أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - الزّهراء - الزّاهرة















المزيد.....

الزّهراء - الزّاهرة


كمال التاغوتي

الحوار المتمدن-العدد: 7564 - 2023 / 3 / 28 - 20:02
المحور: الادب والفن
    


اتفق أن شاهدت منذ زمن مسلسل "الصعود إلى القمة" ( إنتاج 1985)، يروي سيرة محمد بن أبي عامر في طريقه وطُرُقه لبلوغ هرم السلطة في الأندلس زمن الخليفة الأموي الحَكم. ينهض المسلسل على كوكبة من ألمع نجوم السينما والتلفزة في مصر؛ وقد أدى الفنان البارع محمد وفيق دور ابن أبي عامر في حين أدت الفنانة القديرة محسنة توفيق دور الجارية أم الولد صبح. والمسلسل من تأليف الكاتب وليد سيف وإخراج صلاح أبو هنود. وقد شدت انتباهي براعة المنجزين في التقاط ما يجول بالنفس، ووضع المشاهد في خضم مفارقات لا يستطيع بموجبها الحكم على الشخصية فتتجاذبه مشاعر الإعجاب والخوف والحب والكراهية من موقف إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى. هذه الأحوال تتبدل نتيجة العبور من درجة إلى درجة أعلى في سلم صعود البطل، وكل درجة يبلغها لا بد من أن تغادرها شخصية أخرى فتنزل عنها. وبالعودة إلى سيرة الرجل في ما خلفه المؤرخون والأدباء يقف المرء عند جهد المؤلف إذ لم يتصدّ للأمر إلا بعد دراسات شاقة، ليشكل شخصية لا تزال الأنظمة الاجتماعية والسياسية تنتجها. لذلك ارتأيت أن أخطّ هذه الورقة من أجل الوقوف عند شخصية ابن أبي عامر وسبله في استيلائه على القمة.

يقف محمد بن أبي على مشارف الهاوية، فبعد أن استقر له الأمر واستولى على مقاليد السلطة في الأندلس وتخلص من خصومه جميعهم تحلل ملك بني أمية وأصبح اسمهم مجرد رسم من الرسوم. يشتهر هذا الرجل بطموحه غير المحدود وإيمانه العميق بكفاءاته ومهارته في المناورة وانتهاز الفرص. أجل لقد دوّن المؤرخون غزواته وحروبه ضد الأعداء فأبلى البلاء الحسن، لكنهم دوّنوا أيضا مؤامراته ووصوليته فكانت نظيرة الأولى في الإتقان أو تفوقها. لست في معرض الحكم على الحاجب المنصور، وهذه كنيته، وإنما وِكدي الكشف عن الوجه الوصولي في سياسة ابن أبي عامر سواء أكان ذلك في تجميع الأنصار أم في ترسيخ السلطان فشعاره الوحيد "الغاية تبرر الوسيلة". ذلك أنه يشتغل على ثلاثة منافذ أساسية:

أولها العصبية، ففي بداية أمره سعى إلى استفزاز حمية القبائل العربية في الأندلس، لاسيما أن الموالي والصقالبة قد غلبوا عليهم فاستبعدوا عن دار الخلافة وقصرها، مركز القرار السياسي. وقد اتصل بن أبي عامر، وهو بعْدُ طالب علم قادم من حصن طرّش في الجزيرة الخضراء، بأعيان القبائل لأنهم ذوو مال وقوة، واشتغل على العصبية العربية مسترجعا أمجاد الأجداد من الفاتحين منددا بسلوك بني أمية في الحكم أن همّشوا زعماء القبائل العربية وعظماءها خوفا من المنافسة على سدة العرش. إن ابن أبي عامر لا يقدح في الخلافة ذاتها ولا يدعو إلى الخروج عليها ولا يحرّض على الخليفة ذاته، إنما مدار الأمر التحريض على البطانة المهيمنة على أركان الدولة ودواوينها؛ فللصقالبة فتيان القصر المدبّرون لشؤونه وللموالي الحجابة أعظم المناصب في الدولة. ومن هذا المنفذ تمكّن من كسب ولاء أقوياء العرب إذ وجدوا فيه، بعدما أظل زمانه، مطيتهم نحو الولاية. وما كان ليدور بخَلَدِهم أن ابن أبي عامر يبيّت لهم، إذ أنه انقلب عليهم وسار فيهم سيرة من كانوا قبله من بني أمية أن استبعدهم وضيق عليهم وسلبهم أسباب القوة؛ وأحاط نفسه بجنود استقدمهم من عدوة المغرب بل بالصقالبة وشيوخ الموالي ممن أعانوا على المصحفي، الحاجب الأسبق.

ثانيهما العدل بين الرعية، فابن أبي عامر، قبل بلوغه المراتب السنية كان واحدا من العامة وشهد جبروت الصقالبة وظلمهم وانحطاطهم في معاملة الناس في الأسواق. إذ كانوا لا يتوانون عن إهانة "الأحرار والحرائر" من الأندلسيين والأندلسيات، ولا يتورعون عن النهب والسلب معوّلين في ذلك على مكانتهم من الخليفة وامتثال الناس إما خوفا وإما طمعا. على هذا النحو فسحوا المجال لأهل الفسق والفجور فاستفحل الفساد الأخلاقي وتغوّل التجار وانتشرت دور اللهو والمجون. وهذا ما أثار حفيظة الفقهاء في قرطبة لكن دون جدوى. هكذا يلتقط ابن أبي عامر هذه اللحظة، وينفذ إلى قلوب العامة بالضرب على أيدي المارقين حين أصبح صاحب الشرطة، ووطّن نفسه على استقبال بعض من كانوا في صحبته وتزوج من واحدة من بنات التجار فازدادت قلوب الرعية تعلقا به وسطع نجمه. في تلك الأثناء كان سلوكه داخل قصر الخلافة مغايرا، فمن جهة اشتهر بالرياء والنفاق في علاقته بفتيان القصر وشيخ الموالي، ومن جهة أخرى استخدم المحظية صبح أم ولد الخليفة وأغواها مستثمرا شبابه وفتوّته وهداياه الثمينة خاصة بعد أن تولى أمر السكة. ولا يختلف مصير الرعية بعد أن استقر له الحكم عن مصير زعماء القبائل العربية، فقد قلب لهم ظهر المِجنّ، فبثّ بينهم العيون وملأ الأسواق والدروب بجيش جديد من الصقالبة فأمسوا يعدُّون على الناس أنفاسهم. وما زاد الطين بلة انفصاله عن قصر الزهراء بعدما اختط لنفسه قصر الزاهرة ليصبح مركز القرار، في حين بات قصر الزهراء منفى الخليفة هشام وقد حجر عليه.

ثالثهما جهاد العدو الخارجي، فالتاريخ يحفظ للرجل بلاءه الحسن في الحفاظ على قوة الأندلس وسعيه الحثيث إلى توسع حدودها وذلك بالرد العنيف على تهديد ملوك المسيحيين ثغورَ بلاد الإسلام في مرحلة أولى، ومبادرتهم بالمواجهة في المرحلة الثانية. وهو في هذه وتلك شديد البأس حسن التدبير في الشأن العسكري. لقد متّن خروجُه للغزو دفاعا وهجوما وتهاطلُ الوفود الخاطبة ودَّه إما دفعا لشره بهم وإما طلبا لعوْنه على أعدائهم علاقةَ الرجل بالناس، فلم يجد خصومه منفذا إليه. بيد أن غاية صاحبنا تتجاوز تهليل عامة قرطبة إلى محو ذكر غالب الناصري المكنّى بفارس الأندلس، وهو من كبار الموالي. ومن ثمة مزج الحاجب المنصور حاجة العامة إلى "بطل" ورغبته الشديدة في التسلط لتظل الأولى قناعا للثانية.

إن ما كان يقضّ مضجع الحاجب المنصور تمادي العامة في تعلقهم بنسل بني أمية وتنزيههم عن جرائم البطانة الفاسدة، وعلى الرغم مما أنجزه لصالحهم ظلوا على ولائهم المطلق للخليفة الأموي هشام بن الحكم. إن عامة قرطبة يحتكمون إلى نضيد موروث لا يقبلون النزول عنه، فالخليفة – مهما تكن حاله وأعماله – هو ولي الأمر، وليس الحاجب المنصور سوى عون من أعوانه. وسعي ابن أبي عامر إلى تحويل الأنظار عن الخليفة وصرفها إليه تبوء غالبا بالفشل. يكتشف الحاجب عندئذ تعذر الأمر وتعقده ولم يعِ أنه إنما يحاول تحطيم شبكة من الرموز والأيقونات مضت قرون على تشكلها في أذهان الناس ووجدانهم. والبرهان على ذلك أنه حين اتخذ لنفسه في قصر الزاهرة مراسمَ ملَكيةً تفوق ما كان يظهر للعامة في قصر الزهراء، تقلبت القلوب عليه ليس لأنه نكص عن سيرته الأولى في صلته بهم بل لأنهم رأوا أن الخليفة الأموي المعطّل عن أداء دوره أولى منه بهذه المظاهر إذا كان وإياه سواء في البذخ والترف والحرص على بث الرعب في روع من يزور القصر. تأبى قرطبة المعروفة بوعي أهلها السياسي أن تستمر في غض البصر عن عبث الحاجب المنصور وجيشه العامري برموزها، ويأبى الناس فيها أن يكونوا – كما كانوا – أدوات سياسية في يد من لم يأته السلطان عن طريق "شرعي" ولا عن أعمال جليلة تسبقه، إنما هي انتهازية يكرسها نظام سياسي يتهاوى وهيمنة عربية تتبخر في مرجل التاريخ.



#كمال_التاغوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَالِسْتُو
- إبْرِيقُ الشّاي
- طاحونة الهواء
- بِمَ يَحْلُمُ الورْدُ؟ (استرسال3)
- بِمَ يَحْلُمُ الوَرْدُ؟ (استرسال)
- بِمَ يَحْلُمُ الورْدُ؟
- مقام العشق
- وجْهُ الشّنْفَرَى
- أورفيوس
- الجريمة
- امرؤُ القيسِ
- عناوين الحياة
- المَنِيَّةُ
- مزمور أشعياء (2)
- رسم نجمٍ
- وصفوا لي الصّبر
- نافذتي
- الحَظُّ
- مزمور أشعيا
- نشيد


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - الزّهراء - الزّاهرة