»: كتب تحت المجهر 6
- العدد 64 من «كراسات ملف»: «اتفاقات أبراهام» ومعضلة اندماج إس ...
- (الكلمة الكاملة لفهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقر ...
- العدد 63 من «كراسات ملف»: حكومات «الوحدة الوطنية» في إسرائيل
- بلاغ صادر عن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- العدد 62 من «كراسات ملف»: التطبيع .. المسار والتداعيات
- العدد 60 من «كراسات ملف» : انتخابات الكنيست الـ20
- التقرير السياسي الصادر عن أعمال دورة اجتماعات المكتب السياسي ...
- موضوعات في الوضع السياسي الراهن
- صدور العدد 58 من «كراسات ملف»
- العدد 57 من «كراسات ملف»: المشروع الوطني الفلسطيني وراهنية ا ...
- العدد 56 من «كراسات ملف»: الاستيطان في قرارات مجلس الأمن
- كتاب جولة أفق سلسلة الطريق الى الاستقلال (43)
- العدد 55 من «كراسات ملف»: « المسألة اليهودية ونشوء الصهيونية ...
- جديد «كراسات ملف»: قراءة في كتاب «بين مشهدين»
- «الأحزاب العربية في إسرائيل» محور العدد 52 من «كراسات ملف»
- العدد 50 من «كراسات ملف»:مقتطفات من كتاب« دولة إسرائيل ضد ال ...


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - العدد 68 من «كراسات ملف»: المؤشرات الاقتصادية في فلسطين .. 2021 ــ 2022