|
رسائل جعفر العمدة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 7593 - 2023 / 4 / 26 - 12:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رسائل "جعفر العمدة"
شيّد مسلسل "جعفر العمدة" بناءً دراميًّا متسامحًا مع فكرة "تعدد الزوجات"، وبالتدريج، وبسبب جمال العمل، ولأن لكل زوجة لونًا ومذاقًا، بدأ الناسُ يتعايشون مع الفكرة، ثم يتقبلونها، وما أن بدأ الناس في الاندماج مع نسيج التعدد، إذا بالمسلسل ينقلبُ على الفكرة ويهدمها في الحلقات الأخيرة، وينتصرُ لحق المرأة ومبدأ: "الزوجة الواحدة"، على نقيض ما فعل مسلسل "عائلة الحاج متولي" ابن عام ٢٠٠١، الذي انتصر للنهاية السعيدة بالزوجات الأربع! من جديد يثبتُ الفنان "محمد رمضان"، أنه ممثلٌ من الوزن الثقيل، في منطقة خاصة. نجح خلال هذا العمل في حشد الجماهير، من مختلف الأعمار والطبقات والمستويات الثقافية، حول شخصية "جعفر العمدة"، المعلّم ورجل الأعمال الذي يحمل من لقب العائلة صفاته؛ فكان بمثابة "العمدة" للحارة يقضي بين الناس في النزاعات ويحتكم الناسُ بأمره لرجاحة عقله ومهابته عطفًٍا على قوته الجسمانية. خلال العمل يقدّم "جعفر" تبريرًا لزيجاته الأربع، حتى خِلنا أن العمل يتشابه مع "الحاج متولي"، في تكريس تعدد الزوجات، لكننا في الأخير نكتشف أن المسلسل ينتقد التعدد، وينادي بالزوجة الواحدة. نجح "محمد سامي" مؤلف العمل ومخرجه في بناء حالة مجتمعية شديدة الخصوصية في حيّز مكاني منغلق، على اتساعه، في حي "السيدة زينب". وساعد الديكور والإضاءة في إضفاء لمسة من الأسطورية وكأنك تُطلُّ من كتاب "ألف ليلة وليلة" على الحارة والبيت الكبير الذي يضم مكتب "المعلم جعفر" في الطابق الأرضي، تعلوه بضعة طوابق في واحد منها شقة الزوجات الأربع، وفي آخر تقع شقة الأم "صفصف"، التي كانت بمثابة "الملكة" في تلك المملكة، وأدت دورها بمنتهى البراعة وخفّة الظلّ النجمة المدهشة "هالة صدقي"، ثم شقة الشقيقة وزوجها، الذراع اليمنى والصديق المخلص للمعلم جعفر، ثم شقة للشقيق الأكبر "سيد العمدة" ضعيف الشخصية والذي هدمته زوجته الطامعة الخؤون، وأما الطابق العلوي فيضم شقة "جعفر"، عميد تلك الإمبراطورية، الذي يضع في إصبعه أربع دبلاتٍ فضية، مصفوفاتٍ في ترتيب تحمل كلٌّ منها اسم زوجة وفق الأقدمية. وفي شقته هذه يستقبل كل ليلة واحدة من زوجاته وفق جدول زمني مكتوب بالطبشور على سبورة في شقة الزوجات. وتنتظر كل زوجة "ليلتها بشغف وترقب وفرح. رسم السيناريو للزوجات طعومًا مختلفة ونكهاتٍ خاصة، جعلنا، نحن المشاهدين، نحبّ كلاًّ منهن بطريقة تناسب شخصيتها. الزوجة الأولى: "ثريا"/"مي كسّاب"، امرأة بسيطة خفيفة الظل رغم حزنها الدفي على ابنهما الأوحد الذي اختُطِف يوم مولده منذ ١٩ عامًا، وينطلقُ الصراعُ الدرامي حول رحلة البحث عن الابن المفقود، الذي أدى دوره ببراعة الفنان "أحمد داش"، فقدم نموذجًا للشاب العصامي الجاد. وبسبب فقد الابن، يمنع “جعفر” زوجاته من الإنجاب. الزوجة الثانية: “دلال"/ “إيمان العاصي"، امرأة ذكية تهتم بجمالها وأناقتها وهي الحب الأوحد لجعفر، ولولا تعثر زواجهما مبكرًا، ما لجأ إلى الزواج من الأولى، ولهذا كانت تشعر بأحقيتها منفردة في الزوج، وهو ما دفعها لارتكاب جرائم مخيفة لا تتكشّف إلا في نهاية المسلسل. وأما الزوجة الثالثة، فهي "نرجس"/ "منّة فضالي"، فاكهة البيت الظريفة بما تصنعه من مكائد وأسحار لاكتساب قلب زوجها. وفي الحلقات الأخيرة سيكون لها السبقُ في إضاءة أول مشعل تنوير حين تنسحب من "ماراثون" الزيجات، وتطلب الانفصال عن زوجها، رغم حبها له، وكذلك تفعل الزوجة الرابعة، "عايدة"/"زينة"، ابنة الجامعة الأمريكية وحي الزمالك التي تتزوج جعفر لصفقة، ثم ترد له أمواله وتتركه، رغم حبها له. تلك هي الرسالة التي يقدمها لنا المسلسل. البسيطة "نرجس"، التي لم تنل حظًّا من التعليم، شعرت بإنسانيتها وقررت الخروج من سباق "الضرائر"، لأنها تستحق ما هو أكرم من أن تكون سطرًا في جدول زمني، تتنافس فيه مع أخريات على ليلة تفوز فيها بفِراش زوجها، وقبل أن تغادر البيت، أمسكت بالباشاورة ومسحت اسمَها من الجدول، لتتنفس نسيم الفردانية والانعتاق والاعتداد بالنفس. وفعلت الأمرَ نفسَه "عايدة" خريجة الجامعة الأمريكية، فهجرت ذلك السباق، وضحّت بالثروة الهائلة: ٤٠ مليون جنيه، التي أمهرها بها زوجها، وردتها إليه، لكي تستردّ نفسَها. وقبل هاتين الزوجتين اللتين رفضتا أن تكونا رقمين في جدول، كانت أم الزوج، المستنيرة على بساطتها، الرافضة للتعدد، وكان مثالُها زوجها الراحل الذي لم يعدد عليها. عقدان من الزمان في مشوار التنوير يفصلان بين عملين دراميين ناجحين؛ تسامَح الأولُ مع فكرة تعدد الزوجات: "عائلة الحاج متولي"، ونافحه الثاني: “جعفر العمدة”، بهدوء ودون تشنج ولا مباشرة، لولا المشهد الختاميّ الذي يحنُّ فيه الزوج إلى ماضيه، والذي أخذناه على محمل المزاح، رغم جديته. وأما الرسالة الختامية الجميلة فكانت اقتراب "جعفر" من الله وهجره المتاجرة بعوّز الناس بالمراباة. تحية لصناع العمل الجميل.
***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ
-
انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة
-
أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!
-
سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ
-
التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
-
في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
-
شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
-
أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
-
في رمضان … نصومُ معًا!
-
أيها الكبارُ … لن أحتفل ب عيد الأم
-
مشروع الفُلك حدوتة مصرية
-
هاني شنودة ... صانعُ الصِّبا والفرح
-
زوجةٌ عظيمة ... لزوجٍ عظيم
-
الله يسامحك! … السِّحرُ كلُّه
-
واحد اتنين …. سرجي مرجي
-
عيد ميلاد عمر ... خارج الشرنقة
-
ذكرى مذبحة الأقباط في ليبيا
-
تشارلي ... الصامتُ إذا تكلّم!
-
أضيئوا بالحبِّ قلوبَكم
-
أخبرني الخيميائي … عن الماكياج
المزيد.....
-
فيديو.. إصابات في إطلاق نار في حي يهودي في نيويورك
-
يسرائيل هيوم: أنباء عن 7 مصابين في حادث إطلاق نار بحي يهودي
...
-
3 قتلى في إطلاق نار بحي يهودي في نيويورك
-
راهبة أمريكية: حماس حركة مقاومة تدافع عن شعبها.. والمسيحيون
...
-
الاحتلال يغلق مدخل سلفيت الشمالي
-
الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في -إسرائيل- يهاجم نتنياهو و
...
-
كنائس بروتستانتية تدعو الحكومة الهولندية للاعتراف بدولة فلسط
...
-
الرئيس السوري يؤكد دور الكنيسة في ترسيخ أواصر المواطنة والوح
...
-
إيهود باراك: نتنياهو يكذب كما يتنفس.. وترامب لا يفهم شيئا في
...
-
راهبة أميركية: حماس حركة مقاومة والمسيحيون يعانون بسبب الاحت
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|