أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - أين مظفر ؟... إنعام كجة جي














المزيد.....

أين مظفر ؟... إنعام كجة جي


مظفر النواب

الحوار المتمدن-العدد: 7584 - 2023 / 4 / 17 - 00:01
المحور: الادب والفن
    


ـــ أين مظفر ؟ ...


إنعام كجه جي ـــــــــــــــ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




لم نكن نعرف أين نشتري دواوينه، لكنّ قصائده كانت تصلنا منسوخة بخطّ اليد ومخبأة في جيوب زملائنا في كلية الآداب، مثل المنشورات السريّة. ففي تلك الظهيرات الساطعة لبغداد 1970، حين كانت الثنائيات العاشقة تتمشّى تحت الأشجار الرؤوم لحي الوزيرية، بين كلية التربية وأكاديمية الفنون، فإنّ البنات لم يكنّ ينتظرن سماع كلمات غزل تقليدية بل أبياتاً عامية لم يطرق الآذان مثلها من قبل. من الشاعر؟ مظفر النواب.

كنا نحفظ عن ظهر قلب أبياتاً للرصافي والجواهري والسياب، إلى أن جاءنا زميلنا رياض الوادي، في جيب قميصه الملاصق للقلب، بتلك القصيدة الملعونة المباركة الشتّامة المقذعة المارقة الغاضبة الجارحة المتمرّدة السافرة المحرّضة والمختلفة. مختلفة عن كلّ ما عرفنا من شعر، وخارجة عن كلّ اللياقات والنصوص. ومن يومها، انزرعت «القدس عروس عروبتكم» على الألسن وأخذت مكانها بين المحفوظات. كان سعيد العويناتي، زميلنا البحريني في قسم الصحافة، أكثر المأخوذين بالقصيدة. دفع حياته ثمناً لانتمائه لليسار. ثم صارت قصائد مظفر النواب تأتينا على الحنجرة الملتاعة الياس خضر، مغنّي «للريل وحمد» الذي يستحق أن يكتبوا في هويته، في خانة المهنة: مقطّع نياط القلوب.

ثم جاءت «جنح غنيدة» و«ألمح عمتي من بعيد/ وتضمني بعبايتها/ عمّة الشمس ماتت وأنت ما ردّيت/ عمة الشمس ماتت وآنا ما ردّيت/ رديلي الفرح/ ردّيت/ معضد باب يبجّيني وأحن حنّة حمامة بيت». كم كررناها بالغناء حيناً، وبالهمس الرهيب تارة، وبالدمع مرّات. صار مظفر النواب أُسطورة أول الشباب، نتلفّت نبحث عنه، فنسمع أنه في بيروت، في دمشق، في عدن، مع ثوار إريتريا، مع فدائيي فلسطين، هو في الخرطوم... المنافي تدور والسنوات تترى والشاعر الذي عبر ثلاثينه على «جنح عصفور» بلغ الثمانين ولم يعد «العمر طوفة طين»، كما كتب لغنيدة، حلوة الحلوات. وبغداد دخلها الأميركان وبابها كان مردوداً وقفله مستعصياً و«ما رهمن ولا مفتاح».

في بيته الريفي في النورماندي، أهداني الرسام أرداش كاكافيان نسخته المهترئة من ديوان مظفر. كان ثملاً دامع العينين وهو يروي وقائع اعتقالهما في بغداد، مع حشد من الرفاق. لم يكن الفنان الأرمني يومها سوى فتى بسروال قصير، راح مع رفاقه الكبار «بين الرجلين». وفي ذلك البيت الذي استضاف شعراء كثيرين، قرأنا قصيدة بلند الحيدري التي يسأل فيها: «أصحيح يا مظفر/ ظل ذاك الغصن رغم الموت/ أخضر؟». فقد ظلّ مظفر النواب الغائب الحاضر في كل مكان.

كم ارتفعت قامتي، وأنا أصل إلى باريس للدراسة، أن أجد زملائي من تونس وموريتانيا والجزائر وسوريا يحفظون قصائد مظفر النواب ويتغنون بها في الجلسات. هذا شاعر من عندنا منح لمفرداتنا العامية فصاحة نابعة من بلاغتها. وكانت صديقة عراقية تفرش أمامي، رسائل ومناديل ورقية موقعة بخط الشاعر، كتب لها فيها ما يقوله الرجل وهو يبحث عن المرأة المستحيلة والوطن المستحيل. لماذا لا تنشرين هذه المخطوطات؟ تلملم «فاء» كنزها الصغير وتسكت كما سكتت شهرزاد عن الكلام المباح.

ما أيسر القفز من باريس إلى لندن. نسمع أن مظفر النواب سيقيم أمسية هناك فنسرع ونحجز أماكننا في القطار السريع. قطار حديث يعبر تحت بحر «المانش» في ساعتين ونيف، لا يشبه «الريل» المذكور في القصيدة المشهورة إلا في طيف الشجن الذي يرافق قاطع المسافات، السارح وراء النافذة. نصل ونتوجه من المحطة إلى القاعة الفخمة للجمعية الملكية. نجلس في المقاهي ننتظر موعد الحفل. لم نأتِ لنتفرج على المدينة بل من أجله وحده. نصغي إلى الشاعر الذي عثر على الحنجرة المثقفة للباحث سعدي الحديثي، دكتور برتبة مُنشد، وشكّل معه ثنائياً لطيف الانسجام. لم يعد يقرأ شعره كما نحيب الندابين. يلقيه بصوت أجش تاركاً لحادي العيس التغزل بـ «زين الأوصاف» في البادية.

لست أفضل من يكتب عن مظفر النواب ولم أعرفه عن قرب. لكنني مثل كلّ العراقيين أحببت شعره وشغلتني صورة الشاعر المنفلت الضارب في المتاهات. في المنامة، سمعته مع سعدي الحديثي لآخر مرة، وقد احتشدت الصالة بجمهور خليط. وجهاء جدد وسياسيون معتزلون ومناضلون مخضرمون ومثقفون توّابون تطربهم الكلمة وتشجيهم أصداء ما فات. وعندما ارتفع صوت الشاعر بمطلع «مرينا بيكم حمد»، انفجر التصفيق وصرخة الاستحسان. كنا كلّنا نحفظ القصيدة، وننتبه لمفارقات الاسم.




ــــ عن جريدة المدى لإلكترونية ...العدد 5189



#مظفر_النواب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع علاء حسين البشير الصديق الأقرب لمظفر النواب
- تشومسكي ومظفر النواب
- ومضات نوابية
- وصلات في العشق النوابي وداعا ايها النهر الثالث
- الوتريات الليلية .... حمزة البشتاوي
- علي جعفر العلاق وعلاقته بمظفر النواب
- مظفر النواب والتشكيل
- تحليل سايكولوجي لابداع مظفر النواب
- عن مظفر النواب محمد مبارك
- على نفسه يستدير سديما
- المعلم ذو المحضر السمكي
- أقسمت باسمك ياعراق
- رهان ...
- قف بما فيك
- قصيدة لم تنشر ...
- فتى جنين
- نارا ... من قصائد الانتفاضة الفلسطينية
- ثلاث اقتباسات ..
- واهراه ..
- ذكريات فرح حزين


المزيد.....




- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظفر النواب - أين مظفر ؟... إنعام كجة جي