أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - جلبير الأشقر - أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا














المزيد.....

أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7551 - 2023 / 3 / 15 - 10:51
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كانت من أسمى البشر بشجاعتها وكفاحيتها، ومن أرفع الأوجه التي مثّلت النضال التحرري في منطقتنا عندما بلغ أعلى قممه حتى الآن خلال «الربيع العربي». وُلدت في عام 1964 في بلدة قربة على الساحل التونسي في ولاية نابل. واجتمعت فيها القوى البدنية والذهنية، فكانت في سنواتها المدرسية رياضية من الطراز الأول بما جعلها تنتمي إلى الفريق الوطني في ألعاب القوى (تميزت في العدو والقفز) كما كانت تلميذة بارعة انتقلت من المدرسة إلى كلية الطب بتونس حيث استكملت دراستها بتخصص في طب نفس الأطفال والمراهقين. وقد أصبحت بدورها لاحقاً أستاذة في حقل تخصّصها وطبيبة بارعة تولّت رئاسة قسم طب نفس الأطفال والمراهقين في مستشفى المنجي سليم بمدينة المرسى.
اسمها أحلام بالحاج، وقد عاشت وفية لاسمها لم تفارقها أحلام التحرّر وتغيير العالم منذ صغرها. فقد ولجت النضال النقابي ومن ثم السياسي في شبابها، ونشطت في سنواتها الجامعية في الاتحاد العام لطلبة تونس الذي كان أحد أركان النضال الديمقراطي ضد نظام الحبيب بورقيبة السلطوي. كما اعتنقت قضية التغيير الثوري منذ تلك الفترة ونشطت لبضع سنوات في صفوف اليسار التونسي. وقد استمرت تنشط في الحقل النقابي فأصبحت الكاتبة العامة للنقابة العامة للأطباء الجامعيين والاستشفائيين، المنتمية إلى الاتحاد العام التونسي للشغل.
أما الحقل النضالي الذي بلغ فيه نجمها ذروته فهو النضال النسوي. انتمت أحلام بالحاج إلى الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وأصبحت رئيسة الجمعية مرة أولى في عام 2004 ومرة ثانية في عام 2011. وبتلك الصفة لعبت دوراً بارزاً في أحداث الثورة التونسية التي أطاحت بدكتاتورية زين العابدين بن علي في عام 2011، وعلى الأخص في المناقشات التي مهّدت لصدور دستور جديد لتونس خلال السنتين اللاحقتين. فقد ناضلت مع سائر النسويات من أجل أن يكفل الدستور المساواة في الحقوق بين النساء والرجال وضد المحاولات التي رمت إلى تكريس التباين في الحقوق والواجبات من خلال الحديث عن «تكامل» الأدوار في إطار العائلة. وقد تصدّت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات برئاسة أحلام بالحاج لتلك المحاولة ونظّمت تظاهرة كبيرة يوم «عيد المرأة» بتونس في 13 أغسطس/آب 2012، بما أدّى إلى إحباط المحاولة. وهكذا جاء دستور الجمهورية التونسية الصادر في عام 2014 أكثر تقدماً بكثير في صدد حقوق النساء (وغيرها من الحقوق الديمقراطية) من كافة الدساتير التي عرفتها دول الجامعة العربية حتى يومنا.


فقد جاءت المادة الأولى (الفصل الأول، بالتسمية المستخدمة في تونس) في الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق والحرّيات، وهي «الفصل 21» من الدستور، تضمن المساواة بين الجنسين بالتعابير التالية: «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم». وقد نصّ «الفصل 40» في الباب ذاته على أن «العمل حق لكل مواطن ومواطنة، وتتخذ الدولة التدابير الضرورية لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف. ولكل مواطن ومواطنة الحق في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل».
كما جاء «الفصل 46» يضيف ما يلي: «تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها. تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات. تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة. تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة».
ومن الجدير بالذكر أن حاكم تونس الجديد، قيس سعيّد، لم يتجرّأ على المساس بنص هذه المواد الدستورية، فأبقاها في الدستور الجديد الذي أصدره في العام الماضي، بل وادّعى المضي قدماً على الدرب ذاتها بعد انقلابه على البرلمان التونسي، من خلال تعيينه امرأة لرئاسة الحكومة التونسية، وهي بادرة جيدة بذاتها، لاسيما أنها المرة الأولى التي يجري فيها تعيين امرأة في هذا المنصب في المنطقة العربية، بالرغم من أن كامل السلطات بيد سعيّد ويكاد دور أعضاء حكومته يقتصر على تنفيذ التعليمات التي يلقيها عليهم بصورة مسرحية وكاريكاتورية أمام كاميرات «التلفزة الوطنية التونسية».
وسوف يبقى اسم أحلام بالحاج مرتبطاً بالخطوة الكبرى إلى الأمام التي تحققت في تونس في مجال الإقرار الرسمي بحقوق النساء. لكنّها لن تستطيع أن تواصل بنفسها المشاركة في النضال النسائي وسائر النضالات الديمقراطية والتحرّرية: فقد وافتها المنية يوم السبت الماضي بعد طول صراع مع مرض خبيث، وهو صراع انضاف عبؤه العظيم إلى الأعباء التي تحمّلتها أحلام بالحاج بوصفها أم لولدين، اضطرت إلى تربيتهما منفردة بعد اضطرار زوجها، جلال بن بريك الزغلامي، إلى العيش بالمنفى في ظل حكم بن علي، وناشطة قيادية في الحقلين النقابي والنسوي.
فارقتنا أحلام، ويا لها من خسارة عظيمة ومفجعة، لكنّ أحلام التحرّر وتغيير العالم باتجاه العدالة والمساواة، التي ألهمت حياتها النضالية وشجاعتها التي قلّ مثيلها، هذه الأحلام لن تفارقنا، عسى أن تبقى ذكرى أحلام بالحاج مقرونة بها لدى الجيل الجديد والأجيال القادمة.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دروس المحنة التونسية
- في المقارنة بين أفعال الصهاينة وأفعال النازيين
- بين الرعونة الروسية والعجرفة الأمريكية
- الاشتراكية والاستعمار والاستشراق
- أطلال مصر ازدادت في عهد السيسي
- سوريا والكارثة المستمرّة
- الصهيونية والفاشية ومستقبل فلسطين
- تحية إجلال ثانية لرئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة
- العراق ولعبة إلهاء الجماهير
- سنة جديدة في منطقة على كفّ عفريت!
- حان لذلك «الغضب الساطع» أن يصل!
- حكومة نتنياهو الجديدة وحقيقة الصهيونية
- تونس: «الشعب لا يريد تأييد النظام!»
- عندما يُرفع الرأس بكرة القدم…
- السودان: الطغمة العسكرية تتعلّق بخشبة خلاص
- «هبّات عا مدّ النظر»…
- في التفجيرات والمؤامرات والمناورات
- الفاشية الصهيونية وزملاؤها العرب
- مصر: تغيير المناخ السياسي أولاً!
- إيران ومعضلة إسقاط الأنظمة الاستبدادية


المزيد.....




- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟
- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-
- شوفوا الفيديو على قناتنا وقولولنا رأيكم/ن
- دراسة تكتشف سببا غير متوقع وراء الرغبة الشديدة في تناول السك ...
- تجدد حملة القمع ضد النساء في إيران من قبل شرطة الأخلاق بسبب ...
- سوريا.. انتهاكات وقتل جماعي في مراكز احتجاز
- جانيت.. طفلة سودانية رضيعة تعرضت للاغتصاب والقتل في مصر


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - جلبير الأشقر - أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا