أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - توماس برنابا - كتاب شمس الرجاء (13) --- الفصل الحادي عشر --- القصة الحادية عشر: رجاء الفقراء















المزيد.....

كتاب شمس الرجاء (13) --- الفصل الحادي عشر --- القصة الحادية عشر: رجاء الفقراء


توماس برنابا

الحوار المتمدن-العدد: 7574 - 2023 / 4 / 7 - 13:21
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


- صباح الخير يا سادة.. الشاي الذي طلبته مضبوطًا يا أستاذ عادل.. والقهوة السادة التي طلبتها يا أستاذ جمال.. والحلبة الحصىّ التي طلبتيها يا أستاذة عَلية.. صباحكم سعيد!

- صباح النور يا عم مجاهد..

- ماذا بك يا عم مجاهد.. مالك مُكفهر الوجه.. كيف يمكن أن يكون هذا الصباح سعيدًا بهذا الوجه؟!

- أنني أتلمس قبسًا من السعادة من أي شيء يصادفني بعد قرار مجلس إدارة الشركة الأخير بتخفيض العمالة بسبب الخسائر التي حلت بها..

- هل كان اسمك من بين المُسرحين عن العمل يا عَم مجاهد؟

- نعم يا أستاذة علية، وأخر يوم لي في العمل الخميس المقبل..

- ياللرجل المسكين! نحن أيضًا، يا عم مجاهد، طالتنا الموجة، فقد خُيَّرنا ما بين تخفيض رواتبنا للنصف أو ترك العمل! ولكننا فضلنا البقاء كما ترى..

- يا أستاذ جمال أنا ساعٍ بسيط.. راتبي الكُلي 1600 جنيهًا شهريًا.. وأنا قد خدمت هذه الشركة أكثر من عشرين عامًا إلى يومنا هذا.. فلماذا يستغنوا عني بهذه البساطة؟

- لم يحدث الأمر معك وحدك يا عم مجاهد.. لا تأخذ الأمر بمحمل شخصي.. فقد حدث هذا التخفيض مع 25% من عاملي الشركة، وتخفيض أجور 50% آخرين من موظفي الشركة إلى النصف..

- ولكن لماذا يقع عليَّ أنا الأختيار؟ أنا العامل الأقدم في هذه الشركة؟ فهل لأن راتبي 1600 هو الأعلىَّ؟! هل لأني صاحب مرض، بل أمراض؟! فأنا أعاني من أمراض الضغط، والسكري، والروماتيزم... وجميعها أُصبت بها أثناء خدمتي في هذه الشركة! فلماذا أنا؟! لماذا أنا؟!

- هدىء من روعك يا عم مجاهد.. يمكنك أن تبدأ مشروعًا خاصًا بك بالمكآفأة التي ستُصرف لك في نهاية خدمتك..

- مشروع! مشروع بمبلغ عشرة آلاف جنيه؟! وأنا الآن عمري قد تعدىّ الخامسة والخمسين! ماذا يمكنني أن أفعل بعشرة آلاف جنيهًا في هذا السن؟ يا أستاذ عادل إن راتبي بجانب ما أتحصل عليه من تقديم المشروبات لا يكفي أبدًا إيجار شقة، وفواتير، وكساء، ووجبات بسيطة لي ولزوجتي ولأولادي الثلاث في مراحل تعليمهم المختلفة.. زوجتي تعمل في حياكة الملابس في إحدى الورش.. وابني الأكبر الطالب الجامعي يعمل في وقت فراغه ليشارك في مصاريف البيت ومصاريفه الخاصة. وبالكاد استطعنا أن نعيش ونتعايش بأقل قدر ممكن، دون أي كماليات!

وبعد تسريحي من العمل، من أين يمكنني أن أطعمهم وأكسيَّهم، من أين يمكنني أن أحصل على ما يسدد مصاريفهم المدرسية والشخصية، من أين أتي لهم بمقابل لدروسهم الخصوصية، وأين يمكنني العمل؟!

أَأعتمد على دخل ابني الأكبر ودخل زوجتي البسيط؟ أأعيش عبئًا وعالة عليهما؟ ورواتبهما بالكاد تكفيهم هم على المستوى الشخصي.. كيف يمكنني أن أدير البيت حينئذ؟ كيف؟

وانفجر عم مجاهد في بكاء عنيف وكأنه لم يبكي من قبل في حياته.. ونظر الموظفين المجتمعين في هذه الغرفة إليه ولبعضهم البعض ثم قاموا جميعًا لموآسته:

- يا عم مجاهد فليكن عندك إيمان بالله..

أخرج بعضهم قدرًا من المال من جيوبهم ووضعوه في جيب قميص العمل الأبيض الذي يرتديه عم مجاهد فأخرجه بسرعة من جيبه وأعاده لهم وقال:

- أنا لم أمد يدي في حياتي من قبل لأحد.. أنا لا أتسول.. أريد أن أعمل عمل شريف.. لا أريد أن أتسول!

خرج عم مجاهد خارجًا باكيًا تاركًا هؤلاء الموظفين خلفه قائلًا بصوت خفيض:

- لله الأمر من قبل ومن بعد.. لتكن مشيئتك يا الله!
*****

كانت هذه القصة ذات أثر عميق على قلب مدحت حينما قرأها ثلاث مرات متتالية في عصر اليوم الثاني عشر.. فقد كان حينذاك يمر بضائقة مالية لكنه كان في وظيفة حكومية ثابتة المرتب، ويمكنه أن ينظم حياته وفق راتبه الضئيل.. وأخذ يتصور نفسه إذا ما فقد عمله لسبب ما.. هل سيكون في وضع مشابه لهذا الساعي البسيط الفقير؟

أخرج مدحت النقود المتبقية من الراتب الشهري من محفظته، والتي بالكاد تكفي بتقشفه هذا الذي يسير بمقتضاه إلى نهاية الشهر.. فراتبه الحكومي دون أي دخل إضافي يبلغ 2000 جنيهًا فقط لا غير! لكنه يملك شقته السكنية ويرجع الفضل في ذلك لأبيه الذي بنى لهم ذلك البيت. وقد اتفق مع زوجته على الاكتفاء بهذا الراتب الضئيل في هذه الفترة الحرجة من حياتهم لعل الفرج يأتي مما أعتاد عليه من أبوابٍ للرزق أو من أبوابٍ أخرىّ!

وفي تمام الساعة السابعة، أتصل به الأستاذ نشأت على تطبيق Skype ورحب به قائلًا:

حوار الليلة الثانية عشر

- مساء الخير يا مدحت.. أتمنى أن تكون بأكثر صحة وبهجة في هذا المساء..

- بالتأكيد أنا أفضل حالًا بعدما بدأت أنت معي هذا "الكورس" الممتلأ بالحكمة يا صديقي العزيز..

- وكيف كانت قراءتك لقصة اليوم؟

- لقد أثارت فيَّ، يا صديقي، مخاوفي تجاه العوز والفاقة.. فأنا لا أختلف كثيرًا عن مجاهد الساعي الفقير.. وعملي مُهدد في الدخل مثله تمامًا، وإن أختلف الموقف!

- مبارك يا صديقي ها أنت بدأت تفكر بحرص نحو مستقبل عملك.. وصدقًا لقد تعجبت في بداية حديثك معي حينما أتصلت بي.. فكيف لمدرس لغة إنجليزية بمدرسة ثانوية عامة بمصر أن يتدهور به الحال بهذه الصورة؟

يُمكنك ترك هذه المدرسة التي تشعر أن سُمعتك فيها طالها السوء.. بل يمكنك أيضًا أن تترك مرحلة الثانوية العامة برمتها والتحويل للتعليم الإعدادي، أو الانضمام تحت لواء المدارس الدولية، أو المدارس الرسمية للغات، فالوضع سيختلف فيهم هناك..

- لقد فكرت في هذه البدائل، ولكن لم أكن أملك الشجاعة ولا المبادرة أن أبدأ من جديد في مكان جديد! ولكني أصبحت أكثر بصيرة الآن في كل ما يخصني من أمور حياتية، والفضل والشكر يرجع إليك يا صديقي..

نظر إليه الأستاذ نشأت نظرة تقدير لصديقه وأسعده أن يرى ثمار لجهوده معه، فقال:

- أنا سعيد بك يا مدحت أيما سعادة.. بوركت يا صديقي! ولا بد أن تُحِب وظيفتك، وأن تكون إيجابيًا أنت مع نفسك أولًا، وتتمنى الخير لكل من حولك، وصدقني سينجذب إليك الخير كما لو كان برادة حديد أمام مغناطيس!

يجب على الإنسان يا مدحت أن يجمع حجارة اخفاقاته، أو إمكانياته المركونة أو المُهدرة، ويشيد بهم شيئًا بديعًا يثير إعجاب الناس ويحقق منها ذاته وثروته..

وسأتركك لعقلك وحكمتك وقدراتك على حل المشكلات في التوصل إلى العمل الذي تكتفي منه ماليًا طوال حياتك بعد أن يُعافيك الله من مرضك ومن كل مكروه قد يلم بك..

- شكرًا يا صديقي جزيل الشكر.. وبالطبع لن أكتفي بالتحويل من المدرسة، أو إعطاء المجموعات المدرسية أو الدروس الخصوصية، بل سأفكر في بدائل كثيرة يُمكن لها أن تُدري عليَّ المال، حتى لا أمر بمثل هذه الضائقة المالية مرة أخرى..

والآن جاء الوقت لأخذ منك لمحة عن القصة التالية يا صديقي..

- ستكون عن شابة متزوجة تركها زوجها مع أبنيهما ليسافر إلى إحدى دول أوروبا.. فإلى اللقاء!

- إلى لقاء الغد يا صديقي..



#توماس_برنابا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب شمس الرجاء (12) --- الفصل العاشر --- القصة العاشرة: رجا ...
- كتاب شمس الرجاء (11) --- الفصل التاسع --- القصة التاسعة: رجا ...
- كتاب شمس الرجاء (10) --- الفصل الثامن --- القصة الثامنة: رجا ...
- كتاب شمس الرجاء (9) --- الفصل السابع --- القصة السابعة: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (8) --- الفصل السادس --- القصة السادسة: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (7) --- الفصل الخامس --- القصة الخامسة: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (6) --- الفصل الرابع --- القصة الرابعة: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (5) --- الفصل الثالث --- القصة الثالثة: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (4) --- الفصل الثاني --- القصة الثانية: رجاء ...
- كتاب شمس الرجاء (3) --- الفصل الأول --- القصة الأولى --- رجا ...
- شمس الرجاء (2) --- مقدمة
- كتاب شمس الرجاء (1) ---- رسالة من المؤلف إلى القارئ
- مذكرات ملحد تائب ( 14) ---- الأعضاء البشرية الثلاث الذين في ...
- مذكرات ملحد تائب (13) ---- حينما يكون السالب موجباً!!!
- سلسلة أسأل مجرب ولا تسأل طبيب (17) --- خاتمة
- مذكرات ملحد تائب (12) --- ملخص للربوبية
- مذكرات ملحد تائب (11) ---- مراحل الإلحاد الأثنى عشر
- سلسلة أسأل مجرب ولا تسأل طبيب (16) ---- ختام الأمر كله --- ر ...
- مذكرات ملحد تائب (10) ---- شذرات ملآنة حكمة
- سلسلة أسأل مجرب ولا تسأل طبيب (15) ---- الطب النفسي وعلوم ال ...


المزيد.....




- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - توماس برنابا - كتاب شمس الرجاء (13) --- الفصل الحادي عشر --- القصة الحادية عشر: رجاء الفقراء