أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم لفته جبر - علم الجمال الطبي














المزيد.....

علم الجمال الطبي


كاظم لفته جبر
كاتب وباحث عراقي

(Kadhim Lafta Jabur)


الحوار المتمدن-العدد: 7549 - 2023 / 3 / 13 - 17:17
المحور: الادب والفن
    


ترتبط التجربة التي يخوضها المتذوق في الجمال بالمعرفة التي يمتلكها، وأن المعرفة الجمالية تعتمد على الإدراك الحسي ، وان التفاعل مع الموضوعات الجمالية يتم من خلال الأدوات الحسية ، وهذا ما أشار إليه ابن (منظور ) بقولة : أن التذوق يكون بالفم أو بغيره ، لذا يمكن عد الجسد الإنساني كتلة حسية تتغذى على الملامسة ، لكن الفلاسفة فضلوا في أن يجعلوا لكل معرفة قناة خاصة للإدراك ، وهذا ما أشار إليه (أرسطو) بقوله : (من فقد حساً فقد الإحساس بمدارك ذلك الحس ). وعلى هذا فرق (نيتشه) بين نوعين من النشوة التي يحصلها الإنسان المتذوق من الفنون الجميلة : ابولونية (عقلية) تثأر من خلالها العين ، مثل الرسام والنحات ، وديونيزوسية ( حسية ) تثير من خلالها وسائل الإحساس وتهيج دفعة واحدة في التحول والمحاكاة ، مثل الكوميديا .
وبما أن الذائقة الجمالية لدى الإنسان تعتمد على الحواس في خوض التجربة الجمالية ، فإن اي تأثر أو فقدان بتلك الحواس ، يسبب نفياً للمعرفة الجمالية . ومن اهم عوامل الفقدان التي تتعرض لها اعضاء الإدراك الحسي تتمثل بالمرض أو الفقدان للحاسة . لذلك نرى ضرورة البحث في علاقة الجمال بالأمراض والأوبئة التي تسبب نفياً لذائقتنا الجمالية ، وفقدان للمعرفة الحسية .
ويمكن تعريف (المرض ) : بأنه كل ما خرج بالكائن الحي عن الصحة والاعتدال من علة ، أو نفاق ، أو تقصير في أمر . فالمرض متعدد، مره يكون جسدي ، وأخرى يكون نفسي ، اذا ارتبط المرض بالنفس كان شكاً ،او نفاقاً ، أو حسداً ، أما إذا أصاب الجسد كان الفقدان ، وإن الذائقة الجمالية تعتمد على الإدراك من خلال الحواس في تكوين الصورة الحسية للجميل والاستمتاع به نفسياً ،وهذا ما أكده الفيلسوف الإنجليزي (هيوم ) أن التذوق وسيلة لتميز بعض خصائص الأشياء من خلال الحواس الخمسة . أما وظيفة المتذوق فقد بينها (هايدجر ) بقوله : بأنها تتمثل في إعادة انتاج الرؤية الإبداعية للموضوع الجمالي . لذلك تعتمد عملية التأمل للجميل على الإدراك الحسي ، والتي بدورها تتحرك من خلال بواعث غريزية ونفعية .
لذلك سلامة الأدوات الحسية جزء من فهم ووضوح الصورة الجمالية لدى المتذوق ، فغياب الإدراك الحسي يعني غياب المعرفة الجمالية ، والعيش بأوهام القبح دون الإحساس بلذة الحياة وزينتها ، فالصحة جميلة وخيره ، والمرض قبيح وشر، وهذا ما بينه الفيلسوف الإسلامي ( ابن مسكوية) عن أرسطو ، وأكد عليه سقراط من قبل بأن الشيء الجميل هو ما يؤدي وظيفته على أكمل وجه . فالمعرفة الجمالية هي معرفة يشترك في تكوينها الحس والفهم كما يرى (كانت) ، وأن عملية التجريد التي يقوم بها الذهن للبينات الحسية التي تستورد من الحواس ، ترتبط بسلامة العضو وصحته .
وعلى الرغم من أن يبدأ كل شيء مع الانطباع الحسي ، فمن الضروري أن تمر هذه المعلومات بسلسلة من العمليات العقلية ، وبما ان الواقع متغير ، فإن الاحتفاظ بمعرفة الأشياء ، يعتمد على الجمع بين الخيال والذاكرة ، وإن هذا يتم من خلال الانطباعات التي تدركها الحواس لصفات الأشياء وتحولاتها ، فتتكون لدينا فكرة عامة وشاملة عن الاشياء .
لذلك تكوين المعرفة المكتسبة من خلال العمليات الإدراكية تعتمد على صحة البدن ، ونقاء الإحساس ، فكل اعاقة أو مرض فايروسي يضرب حاسة من الحواس هو فقدان لتلك اللذة والمعرفة المرتبطة بها بحسب ارسطو ،لكن ( افلاطون) يرى المعرفة بأنها تذكر، فهل المرض أو الاعاقة للحواس لا يستوجب نفيا للمعرفة الجمالية ، لكون الفرد يحتفظ بصورة ذهنية عن طريق المعرفة المكتسبة . نرى من المكن هذا الأمر ينطبق على من فقد حاسة جراء مرض فايروسي مؤقت أو إعاقة دائمة ، لكن يبقى الأمر أكثر صعوبة على الإنسان عندما يكون المرض ،او الاعاقة منذُ الولادة . فيمكننا التساؤل : كيف يمكن لهذا الشخص تكوين معرفته عن الاشياء الخاصة بهذه الحاسة المفقودة ،هل الحواس الأخرى كافية لتعويض المعرفة التي فقدت ؟.
بما أن الإنسان يمتلك حواسا خمسة تتعدد مهمتها ،و في أكثر الأحيان نحتاج جميع الحواس لمعرفة شيء معين والأستلذاذ به ، فنعرف شكله من خلال العين، ونتأكد من ملمسه من خلال اليد ، ومذاقه من خلال اللسان ، وصوته من خلال الأذان ، ورائحته من خلال الأنف ، فكل تلك الأدوات الحسية تجتمع من أجل توصيل صورة كاملة وواضحة للذهن لغرض اختيار الاستجابة التي تلائم الموضوع الخارجي وحفظة في الذهن ، لذلك يمكن الاستعاضة بالحواس الأخرى لغرض تكوين صورة عن الموضوع ، وتبقى العين هي المصدر الرئيسي لمد الحواس الأخرى بالصور الحسية ، لكن قد تكون خيالية بعض الشيء ، ولنا في الصمم الذي أصاب بيتهوفن في أواخر أيامه مثلاً لم يمنعه من تأليف السمفونية التاسعة .
أما المرض النفسي فتجده ذا تأثير كبير على فهم وتكوين الصورة الجمالية من خلال ظهور اللاشعور أو المكبوت في اللاوعي إلى الواقع ، فالرغبة المكبوتة هي المصدر في تحديد صورة الشكل وليست الأدوات الحسية ، وهذا ما أكده ( كروتشه) بقوله : عندما نشاهد لوحة قد تستثير في نفوسنا ذكريات طيبة ، لكن اللوحة قد تكون قبيحة من الناحية الفنية ، أو العكس من ذلك ، قد تكون جميلة فنياً ، ولكنها تترك أثرا بغيضا على النفس ، لذلك الرغبات المكبوته في نفس المتذوق للموضوع الجمالي هي من تشكل صورة اللذة الجمالية ، لذلك المرض النفسي يعيق العمليات العقلية ويوهمنا بصور لانطباعات مكبوتة تختلف عن غاية الموضوع الخارجي وصورته ، لذلك كان الفن تطهيراً وشفاء للشر والأمراض التي تكمن فينا ، لذلك قد يكون المرض نفياً للجمال ، إلا أن معالجة تلك الأمراض لا تتم إلا من خلال الفن ، لذلك يمكن دراسة الأمراض والأوبئة من الناحية الجمالية لغرض بيان الإعاقة التي تقف بوجه تكوين المعرفة الجمالية ، والأسباب التي أدت إلى فقدان الحس الجمالي لدى الأفراد وتقديم المراجعة التي يمكن الاستفادة من دراسة لغرض تقديم المعالجة الجمالية .



#كاظم_لفته_جبر (هاشتاغ)       Kadhim_Lafta_Jabur#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطنة وحق الاحتجاج
- المواطنة والعقيدة
- المواطنة والثقافة
- الفرد الايديولوجي (بين السياسي والديني )
- الجمال الطبقي
- ممارسة اللاوعي
- هل اصبح الدين متوحداً في ضل تقدم العقل الإنساني
- هل اصبح الدين متوحداً في ظل تقدم العقل الإنساني
- السلطة بين العقل والعاطفة
- التمذهب والوطنية
- الفن والطقوس الدينية


المزيد.....




- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”
- المجتمع المدني بغزة يفنّد تصريح الممثل الأوروبي عن المعابر و ...
- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم لفته جبر - علم الجمال الطبي