أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه














المزيد.....

الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7544 - 2023 / 3 / 8 - 00:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


[email protected]

هل تذكرون تلك العبارةَ الساحرة التي علّمها لنا معلمونا حين كنا أطفالا في فصولنا الأولى بالمدرسة؟ العبارةُ التي كنّا نقولها في طفولتنا لمن يُغاضبُنا. كان الكبارُ يحرصون أن تتعودَ ألسنُنا الصغيرةُ على تلك الكلمة الطيبة، حين نشكو إليهم زملاءنا والصحابَ. لكن كثيرين للأسف تركوا العبارةَ الجميلة على باب طفولتهم حين كبروا؛ واستبدلوا بها كلمات الوعيد والتهديد والدعاء بالشر والويل حين يغضبون! الكبارُ الطيبون الراقون، جلبوها معهم من صندوق طفولتهم. عن عبارة: (الله يسامحك) أتحدث.
حدثتني أستاذتي د. "سوسن حسني" خريجة الأزهر وأستاذة علم اللغة التطبيقي، أن شقيقتها "فاتن" هانم، كانت تقود سيارتها في نهار القاهرة المزدحم، فكسر عليها شخصٌ بسيارته، ثم أوسعها سبًّا وإهانةً ولعنًا، فردّت عليه بكلماتٍ لم يسمعها، لأن نوافذ سيارتها مغلقة، وواصلت سيرها. كان واثقًا أنها تشتمه مثلما شتمها، فجُنَّ جنونُه وراح يلاحقُها مشيرًا لها بالتوقف، فتوقفت. أشار لها أن تفتح نافذتها، ففعلت، وسألها بكامل حنقه: “بتقولي ايه؟"، فقالت بهدوء: “باقولك: الله يسامحك!"، ومضت إلى حال سبيلها. راح يطاردها من جديد، وكسر عليها ما أضطرها للوقوف. نزل من سيارته وذهب إليها متوسلا: وظل على مدى دقائق يستميحها عُذرًا، ويرجوها أن تسامحه على تطاوله عليها، فابتسمت له مُسامحةً ومضت.
هكذا "أولاد الأصول". بوسعنا أن نستعير من طفولتنا براءتنا الطيبة لكي نُغلّف هذا العالم الصعب بمِسحة من السلام والمحبة والنظافة. فما يدنّس الفمَ، ليس ما يدخل فيه، بل ما يخرج منه. أندهشُ كلَّ الدهشة ممن يدعون على الناس بالويل والهلاك، وممن لا يترحمون على الموتى، وممن يملأون الدنيا لعناتٍ وشتائمَ وسبابًا وخوضًا في العرض! من أي طينة جُبِلَ هؤلاء؟! علّمني أبي المتصوّفُ العظيمُ ألا أدعو على أحد بسوء مهما ظلمني وآذاني. قد أشكو إلى الله ضعفي وقِلّة حيلتي، لكنْ مستحيلٌ أن أرجو لظالمي الشرَّ والهلاك. تلك إحدى مواهبي التي شكّلتُها بالصلصال في طفولتي الأولى، وخبأتها في صندوق لعبي وكنوزي، ولم أتنازل عنها، حين كبُرت.
دعوني أقصُّ عليكم حكاية من الفلكلور. غضب فلاحٌ من صديقه فقذفه بكلمة جارحة. ثم عاد إلى داره، وبعدما هدأ، ندم على ما قال. فذهب إلى صديقه واعتذر له، وتقبّل الصديقُ اعتذارَه. لكن الفلاحَ لم يسامح نفسَه، فذهب إلى حكيم القرية وقال: "أيها الحكيم، أودُّ أن تستريح نفسي، فلستُ أصدقُ أن كلمةً كتلك خرجت من فمي!" قال له الحكيمُ: "إن أردت أن تستريحَ فاملأ جعبتَك بريش الطير، واعبرْ على كل بيوت القرية، وضعْ ريشةً أمام كل بيت. نفذ الفلاحُ الأمرَ، ثم عاد إلى الحكيم مستبشرًا. قال له الحكيمُ: الآن عُدْ واجمعْ الريشَ من أمام الأبواب. عاد الفلاحُ فوجد الرياحَ قد حملت الريش وذهبت، ولم يتبق إلا القليلُ من بعثراتِ الريش، فعاد حزينًا. عندئذ قال له الحكيمُ: "كل ُّكلمة تنطق بها أشبه بريشه تضعها أمام بيت أخيك. ما أسهل أن تفعل هذا! ولكن ما أصعب أن تردَّ الكلماتِ إلى فمك. عليك إذن أن تمسكَ لسانك وتضبط ميزانَ معجمك، لئلا تضطر إلى محال جمع الريش بعد بعثرته. انتهت القصةُ الموحية.
والآن تخيلوا معي لو جعلنا من تلك الآية الكريمة: “والكاظمين الغيظَ، والعافين عن الناسِ، والُله يُحبُّ المُحسنين"، نهجَ حياتنا ودستورَنا. لو فعلنا لتبدّل العالمُ. بالقطع لا ينسحب كلمي على الجرائم التي تستوجب العقاب بالقانون لئلا نتحول إلى غابة ينهشُ فيها القويُّ الضعيف. بل أتكلم عن السلوك اليومي بين الناس أن تسوده المحبةُ والتحضر، أن نتعلّم أن نغفرَ لمن يسيئون إلينا؛ فلا نردُّ الأذى بأذىً، ولا السباب سبابًا، ليس فقط لكيلا نجرح الناسَ بسياط ألسننا، بل الأهمُّ لكي نحتفظَ بنقاء أرواحنا ونظافة ألسننا.
من الفولكلور الإنجليزي قرأتُ هذه الحكاية الجميلة. ذات يوم أعطى ملكٌ غنيٌّ سلةَ فاكهة عطنة إلى رجل فقير، فابتسم الفقيرُ وأخذ السلة إلى داره. ألقى الفاكهةَ الفاسدة ونظّف السلّة جيدًا ثم ملأها زهورًا وعاد إلى الرجل الغنيّ وقدمها له. اندهش الغنيُّ وسأل الفقيرَ: “منحتكَ سلّةً ملئى بالفاكهة العطنة، وتعيدُها لي ملئى بالزهور الجميلة؟!” فقال الفقيرُ: “كلُّ إنسانٍ يعطي من معين قلبه.” وهذا تفسير: “كلُّ إناءٍ ينضحُ بما فيه.”
ومن أدبيات تراثنا العربي أن جاريةً كانت تصبُّ الماء لسيدها حتى يتوضأ، فانسكب الماءُ منها وبلّل ملابسَه، فهمَّ بصفعها، فارتعبت خوفًا وعاجلته قائلةً:” والكاظمين الغيظَ، يا مولاي!” فكظَم الرجلً غيظَه، ورفع يدَه عنها. أضافتِ الجاريةُ: “والعافين عن الناس!”، فقال لها: “عفوتُ عنك.” فأردفتِ الجاريةُ: “والله يُحبُّ المحسنين.” فقال لها: “اذهبي أنت حرّةٌ.” ما أجملَ التحضّر والسمو!
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واحد اتنين …. سرجي مرجي
- عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة
- ذكرى مذبحة الأقباط في ليبيا
- تشارلي ... الصامتُ إذا تكلّم!
- أضيئوا بالحبِّ قلوبَكم
- أخبرني الخيميائي … عن الماكياج
- المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة
- إقبال بركة … الجميلةُ التي أقبلت
- بقلم: البروفيسور أحمد عكاشة
- كيف تقتلُ الأدبَ؟
- معرض الكتاب … على اسم مصر .. وذكرياتي
- سلاح التلميذ ... وكتابي الجديد
- سؤالٌ مُفخَّخ … في امتحان!
- مع عمر… أعيشُ طفولتي!
- مَحو الأميّة المصرية في الجمهورية الجديدة
- كلّنا واحد
- نوال مصطفى… وسامُ الإنسانية من البحرين
- حبيبتي 2022… رغم عذاباتكِ... أشكرك!
- معلّمو الرهافة … المتوحّدون
- إيه فيه أمل! عن الطفل شنودة


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه