أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم رمزي - رشيدة ... التي كانت ..‏















المزيد.....

رشيدة ... التي كانت ..‏


إبراهيم رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 7549 - 2023 / 3 / 13 - 15:13
المحور: الادب والفن
    


مشيتها ثقيلة ومتعبة، فرضتها زيادة وزنها وترَهُّلُها .. ولعلها لجأت ـ بعد فوات الأوان ـ إلى عمليات: شفط الدهون .. وشد ‏الأعضاء .. والنفخ بالبوتوكس .. لكنّ الظاهر أن العنق قد صار إلى تضخم غير مرغوب فيه .. والوجه ـ رغم المساحيق ‏والماكياج ـ قد عرف تهدل الخدود على الحنَكَيْن، واتّساع حلقة التجاعيد أسفل العينين ... أما النظر فيبدو أنها تستعين بعدسات ‏لاصقة، تحايُلاً لتخطِّي السن الحقيقي ... ومع ذلك تبدو نظراتها زائغة لا تكاد تستقر على شيء محدد .. تستعين في خطوها بعكاز ‏من الألومنيوم الخفيف. تلف ساقيها بلفافات خاصة تحجب الدوالي الناتئة، ذانك الساقان اللذان كانا يلهبان خيال المحترقين بجمالها، ‏فكانا من مصادر فخرها وكبريائها، وتعاليها على قريناتها والمتقرِّبين إليها .. مرّت بالقرب منه ترافقها فتاة مراهقة، قدّر أنها ‏حفيدتها، نفس السن التي عرفها فيها منذ زمان، حين كانت ملهمة أحلامه. لكنْ ذبُل الجمال فلم تبق منه حتى "حروفه"*.‏
في لحظة قصيرة اختلج قلبه وقد عرفها، .. يبدو أنها لم تبال به، عمدا، أو بفعل الخرف .. والمؤكد أنها ستنكره ـ دون شكٍّ ـ لتغيّر ‏صورته، بسبب ما اعتلاه من مؤثراتِ شيخوخةٍ صارت له رداء مؤبدا، وليس رداء تنكّريا يخلعه وقتما يشاء .. لكنه قبل أن ‏يستسلم لعسل الذكريات، رثى لحالها، ولحاله أيضا، مع شيء من الاستغراق في اللامبالاة والأسى المكتوم، .. ‏
كانت فترة "تقارُبٍ" قصيرة، سرعان ما أعقبها الانقطاع والتجافي .. جاءت إلى مرسَمه عقب طلبه لـ"موديلات" تكون موضوع ‏رسمه .. في أنفها بعض الخنس. عيناها واسعتان بيٍّنَتا الاحورار. قامتها تميل ـ نِسْبِيّا ـ إلى الامتلاء والقصر .. كانت في قمة نزق ‏الشباب .. مرحة ساذجة .. منطلقة الكلام .. بعيدة الأحلام .. غِرَّة الرؤى .. بدون أي تجربة يمكن أن تميز شخصها .. ‏
عندما تتحدث تتمايُل برأسها .. أو تضرب بيدها على فخذها إن لم تجد قربها طاولة أو جسما مسطحا .. كانت تُرفِق كلامَها ‏بحركات من أصابعها كأنها تقلد لغة الإشارات عند الصم البكم .. وقد تتوقف فجأة عن متابعة كلامها حتى تعبَّ رئتاها كمية من ‏الهواء، تجدّده بعد كل زفير .. أما تلاعبها بملامح وجهها وسهام "نظراتها" فأمر خارق لا يمكن وصف سحره وتأثيره فيمن تنظر ‏إليه، بتلوينات كثيرة: .. تساؤل .. حيرة .. عتاب .. إغراء .. إهمال .. كبرياء .. سخرية .. بلاهة .. حزن .. محاصرة .. اتهام .. ‏اختراق .. ‏
غابت عنه مدة .. ثم جاءت تخبره بخطبتها إلى شاب بإحدى المدن الشاطئية. ولا شك أن الشاب أغرم بجسدها ـ رأس مالها ـ وهي ‏تسبح أمامه. قالت: إن الخطبة دامت لفترة قصيرة .. أعقبها الفسخ مع انتهاء العطلة الصيفية .. علق ساخرا: أرجو ألا تكوني قد ‏ضيعت اللبن.‏
طلبتْ منه أن يُسمِعها تسجيلات بعض الأغاني العاطفية التي كان ـ إذا انتشى ـ يدندن ببعض مقاطعها .. فاقتنى لها بعض ‏الأشرطة من "محل تسجيلات".. فصارت من زبناء المتجر الأوفياء .. تتردد عليه بلا انقطاع .. وانتهى بها المطاف إلى الزواج ‏بصاحب المتجر. فأصبحت الزوجة والمساعدة في التسيير .. وبذلك وضعت رجلها على أول درجات التجارة .. إذ أنها بعد بضع ‏سنوات أصبحت القيِّم على حمام نسائي .. ثم استقلّت بافتتاح متجرها الخاص بالملابس العصرية النسائية .. ‏
نادرا ما كان يمر بالشارع الذي به متجرها .. فلا ضرورة تدعوه للتجول بهذا الحي من المدينة، رغم أهميته وشهرته، .. ثم رأى ـ ‏في إحدى المرات ـ المتجر مغلقا، يعلو الغبارُ أسَرِيَّتَه وجنباتِ بابِه الزجاجي .. وتحت الباب تبدو مجموعة من إشعارات الأداء، ‏والرسائل، مما يدسه الجباة، وسعاة البريد .. وعلم من (راديو المدينة*) أنها متورطة في شبكة دعارةٍ واتجار في البشر. شك في ‏الأمر .. ولكنّ شكّه لم ينْعتِقْ من الربط بين الحمام ومتجر ألبسة الموضة.‏
استجاب لدعوة أحد أصدقائه، الذي أقام حفلا عائليا بإحدى دور الضيافة، .. كان حفلا شيقا، فكان مناسبة لإحياء الذكريات .. إذ ‏جمع عددا كبيرا من الأهل والأصدقاء .. كما تميز بالأطعمة المتنوعة .. والفواكه الطازجة .. والحلويات اللذيذة .. والموسيقى ‏الصادحة .. والقهقهات العالية .. ‏
كان الجوق يشنف الأسماع بمقطوعات شعبية .. وحين يتوقف، تبدأ "الشيخات*" رقصاتهن .. يغنين ويغازلن المدعوين ‏والمدعوات، لاستدرار كرمهم، وجمْع أكثر ما يمكن من "غْرَامَة*"، تترأسهنّ "رشيدة" التي كانت ملهمته.‏
كانت مقرفصة خلف "صينية*" تدس تحت الثوب الحريري الأخضر الذي يغطيها، كل "غرامة" تأتي بها شيخة، ولا تنسى أن ‏تعطي بعض "التوجيهات" كالحث على ترديد مقطع غنائي معين، وتضمينه "اسم، أو لقب" المتبرع لهن، إغراءً له على "إعادة ‏فتح محفظته". فيتعمَّد إشهارَ الورقة المالية حتى تُرى وتُعرف قيمتُها، لتكون "جوازا" لِمَا تكافيء عليه الشيخةُ بإتاحة لمْس إحدى ‏المناطق الحساسة من جسدها حينما يدسّ ـ بها / بينها ـ الورقة.‏
انزوى بعيدا .. كأنه يهرب من ماضيه .. أو يخاف التقاء نظراتهما، فيتسبب في "إحراجها"، لانحدارها المتدني الملتبس إلى ‏‏"ميدان" غير ذاك الذي كانت تتطلع إليه. ‏
ولعله "اختيار مفروض"، مما زينته لها أوهامها، وملائم لتطلعاتها المكسبيّة، ولما أشيع عنها. فنكوصها ومناورات الحصول على ‏المال ـ بدون عسر ملحوظ ـ يعوّض لها ما أضاعته في حياتها بطموحها المندفع، وها هي تتقلُّب علُوًّا وانخفاضا .. رِفعةً ‏وانحطاطاً .. ‏
ابتسم وهو يتذكر صورا من الماضي، حينما كان يستثيرها في الكلام حتى تردِّد كلماتٍ معيّنةً، غنية بلثغتها المحببة إليه. كما ‏تذكَّرها وهي تعضّ صنف التفاح المفضل عندها، والذي كان يُغْدِقُه عليها، .. كانت تلتهمه بشَرهٍ ونشوة .. بينما عيناها تشعّان ‏تلذذا، وعرفانا، .. ومع ذلك كان يتعفف أن يقطف من "تفاحها" شيئا .. كان يكتفي باستلهام صورتها الراقصة في مروج الوهم ‏والخيال .. ليضفي ملامح الخلق والإبداع والإشراق والشاعرية على مكوِّنات لوحاته.‏
‏02/03/2023 ‏

‏* من المثل المغربي (إلى مْشَى الزِّينْ تـ يَبْقَاوْ حْرُوفُو): إذا ذبل الجمال تبقى آثاره شاهدة عليه.‏
‏* تعبير يدل على تناقل الإشاعات بين الناس ـ بالزيادة والنقصان ـ، دون عناء التأكد من صحتها.‏
‏* غُرْم، (مشرقيا: نقطة).‏
‏* طبق كبير من فضة أو نحاس ـ في الغالب يكون مستديرا ـ. وفي المغرب تخصَّص الصينية أساساً لإعداد الشاي وأوانيه.‏
‏* فنانة شعبية. (مشرقيا: عالمة)‏



#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب النجوم
- لحظة حميمية
- ‏«مَدَام ‏Madam‏»‏
- الإجهاض
- حرق
- سنذهب جميعا إلى الجنة
- تفاهة
- تشاؤم وتفاؤل
- لحظات شاردة
- مصور فوتوغرافي
- سورة الطيران
- تذكر المواطن
- حزن وضحك
- إجهاض دجاجة
- استراحة برلمانية
- صندوق
- شروط مرشح
- برنامج انتخابي
- التَّبْوِيقَة *
- لصوص الكتابة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم رمزي - رشيدة ... التي كانت ..‏