إيمان سبخاوي
الحوار المتمدن-العدد: 7594 - 2023 / 4 / 27 - 08:37
المحور:
الادب والفن
قابعة في تلك اللحظــة، أمــدّ ذراعيّ لمعانقة مساء قديم، أتــرنّح و كل الأشياء من حولي، أحمل فرحي الطفولي كذخيرة بخطوات واثقة مثل اليقين... يومها لم أكن أعرف شيئا عن العالم غير هذه القــرية الصغيرة التي اسمها "حوش النعّاس" و الفرح الذي تنشره بوضوح ككلمات غضّة، كالتي تقال في المعايادات، كنسيم الصباحات الباردة الذي قالت عنه عجوز ركبت معي في سيارة أجرة، هذه المدينة تتنفس عليها نافذة من الجنة، لأن أهلها أصحاب معروف و أطفالها يحملون الألواح و يذهبون للمقرأة يكررون سورهم، لا أدري لماذا ارتسمت في ذهني "إذا جاء نصر الله و الفتح" و هي تسرد بوحها. فبدت لي دار الشيوخ" أجمل لما رأيتها بعيني تلك العجوز. تذكرت يوم العيد، عندما أرسلني جدي لشراء اللحم، أحمل الكيس و أدفعه للأمام و الخلف كناقـوس حتى طفق "السلامي" يــركض خلفي بلا هوادة، رميت الكيس في بركة ماء و بدوت كلّي قطعة لحم عائمة في الوحل، و الطريق يطول كلما زادت سرعة الركض، سقطت... قلت يا الله، إنها النهاية لا عنق ينفذ من قبضة مجنون، قلبي انفصل عني و ظل ينبض خارجي، لولا تدخل كهل كثّ الشاربين قوي السواعــد نفضت الحصى العالق بركبتاي اللتين تقطران دما، كمن ينفض كلمة وحيدة تشفي الغليل ظلت لصيقة في الحنجرة مثل الخلاص. لسنوات أرى نفسي كلما شعرت بالخوف لا أتوقف عن الركض.. لا ألـتـفـت للوراء.. أصرخ و أستغيث لكن لا أحد يسمعني. للآن أخاف من الطعنات التي تأتيني من الخلف. واقفة في منتصف الأشياء عاجزة عن الركض. هذا اللّهاث حزني السائل الذي يسيح من المداخـن و يتدلى من فم "السلامي" المفتوح على الهاوية. الغصة يانعة و العبارة قوية يا حب، لكن لا إشارة تبشر بخط الوصول، لم أفلح في أن أكون أقوى و أنا حافية من اليقين، التراب قاس و الدرب يطول. اختفى "السلامي" الذي كان جزءا من ذاكرة المدينة، كالأشياء التي لم يعد بمقدورها أن تعود... في غيابك من يرتل فرحنا و قد أضعنا الطريق. و يعيدنا إلى الارتحال إلينا؟
#إيمان_سبخاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟