أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - أسطورةُ التوأم















المزيد.....

أسطورةُ التوأم


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 7601 - 2023 / 5 / 4 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


هذه الحكاية، يُقال أنها حصلت في زمنٍ ملكيّ ما، في بغداد أو القاهرة أو اسطنبول. لكنني، كقارئ مُدقق في التاريخ، أعتقدُ أنها أسطورة؛ وبالتالي، من المفترض ألا يهمنا إلا قليلاً الزمانَ والمكان، الخاصين بها.
تقول الحكاية أنّ شقيقين، هما توأمُ في حقيقة الحال ومن عامة الشعب، دخلا في نزاع على الأرض، وذلك عقبَ وفاة والديهما في حادثةِ غرق قاربٍ نهريّ أو ربما بحريّ. الأكبرُ سناً من ذينك التوأم ( بنصف ساعة ـ كما كانت أمهما تتندّرُ في حياتها )، تمكّنَ أخيراً وبطريقة قانونية مشبوهة، من الاستيلاء على كامل الأرض، وما لبثَ أن باعها وانتقلَ إلى المدينة كي يُصبحَ مُرابياً. الشقيقُ الآخر، المنكودُ الحظ، غادرَ بدَوره إلى المدينة ولكن ليعمل كحمّال في مينائها.
ثمة في أعلى رابية في المدينة، كانَ يَجثمُ أضخم مبانيها قاطبةً. إنه قصرُ الملك، الذي ماتَ مؤخراً دونَ أن يُسمّي مَن يخلفه. ذلك أنه وُهِبَ توأماً، كانا قد أضحيا في سنّ الشباب عندما وقعَ فريسة المرض العضال. قبلَ دخوله في طور الإحتضار، اضطر العاهلُ إلى جعل المملكة قسمين متساويين، ليعهد بهما إلى ابنيه، متأملاً أنه بذلك يُرضي كلاهما بقسمته. لكنّ الأكبر سناً منهما ( بنصف ساعة ـ كما تذكر الحولياتُ الملكية! )، رأى نفسه كوليّ العهد الشرعيّ: بمجرد وفاة الملك الأب، وبمعاونة رئيس الحرس، عمدَ إلى خلع شقيقه ومن ثم إلى نفيه لجزيرةٍ صغيرة ومهجورة، تتصل بالمدينة بوساطة قوارب الصيادين.
نعودُ إلى الحمّال الشاب، وكانَ ذات ليلة ربيعية جالساً في مدخل كوخه، وقد انعكسَ على أفكاره بصيصُ شعلة الفنار، القائم كبرج غامض وسط المياه. الكوخُ، كانَ قد بناه بشكل عشوائيّ، مستخدماً ألواحَ سفينة عاثرة الحظ، تحطمت على صخور الشاطئ حينَ حادت لسببٍ من الأسباب عن الطريق المؤدي إلى الميناء. وعلى الأرجح، أنه كان وقتئذٍ يفكّرُ بشقيقه التوأم، الذي ازدهرت أحواله بفضل الربا، فامتلك منزلاً فخماً في أرقى أحياء المدينة. ولعل الحمّال المسكين، عزا غنى شقيقه إلى نصيبه هوَ في قطعة الأرض، المُستولى عليه جوراً وغشاً. إنه كذلك يُلاحق في فكره علاماتِ بؤسه الراهن، وإذا بقاربٍ صغير تلفظه المياهُ عند أقرب نقطة من الشاطئ حَذاء الكوخ. وهلةٌ على أثر مغادرة شبحين للقارب، مزّقت صرخةٌ جوفَ الليل، المهيمنُ بصمته الوقور على المكان المقفر. هبّ الحمّالُ من مكانه، متناولاً عصاه المستخدمة نهاراً في العتالة، فانطلقَ كالبرق باتجاه الصوت، طالما أنه أفصحَ عن نداءٍ أنثويّ للاستغاثة. سرعانَ ما دخلَ في مواجهةٍ مع ثلاثة شبان أشرار، كانوا في سبيلهم لسلب تينك المرأتين، اللتين غادرتا القاربَ للتو. هجمته الجنونية، جعلتهم يتراجعون مذعورين قبل أن يركنوا إلى الفرار باتجاه غابة الحَوْر القريبة، المنتهي دربُها الوحيد على أعتاب القصر الملكيّ.
" هذه وصيفتي. أما أنا، فشقيقة الملك! "، قالتها ببساطة إحدى المرأتين. كان الحمّالُ قد قادهما إلى كوخه كي يستريحا قليلاً، وهناك في نور المشعل الواهن بهرَهُ فداحةُ حُسْن من عرّفت نفسها بالأميرة. وكانت هذه مطمئنة إليه، بحيث واصلت حديثها لتخبره أنها كانت في زيارة سرية لشقيقها الآخر، المحجوز في الجزيرة. أعجبَ الحمّالُ أيضاً بجسارتها، بالأخص عندما رفضت بأدب عرضَهُ أن تكون بحمايته حتى وصولها للقصر. غبّ مغادرتها مع وصيفتها، طفقَ في حيرةٍ من أمره: " أكنتُ أحلم، أم أنني التقيتُ حقاً بأجمل نساء المملكة وأرفعهن مقاماً؟ ". عليه كانَ أن يبقى محتاراً في تالي الأيام. لحين أن فاجأته الأميرة، ذات ليلة، بالتسلل إلى كوخه؛ وكانت أيضاً برفقة الوصيفة. أوضحت بشيءٍ من الخجل، أنها جاءت كي تعبّر له عن الامتنان: " سهوتُ عن ذلك في حينه، طبعاً بالنظر لاضطرابي ". مع مرور الوقت، واضطراد الزيارات، كانَ لا بد للحب أن يحتل موقعَ الخجل. لكن سرّهما ما أسرعَ أن فشا، لينتقل يوماً من أفواه العامة إلى سَمَع الملك.
كان الحمّالُ في ذلك اليوم في طريقه من الميناء إلى الكوخ، لما أوقفته الوصيفةُ، المتنكرة بهيئة بائعات القماش: " عليكَ الاختفاء في مكان آمن، لأنهم اكتشفوا علاقتك بسيّدتي. حراسُ القصر، أُمروا بقتلك حيثما وجدوك ". بادرَ عندئذٍ للتوجه إلى منزل شقيقه، مُقدراً أنه أفضل مكانٍ مُتاح للتخفي: " سأمكثُ عنده مؤقتاً ريثما تهدأ العاصفة، فلا أحد في المدينة يعرفُ أنني شقيقه ". ثمة ومثلما توقّعَ، رُفضَ طلبُ ايوائه إلا لليلة واحدة. كان حكمةً من الحمّال، عدمُ إفصاحه للمرابي عن السبب الحقيقي للجوئه إليه. هذا الأخير، كونه يعيش وحيداً ولا يُغادر منزله تقريباً، فقد خفيَ عنه حكايةُ عشق شقيقه للأميرة. وبما أنّ تفكيرَهُ محصورٌ بالمال، هَجَسَ أولاً بأنّ شقيقه زاره كي يطلب منه معونة.
طمأنه عند ذلك الحمّالُ: " أتيتُ إليك، حَسْب، مدفوعاً بمشاعر الأخوّة وكي لا تنقطع صلة الرحم بيننا ". قالها فيما كان بصرُهُ يتنقل بإعجاب في أنحاء المكان، المُترف بعمارته وأثاثه. ما لم يكن يدورُ في خلده إذاك، أنه في الأثناء كانت العيونُ قد تعقّبته إلى منزل شقيقه. بعد نحو سويعة، إذا بابُ المنزل الخارجيّ يُحدث دوياً متتابعاً بفعل طرقاتٍ عنيفة ولجوجة. حالما فتحَ المرابي البابَ، صاحَ أحدُ أولئك العيون من موقفه وراء الحراس: " هذا هوَ الشخصُ المطلوب! ". شاءَ صاحبُ المنزل الاستفهامَ عن جليّة الأمر، بيد أنّ صوته اختنقَ على أثر طعنة رمحٍ اخترقت عنقه. جرّ الحراسُ الجثةَ إلى عربةٍ يشدّها بغلٌ، فطرحوها ثمة بعدما غطوها برداء صاحبها المُدمّى.
في ربيع العام التالي ( بحَسَب زعم الحكاية دائماً )، زُفّت الأميرةُ إلى حبيبها بعرسٍ شهدَهُ الخاصةُ والعامة. مرّ موكبُ الزفة الملكية بالقرب من الميناء، فتذكّرَ العريسُ بسعادة أنّ عمله كحمّال كانَ سبباً في تعارفه بحبيبته. في السوق، المُعبّق بأريج زهور الفل و والمُنار بالمشاعل، خرجَ الرجالُ المسنون إلى الطريق كي يقسموا من ثم، وكالعادة، أنهم لم يروا قبلاً عروسين بهذا الجمال. ذلك كان عشيةَ يومٍ حافل، شهدَ نهارُهُ تتويجَ سجينِ الجزيرة ملكاً بمكان شقيقه التوأم، الذي سبقَ أن انهال عليه حراسُ القصر برماحهم بعدما تآمر قائدهم مع أعيان البلد للتخلص من الحكم المُتعسّف والجائر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قفلُ العفّة
- فَيْضُ الصوفيّة
- المسيحُ السادس
- تحدّي صلاح الدين
- لقاءٌ قبلَ الغسَق
- اليهودي الأبدي
- الأمل
- أمسية من أجل جوانا
- التمثال
- مَغامِضُ منزل العزلة
- حواءُ التاسعة مساءً
- حدائق الليمون
- المُعسكر المُريب
- الحسناء والإنتحار
- التاجرُ والجنيّ
- الخرابة
- السبت المستحيل
- مساء شتائي دافئ
- الوصيّ
- مفتاح الفردوس


المزيد.....




- عرض جزائري لمسرحية -الدبلوماسي زودها-
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161.. مواعيد ...
- علماء الفيزياء يثبتون أن نسيج العنكبوت عبارة عن -ميكروفون- ط ...
- بعد نزول مسلسل عثمان الحلقة 160 مترجمة عربي رسميا موعد الحلق ...
- الإعلان الأول.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25 على فيديو ...
- إلغاء حفل استقبال -شباب البومب- في الكويت جراء الازدحام وسط ...
- قيامة عثمان الحلقة 160 مترجمة باللغة العربية وتردد قناة الصع ...
- قمصان بلمسة مغربية تنزيلا لاتفاق بين شركة المانية ووزارة الث ...
- “ألحقوا اجهزوا” جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 للشعبتين ...
- الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية.. كتاب -القضية ال ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - أسطورةُ التوأم