أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات














المزيد.....

فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7607 - 2023 / 5 / 10 - 11:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل سنوات طوال، منحتني "منصّة" تويتر Twitter علامة التوثيق Verification mark تلك العلامةَ الزرقاء التي تُمنح للشخصيات العامة لتوثيق صفحاتهم الحقيقية، وحمايتهم من التزوير. وكذلك فعلت منصتا: فيس بوك وإنستجرام فقد منحتني كلاهما تلك العلامة الزرقاء قبل سنوات. وفائدةُ تلك العلامة حفظُ الحقوق الفكرية والقانونية للصفحة، حتى لا يكتبَ أيُّ شخص كلامًا وينسبه لشخصية عامة، مما قد يعرضها للمساءلة القانونية. فأنا مسؤولة فقط عما يُكتب على حساباتي الموثقة، وليس على أي حساب مزور قد ينتحل اسمي. لأن سهولة إنشاء حساب بأي اسم من شأنه أن يخلق الفوضى والتشتت. فأيُّ شخص بوسعه أن يُنشئ حسابًا باسم أحد رؤساء العالم ويكتب عليه ما يشاء. هنا تبرز أهميةُ الحسابات "الموثقة" Verified لأنها تحمي الشخصيات العامة من تزوير الحسابات. وفجأةً ودون مقدمات، قررت منصةُ "تويتر" أن تجعل تلك العلامة بمقابل مادي سنوي! بعدما كانت مجانية كما هو الحال مع بقية المنصات حتى اليوم. وقامت تويتر بحذف "جميع" علامات التوثيق من صفحات الشخصيات العامة، إلا من يوافق على دفع ٣٥٠٠ جنيه سنويًّّّا! بعضُنا وافق على الدفع، وبعضنا رفضَ الفكرة، وأنا منهم، لأن الأمرَ هكذا قد تحوّل إلى تجارة طبقية لم ترُق لي. ومع هذا، دعوني أقرُّ بأهم ما يميز منصة تويتر عن بقية منصات التواصل الاجتماعي. إنه: "فلسفة الاختصار”. فكلُّ تغريدة في تويتر يجب ألا تتعدى ١٤٠ حرفًا! حرفٌ وليس كلمة. يعني مجردة فقرة صغيرة من بضعة أسطر. وتلك هي عبقرية الحذف، والتقشف في الثرثرة: أن تعبر عن أفكارك في أقل عدد من الكلمات.
دعوني أحكي لكم عن "أقصر رسالة عرفها التاريخ". لم تكن تلك الرسالةُ من بضعة حروف، ولا حتى حرفًا أو حرفين! بل مجرد "علامة ترقيم”! كان ذلك عام ١٨٦٢، حين سافر "فيكتور هيجو"، الروائي الفرنسي الأشهر، للاستجمام على ضفاف أحد الشواطئ، بعد شهور من الإجهاد أمضاها في تأليف روايته العظمى «البؤساء» Les Misérables التي بلغ حجمُها ١٢٠٠ صفحة من القطع الكبير. سلّم مخطوطة الرواية لدار النشر، ثم سافر. وبعد أيام من الطباعة والتوزيع، أرسلَ "فيكتور هيجو" للناشر تلغرافًا مكتوبًا فيه فقط علامة استفهام: (؟). فردَّ عليه الناشرُ بتلغراف آخر مكتوب فيه فقط علامة تعجب: (!). هل خمّنتم المقصودَ في التلغرافين؟ حسنًا، علامةُ الاستفهام تعني: (ما أخبار مبيعات الرواية؟). وعلامة التعجّب أرسلها الناشرُ ليقول: (المبيعاتُ تفوق الخيال! ).
يُدركُ كتّابُ الأعمدة الصحفية «صعوبةَ» الاختزال والاختصار، مثلما يدركُ المبتدئون «سهولةَ» الإطناب والتكرار والحشو (كما أفعلُ الآن :). الاختصارُ في الكلام أصعبُ من الثرثرة. لهذا اختتم الرئيسُ الأمريكي "إبرام لنكولن" إحدى خُطبه قائلا: "معذرة على الإطالة، فلم يكن لديّ الوقتُ للاختصار!"، وكتبها من بعده الزعيم "سعد زغلول" في إحدى رسائله. الإيجازُ سمةُ الأدباء الكبار. ونذكرُ الشاعرَ الأمريكي "إزرا باوند" الذي حذفَ من قصيدة صديقه الشاعر البريطانيّ "ت.س. إليوت" أكثرَ من نصفها؛ لتغدو "الأرضُ الخراب" The Waste Land في ثوبها المُختزل (٤٣٤ سطرًا) إحدى أشهر وأعظم قصائد التاريخ.
الإيجازُ هو البلاغةُ. وأعظمُ مثال على دِقّة القول الموجز، ما قالته "بلقيس" ملكة سبأ حين شاهدت عرشَها وقد جِىء به محمولاً. سألها "الملكُ سليمان”: "أهذا عرشُك؟" وكان به اختلاف طفيفٌ في ترتيب الأحجار الكريمة. فلم تقل: (نعم هو)، ولا قالت: (لا، ليس هو)، ولم تقل: (العرشُ به بعض الاختلافات!)، إنما أوجزت كلَّ ما سبق فى إجابة عبقرية موجزة من كلمتين فقط، وقالت: (كأنّه هو!)، وكانت تلكما الكلمتان واحدةً من أبلغ عبارات القرآن الكريم.
ولا تقتصرُ عبقريةُ الحذف على الإبداع الأدبيّ وفنون القول والكتابة وحسب، بل تمتدُّ لتشمل الفنونَ الأخرى. فهذا "بابلو بيكاسو" الرسامُ الأشهر يقول: " تتكوّن اللوحةُ عادةً من بناء طبقاتٍ لونية فوق طبقات، على نحو تراكُميّ، حتى تكتمل. أما في مدرستي، فاللوحةُ تتطوّر عن طريق حذف الطبقات والخطوط؛ حتى تصلَ إلى تجريدٍ مُتقشّفٍ للهدف المرسوم؛ بأقل عدد من الخطوط والمسطحات اللونية.”وهذا بالفعل ما تعلمناه على مقاعد قسم العمارة بكلية الهندسة. أن نرسم أعقدَ التفاصيل، بأقل عدد من الخطوط.
أعظمُ قصائدِ التاريخ هي التي لا تقولُ كثيرًا، وتُخفي أكثرَ مما تعلن. تكتنزُ بالدلالات والرموز بأقل عدد من الكلمات. وأعظمُ لوحات الدنيا تقتضبُ في الخطوط ولا تُثرثرُ في اللون. وأعظمُ السوناتات الموسيقية تضِنُّ بالنغم حتى تستنطقَ الموسيقى من أحاسيس سامعيها. وأجملُ النغمات لا تظهر إلا بمقدار مساحات الصمت التي تجاورُها. تحيةً لابني "عمر" الذي قد يمرُّ اليومُ بطوله دون أن يقول إلا بضع كلمات شحيحة، لكنه مع ذلك يقولُ ويرسمُ ويغني بأبلغ المعاني وأجمل الألوان وأعذب النغم.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!
- صانعُ الجُرم … والمشيرُ إليه!
- جميعُنا: ذَوو احتياجات خاصة
- رسائل جعفر العمدة
- غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ
- انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة
- أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!
- سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ
- التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
- في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
- شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
- أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
- في رمضان … نصومُ معًا!
- أيها الكبارُ … لن أحتفل ب عيد الأم
- مشروع الفُلك حدوتة مصرية
- هاني شنودة ... صانعُ الصِّبا والفرح
- زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم
- الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه
- واحد اتنين …. سرجي مرجي
- عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة


المزيد.....




- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات