عشتار الفصول:12816 الرسالة الثانية للبرفسور جورج صليبا.

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)

الحوار المتمدن-العدد: 7579 - 2023 / 4 / 12 - 22:13
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

ماذا يحدث عندما لا يكون الباحث إلا عبداً ومسيراً من قبل الآخرين؟!!
ربما تُخالفني الرأي، أو تكون معي. لكنني عندما أكون على قدر من الوضوح ولديّ ما يؤهلني إلى قول الحق وأتمسك بالحقيقة التي تُجسد لحظة قناعة العقل بالموضوع المعروض لإنتاج مادة لها قيمتها. فلن أهاب ولن أحسب للكلفة التي ستكلفني لموقفي من الحقيقة النابهة. وإذا خالفتني لمجرد الخلاف فذاك سيؤدي إلى نتائج كارثية. وما يهمني هو ألا تُظلم الحقيقة مهما كانت النتائج. سيما وأنت تعترف في داخلك بها وبأنك ظلمتها. وأما عدم إقرارك باللسان فهذا تابع لموضوع الكبرياء وضحالة عقل الباحث وهو كالأعمى والأحمق لا يريد أن يفهم الحقيقة كما هي.
كن مفكراً وأكبر أستاذ جامعي وتمتع بسمعة فائق التقدير. إنما حين أسمع لكَ ولأني لست كباقي الطلبة وإنما أعدّ نفسي بأنني زميلاً لكَ سواء في المعارف أو المناهج البحثية وحتى تقارب الأعمار بيننا على الرغم أني لا أسمح لنفسي أن أقلل من شأنك ووظيفتك ومكانتك في الجامعات الأمريكية. فهذا لم أمارسه لكنني بالحقيقة مشاكس إيجابي ولا أُقحم نفسي في موضوع لا أملك ناصيته وديدني المشاغبة التي تؤدي إلى الحقائق عبر مجموعة أسئلة تتضمن إجاباتها والتي نكتشفها من خلال مفهوم أو منهج اللغة وقراءة النص أو الوثيقة الذي يؤدي دوما إلى تحصيل علمي نستطيع أن نؤسس بعده لعلاقة إيجابية. ولكن الذي رأيته وسمعته منذ البارحة وحتى اليوم من البرفسور جورج صليبا في الحلقة الثانية من الفلك شيء يدعو للدوار والغثيان.
منهجية هذا الرجل تقوم على اقتطاع البدايات وبتر ذكر ِ أيّ معلم للتلاميذ الذين يذكرهم. وبهذا فإن منهجه يقوم على عدم الكشف عن الجذور الحقيقية للعلوم التجريبية وغيرها من علوم نظرية وتطبيقية وفلسفية ونفسية ورياضية.
استمعتُ له في حلقة عن الفلك ورقمها 2. وجدته واسع المعارف والعلوم ويستحضر شخوصه بكل أريحية ولو أن محدثه كان يُقاطعه طويلاً لتترك تلك المقاطعة انقطاعاً في رصد المعلومات من قِبل المشاهد والمستمع وهذا في علم تهيئة المذيع والذي يُجري مقابلات غير مستحب وهذا ما حدث مع البرفسور جورج صليبا. ورغم هذا وجدته لا يريد أن يقترب من الينابيع الحقيقية لعلم الفلك بل ذهب إلى الجداول الصغيرة التي هي بالأساس أخذت من تلك الينابيع ونعلم كم من معارف جيرتها لصالحها سيما أن من قام بترجمتها قد مات أغلبهم. ويعتبرونها من الإرث الإسلامي لهم الحق في التصرف بها كما يشاؤون.
الأستاذ جورج صليبا أنت تعرف بأن دار الحكمة في بغداد كانت قد تأسست في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عام 830 ميلادية على يد المأمون وازدهرت في عصر المنصور والتي ضمت بين جنباتها أفذاذ وجهابذة المعرفة وخاصة أولئك الذين يلمون بالترجمة من اللغات الأعجمية إلى السريانية وكانوا من (الآراميين والأشوريين والكلدان) وأولهم وأهمهم يوحنا بن ماسويه وجبريل بن بختيشوع وحنين بن اسحق وابنه ونينان بن اسحق الذي ترجم للفيلسوف اليوناني أبقراط. وكذلك بني موسى بن شاكر المنجم (الفلكي) ويحيى بن عدي وحبيش بن الحسن الأعسم وأيوب الأبرش الرهاوي ويحيى بن البطريق وقسطا بن لوقا وغيرهم. وكان هؤلاء قد تعلموا في المدارس السريانية لابل في الأكاديميات السريانية وأهمها:
أكاديمية نصيبين والرها وقنشرين وأنطاكية وتلعدا وحرّان وقرتمين في طورعبدين ودير زوقين الذي كان مدرسة مار يوحنا بالقرب من ديار بكر( آمد) ومدرسة دير حنانيا قرب ماردين( دير الزعفران اليوم ) ومدرسة دير ماربرصوما بملطية ومدرسة رأس العين ومدرسة تل مجدل شرقي جنوبي قرية تل هرمز الآشورية على الضفة الجنوبية لنهر الخابور وأكاديمية طابان على الضفة الغربية لنهر الفرات ومدرسة تكريت وغيرها من مدارس لا تُعد ولا تُحصى .جاء ذكرها في كتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين وهكذا يُشير إليها وإلى أهميتها والعلوم المتنوعة التي كانت تُدرسها إضافة إلى العلوم اللاهوتية شوقي ضيف في كتابه العصر العباسي الأول .وهناك العشرات من الكتّاب الذين أشادوا بالسريان كونهم هم ليسوا فقط نقلة للعلوم والمعارف اليونانية والفارسية والهندية للعربية بل كانوا يدرّسونها في مدارسهم وكانوا على دراية من أمرها وعالجوا أغلبها إلى السريانية قبل أن بدأ عصر الترجمة في دار الحكمة ببغداد .
أن الأستاذ جورج صليبا له منهجية أخالفها لكونها تقتطع عمداً معرفة البدايات للعلوم التي يأتي على ذكرها .وأراه يُغيبها عمداً ليُفاخر بالطلاب دون معلميهم ومن نقلوا لهم تلك المعلومات وكأن المعلمين مساً من الجنون سيُصيب المستمع إليه ليرسخ في أذهان غير العارفين بأن هؤلاء فقط هم الذين أسسوا هذه العلوم المتقدمة . وهذا الخلاف لا أبنيه على أسس عاطفية ولا مزاجية. وإنما من منطلقات وأسس علمية في البحث وإنتاج البحوث المكتوبة أو المسموعة لأنه من الواجب والأسس السليمة والتي يجب أن يتقيد بها الباحث النزيه وليس المذي فقد سيطرته على سلوكيته هو أن:
1= أن نبدأ في استدلالنا واستقرائنا وعرضنا وتقديمنا للأسس الأولية لكل علم من العلوم والطبيعة الجغرافية والتاريخية والاجتماعية والسياسية التي تشكل ضمن محيطها. ثم نأتي على معلمي البدايات ودورهم الفاعل والفعّال. ولا بأس إن تناولنا بعدها التلاميذ. ويُعد تهميش البدايات والمكوّنات الأساسية والأسباب الموجبة لهذا العلم وذاك عملاً فيه من القرصنة الحقوقية والوجدانية ويدل على أن الكاتب أو المتحدث يُعتبر بمنزلة القراصنة.
2= ثم سؤال هل يهمنا من النهر منبعه أم مجراه أم مصبه وإذا كُنا على شطآن مصبه لابد نتتبعه حتى النبع لأن من النبع يأتي ماؤه.
3= يسمي الأستاذ جورج صليبا في حواره وإجابته على أسئلة المحاور في حلقة الفلك رقم 2 عن أن الشعوب التي سبقت عصر الترجمة بالشعوب العربية. وهذه أيضا مخالفة علمية وتاريخية. فالشعوب التي سبقت عصر الترجمة ياسيد هم السومريون والبابليون والأكاديون والآشوريون والآراميون والفينيقيون أهل سورية هم والآراميون . فليس من المعقول تختصر تسميات هذه الشعوب بتسمية عربية وأنا لستُ ضد التسمية العربية في عصر تلك الشعوب إلا تلك الذين كانوا يعيشون على الصحراء السورية وعلى وجه الخصوص غربي الفرات . إن الباحث النبيه عليه ألا يكون قرصاناً من قراصنة البحار . لأنني وجدتك قد فقدت السيطرة على نفسك ومنزلتك العلمية لقاء المال الذي يمنحونه لك كمكافئة لأتعابك على تسجيل هذه الحلقات . والطامة الكُبرى إذا كُنت تعلم طُلابك بنفس المنهجية الإلغائية والإقصائية لأصحاب العلوم والترجمات عندها تكون من الذين نسميهم بالعامية من الجزارين والقتلة وعديمي الوجدان لأنك تريد أن تمحو الحقيقة وتضع مكانها تلاميذها والسؤال هل ترضى أن يأتي طالبك ويتعلم علومك ثم عندما تؤهله الظروف ليكون معيداً في نفس الجامعة ولنفس المادة يقول بتلاميذ تلاميذك ولا يأتي على سيرتك هل تقبل هذا فإن قبلت هذا فوالله كل مقالتي هذه عبث في عبث .
إن هذه النقطة وحدها تضعك أمام استحقاق أنكَ لست بباحث نزيه وها أنت تخلط الأوراق لصالح تسمية كانت آنذاك أصلا غير موجودة على ساحة العلوم العملية والتجريبية والفلسفية والطبية والفلكية .وعلينا جميعاً تقع مسؤولية أن نعرف بأن دار الحكمة في بغداد كانت بمثابة مؤسسة ثقافية واسعة الأرجاء والتخصصات وعندما جاء هولاكو عام 1258م . إلى بغداد وقبل الاجتياح تمكن نصير الدين الطوسي من إنقاذ حوالي 400 ألف مخطوطة من التلف. تصوروا 400000ألف حيث نقلها إلى مراغة التي تقع في شمال غربي إيران وهذا الرجل يُعرف بأبي جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (18 فبراير 1201 - 26 يونيو 1274)، المعروف باسم نصیر الدین الطوسي عالم فلكي وأحيائي وكيميائي ورياضياتي وفيلسوف وطبيب ويُقال بأنه هو الذي باع العباسيين للمغول. وقد أُطلق عليه لقب الفيلسوف الخائن لأنه ساعد المغول كما قلنا لفتح بغداد وغيرها وهو الذي كانت له سطوة لنقل تلك الآلاف من المؤلفات والكتب إلى مراغة وهناك تم اللعب بالحقائق وأصبح الجاهل عالماً.
أجل بعد أن هدأة الأحوال بدأ طلاب المعرفة يتوافدون عليها وينتقون من العلوم المترجمة بواسطة جهابذة السريانية إلى العربية، ولا يمكن أن نقول بأن هؤلاء الطلاب كانوا بسطاء وسذج بل بالعكس كانوا على قدر من الذكاء ومحاكاة العلوم اليونانية المترجمة أمامهم.
والأمر الأخر الذي يقف عنده المعني بالأمر البحثي هو أن الأستاذ جورج صليبا قد أسند أن العلوم الفلكية كلها ليست نتاج معرفي يوناني وليست نتاج الترجمة السريانية للعربية بل هو علم من علوم عرب البوادي
وردا ً عليك أقول لك بكل ثقة ٍ ألا تخاف ربكَ وتخجل ياهذا؟!! وهل أصحاب البوادي يُنتجون كالعلوم الفلكية بقياسات آشورية يارجل خاف ربك .كل الذي عليه أهل البوادي علوم الاقتفاء . اقتفاء الأثر ومعرفة الأوقات وهذه أيضا تعلموها كما تعلم من تعلم على أيدي أجدادك الموارنة والآن يتحدث على أنه عالم زمانه وناكر فضل الموارنة عليه .وهذه أيضا من الظلم بمكان .
أما الجزئية التي تتناول الفلسفة .فأتفق إلى أن الفلسفة اليونانية والمعارف الفلكية والطبية التي امتلكها اليونانيون وطوروا بها هي ابنة بلاد مابين النهرين بتاريخه الممتد من السومريين إلى البابليين فالأكاديين والآشوريين والآراميين والفينيقيين . وفي العلوم الفلسفة على وجه الخصوص.
تلك التي انتقلت كما بقية العلوم من بلاد مابين النهرين إلى مصر ونزل من مالطة شخص اسمه ثاليس على ماذكره أوسابيوس القيصري في تاريخه المسمى خرنيقون ( وقيل هو أول يوناني صار إلى أرض مصر وأخذ الحكمة من القبط ،ثم رجع إلى ملطية. وهو أول من أظهر لقومه الحكمة بحيث أنذرهم بكسوف الشمس والحقيقة حدث الكسوف في نفس اليوم الذي عينه. وعندها تتلمذ على يديه العديد من المفكرين وكانت الحكمة قد أخذها القبط عن الكلدانيين ولم يكن لليونان قبل ثاليس من حكمة لأنهم كانوا كالعرب أمة شعر وملاحم وأمثال وخطب .
لقد أوردنا كل هذا لنعود إلى الينابيع ولايجوز أن نقتطع العلم وننسبه لغير أهله إلاَّ إذا كانت لنا غاية لاتمت بصلة إلى الباحثين الموضوعيين والنزيهين.
وعليّ أن أؤكد بأن دار الحكمة تم حرقها ورمي آلاف من المخطوطات والكتب في نهر دجلة على يد هولاكو عام 1258م وفي عام 1400 تعرضت أيضا للخراب والدمار على يد تيمورلنك حيث نهب الكتب وأخذ معه العلماء والشعراء والمهندسين إلى سمرقند.والمرة الثالثة التي تعرضت للنهب والسلب والحرق والتخريب كان عام 2003م عندما سقطت بغداد بيد القوات الأمريكية التي جاءت بأجنداتها الوهمية وحدث ماحدث في العراق حتى اليوم..
في ختام هذه الجزئية .
نختلف عندما يوجد سببا للاختلاف ومن المناهضة النزيهة نصل إلى نتائج إيجابية. إلا أنني أؤكد لاغاية لي مع هذا الرجل إلا أنه مع كل أسف أضاع بوصلة الباحث النزيه وفقد السيطرة على الوقوف في وجه من يشوهون التاريخ والحقائق ليتم عرضها عبر حلقات وجعلوه في الواجهة كماسخ للتاريخ المشرقي وبهذا فهم يُتابعون مسيرة أولئك الذين غزوا وقتلوا ونهبوا واغتصبوا واستولوا على العلوم والمقدرات ونسبوها لهم تحت قوة وحد السيف.
وأنت أحدهم يا أستاذ جورج صليبا. العلوم الفلكية ياسيد أبدعت فيها حضارة بلاد مابين النهرين الممتدة لآلاف السنين وأما الذين تذكرهم فهؤلاء تلاميذ أولئك العظام كان أولى بك أن تذكرهم في المقدمة وتجعلهم أسياد منهجيتك البحثية لكن مع كل أسف أقولها كثيرون من المهرجين على مسارح الغرباء يضحكون ولكنهم للحقيقة يظلمون .
إن كُنت باحثاً قل الحقيقة . علينا أن نفرضها حتى على من لايريدها. لأنه لابد أن يستيقظ وإذا لم يستيقظ فإنه أكبر لص وقاتل وسارق ومغتصب للحقوق يا دكتور جورج صليبا.
والرجال في ساح الوغى يعرفون وليس بما حصدوه من خلال جولتهم الجهادية في حقول العلوم الفلسفية والطبية والفلكية والرياضية وحتى أخر ثقب أزرق أو أصفر أقول لك عليك أن تُعيد في حلقة شاملة أهمية المبادئ الأولى والعِظام فهؤلاء هم من علمونا وعلينا يجب أن نتذكرهم ونشيد بعلومهم ...
وللحديث صلة في موضوع آخر.
# المدرّس اسحق قومي . شاعرٌ وأديب وباحث سوري يعيش في ألمانيا.12/2023مز

#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات